من هم الخوارج ؟ وهل يفهم من حديث : " يخرجون من الإسلام " أنهم كفار ؟ وهل من كفَّر حكام المسلمين ولا يكفِّر بالمعاصي هل يعتبر خارجيًّا ؟
A-
A=
A+
السائل : أما سؤالي أنا فهو : مَن هم الخوارج ؟ سؤالي ذو شقين ، وهل يُحكم عليهم أو يُفهم من الحديث : ( يخرجون من الإسلام ) أو ( يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ) ؛ أي : يخرجون من الملة الإسلامية ؟ ثم نقطة أخرى الذي يُكفِّر الحكام الآن الحكام المسلمين ولا يكفِّر بالمعاصي ؛ هل يقال إنه من الخوارج أو فيه شيء من الخوارج ؟ هذا سؤال .
الشيخ : أولًا لا ينبغي نحن أن نتمسَّك بالخطاب ، وإنما نتمسَّك بالمعاني وبالحقائق العلمية ، سؤالك الأخير : هل يُقال عن هؤلاء خوارج أو لا يُقال ؟ إن قيل أو لم يقل ؛ ما هو الحصيلة ؟ الحصيلة أنهم على صواب أم على خطأ .
السائل : نعم هذا هو .
الشيخ : آ ، لأننا نستطيع أن نقول - مثلًا وليس هذا الجواب النهائي - نقول نحن : إنهم ليسوا من الخوارج ، لكنهم ليسوا على صواب ، طيب ؛ تُرى إذا قلنا أنهم خوارج فمعنى ذلك أنهم ليسوا على صواب ؛ فما الفرق بين العبارتين ؟ أي : بين قولي : ليسوا من الخوارج ولكن ليسوا على صواب ، أو قولي : هم خوارج وهم بطبيعة الحال ليسوا على صواب ؛ ما الفرق ؟
الفرق أن الخوارج لهم دلالة خاصة في الأحاديث - مثلًا - قال فيها : ( سيماهم التحليق ) ، طيب هذه السمة لم تتحقَّق في هؤلاء الذين قد نقول عنهم إنهم خوارج في العهد الحاضر ، فهل كونهم لم تتحقَّق فيهم هذه السمة خرجوا عن كونهم خوارج ؟ نقول : لا ؛ لأنه هذه سمة من السمات ؛ وحينئذٍ فنحن نترك هذا اللفظ الذي يحتمل أخذًا وردًّا ونقول : هؤلاء الذين يُكفِّرون اليوم حكام المسلمين بالجملة ، بالتعبير الشامي " بالكوم " ، هي بضاعة ليست بضاعة ، يجب أن نضع أمام أعيننا دائمًا خطورة تكفير المسلم ، مش فقط تكفير جماهير المسلمين أو جماعة من المسلمين ، فرد من أفراد المسلمين هذا خَطِر كما تعلمون من الأحاديث المعروفة فيمن كفَّر مسلمًا فقد باء به أحدهما .
فأنا اعتقد أن هؤلاء الذين يُعلنون تكفير حكَّام المسلمين على تفصيل بين بعضهم وبعض آخر ، ولسنا الآن في هذا الصدد ، إنهم من هذه الحيثيَّة هم كالخوارج الأولين الذين كانوا يُكفِّرون المسلم بمجرد ارتكابه كبيرة من الكبائر ؛ فهؤلاء المعاصرين اليوم منهم من يُمكن أن يُطلق عليه لفظة الخوارج أو لا بسبب الذي ذكرته آنفًا ، لأنه هؤلاء اشتهروا ليس بتكفير عامة المسلمين كما هو مذهب الخوارج والإباضية منهم اليوم والموجودين في عُمان ، وربما في الجزائر .
السائل : ... الجزائر عندنا .
الشيخ : عندكم شيء من ذلك .
السائل : نعم .
الشيخ : هؤلاء مذهبهم معروف ، مرتكب الكبيرة فهو كافر .
السائل : نعم .
الشيخ : هؤلاء الذين نقول آنفًا متحفِّظين هل هم خوارج أم ليسوا بخوارج ؟ نحن ما أشيع عنهم على الأقل إنهم يلتقون مع الإباضية في تكفير المسلم بمجرد ارتكابه كبيرة من الكبائر ؛ لأن ديدنهم الآن هو فقط ما يتعلق بالحكم ، تكفير حكام المسلمين ؛ فنحن نقول : هذا التكفير سواء في دائرة الحكام أو في دائرة أوسع بحيث تشمل - أيضًا - المحكومين ، وأنا التقيت مع كثيرين منهم قبل عشرة .
السائل : عندنا كثير شيخ ، ... وصلوها إلى المحكومين كذلك .
