بيان الشيخ لمنهج أهل السنة والجماعة في التكفير بمناسبة سماعه لبعض الخطباء الذين اتَّهموه بتكفير مَن يتَّبع المذاهب .
A-
A=
A+
الشيخ : ... سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
كان المفروض أن أُسمِعَكم بعض الأحاديث حسب الدرس النظامي الذي نحن عليه منذ سنين نختارها ممَّا صح من كتاب " الترغيب الترهيب " ، كان هذا هو المفروض ، ولكن رأيت أن أُلقِيَ عليكم كلمة بمناسبة خبر وليس بالشيء الجديد في الواقع ، ولكنها ذكرى فـ (( الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )) .
حدَّثني مَن أثِقُ به أن أحد خطباء المساجد خطب خطبةً طويلةً ، وصرَّح فيها هكذا كما نقل لي الناقل ، وهو كما ذكرت لكم ثقة عندي ؛ قال : إن رئيس السلفيين في هذه البلدة أو قال البلاد سمعته بأذني يصرِّح يقول بأنَّ مَن يتَّبع مذهب من المذاهب الأربعة فهو مشرك ، ولم يقُلْ كافر ، وإنما مشرك ، أقول : لم يقُلْ هذا لأنهم يفرِّقون هم بين الكفر والشرك ، وإن كان الأمر ليس كذلك عندنا ؛ لأن كل كفر شرك ، وكل شرك كفر ؛ فلو أنه قال : فهو كافر لَكان تعبيره ألطف ولو أنه على ضلال ، ولكنه حينما قال : فهو مشرك فقد زاد في الضَّلال ضلالًا آخر .
وأظن أنكم لستم - أو على الأقل جمهوركم - ليس بحاجة إلى التفصيل الذي نحن نعتقده ونؤمن به ، ولكن أعتقد أن هناك بعض الإخوان ممَّن يُلازموننا من قريب أو ما يشبه القريب ربما لم يسبِقْ لهم أن عرفوا رأينا بوضوح في هذه المسألة ، أو سبق لهم ذلك ولكن لم تتمكَّن الفكرة من قلوبهم ، فربما إذا سمعوا مثل تلك الخطبة الجائرة ربما تأثَّروا بها ، فأنا أتكلم هذه الكلمة أوَّلًا لهؤلاء الإخوان الذين نظنُّ بهم أنهم يريدون الحقَّ ، ويحبُّون أن يكونوا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه ، أما أولئك الذين لا يخشون الله ولا يخافونه ولا يقيمون وزنًا ليوم الحساب (( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )) ؛ فذلك لا يُفيدهم شيء ولو أتيتهم بكلِّ آية .
أقول - أيها الإخوان - : نحن من دعوتنا أنه لا يجوز أن نكفِّر مسلمًا ، بل وأكثر من ذلك نقول : حتى ولو كَفَرَ فعلًا ، لو كَفَرَ فعلًا نحن لا نكفِّره ؛ لأنه من المحتمل أن يكون له عذرٌ عند الله - تبارك وتعالى - ، والله - عز وجل - يقول في كتابه : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، وليس المقصود ببعثة الرسول هو أن يُبعث الرسول ثم لا تصل هذه الدعوة إلى بعضهم ، فبالنسبة لهذا البعض يكون دعوة الرسول لم تبلُغْهم ، فبالتالي لم تُقَم الحجة عليه ، ومن الأدلة الواضحة البيِّنة نحن اليوم بعد بعثة الرسول - عليه السلام - بأربعة عشر قرن ، ومع ذلك فنحن نقطع بأن هناك في القطب الشمالي والقطب الجنوبي على الأقل مَن لم يسمع بدين الإسلام باسمه مطلقًا ، ولم يسمع باسم نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ... المستلزم الخلود لهم في النار يوم القيامة ؛ لأنه لم يتحقَّق فيهم شرط المؤاخذة والتكليف ؛ ألا وهو بلوغ الدعوة .
