كلمة في الحثِّ على التمسُّك بالمنهج السلفي .
A-
A=
A+
الشيخ : ... نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :
فإنَّ خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
أيضًا فنحن في زمن صَدَقَ فيه قولُ نبيِّنا - صلوات الله وسلامه عليه - في قوله : ( افترقَتِ اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة ) . قالوا : مَن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) . وفي رواية أخرى تفسِّر الرواية الأولى وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( هي التي ما أنا عليه وأصحابي ) . هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي ، وإذا كان هذا الحديث يصرِّح بأن المسلمين سيفترقون إلى ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعين فرقة كلها في النار ، والفرقة الناجية هي فرقة واحدة ؛ فحريٌّ حينئذٍ بكلِّ مسلم أن يعرف نفسه من أيِّ فرقة هو ، أَهُوَ من الفرقة الناجية وهي أوصافها بيِّنة ظاهرة أم هو - لا سمحَ الله - من فرقةٍ من تلك الفرق الكثيرة التي بلغَ عددُها في خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتين وسبعين فرقة ، وكلُّ فرقة من هذه الفرق تدَّعي بأن لها صلة وُثْقى بالإسلام الذي أنزَلَه الله على قلب محمَّد - عليه الصلاة والسلام - ، لكن الحق يقول لهؤلاء المدَّعين :
" والدَّعاوي ما لم تُقيموا عليها *** بيِّنات أبناؤها أدعياءُ "
أو كما قال الآخر :
" وكلٌّ يدَّعي وصلًا بليلى *** وليلى لا تقرُّ لهم بذاكَ "
إذًا ما هو السبيل ؟ وما هو الطريق ليكون المسلم على بيِّنةٍ من أمره على أنه من الفرقة الناجية أم هو من فرقةٍ من تلك الفرق الضالة الزَّائغة ؟ لا سبيل إلى أن يعرف المسلم في هذا الزمان أنه من الفرقة الناجية إلا بأن يتمسَّك بحبل الله المتين الذي لا يتعدَّى القرآن الكريم وسنَّة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي هي قرين القرآن الكريم كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( تركْتُ فيكم أمرَين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسنَّتي ، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض ) . فرسولنا - صلوات الله وسلامه عليه - تَرَكَنا على المحجَّة البيضاء النقيَّة ليلها كنهارها لا يضلُّ أو لا يزيغ عنها إلا هالك ، تركنا على الكتاب والسنة ، وتركنا على طريقة واحدة وليس على طرق متعدِّدة ؛ ولذلك يقول الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) . (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )) صراطي أي : سبيلي ، أي : طريقي ، وهذا نصٌّ في القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن الطرق الموصلة إلى الله - تبارك وتعالى - كلها باطلة إلا هذا الطريق الواحد ؛ وهو السبيل الذي جاءنا به نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - ، وأخبرنا ربُّنا - عز وجل - في كتابه بالآية السابقة : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ )) أي : الطرق ، (( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
ومن رأفته - عليه الصلاة والسلام - بأمَّته وحرصه على تبيين الحقائق الشرعية التي جاء بها إليهم أنه صوَّر لنا الطريق والسبيل الذي أمر الله - عز وجل - أن نسلك عليه ، والطرق المخالفة المباينة له ، صوَّر الرسول - عليه السلام - ذلك ذات يوم لأصحابه على الأرض ؛ حيث خطَّ لهم خطًّا مستقيمًا ، ثم خطَّ من حول الخطِّ خطوطًا قصيرة ، يذكِّرني هذا ببعض النُّصُب التي تُرفع اليوم لإذاعة الشَّرِّ في الغالب ؛ وهي الشاخصة التي يضعونها على الدور لالتقاط إذاعة التلفزيون ، فأنتم تجدون كيف فيه خطوط هكذا متوازية ، فالرسول - عليه السلام - صوَّر لأصحابه الكرام الصراط المستقيم والطرق المخالفة له على الأرض ؛ حيث خطَّ لهم خطًّا مستقيمًا ، ومن حول هذا الخطِّ المستقيم خطوط قصيرة ، وتلا عليهم الآية الكريمة : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، ثم أوضح ذلك بقوله - عليه السلام - : ( هذا صراط الله ) ؛ الخطُّ المستقيم هو الصراط الذي قال الله - عز وجل - : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )) ، ثم قال - عليه السلام - : ( وهذه طرق ) طرق قصيرة ، ( وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ) ، على رأس كل طريق من هذه الطرق القصيرة يدعو السالكين على الطريق المستقيم على السبيل السويِّ يقول لهم : إلى أين ؟ إلى أين تذهبون ؟ طريق طويل وطويل لا نهاية له ، إليَّ إليَّ ، هذا هو الطريق الموصل إلى الله ، فمن استجاب هذا الشيطان فقد ضلَّ عن الصراط المستقيم ، هذه طرق ، وعلى رأس كلِّ طريق منها شيطان يدعو الناس إليه . الحقيقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلَّغ الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، ونصح الأمة بكلِّ ما جاء به - عليه الصلاة والسلام - ، ومن ذلك هذا الحديث الذي يوضِّح الآية السابقة : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
السبل اليوم وقبل اليوم كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ منها القديم ومنها الحديث فلا منجاة للمسلم إلا بأن يعرف طريق الله ؛ الطريق الذي ذكره الله - عز وجل - في الآية السابقة ، ولا سبيل - كما قلنا - إلى معرفة ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة ؛ ولذلك فنحن دائمًا ندعو المسلمين جميعًا في كل أقطار الدنيا إلى أن ينجوا بأنفسهم من أن يقعوا في طريق من طرق الضلال الكثيرة ؛ وذلك بأن يتعرَّفوا على الطريق الحقِّ الواحد الذي لا ثاني له ؛ وهو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وهو الطريق الذي سَلَكَه الأصحاب الكرام ، ثم تابعهم في ذلك الأئمة الأعلام كالأئمة الأربعة وغيرهم كلهم كانوا على هذا الطريق المستقيم .
وقد أكَّد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الأمر بذلك ، وحذَّر أن يتمسَّك المسلم بشيء لم يكن عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أصحابه في الحديث الصحيح الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال : " وَعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ؛ فقلنا : يا رسول الله ، إنَّا لنراك توصينا وصيَّة مودِّع ؛ فأوصنا ؟ قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ؛ وإن وُلِّيَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ ، وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) ، ( وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) ، فما العمل ؟ كأن قائلًا يقول : فما العمل يا رسول الله ؟ يأتيه الجواب بدون سؤال : ( فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإنَّ كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) . وفي حديث آخر : ( وكل ضلالة في النار ) .
إذًا واجبنا اليوم يُتلخَّص في أن نتفقَّه في كتاب الله وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وهذا لا طريق لمعرفته إلا العلم ، والعلم كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الثابت عنه قال : ( إنما العلم بالتعلُّم ، والحلم بالتحلُّم ) . ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) لا يولد إنسان عالمًا ؛ ولذلك قال - عليه السلام - : ( إنما العلم بالتعلُّم ) يعني بأن تتعاطى وسائل الوسائل التي تجعلك عالمًا أو على الأقل طالب علم ، كما أن الحليم المزكَّى والممدوح ليس هو الذي أنعَمَ الله عليه ففَطَرَه حليمًا ، وإنما هو الذي فُطِرَ على خلاف ذلك ، ثم هو يجاهد نفسه فيتحلَّم حيث هو ليس بحليم خلقةً وفطرةً ؛ ولذلك ألحق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التحلُّم بالتعلُّم فقال : ( إنما العلم بالتعلُّم ، والحلم بالتحلُّم ) ، إذا كان العلم بالتعلُّم فلا يجوز للمسلم أن يعيش هكذا هَمَلًا لا يهتم بطلب العلم ولو بأقربِ طريقٍ شرعه الله - عز وجل - للناس حتى يرفعوا عنهم ظلمة الجهل ؛ أَلَا وهو قول ربنا - تبارك وتعالى - (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، (( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )) السؤال هو كما قال - عليه السلام - شفاء العيِّ وهو الجهل ، ( إنما شفاء العيِّ السؤال ) ، فينبغي على كل مسلم أن يتعلَّم ما يجب عليه أن يعرفَه من أمور دينه حتى يلقى وجه ربِّه - تبارك وتعالى - وهو على بيِّنة من أمره .