الشيخ : أنا أقول : التقيت مع جماعة من هؤلاء وناقشتُهم في سورية وبالأردن ، مما ذكَّرني تسلسلهم في التكفير بقصَّة كنت سمعتُها من بعض شيوخي من الألبان الأعاجم ، ونعلم يقينًا بفضل الله - عز وجل - بعد أن ربنا - تبارك وتعالى - علَّمني لغة القرآن ولغة الحديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن الأعاجم عندهم أشياء عجيبة وعجيبة جدًّا من البعد عن الفهم الصحيح لهذا الدين ؛ لقد روَوْا لنا القصة التالية :
أن رجلًا عالمًا زار صديقًا له في بيته في داره ، فلما خرج فبدل أن يودِّعه بالسلام عليه ودَّعه بأن حكم عليه بالكفر ؛ لماذا ؟ عندنا عادة في هديك البلاد وربما هكذا تزال بلاد الأعاجم ، إذا دخل الضيوف كما دخلتم أنتم الآن فينزعون نعالَهم ، فتبقى نعالهم كما تركوها حينما خرجوا ، عندهم أدب ، قد يكون أدب ؛ لكن انظر ماذا يترتَّب من وراء هذا الأدب ؛ فربة البيت أو ولد ربِّ البيت أو خادم إن كان عندهم يخرج للنعال ويُوجِّهها هكذا ، مش أنتم دخلتم هكذا ؟
الحضور : نعم .
الشيخ : هو يوجِّه النعال هكذا ، إذا خرج الضيوف يجدون النعال موجَّهة ما في غير يدكُّوا أرجلهم فيها ، هذا احترام إيه ؟ للضيف إكرام ، هذا العالم لما خرج وجد النعلين كما تركهما ؛ يعني غير موجَّهين ، قال : هذا رب البيت كفر ؛ لماذا ؟ قال : لأنه لم يحترم العالم ؛ كيف ؟ لأنه ما وجَّه النعلين له ، هذا يُكلِّفه أنه يمد رجله يمد يده يُوجِّهها ، هذا ليس فيه إكرام للعالم ، والذي لم يُكرم العالم لم يُكرم العلم ، والذي لم يُكرم العلم لم يُكرم مَن جاء بالعلم وهو محمد رسول الله ، هاللي ما أكرم رسول الله ما أكرم جبريل ، ما أكرم رب العالمين إذًا هو كافر ، ذكَّرني واقع هذه الطائفة ، وما أستطيع أن أضع لها صبغة أو بلدًا مُعيَّنًا ، لكن أعلم أن فيهم من تسلسل في تكفير الحكَّام إلى المحكومين ، إلى أئمة المساجد ، إلى المؤذِّنين ، إلى معلِّمي الديانة في المدارس اللِّي بيسمُّوها المعارف ليه ؟ لأنهم كلهم يؤيِّدون هذا الحكم الكافر .
السائل : هذا ما يقول به مسلم .
الشيخ : نحن نبدأ منطلقين من هذا الأصل الذي بَنَوه وهو تكفير حكام المسلمين ، هذا في دين الله غلوٌّ في الدين ؛ لأن التكفير لا يجوز إلا إذا تبيَّن أن هذا المُكفَّر قد أنكر حُكمًا معلومًا من الدين بالضرورة ، ثم أُقيمت الحجة عليه فقد يكون أعجميًّا ، قد يكون عربيًّا ؛ لكنه جاهل ، إلى آخره ، فهؤلاء يُطلقون الكلام ويقولون ... .
(( بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) ، ثم يُعرضون عما جاء في " تفسير ابن جرير " و " تفسير ابن كثير " أن المقصود بهؤلاء الكافرون أي الجاحدون لشريعة الله - تبارك وتعالى - وهم اليهود ، ونحن حينما نقول في تفسير الآية هذا القول فلسنا نعني أنه لا يَكفر إلا اليهود ؛ لا ، لكن من شارك اليهود - أيضًا - في إنكار شريعة الله - تبارك وتعالى - ، وأنها صالحة لكل زمان ومكان ؛ فحينئذٍ تُطبَّق عليه هذه الآية ؛ (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) .
ولكن من كان يعتقد أن شريعة الله هي التي ينبغي أن تكون هي الحاكمة ، ولكن لا أزكِّيهم كالذين يُرابون ويسرقون ويزنون ؛ فهؤلاء عصاة ، لكن لا نقول إنهم كفار إلا إذا علمنا أنهم استحلُّوا ما ارتكبوا من المعاصي ، كذلك هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ؛ فإن استحلُّوا ذلك بقلوبهم ودانوا بذلك في عقيدتهم ؛ أي : كما نسمع من بعض الكتَّاب مع الأسف يقولون : أن شريعة الإسلام الآن لا تصلح للحكم ، فهؤلاء هم كاليهود سواء ؛ فيطبَّق عليهم قوله - تعالى - : (( فأولئك هم الكافرون )) .
