ما هي قصة الغلام والأخدود ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ولهذا يقول المفسرون في قوله تعالى : (( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، فهدول الملكين ربنا أنزلهم في زمن كان انتشر السحر عند الملوك ويستخدمون السحرة كما جاء في قصة الغلام مع الساحر معروفة هذه القصة في صحيح مسلم .كان هناك ملك مستعبد لشعبه وشعر بأن الساحر الذي كان يستعين به على استرقاق شعبه أسن وشاخ ؛ فهو يريد بديله فأمره أن يختار له غلاما من الشعب ذكيا لكي يكون خليفته من بعده ؛ فاختار غلاما ، فكان هذا الغلام يخرج كل يوم صباحا من بيته إلى الساحر يتعلم منه السحر؛ فذات يوم وقع بصره في الطريق على راهب في صومعة منزوية عن الطريق فحول إليه فكلمه الراهب فأعجبه كلامه ووجد له حلاوة في قلبه ؛ فصار كل يوم يتردد على هذا الراهب صباح مساء ؛ فإذا خرج من دار أبيه صباحا حول عليه وتأخر بمجيئه إلى معلمه الساحر فعاقبه وضربه ليش تأخرت ، وحينما ينصرف من الساحر ليعود إلى دار أبيه حول إلى الراهب فتأخر عن الدار فضربه الوالد ، وهكذا هو بين الضاربين ذات يوم خرج كعادته من بيته ويمشي في الطريق وإذا الناس والطريق واقف والناس واقفون هيك وهيك ، أطل وإذا أفعى قطعت الطريق على الناس ولا أحد يتجرأ على السير فرفع الغلام يديه ودعا وقال: ( اللهم إن كان الراهب على حق فاصرف عنا هذه الآفة ) فما كاد يتم كلامه إلا وانصرفت الأفعى وانتبه الناس الذين حوله واعتقدوا وكما تعرف يومئذ الناس يعني يعتقدون بهذه الأشياء كثيرا وصاروا يتبركون فيه ؛ وشاع خبر هذا الغلام وعند الملك وزير أعمى بلغه خبر هذا الغلام المبارك فأرسل إليه أو جاء إليه وقال له عافني أو اشفني ، فقال له: ربك الذي هو يعافيك لكني أدعوا لك ربي أن يعافيك فدعى له فشفاه الله ورجع بصيرا ؛ لكن هذا الشفاء العاجل كان مربيا للوزير ومذكرا له بضلال ملكه الذي كان مستعبدا له ولمن دونه فصار يعبد الله وحده لا شريك له ؛ فلما دخل على الملك ورآه بصيرا سأله عن السبب ؟ قال ربي عافاني ؛ فعرف الملك بأنه كفر به فسأله فدله على الغلام وهنا كان الراهب أوعز إلى الغلام بأنك ستبتلى بي فإذا سئلت عني فلا تخبر ؛ الملك لما شاف الوزير تبعه كفر به وآمن بربه بعد أن عاد بصيرا فقتله لكن بعد أن سأله من أين هذا ، فقال له من الغلام ، أرسل وراء الغلام واستجوبه واستنطقه صارحه بأن الله عز وجل هو الذي شافاه ؛ فعرف الملك أن الغلام هو سبب إضلال الوزير تبعه ؛ فأمر بقتله بطريقة غريبة جدا وهي أمر الجند أن يأخذوه إلى أعلى قمة جبل ويرموه من أعلى الجبل إلى الأسفل فيموت شر ميتة ؛ فصعدوا ولما هموا بقذفه قال: " اللهم اكفنيهم كيف شئت " فاضطرب الجبل من تحتهم فوقعوا جميعا هلكى موتى وهو مشى كأنه يمشي في سهل حتى وصل إلى الملك ، استغرب الملك ، وقال له: ربي كفاني شرهم ؛ فأمر جندا بأن يركبوه في قرقور " سفينة صغيرة " وأن يتوسطوا به البحر ثم يقذفوه في البحر ؛ فأخذوه ولما هموا بقذفه قال: " اللهم اكفنيهم كيف شئت " فاضطرب المركب أو القرقور فوقعوا جميعا في البحر ورجع هو يمشي إلى الملك ؛ فانغاض الملك جدا وعرف أنه ليس له سبيل إلى قتله ، وصارحه الغلام بذلك فقال له لن تستطيع الوصول إلي إلى قتلي إلا إذا فعلت ما آمرك به، الغلام الآن يحكي من فوق يتعالى على الملك ، إلا إذا فعلت ما آمرك به ، قال له ماذا ؟ قال تدعدوا الناس لميعاد يوم عظيم وتضعني على الخشبة ثم تأخذ سهما من كنانتي وتقف بعيدا عني وترميني به وتقول: " بسم الله رب الغلام " فإذا فعلت ذلك قتلتني وإلا فلا سبيل لك إلي ؛ فأعلن الملك ذلك واجتمعت الأمة في ساحة كبيرة جدا ونصبوا الغلام على خشبة ووقف الملك أمامه واستل سهما من كنانته ثم وقف بعيدا عنه ورماه بسهم قائلا: " بسم الله رب الغلام " فأصابه في صدره فوضع يديه هكذا ومات ؛ لكن الشعب لما سمعوا الملك يقول: بسم الله رب الغلام. كفروا به وآمنوا بالرب سبحانه وتعالى ؛ وهنا أدرك الملك مكر الغلام به وأنه بفدائه بنفسه فدى شعبه من الإيمان به وإلى الإيمان بربه تبارك وتعالى ؛ هنا بقى جاءت قصة الأخدود فحفر الأخدود وأوقد النار وجاء دور امرأة تحمل صبيا لها فلما أوقفت بجانب النار ضعفت طبيعتها كأم وقال لها الغلام اصبري يا أماه ، فقذفت نفسها ، وهنا جاء قوله تعالى : (( قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود )) فالشاهد في قصة هاروت وماروت كانت الملوك يومئذ يستعينون بالسحرة ، وربنا عز وجل أنزل الملكين ليجعلوا علم السحر علما عاما يعرفه الشعب برمته حتى يعرفوا أن هؤلاء السحرة ما عم يجيبوا شيء فوق طاقة البشر إنما عم يختصوا بعلم دون سائر البشر فلما عرفوا بطريق تعليم الملائكة أو الملكين لهما طريق السحر صاروا ما عاد ينغشوا بسحر السحرة فنجوا من كيدهم ومن ضلالهم ؛ هذا هو السحر في الغالب يعني عبارة عن تخيل ؛ لكن إذا تعاون شيطان الإنس مع شيطان الجن كان تأثيره أشد وضرره أكبر أي نعم .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 257
- توقيت الفهرسة : 00:21:19
- نسخة مدققة إملائيًّا