( إنما العلم بالتعلُّم ) هذا الحديث يعني أن كلَّ من يدَّعي العلم رجمًا بالغيب حتى يُغالي بعضهم فيقول : حدَّثَني قلبي عن ربي ؛ فإنما هو رجل إما أضلَّه الشيطان بغير علم أو وهو يعلم أنه ضالٌّ مضلٌّ ؛ لأن العلم ليس بمجرَّد الهوى وادِّعاء أن له صلة خاصَّة بالله - تبارك وتعالى - ، فهو يلقي العلم عليه إلقاءً كما كان يلقيه ربُّنا - عز وجل - ويُوحيه على الرسل والأنبياء من قبل محمَّد - عليه الصلاة والسلام - ، أما نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - فقد انتهت به الرُّسل ، وانتهت به الديانات والشرائع كلها ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن النبوَّة والرسالة قد انقطعت ؛ فلا رسولَ ولا نبيَّ بعدي ) ، فكلُّ مَن يدَّعي الإسلام ثم هو لا يفهم الإسلام من طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وإما من طريق ... هواهم ، وإنما علمهم شهواتهم ، فيضلُّون الناس بغير علم ، فينبغي علينا أن نكون على معرفة بالعلم الصحيح لكي ننجوَ به أن نتَّبع علمًا ليس صحيحًا وليس موافقًا لكتاب الله ولحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وعلماء المسلمين قاطبة سلفهم وخلفهم متَّفقون على أن العلم ليس له طريق إلا هذه الطرق الثلاثة التي ذكرناها الكتاب والسنة واتباع الصحابة ؛ ولذلك قال قائلهم :
" العلم قال الله قال رسولهُ *** قال الصحابة ليس بالتمويهِ
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين قول فقيهِ "
إلى آخر ما قال ، إذ الأمر كذلك فلا يجوز للمسلم أن يكون متَّبعًا لكلِّ ناعق ، لكلِّ صائح يزعم أنه عالم ، فالعلم نور ، وهذا العلم كما عرفتم جيدًا ليس هو إلا قال الله قال رسول الله ، فكلُّ مَن دعاكم إلى ما قال الله وقال رسول الله فهذا الذي يجب اتباعه ، أما من كان من المسلمين المدَّعين الإسلام ويتَّبعون طرقًا شتى ، ويزعمون أن الطرق الموصلة إلى الله - تبارك وتعالى - هي بعدد أنفاس الخلائق ؛ فهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ لنصوص الكتاب والسنة ، وبخاصة منها الآية السابقة (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ؛ فسواء كان هذا الداعي يدعو إلى إسلام يفهمه هو بعقله الأعوج وليس من كتاب الله ومن حديث رسول الله ، أو لا يتعرَّف على الإسلام مطلقًا كما ابتُلِيَ به بعض الشباب اليوم ممَّن ينتمون إلى بعض الأحزاب وإلى بعض المبادئ الهدَّامة كالشيوعية - مثلًا - وغيرها ؛ لا يجوز للمسلمين أن يغترُّوا بأمثال هؤلاء ؛ لأن ما عندهم من الله - عز وجل - ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ وأبقى .
فإنَّ خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
أيضًا فنحن في زمن صَدَقَ فيه قولُ نبيِّنا - صلوات الله وسلامه عليه - في قوله : ( افترقَتِ اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة ) . قالوا : مَن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) . وفي رواية أخرى تفسِّر الرواية الأولى وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( هي التي ما أنا عليه وأصحابي ) . هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي ، وإذا كان هذا الحديث يصرِّح بأن المسلمين سيفترقون إلى ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعين فرقة كلها في النار ، والفرقة الناجية هي فرقة واحدة ؛ فحريٌّ حينئذٍ بكلِّ مسلم أن يعرف نفسه من أيِّ فرقة هو ، أَهُوَ من الفرقة الناجية وهي أوصافها بيِّنة ظاهرة أم هو - لا سمحَ الله - من فرقةٍ من تلك الفرق الكثيرة التي بلغَ عددُها في خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتين وسبعين فرقة ، وكلُّ فرقة من هذه الفرق تدَّعي بأن لها صلة وُثْقى بالإسلام الذي أنزَلَه الله على قلب محمَّد - عليه الصلاة والسلام - ، لكن الحق يقول لهؤلاء المدَّعين :
" والدَّعاوي ما لم تُقيموا عليها *** بيِّنات أبناؤها أدعياءُ "
أو كما قال الآخر :
" وكلٌّ يدَّعي وصلًا بليلى *** وليلى لا تقرُّ لهم بذاكَ "