ثم ليس المقصود من بلوغ الدعوة بلوغ اسمها أو بلوغ لفظها ، فنحن نعلم - هذه صورة أخرى - أن كثيرًا من الأوروبيين سمعوا باسم الإسلام وبنبيِّ الإسلام ، ولكنهم ما عرفوا حقيقة الإسلام ولا كمال نبيِّ الإسلام ، وهذا له أسباب كثيرة ، ولَسْنا الآن في صددها ، فهؤلاء الكلهم كفار بلا شك ؛ لأنَّه ( مَن قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ، ومن مات وهو يشرك بالله شيئًا دخل النار ) ، لكن هذا ليس على إطلاقه ، إنما هو مقيَّد بِمَن بلغته الدعوة ، الذين لم تبلغهم الدعوة لهم محاسبة خاصَّة يوم القيامة ، لهم معاملة خاصَّة من الله الحكيم الرؤوف الرحيم كما جاء ذلك صريحًا في بعض الأحاديث الصحيحة أن الله - عز وجل - يُرسِلُ إلى هؤلاء الذين لم تبلُغْهم الدعوة من شيخٍ فانٍ بلغ من الكبر عتيًّا لا يفقه ما يُقال له ، أو طفل صغير لم يبلغ سنَّ التكليف ، أو رجل من أهل الفترة لم تبلُغْه الدعوة ؛ أمثال هؤلاء فربُّنا - عز وجل - يوم القيامة يرسل إليهم رسولًا ؛ فمَن أطاع هذا الرسول دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ؛ ذلك ليصدق فيهم أن حجة الله - عز وجل - قائمة على عباده جميعًا حتى في ذلك المحشر في عرصات يوم القيامة .
فإذا كان هذا الجنس من الكفار الأروبيين اليوم سمعوا باسم الإسلام وبنبيِّ الإسلام لكن لم تبلُغْهم دعوة الإسلام ، وأنا حين أقول لم تبلُغْهم دعوة الإسلام أعني دعوة الإسلام على حقيقتها ، وإلا فقد تبلغ أحدهم دعوة باسم أنها دعوة الإسلام ، فلنقل مثلًا واضحًا يؤمن به كلُّ جماهير مَن ينتمون إلى السنة أو إلى أهل السنة ؛ ذلك المَثَل هو إسلام القاديانيين ، فالقاديانيين لهم نشاط كثير جدًّا في أوروبا وفي أمريكا وفي كثير من بلاد الدنيا ، ونعلم يقينًا أن كثيرًا من النصارى " تقَديَنُوا " ، ولا أريد أن أقول أسلموا ، لكن هم حينما تَقَديَنُوا بظنِّهم أنهم أسلموا لأن الذين دعوهم إلى القاديانية لم يدعوهم فعلًا أو قولًا على الصحيح لم يدعوهم إلى القاديانية ، وإنما دَعَوهم إلى الإسلام ، و " القاديانيون " أنفسهم في كلِّ بلاد الدنيا ومنها هذه البلاد وبخاصَّة دمشق الشام بُلِيَت بهم سنين كثيرة ، وأنا جادلتُ بعضَهم كثيرًا وكثيرًا ، فهم يدعون المسلمين إلى الإسلام الصحيح إلى الإسلام المصفَّى بزعمهم ، كذلك هم إذا دَعَوا غير المسلمين كالنصارى - مثلًا - بزعمهم يدعونهم إلى الإسلام ، فأسلم بإسلامهم هذا كثير من أولئك الأوروبيين ، لكنهم نحن حينما نطبِّق على القاديانيين فضلًا عمَّن تورَّطوا بهم واغترُّوا بهم بدعوتهم ؛ حينما نطبِّق عليهم جميعًا سنة الإسلام القائم على الكتاب والسنة الصحيحة من جهة ، والقائم على فهم هذَين المصدرَين على منهج السلف الصالح كما ندندن بهذا دائمًا وأبدًا ؛ حينما نطبِّق هذا المبدأ الذي لا يمكن أن يكون المسلم مسلمًا حقًّا إلا على أساسه ؛ حينما نطبِّقه على القاديانيين نجدهم ليسوا مسلمين !! كيف يمكن أن يُحكم بإسلام لم يصرِّح بأن هناك أنبياء يُوحى إليهم من الله بعد خاتم الأنبياء ؟ ولا أريد أن أطيل الكلام حول القاديانيين ؛ لا سيما وقد تحدَّثت عنهم كثيرًا وكثيرًا ، إنما أنا أضرب بكلامي هذا مثلًا واحدًا أن هؤلاء الأوروبيين حينما بلغَتْهم دعوة الإسلام بطريق القاديانيين وتَقَديَنُوا كما قلت آنفًا ؛ هل فعلًا بلغتهم دعوة الإسلام ؟ ما بلغتهم دعوة الإسلام .