أما إن كانت الأخرى ؛ وهي أنهم يعترفون بأن الحكم بالإسلام هو الذي يجب أن يكون لكنَّ النفس الأمَّارة بالسوء التي تحمل الزُّناة والمرابين على استحلال ما حرَّم الله هي هذه النفس الأمَّارة بالسوء التي تحملهم على ... الأوضاع والخضوع للضغط العالمي الكافر إلى آخره ، لكن قلوبهم - ونحن لم نطَّلع عليها بطبيعة الحال - أحد شيئين :
إما أن تكون مُقرَّة بشرعية هذا الإسلام ؛ فحينئذٍ هم لم يخرجوا عن دائرة الإسلام هم كالفسَّاق الآخرين الذين يرتكبون المحرَّمات ، أما إن اعتقدوا بأن الإسلام لا يصلح للحكم في هذا الزمان ؛ فهو الكفر بعينه .
فمن أين لهؤلاء الناس الذين يُطلقون التكفير بالجملة بأنَّ كل حاكم من الحكام المسلمين اليوم إما أنهم اطَّلعوا على ما في قلوبهم ، أو سمعوا من ألفاظهم ما يُدينهم بأنَّهم لا يعتقدون الإسلام ، إن كان شيء من هذا فنحن معهم لا يكون مسلمًا من أنكر صلاحية الإسلام للحكم في كل زمان ومكان ، لكن لا سبيل للوصول إلى ذلك ، أما الكشف عن القلب فكلنا يعلم قوله - عليه السلام - لذاك الصحابي : ( هلَّا شقَقْتَ عن قلبه ؟! ) ؛ مع أنه صار تحت ضربة السيف ، فيغلب على الظَّنِّ أنه هذا المشرك ما قال لا إله إلا الله إلا فرارًا من القتل ، مع ذلك غلَّب الرسول - عليه السلام - لفظة الشهادة على ظاهر الفعل ، هذه الظاهرة التي تدل أنه قالها نفاقًا وخلاصًا من القتل ، فأنكر الرسول - عليه السلام - ذلك ، وقال : ( هلَّا شققت عن قلبه ؟! ) ؛ فنحن - أيضًا - نقول هؤلاء الحكام فيهم إسلام وفيهم غير إسلام ؛ فما الذي يجعلنا نُغلَّب عليهم غير الإسلام وهو الكفر على إسلامهم ؟ لا شيء عندنا إلا أن نسمع منهم خطابًا أو لفظًا أو كتابةً كما وقع من بعض الحُكَّام الذين أنكروا شرعية الصيام - مثلًا - في رمضان ، زعم محافظة على ... على الاقتصاد ونحو ذلك .
فإذًا خطأ واضح جدًّا أن نعلن تكفير الحكام هكذا إجمالًا بدون تفصيل ، ثم هَبْ أن الأمر كذلك ؛ فما شأن المستضعفين في الأرض الذين يُلحقون بهؤلاء الكفار بزعمهم أو هؤلاء الطواغيت كما يقولون إلى آخره ، إن المستضعفين في الأرض كانوا في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان ، ثم أين يذهبون بمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - بل من قول رب الأنام : (( إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) ، وقوله - عليه السلام - : ( من رأى منكم منكرًا ؛ فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) ، هذه النقاط كلها تدلُّنا على أن الجماعة ينطلقون من أهوائهم كما كان الخوارج السابقون ينطلقون من أهوائهم ، وإلا ما الذي رأوه في عليٍّ - رضي الله عنه - وهو الخليفة الراشد حتى خرجوا عليه ؟
السائل : نعم .
الشيخ : فإذًا الغلوُّ في الدين هو ظاهرة هؤلاء الناس اليوم ؛ فيجب أن لا نغترَّ بهم ، وأن نعرف أحكام الله وشريعة الله بتفاصيلها هذا من جهة ، من جهة أخرى هَبْ أن هؤلاء الحكَّام كلهم هم كفار كما يقولون ؛ فما وراء ذلك ؟ وراء ذلك الخروج عليهم ، طيب ؛ إذا كان المقصود الخروج عليهم ؛ فهل أنتم استعدَدْتُم لمثل هذا الخروج الذي يستلزم أمرين اثنين ؟
الأمر الأول : الفهم الصحيح للإسلام في عقيدته في أحكامه ، والشيء الثاني تربية هذه النفوس على هذا الإسلام المصفَّى حتى يُصبحوا كتلة واحدة إذا ما قاموا لمحاربة الكافر استطاعوا أن يتغلَّبوا عليه بإيمانهم واستعدادهم ، ليس هناك إلا عواطف جامحة شهد الواقع في العصر الحاضر في حوادث عديدة في مصر ، في الحرم المكي ، في سورية أخيرًا .