إذًا ما هو السبيل ؟ وما هو الطريق ليكون المسلم على بيِّنةٍ من أمره على أنه من الفرقة الناجية أم هو من فرقةٍ من تلك الفرق الضالة الزَّائغة ؟ لا سبيل إلى أن يعرف المسلم في هذا الزمان أنه من الفرقة الناجية إلا بأن يتمسَّك بحبل الله المتين الذي لا يتعدَّى القرآن الكريم وسنَّة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي هي قرين القرآن الكريم كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( تركْتُ فيكم أمرَين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسنَّتي ، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض ) . فرسولنا - صلوات الله وسلامه عليه - تَرَكَنا على المحجَّة البيضاء النقيَّة ليلها كنهارها لا يضلُّ أو لا يزيغ عنها إلا هالك ، تركنا على الكتاب والسنة ، وتركنا على طريقة واحدة وليس على طرق متعدِّدة ؛ ولذلك يقول الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) . (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )) صراطي أي : سبيلي ، أي : طريقي ، وهذا نصٌّ في القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن الطرق الموصلة إلى الله - تبارك وتعالى - كلها باطلة إلا هذا الطريق الواحد ؛ وهو السبيل الذي جاءنا به نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - ، وأخبرنا ربُّنا - عز وجل - في كتابه بالآية السابقة : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ )) أي : الطرق ، (( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
ومن رأفته - عليه الصلاة والسلام - بأمَّته وحرصه على تبيين الحقائق الشرعية التي جاء بها إليهم أنه صوَّر لنا الطريق والسبيل الذي أمر الله - عز وجل - أن نسلك عليه ، والطرق المخالفة المباينة له ، صوَّر الرسول - عليه السلام - ذلك ذات يوم لأصحابه على الأرض ؛ حيث خطَّ لهم خطًّا مستقيمًا ، ثم خطَّ من حول الخطِّ خطوطًا قصيرة ، يذكِّرني هذا ببعض النُّصُب التي تُرفع اليوم لإذاعة الشَّرِّ في الغالب ؛ وهي الشاخصة التي يضعونها على الدور لالتقاط إذاعة التلفزيون ، فأنتم تجدون كيف فيه خطوط هكذا متوازية ، فالرسول - عليه السلام - صوَّر لأصحابه الكرام الصراط المستقيم والطرق المخالفة له على الأرض ؛ حيث خطَّ لهم خطًّا مستقيمًا ، ومن حول هذا الخطِّ المستقيم خطوط قصيرة ، وتلا عليهم الآية الكريمة : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، ثم أوضح ذلك بقوله - عليه السلام - : ( هذا صراط الله ) ؛ الخطُّ المستقيم هو الصراط الذي قال الله - عز وجل - : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )) ، ثم قال - عليه السلام - : ( وهذه طرق ) طرق قصيرة ، ( وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ) ، على رأس كل طريق من هذه الطرق القصيرة يدعو السالكين على الطريق المستقيم على السبيل السويِّ يقول لهم : إلى أين ؟ إلى أين تذهبون ؟ طريق طويل وطويل لا نهاية له ، إليَّ إليَّ ، هذا هو الطريق الموصل إلى الله ، فمن استجاب هذا الشيطان فقد ضلَّ عن الصراط المستقيم ، هذه طرق ، وعلى رأس كلِّ طريق منها شيطان يدعو الناس إليه . الحقيقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلَّغ الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، ونصح الأمة بكلِّ ما جاء به - عليه الصلاة والسلام - ، ومن ذلك هذا الحديث الذي يوضِّح الآية السابقة : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
السبل اليوم وقبل اليوم كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ منها القديم ومنها الحديث فلا منجاة للمسلم إلا بأن يعرف طريق الله ؛ الطريق الذي ذكره الله - عز وجل - في الآية السابقة ، ولا سبيل - كما قلنا - إلى معرفة ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة ؛ ولذلك فنحن دائمًا ندعو المسلمين جميعًا في كل أقطار الدنيا إلى أن ينجوا بأنفسهم من أن يقعوا في طريق من طرق الضلال الكثيرة ؛ وذلك بأن يتعرَّفوا على الطريق الحقِّ الواحد الذي لا ثاني له ؛ وهو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وهو الطريق الذي سَلَكَه الأصحاب الكرام ، ثم تابعهم في ذلك الأئمة الأعلام كالأئمة الأربعة وغيرهم كلهم كانوا على هذا الطريق المستقيم .
وقد أكَّد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الأمر بذلك ، وحذَّر أن يتمسَّك المسلم بشيء لم يكن عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أصحابه في الحديث الصحيح الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال : " وَعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ؛ فقلنا : يا رسول الله ، إنَّا لنراك توصينا وصيَّة مودِّع ؛ فأوصنا ؟ قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ؛ وإن وُلِّيَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ ، وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) ، ( وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) ، فما العمل ؟ كأن قائلًا يقول : فما العمل يا رسول الله ؟ يأتيه الجواب بدون سؤال : ( فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإنَّ كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) . وفي حديث آخر : ( وكل ضلالة في النار ) .