لذلك أنا لا أستطيع أن أقول : إن هؤلاء النصارى الذين كانوا يقولون بالأب والابن وروح القدس فكفروا ، وحُقَّ لهم ذلك ، ثم آمنوا بالله الواحد الأحد ولكنهم كفروا من جهة أخرى ؛ لأن القاديانيين لقَّنُوهم خلاف ما في الكتاب والسنة وإجماع الأمة ؛ ألا وهو مجيء أنبياء كثيرين إلى غير ذلك من العقائد المكفِّرة التي يعتقدونها ، هؤلاء النصارى لم تبلُغْهم الدعوة ؛ لذلك نحن لا نقول هؤلاء عند الله كفار ؛ لأن الكافر عندَ الله هو مَن قامت عليه الحجة .
وهذا - أيضًا - بحث طويل وخضْتُ فيه أكثر من مرَّة فلا أريد - أيضًا - أن أطيل البحث بالتفصيل فيه ، لكني أدخل الآن فيما أنا في صدده . كثيرون من المسلمين اليوم من أهل السنة والجماعة يعيشون بين ظهرانَي أهل السنة والجماعة ومع ذلك هم لم يفقهوا التوحيد الذي هو أسُّ الإسلام ، والذي بدونه لا ينفع مَن يدَّعي الإسلام شيء من عقائده وأعماله وكل خير يقدِّمه بين يدي لقاء ربه ؛ لأن الله - عز وجل - يقول : (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) . كثير من جماهير المسلمين اليوم يعيشون بين المسلمين يصومون ويصلون ومع ذلك لم يفقهوا التوحيد الذي هو رأس الإسلام كما ذكرنا ؛ هل بلغَتْهم الدعوة ؟ أنا أقول : مَن يبلِّغهم الدعوة ؟ المفروض أن هؤلاء تبلغهم الدعوة من مشايخهم الذين يتلقَّون العلم عنهم ، ولكن لا أقول : إن هؤلاء ينطبق عليهم الكلام المأثور : " فاقد الشَّيء لا يعطيه " ، مَن الذي يقدِّم التوحيد إلى مَن كان بحاجة إلى التعرُّف به ؟ هو العارف والعالم المؤمن بالتوحيد ، فهؤلاء المشايخ قسمان - أقولها بصراحة - ؛ قسم منهم يعرف التوحيد على حقيقته ولكنه قَنعَ بنفسه وترك الناس وما يعتقدون إما خوفًا ، وإما حرصًا على الدنيا ، أو الجاه ، أو منصب ، أو وظيفة ، أو ما شابه ذلك ، ومنهم من يصدق فيهم قول الله - تبارك وتعالى - : (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) ؛ فهؤلاء يُقال فيهم : " فاقد الشيء لا يعطيه " .
فعامة المسلمين اليوم الذين نسمع منهم الشرك وهو يدخل المسجد الذي بُنِيَ لعبادة الله وحده كما قال : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )) ، هو داخل المسجد تزلُّ القدم فيقول : " يا باز " ، وأنت رايح إلى مسجد " الباز " تعبد " الباز " ولَّا تعبد رب " الباز " وخالق " الباز " ؟
مسكين هذا لا يعلم ، لا يعلم مثل قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( إنَّ الرجل لَيتكلَّم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا ) ، هذا الحديث الصحيح أصدق مكان يُطبَّق عليه هو الكفر الذي يتلفَّظ به مَن يأتي المسجد يعبد الله وحدَه ، (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )) ، وإذا به يفتتح دخول المسجد بدعاء غير الله !! لكني أقول آسفًا : لكنه هو يجهل ، ومَن علَّمه يجهل أنَّ قوله : " يا باز أغثني " ، هو عبادة للباز من دون الله - تبارك وتعالى - ! كلهم يجهلون هذه الحقيقة ولا يعرفون أن دعاء الله هو عبادة له ، وبالتالي لا يعلمون أن دعاء غير الله هو - أيضًا - عبادة له وإشراك مع الله - تبارك وتعالى - .
