هناك مَن يدَّعي أن الدعوة السلفية لا تتمكَّن في الأرض إلا بالدعم السياسي كما حصل للإمام " محمد بن عبد الوهاب " ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هناك مَن يدَّعي أن الدعوة السلفية لا تتمكَّن في الأرض إلا بالدعم السياسي كما حصل للإمام " محمد بن عبد الوهاب " ؟
A-
A=
A+
السائل : هناك مَن يدَّعي أن الدعوة السلفية دعوة التوحيد لا يقوم لها قائمة كما ينبغي على الواقع إلا مع الدعم السياسي ، والواقع يؤكد هذا كما هو الحال في دعوة " الشَّيخ محمد عبد الوهاب " ؛ فما قولك ؟

الشيخ : نحن نقول آسفين أن هؤلاء الناس الذين يظنُّون أنهم يحسنون صنعًا في العمل السياسي هم بعدُ ما صحَّحوا عقيدتهم ولا فهموا توحيد ربِّهم ، نقول لهم : الدعوة السلفية بأسمائها المختلفة التي ذكرتُها أنا آنفًا هي معناها فهم الإسلام فهمًا عامًّا شاملًا لجميع أحكامه لا يتعلَّق فقط بالتوحيد ولا بما هو أعمُّ من ذلك فيما يتعلَّق بدائرة العقائد باصطلاح العلماء ، ولا يتعلَّق بفقط بالعبادات ولا بالأخلاق ولا بالمعاملات ، وإنما هو يتعلَّق بفهم الإسلام من مصدرَيه الصَّافيين كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بزيادة هامَّة جدًّا ؛ ألا وهي على منهج السلف الصالح - رضي الله عنهم - .

نحن عملنا كلٌّ في حدود استطاعته ... كلٌّ يعمل ... في توضيح هذا الإسلام من جميع نواحيه ، وقد لا يستطيع الفرد الواحد أن يتولَّى بيان الإسلام من جميع نواحيه ، لكن يجب على الأمة على مجموع الأمة ، أو بعبارةٍ أخرى على مجموع خاصَّة الأمة ، أو على مجموع العلماء حقًّا هؤلاء يتولَّوا بيان الإسلام على ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ؛ هذه هي الدعوة ، أما إذا الإنسان منَّا قام - مثلًا - فقط فقط بتصحيح الأحاديث الصحيحة وتضعيف الأحاديث الضعيفة ؛ فهذا لا يعني أنه لا يعمل عملًا آخر ، لكن قد يكون عمله الآخر دون ذلك أو قريبًا من ذلك ؛ كما أنه إذا قام رجل آخر يستنبط الأحكام من كتاب الله وحدَه ، آخر من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدها ، ثالث من مجموع المصدرين الكتاب والسنة ، لكن هو لا يستطيع - مثلًا - أن يصحِّح وأن يضعِّف ، فما نطعن في هذا لأنه لا يعمل عمل ذاك ، ولا نتكلَّم في هذا لأنه لا يعمل عمل الأول ولا الثالث ، وهكذا ، وإنما يجب على المجموعة هذه من العلماء أن يعملوا بتبيين تفهيم الأمة الإسلامية كلها الإسلام بالمفهوم الصحيح بالشرط الثالث ، يوم توجد الجماعة التي تنهض بهذا الواجب من ... على المنهاج السابق الذِّكر يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ، أما نريد أن نعمل العمل السياسي ولو أخذنا رئيس جماعة يعملون العمل السياسي ويزعم أنه يعمل للإسلام ولإقامة دولة الإسلام ؛ لو سألناه : ما هو توحيد الربوبية ؟ وما هو توحيد الألوهية ؟ وما هو توحيد الصفات ؟ لربَّما كان كما يقال في المثل العربي القديم : " أعيا من باقل " ؛ يعني بمنتهى العجز عن الإجابة عن هذا السؤال الذي يتعلق بالشهادة الأولى التي لا ينجو الكافر إلا بالاعتراف بها من سيف الإسلام أوَّلًا ، ثم لا ينجو من الخلود في النار إلا إذا فهم معناها أوَّلًا فهمًا صحيحًا على التفصيل السابق المُشار إليه آنفًا ، والذي يتضمَّن أن لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود بحقٍّ إلا الله ، فإذا فَهِمَ هذا المعنى وآمَنَ به في قرارة نفسه نجا من الخلود في النار يوم القيامة ، وإلا لم يُفِدْه شيئًا أنه قال : لا إله إلا الله إلا أنه نجا من السيف في الدنيا .