إذًا واجبنا اليوم يُتلخَّص في أن نتفقَّه في كتاب الله وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وهذا لا طريق لمعرفته إلا العلم ، والعلم كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الثابت عنه قال : ( إنما العلم بالتعلُّم ، والحلم بالتحلُّم ) . ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) لا يولد إنسان عالمًا ؛ ولذلك قال - عليه السلام - : ( إنما العلم بالتعلُّم ) يعني بأن تتعاطى وسائل الوسائل التي تجعلك عالمًا أو على الأقل طالب علم ، كما أن الحليم المزكَّى والممدوح ليس هو الذي أنعَمَ الله عليه ففَطَرَه حليمًا ، وإنما هو الذي فُطِرَ على خلاف ذلك ، ثم هو يجاهد نفسه فيتحلَّم حيث هو ليس بحليم خلقةً وفطرةً ؛ ولذلك ألحق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التحلُّم بالتعلُّم فقال : ( إنما العلم بالتعلُّم ، والحلم بالتحلُّم ) ، إذا كان العلم بالتعلُّم فلا يجوز للمسلم أن يعيش هكذا هَمَلًا لا يهتم بطلب العلم ولو بأقربِ طريقٍ شرعه الله - عز وجل - للناس حتى يرفعوا عنهم ظلمة الجهل ؛ أَلَا وهو قول ربنا - تبارك وتعالى - (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، (( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )) السؤال هو كما قال - عليه السلام - شفاء العيِّ وهو الجهل ، ( إنما شفاء العيِّ السؤال ) ، فينبغي على كل مسلم أن يتعلَّم ما يجب عليه أن يعرفَه من أمور دينه حتى يلقى وجه ربِّه - تبارك وتعالى - وهو على بيِّنة من أمره .
( إنما العلم بالتعلُّم ) هذا الحديث يعني أن كلَّ من يدَّعي العلم رجمًا بالغيب حتى يُغالي بعضهم فيقول : حدَّثَني قلبي عن ربي ؛ فإنما هو رجل إما أضلَّه الشيطان بغير علم أو وهو يعلم أنه ضالٌّ مضلٌّ ؛ لأن العلم ليس بمجرَّد الهوى وادِّعاء أن له صلة خاصَّة بالله - تبارك وتعالى - ، فهو يلقي العلم عليه إلقاءً كما كان يلقيه ربُّنا - عز وجل - ويُوحيه على الرسل والأنبياء من قبل محمَّد - عليه الصلاة والسلام - ، أما نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - فقد انتهت به الرُّسل ، وانتهت به الديانات والشرائع كلها ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن النبوَّة والرسالة قد انقطعت ؛ فلا رسولَ ولا نبيَّ بعدي ) ، فكلُّ مَن يدَّعي الإسلام ثم هو لا يفهم الإسلام من طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وإما من طريق ... هواهم ، وإنما علمهم شهواتهم ، فيضلُّون الناس بغير علم ، فينبغي علينا أن نكون على معرفة بالعلم الصحيح لكي ننجوَ به أن نتَّبع علمًا ليس صحيحًا وليس موافقًا لكتاب الله ولحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وعلماء المسلمين قاطبة سلفهم وخلفهم متَّفقون على أن العلم ليس له طريق إلا هذه الطرق الثلاثة التي ذكرناها الكتاب والسنة واتباع الصحابة ؛ ولذلك قال قائلهم :
" العلم قال الله قال رسولهُ *** قال الصحابة ليس بالتمويهِ
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين قول فقيهِ "
إلى آخر ما قال ، إذ الأمر كذلك فلا يجوز للمسلم أن يكون متَّبعًا لكلِّ ناعق ، لكلِّ صائح يزعم أنه عالم ، فالعلم نور ، وهذا العلم كما عرفتم جيدًا ليس هو إلا قال الله قال رسول الله ، فكلُّ مَن دعاكم إلى ما قال الله وقال رسول الله فهذا الذي يجب اتباعه ، أما من كان من المسلمين المدَّعين الإسلام ويتَّبعون طرقًا شتى ، ويزعمون أن الطرق الموصلة إلى الله - تبارك وتعالى - هي بعدد أنفاس الخلائق ؛ فهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ لنصوص الكتاب والسنة ، وبخاصة منها الآية السابقة (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ؛ فسواء كان هذا الداعي يدعو إلى إسلام يفهمه هو بعقله الأعوج وليس من كتاب الله ومن حديث رسول الله ، أو لا يتعرَّف على الإسلام مطلقًا كما ابتُلِيَ به بعض الشباب اليوم ممَّن ينتمون إلى بعض الأحزاب وإلى بعض المبادئ الهدَّامة كالشيوعية - مثلًا - وغيرها ؛ لا يجوز للمسلمين أن يغترُّوا بأمثال هؤلاء ؛ لأن ما عندهم من الله - عز وجل - ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ وأبقى .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 129
- توقيت الفهرسة : 00:12:03
- نسخة مدققة إملائيًّا