هذه حقائق لا يعرفها جماهير الناس ؛ ذلك لأنَّ دعوة التوحيد مضى عليها زمن طويل داخَلَها كثير من الشركيات والوثنيات ؛ حتى رانَتْ هذه الجراثيم والميكروبات على التوحيد وغطَّى عليها حتى صار أكثر الناس مرضى مرضًا هو الموت الحقيقي ؛ لأنه ما فائدة حياة الإنسان في هذه الدنيا وهو يعيش يعبد غير الله وهو يجهل أنه يعبد غير الله ؟ وليس هذا فقط ؛ فهو يدخل المسجد ، ويكون في المسجد قبر ، فيأتيه ويطلب منه ما يطلب من الله - تبارك وتعالى - !! يطلب من المقبور الميِّت وقد يكون صار رميمًا ما لو كان هذا الميت حيًّا لَمَا استطاع أن يغيثَه ، ولا أن يمدَّه بما منه يرجوه ويطلبه .
أقول : مع هذه الضَّلالات كلها نحن لا نستطيع أن نكفِّر هؤلاء المسلمين ؛ لأنه لم تُقَم الحجة عليهم ؛ لأنه ليس هناك دعاة كُثُر سيطروا على جوِّ سوريا - مثلًا - فضلًا عن بلاد أخرى وبلغت هذه الجماهير دعوة التوحيد خالصة لا شرك فيها ؛ ليس هناك من الكثرة ، إنما هناك أفراد قليلون جدًّا ، وأصواتهم ضائعة ليس لها تأثير إلا بأفراد يتَّصلون بهم في مناسبات خاصَّة أو عامة ، ولكنها ليست شاملة . هذه نحن عقيدتنا ، لو وقع الفرد من هؤلاء الذين يصلُّون معنا ويصومون معنا ؛ لو وقع في الكفر نحن لا نكفِّره ، لكن إذا علمنا ذلك نبيِّن له أن هذا هو الكفر وهذا الشرك بالله - عز وجل - فإياك وإياه .
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
كان المفروض أن أُسمِعَكم بعض الأحاديث حسب الدرس النظامي الذي نحن عليه منذ سنين نختارها ممَّا صح من كتاب " الترغيب الترهيب " ، كان هذا هو المفروض ، ولكن رأيت أن أُلقِيَ عليكم كلمة بمناسبة خبر وليس بالشيء الجديد في الواقع ، ولكنها ذكرى فـ (( الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )) .
حدَّثني مَن أثِقُ به أن أحد خطباء المساجد خطب خطبةً طويلةً ، وصرَّح فيها هكذا كما نقل لي الناقل ، وهو كما ذكرت لكم ثقة عندي ؛ قال : إن رئيس السلفيين في هذه البلدة أو قال البلاد سمعته بأذني يصرِّح يقول بأنَّ مَن يتَّبع مذهب من المذاهب الأربعة فهو مشرك ، ولم يقُلْ كافر ، وإنما مشرك ، أقول : لم يقُلْ هذا لأنهم يفرِّقون هم بين الكفر والشرك ، وإن كان الأمر ليس كذلك عندنا ؛ لأن كل كفر شرك ، وكل شرك كفر ؛ فلو أنه قال : فهو كافر لَكان تعبيره ألطف ولو أنه على ضلال ، ولكنه حينما قال : فهو مشرك فقد زاد في الضَّلال ضلالًا آخر .
وأظن أنكم لستم - أو على الأقل جمهوركم - ليس بحاجة إلى التفصيل الذي نحن نعتقده ونؤمن به ، ولكن أعتقد أن هناك بعض الإخوان ممَّن يُلازموننا من قريب أو ما يشبه القريب ربما لم يسبِقْ لهم أن عرفوا رأينا بوضوح في هذه المسألة ، أو سبق لهم ذلك ولكن لم تتمكَّن الفكرة من قلوبهم ، فربما إذا سمعوا مثل تلك الخطبة الجائرة ربما تأثَّروا بها ، فأنا أتكلم هذه الكلمة أوَّلًا لهؤلاء الإخوان الذين نظنُّ بهم أنهم يريدون الحقَّ ، ويحبُّون أن يكونوا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه ، أما أولئك الذين لا يخشون الله ولا يخافونه ولا يقيمون وزنًا ليوم الحساب (( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )) ؛ فذلك لا يُفيدهم شيء ولو أتيتهم بكلِّ آية .
