هل يجوز إحداث قول لم يقل به السلف ؟
A-
A=
A+
الشيخ : بأن يرجّح قولا من هذه الأقوال ، وهنا يأتي الجواب مباشرة على السّؤال ، يجب أن يرجّح قولا من هذه الأقوال ولا يجوز له أن يحدث هو من عنده قولا جديدا لم يسبق إليه ، فليس للمتأخّرين أن يبتدعوا أقوالا جديدة في تفسير بعض الآيات الكريمة ، وقد فسّرها السّلف ولو بأقوال عديدة ، فعلينا فقط نحن ، أن ننظر ونمعن النّظر ، أو ننعم النّظر في هذه الأقوال فهي ستكون على حالة أو صورة من صورتين ، أن تكون من باب الاختلاف المتعارض الّذي لا يمكن التّوفيق بينها كلّها ، يلجأ إليه في هذا التّرجيح هي السّنّة ، نضرب على هذا مثلا قوله تعالى (( والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء )) إذا رجعنا إلى كتب التّفسير ، سنجد اختلافا فعلا , منهم من يقول القروء جمع قرء وهو الحيض ، ومنهم من يقول هو الطّهر ، فلا بدّ والحالة هذه من ترجيح ، لأنّه لا يمكن التّوفيق والرّاجح الّذي في ذهني هو أنّ القرء هو الحيض ، نأتي لمثال آخر ، أيضا فيه أقوال كثيرة (( اهدنا الصراط المستقيم )) هذه الآية الكريمة الّتي نقرؤها في كلّ ركعة من كلّ الصّلوات (( اهدنا الصّراط المستقيم )) اختلفوا كثيرا في بيان الصّراط المستقيم فمن قائل الصّراط المستقيم هو الإسلام ومن قائل الصّراط المستقيم هو السّنّة ، ومن قائل وهذا أغرب ما يظهر في التّفسير هو الغسل من الجنابة ، الصّراط المستقيم هو الغسل من الجنابة ، فإذا هنا تعارض ، لكن هذا التّعارض كما يبدو بداهة ليس تعارض تضادّ وتنافر ، وإنّما هو كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله هو من اختلاف التّنوّع وليس اختلاف التضادّ ، فيؤخذ من هذه الأقوال المختلفة في تفسير مثل هذه الآية ، المعنى الأعمّ الأشمل الّذي يتناسب مع الآية الكريمة (( الصّراط المستقيم )) ، (( اهدنا الصّراط المستقيم )) فإذا فسّر بالإسلام دخل فيه السّنّة ، ودخل من باب أولى الوضوء والطّهارة والغسل والجنابة وكلّ ما جاء به الإسلام فإذا هذا ليس تفسير تضادّ وإنّما هو تفسير تنوّع ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا ، أنّ الّذي يفسّر مثلا الصّراط المستقيم بالغسل من الجنابة يكون تفسيره من باب التّمثيل ، كمثل مثال يضربه ، وليس من باب التّفسير للنّصّ العامّ في القرآن الكريم (( اهدنا الصراط المستقيم )) يعني الصّراط المستقيم فقط هو الغسل من الجنابة , لا. وإنّما يكون قد صدر منه هذا بمناسبة مثال يقدّمه للّذين يسمعون نصيحته أو موعظته ، فيأتي كأنّه يفسّره تفسيرا لفظيّا للصّراط ، وليس الأمر كذلك ، ولهذا نقول لا بدّ من الرّجوع إلى العلماء المتخصّصين في التّفسير فإن ذكروا أقوالا عن السّلف من صحابة وتابعين وغيرهم هذه الأقوال ظاهرها التّناقض والتّعارض ، لكن حقيقتها أن لا شيء من ذلك ، لأنّها كلّها تلتقي مع الكلمة أو مع التّفسير العامّ الأشمل ، كما ذكرنا آنفا في المثال (( اهدنا الصراط المستقيم )) ، وإذا اختلفوا كما اختلفوا في تفسير القرء ، فهناك ينبغي للعالم وليس لأيّ شخص آخر ، أن يلجأ إلى التّرجيح قول على قول ، وحينئذ فلا يجوز له أن يأتي بتفسير لم يسبق إليه ، فالمسلم الّذي يريد أن يكون من الّذين يسلكون سبيل المؤمنين ولا ينحرفون عنه ، كما حذّر ربّنا عزّ وجلّ في الآية الكريمة من الانحراف في مثل قوله (( ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى و يتبّع غير سبيل المؤمينن نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا )) فممّا لا شكّ فيه ولا ريب فيه ، أنّ أيّ إنسان يأتي إلى أيّ آية قال فيها العلماء المتخصّصون في التّفسير ، أقوالا قولين ثلاثة أربعة إلّلي هو ، ثمّ يأتي أحد المتأخّرين فيزيد عليهم بقول جديد ، وليس فقط يزيد عليهم بل ويتفوّق عليهم بأن يخطّئهم جميعا ، ويزعم أنّ الصّواب هو هذا الرّأي الّذي هو ابتكره وابتدعه لا شكّ أنّ هذا يكون قد خرج عن سبيل المؤمنين وشمله وعيد الآية السّابقة (( ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبّع غيرسبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا )) إذا التّفسير يجب أن يكون المسلم فيه متقيّدا بالتّفسير المأثور ، وعلى هذا التّفصيل الّذي ذكرته آنفا ، ولكن هنا استثناء لا بدّ من ذكره ألا وهو لا شكّ أنّ هناك آيات من صفاتها أنّها قد تتحدّث كمبدأ عامّ ، لا تتحدّث فيما يتعلّق بالعقائد ، ولا تتحدّث بما يتعلّق بالأحكام ، ولا تتحدّث فيما يتعلّق بالأخلاق والسّلوك وإنّما قد تتحدّث بالآيات الكونيّة ، الّتي قال الله عزّ وجلّ في حقّها: (( سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم )) يمكن هنا المسلم البصير العالم باللّغتين ، لغة الشّرع أي القرآن والسّنّة ، واللّغة العرفيّة ، أي لغة العرب ، لمثل هذا يمكن أن يفسّر آية ، من هذه الآيات التي لا تتعلّق مطلقا ، بشيء ممّا ذكرنا بدءا من العقيدة وانتهاء بالسّلوك ، وإنمّا تتعلّق بآية من الآيات الكونيّة ، فهنا يمكنه أن يأتي برأي قد يكون مخالفا لرأي صدر من بعضهم قديما مشيا مع ظاهر الآية هذا القيد فقط يمكن أن نتساهل فيه ، وأن نقول يمكن أن يأتي العلم ليكتشف حقيقة آية كونيّة ، كان النّاس في غفلة عنها ، لأنّهم كانوا يمرّون عليها كآية.
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 316
- توقيت الفهرسة : 00:03:49
- نسخة مدققة إملائيًّا