لو سألنا بعض المشتغلين في السياسة هذا السؤال لَعجزوا عن الجواب ، وكما هو عندنا نكتة في بعض البلاد السورية يقولون : أحد الأكراد لَقِيَ يهوديًّا في الطريق يوم عزَّة الإسلام ، فأخذ بتلابيبه وأخرج الخنجر من جانبه ، قال له : ... أسلم وإلا قتلتك . قال : دخلَكْ ؛ ماذا أقول ؟ قال له : والله لا أدري . [ الجميع يضحك ! ] . هو بيهدده بالقتل منشان يؤسلم ، لكن ... ليس له طريق للإسلام يقول : لا أعلم ، بمثل هؤلاء الناس يريد الساسة أن ينتصروا على العدو ... لا نصر أبدًا إلا قبل كلِّ شيء بفهم التوحيد من الشهادة الأولى لا إله إلا الله ، ثم بفهم الشهادة الثانية : وأن محمدًا رسول الله ، وكما قلنا ويقول الدعاة جميعًا في هذه الشهادة وغيرها أنَّ الشهادة الأولى تستلزم أن لا نعبد مع الله أحدًا ، والشهادة الأخرى تستلزم أن لا نعبدَ الله إلا بما شرع الله ؛ هالمعنيين هدول أكثر المسلمين اليوم وبخاصَّة الذين يشتغلون في السياسة هم لا يعرفون هذا ، وفاقد الشيء لا يعطيه !

فإذًا نحن لا ندعو للعمل السياسي ليس لأن العمل للسياسة ليس مشروعًا ؛ الإسلام أوسع مما يتوهَّمون ، لكن كما قال بعضهم :

" العلم إن طلبته كثير

والعمر عن تحصيله قصير

فقدِّم الأهمَّ منه فالأهمّ "

فهم يجب أن ينظروا اليوم ما هو الأحوج للعالم الإسلامي ، العالم الإسلامي ما هو الأحوج أن يتعرَّف عليه ؟ أَهُوَ العمل السياسي أم يفهم العقيدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، ويحسِّن إيمانه بالغيب الذي هو الوصف الأول الذي ذَكَرَه الله - عز وجل - في أول سورة البقرة : (( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )) من هم ؟ (( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )) ، ثم ذكر : (( وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ )) ؛ فما بالكم اليوم العالم الإسلامي يعيش في متاهات تتعلَّق بالإيمان بالغيب ، وبصورة خاصَّة إذا صحَّ تعبيري الناس تائهون اليوم في الإيمان بغيب الغيوب وهو ربُّ العالمين - تبارك وتعالى - ؛ بدليل أن خاصَّة العالم الإسلامي اليوم في كثير من البلاد لا يعرفون الله كما وصف الله نفسَه في كتابه ، وكما وصفَه نبيُّه في سنَّته ، بل لا - هنا مصيبة أكبر - أنا أقول أو قلت آنفًا : لا يعرفون الله كما وصف به نفسه وكما وصفه به نبيُّه ، بل هم يعرفونه على خلاف ... هم يعرفون الله على خلاف ما وصف الله به نفسه ... .

... المشهور اليوم ... والخلاف قائم على ساق وقدم ، ربُّنا يقول في غير ما آية في القرآن : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، ما رأيكم كبار العلماء أو كبار هيئة العلماء في كثير من البلاد المشهورة بطلب العلم وتدريس العلم يقولون : لا ، ربُّنا ما استوى ، هكذا ؛ لماذا ؟ لأنهم يعطِّلون الآية ويفسِّرونها بغير تفسيرها ، ( ينزل الله - صدق رسول الله ، الحديث متواتر - في كلِّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا ) . هم يقولون : لا ، ربنا لا ينزل ولا ... ولا يتحرَّك ولا ... أرادوا أن يُنزِّهوا الله عن صفات المخلوقين المميَّزين ؛ أعني الملائكة والبشر ربنا - عز وجل - فضَّلهم كما قال في جنس البشر : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )) ، (( كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )) أرادوا أن ينزِّهوا الله أن لا يشبِّهوه ببني آدم ؛ لأن بني آدم ينزل ويصعد ويجيء ويقف و و إلى آخره ؛ فوقعوا بما هو شرٌّ مما منه هربوا ، هربوا من تشبيه الخالق للمخلوق ، وهذا حقٌّ ؛ حاشا لمسلم أن يشبِّهَ الله بخلق من خلقه ، لكنهم وقعوا فيما هو أشرُّ ممَّا منه فرُّوا ، فشبَّهوه ليس بمن كرَّمهم الله وهم بنو آدم كما سمعتم ، بل شبَّههوه ... الذي لا يأتي ولا يتحرَّك ، فسبحان الله ! صدق فيهم المثل الذي يقول : " كان تحت المطر صار تحت المزراب " ، فرَّ من قطرات من المطر وإذا هو يقف تحت الميزاب ، فيجمع المطر فيصبُّه عليه ، فهم شرٌّ يعيشون في العقيدة بعيدًا عن الكتاب والسنة وعن منهج السلف الصالح ، ومع ذلك يريدون تشغيل الأمة بالسياسة !!

نحن نعتقد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أوَّل ما بدأ بدأ بدعوة الناس إلى عبادة الله - عز وجل - وحده ؛ أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت ، تلك دعوة الأنبياء والرسل جميعًا ، سبحان الله ! حينما نقرأ قصة نوح - عليه السلام - فأقول نوح بأنه ضرب مثلًا قياسيًّا في طول العمر وصبره على قومه في دعوته إيَّاهم ، تُرى إلى ماذا كان يدعوهم ؟ ليس إلا فقط لعبادة الله وحدَه لا شريك له ، ألف سنة إلا خمسين عام ، مسلمون هنا في آخر الزمان يقولون : إلى متى أنتم تشغلون المسلمين بدعوة التوحيد ؟

...

مواضيع متعلقة