أقول - أيها الإخوان - : نحن من دعوتنا أنه لا يجوز أن نكفِّر مسلمًا ، بل وأكثر من ذلك نقول : حتى ولو كَفَرَ فعلًا ، لو كَفَرَ فعلًا نحن لا نكفِّره ؛ لأنه من المحتمل أن يكون له عذرٌ عند الله - تبارك وتعالى - ، والله - عز وجل - يقول في كتابه : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، وليس المقصود ببعثة الرسول هو أن يُبعث الرسول ثم لا تصل هذه الدعوة إلى بعضهم ، فبالنسبة لهذا البعض يكون دعوة الرسول لم تبلُغْهم ، فبالتالي لم تُقَم الحجة عليه ، ومن الأدلة الواضحة البيِّنة نحن اليوم بعد بعثة الرسول - عليه السلام - بأربعة عشر قرن ، ومع ذلك فنحن نقطع بأن هناك في القطب الشمالي والقطب الجنوبي على الأقل مَن لم يسمع بدين الإسلام باسمه مطلقًا ، ولم يسمع باسم نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ... المستلزم الخلود لهم في النار يوم القيامة ؛ لأنه لم يتحقَّق فيهم شرط المؤاخذة والتكليف ؛ ألا وهو بلوغ الدعوة .
ثم ليس المقصود من بلوغ الدعوة بلوغ اسمها أو بلوغ لفظها ، فنحن نعلم - هذه صورة أخرى - أن كثيرًا من الأوروبيين سمعوا باسم الإسلام وبنبيِّ الإسلام ، ولكنهم ما عرفوا حقيقة الإسلام ولا كمال نبيِّ الإسلام ، وهذا له أسباب كثيرة ، ولَسْنا الآن في صددها ، فهؤلاء الكلهم كفار بلا شك ؛ لأنَّه ( مَن قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ، ومن مات وهو يشرك بالله شيئًا دخل النار ) ، لكن هذا ليس على إطلاقه ، إنما هو مقيَّد بِمَن بلغته الدعوة ، الذين لم تبلغهم الدعوة لهم محاسبة خاصَّة يوم القيامة ، لهم معاملة خاصَّة من الله الحكيم الرؤوف الرحيم كما جاء ذلك صريحًا في بعض الأحاديث الصحيحة أن الله - عز وجل - يُرسِلُ إلى هؤلاء الذين لم تبلُغْهم الدعوة من شيخٍ فانٍ بلغ من الكبر عتيًّا لا يفقه ما يُقال له ، أو طفل صغير لم يبلغ سنَّ التكليف ، أو رجل من أهل الفترة لم تبلُغْه الدعوة ؛ أمثال هؤلاء فربُّنا - عز وجل - يوم القيامة يرسل إليهم رسولًا ؛ فمَن أطاع هذا الرسول دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ؛ ذلك ليصدق فيهم أن حجة الله - عز وجل - قائمة على عباده جميعًا حتى في ذلك المحشر في عرصات يوم القيامة .
فإذا كان هذا الجنس من الكفار الأروبيين اليوم سمعوا باسم الإسلام وبنبيِّ الإسلام لكن لم تبلُغْهم دعوة الإسلام ، وأنا حين أقول لم تبلُغْهم دعوة الإسلام أعني دعوة الإسلام على حقيقتها ، وإلا فقد تبلغ أحدهم دعوة باسم أنها دعوة الإسلام ، فلنقل مثلًا واضحًا يؤمن به كلُّ جماهير مَن ينتمون إلى السنة أو إلى أهل السنة ؛ ذلك المَثَل هو إسلام القاديانيين ، فالقاديانيين لهم نشاط كثير جدًّا في أوروبا وفي أمريكا وفي كثير من بلاد الدنيا ، ونعلم يقينًا أن كثيرًا من النصارى " تقَديَنُوا " ، ولا أريد أن أقول أسلموا ، لكن هم حينما تَقَديَنُوا بظنِّهم أنهم أسلموا لأن الذين دعوهم إلى القاديانية لم يدعوهم فعلًا أو قولًا على الصحيح لم يدعوهم إلى القاديانية ، وإنما دَعَوهم إلى الإسلام ، و " القاديانيون " أنفسهم في كلِّ بلاد الدنيا ومنها هذه البلاد وبخاصَّة دمشق الشام بُلِيَت بهم سنين كثيرة ، وأنا جادلتُ بعضَهم كثيرًا وكثيرًا ، فهم يدعون المسلمين إلى الإسلام الصحيح إلى الإسلام المصفَّى بزعمهم ، كذلك هم إذا دَعَوا غير المسلمين كالنصارى - مثلًا - بزعمهم يدعونهم إلى الإسلام ، فأسلم بإسلامهم هذا كثير من أولئك الأوروبيين ، لكنهم نحن حينما نطبِّق على القاديانيين فضلًا عمَّن تورَّطوا بهم واغترُّوا بهم بدعوتهم ؛ حينما نطبِّق عليهم جميعًا سنة الإسلام القائم على الكتاب والسنة الصحيحة من جهة ، والقائم على فهم هذَين المصدرَين على منهج السلف الصالح كما ندندن بهذا دائمًا وأبدًا ؛ حينما نطبِّق هذا المبدأ الذي لا يمكن أن يكون المسلم مسلمًا حقًّا إلا على أساسه ؛ حينما نطبِّقه على القاديانيين نجدهم ليسوا مسلمين !! كيف يمكن أن يُحكم بإسلام لم يصرِّح بأن هناك أنبياء يُوحى إليهم من الله بعد خاتم الأنبياء ؟ ولا أريد أن أطيل الكلام حول القاديانيين ؛ لا سيما وقد تحدَّثت عنهم كثيرًا وكثيرًا ، إنما أنا أضرب بكلامي هذا مثلًا واحدًا أن هؤلاء الأوروبيين حينما بلغَتْهم دعوة الإسلام بطريق القاديانيين وتَقَديَنُوا كما قلت آنفًا ؛ هل فعلًا بلغتهم دعوة الإسلام ؟ ما بلغتهم دعوة الإسلام .
لذلك أنا لا أستطيع أن أقول : إن هؤلاء النصارى الذين كانوا يقولون بالأب والابن وروح القدس فكفروا ، وحُقَّ لهم ذلك ، ثم آمنوا بالله الواحد الأحد ولكنهم كفروا من جهة أخرى ؛ لأن القاديانيين لقَّنُوهم خلاف ما في الكتاب والسنة وإجماع الأمة ؛ ألا وهو مجيء أنبياء كثيرين إلى غير ذلك من العقائد المكفِّرة التي يعتقدونها ، هؤلاء النصارى لم تبلُغْهم الدعوة ؛ لذلك نحن لا نقول هؤلاء عند الله كفار ؛ لأن الكافر عندَ الله هو مَن قامت عليه الحجة .
وهذا - أيضًا - بحث طويل وخضْتُ فيه أكثر من مرَّة فلا أريد - أيضًا - أن أطيل البحث بالتفصيل فيه ، لكني أدخل الآن فيما أنا في صدده . كثيرون من المسلمين اليوم من أهل السنة والجماعة يعيشون بين ظهرانَي أهل السنة والجماعة ومع ذلك هم لم يفقهوا التوحيد الذي هو أسُّ الإسلام ، والذي بدونه لا ينفع مَن يدَّعي الإسلام شيء من عقائده وأعماله وكل خير يقدِّمه بين يدي لقاء ربه ؛ لأن الله - عز وجل - يقول : (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) . كثير من جماهير المسلمين اليوم يعيشون بين المسلمين يصومون ويصلون ومع ذلك لم يفقهوا التوحيد الذي هو رأس الإسلام كما ذكرنا ؛ هل بلغَتْهم الدعوة ؟ أنا أقول : مَن يبلِّغهم الدعوة ؟ المفروض أن هؤلاء تبلغهم الدعوة من مشايخهم الذين يتلقَّون العلم عنهم ، ولكن لا أقول : إن هؤلاء ينطبق عليهم الكلام المأثور : " فاقد الشَّيء لا يعطيه " ، مَن الذي يقدِّم التوحيد إلى مَن كان بحاجة إلى التعرُّف به ؟ هو العارف والعالم المؤمن بالتوحيد ، فهؤلاء المشايخ قسمان - أقولها بصراحة - ؛ قسم منهم يعرف التوحيد على حقيقته ولكنه قَنعَ بنفسه وترك الناس وما يعتقدون إما خوفًا ، وإما حرصًا على الدنيا ، أو الجاه ، أو منصب ، أو وظيفة ، أو ما شابه ذلك ، ومنهم من يصدق فيهم قول الله - تبارك وتعالى - : (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) ؛ فهؤلاء يُقال فيهم : " فاقد الشيء لا يعطيه " .
فعامة المسلمين اليوم الذين نسمع منهم الشرك وهو يدخل المسجد الذي بُنِيَ لعبادة الله وحده كما قال : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )) ، هو داخل المسجد تزلُّ القدم فيقول : " يا باز " ، وأنت رايح إلى مسجد " الباز " تعبد " الباز " ولَّا تعبد رب " الباز " وخالق " الباز " ؟
مسكين هذا لا يعلم ، لا يعلم مثل قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( إنَّ الرجل لَيتكلَّم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا ) ، هذا الحديث الصحيح أصدق مكان يُطبَّق عليه هو الكفر الذي يتلفَّظ به مَن يأتي المسجد يعبد الله وحدَه ، (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )) ، وإذا به يفتتح دخول المسجد بدعاء غير الله !! لكني أقول آسفًا : لكنه هو يجهل ، ومَن علَّمه يجهل أنَّ قوله : " يا باز أغثني " ، هو عبادة للباز من دون الله - تبارك وتعالى - ! كلهم يجهلون هذه الحقيقة ولا يعرفون أن دعاء الله هو عبادة له ، وبالتالي لا يعلمون أن دعاء غير الله هو - أيضًا - عبادة له وإشراك مع الله - تبارك وتعالى - .
هذه حقائق لا يعرفها جماهير الناس ؛ ذلك لأنَّ دعوة التوحيد مضى عليها زمن طويل داخَلَها كثير من الشركيات والوثنيات ؛ حتى رانَتْ هذه الجراثيم والميكروبات على التوحيد وغطَّى عليها حتى صار أكثر الناس مرضى مرضًا هو الموت الحقيقي ؛ لأنه ما فائدة حياة الإنسان في هذه الدنيا وهو يعيش يعبد غير الله وهو يجهل أنه يعبد غير الله ؟ وليس هذا فقط ؛ فهو يدخل المسجد ، ويكون في المسجد قبر ، فيأتيه ويطلب منه ما يطلب من الله - تبارك وتعالى - !! يطلب من المقبور الميِّت وقد يكون صار رميمًا ما لو كان هذا الميت حيًّا لَمَا استطاع أن يغيثَه ، ولا أن يمدَّه بما منه يرجوه ويطلبه .
أقول : مع هذه الضَّلالات كلها نحن لا نستطيع أن نكفِّر هؤلاء المسلمين ؛ لأنه لم تُقَم الحجة عليهم ؛ لأنه ليس هناك دعاة كُثُر سيطروا على جوِّ سوريا - مثلًا - فضلًا عن بلاد أخرى وبلغت هذه الجماهير دعوة التوحيد خالصة لا شرك فيها ؛ ليس هناك من الكثرة ، إنما هناك أفراد قليلون جدًّا ، وأصواتهم ضائعة ليس لها تأثير إلا بأفراد يتَّصلون بهم في مناسبات خاصَّة أو عامة ، ولكنها ليست شاملة . هذه نحن عقيدتنا ، لو وقع الفرد من هؤلاء الذين يصلُّون معنا ويصومون معنا ؛ لو وقع في الكفر نحن لا نكفِّره ، لكن إذا علمنا ذلك نبيِّن له أن هذا هو الكفر وهذا الشرك بالله - عز وجل - فإياك وإياه .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 151
- توقيت الفهرسة : 00:00:01
- نسخة مدققة إملائيًّا