السائل : في الجزائز .
الشيخ : والجزائر إي نعم ، كل هذه الحوادث تدلُّنا على أن الناس يستعجلون .
السائل : لا بعدين فهِّمني الحادثة .
الشيخ : يستعجلون على أمر كان لهم فيهم أناة ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - عاش كما تعلمون في مكة يُضطهد من الكفار ، ويُضرب ، ويُهان ، وضعفاء المسلمين - أيضًا - يُطردون ويُقتلون إلى آخره ، ما ثاروا مثل هذه الثورة قبل أن يستعدُّوا بإيمانهم ، ثم بسلاحهم كما وقع ذلك فيما بعد حينما هاجر الرسول - عليه السلام - إلى المدينة .
فالشاهد أن هؤلاء الحقيقة أعتقد أنهم ليسوا علماء أولًا ، ثم لم يُربَّوا تربية إسلامية صحيحة ثانيًا ، ولذلك فهُم سيثيرون مشاكل من جديد دون أن يُفيدوا المسلمين أيَّ فائدة ؛ إلا أن يكونوا سببًا لتأخُّر الدعوة ، وما وقع يكفينا مثالًا - مع الأسف الشديد ! - .
والآن بالنسبة لسؤالك أنا أقول : أنا ما عندي مانع أن توجِّهوا أسئلة واضحة حول بعض الأعمال التي تُقام هناك ؛ لأنُّو أنا لا أستطيع أن أتصوَّر الوضع الذي أنتم تُشيرون إليه هناك ، فإذا كتبتم شيئًا فأنا أدرسه ، إن لم يكن هنا فإذا رجعت قريبًا - إن شاء الله - إلى عمَّان وأعطيكم الأجوبة ، وإن كنت لا أرى يعني كبير فائدة في هذا العمل ؛ لأنَّك قلت أنُّو كلامك كل منهم يُفسِّره حسب هواه ، مع أن كلامي واضح وواضح جدًّا ، لكن ألا تعتقد أن كلام الله - عز وجل - حتى اليوم المُبشِّرون النصارى يستغلُّون بعض النصوص منه لتأييد كُفرهم وضلالهم ؟ هذا شأن أهل الأهواء دائمًا وأبدًا ، فأنا ما أعتقد أنُّو في كلامي الذي سمعتموه آنفًا ما يدع مجالًا لأن يتمسَّك به كلُّ ذي هوًى ، فأنا صريح أقول : أن التحزب باطل ، تعصُّب جماعة لرجل ، مبايعتهم لرجل ، ومعاداة هذه الجماعة لجماعة أخرى هذا باطل لا يجوز ، فكيف يُمكن أن يُستغلَّ هذا الكلام لصالح الجماعة التي أقول أنا عنها إنها مُبطلة وإنها متحزبة ؟
الشيخ : أولًا لا ينبغي نحن أن نتمسَّك بالخطاب ، وإنما نتمسَّك بالمعاني وبالحقائق العلمية ، سؤالك الأخير : هل يُقال عن هؤلاء خوارج أو لا يُقال ؟ إن قيل أو لم يقل ؛ ما هو الحصيلة ؟ الحصيلة أنهم على صواب أم على خطأ .
السائل : نعم هذا هو .
الشيخ : آ ، لأننا نستطيع أن نقول - مثلًا وليس هذا الجواب النهائي - نقول نحن : إنهم ليسوا من الخوارج ، لكنهم ليسوا على صواب ، طيب ؛ تُرى إذا قلنا أنهم خوارج فمعنى ذلك أنهم ليسوا على صواب ؛ فما الفرق بين العبارتين ؟ أي : بين قولي : ليسوا من الخوارج ولكن ليسوا على صواب ، أو قولي : هم خوارج وهم بطبيعة الحال ليسوا على صواب ؛ ما الفرق ؟
الفرق أن الخوارج لهم دلالة خاصة في الأحاديث - مثلًا - قال فيها : ( سيماهم التحليق ) ، طيب هذه السمة لم تتحقَّق في هؤلاء الذين قد نقول عنهم إنهم خوارج في العهد الحاضر ، فهل كونهم لم تتحقَّق فيهم هذه السمة خرجوا عن كونهم خوارج ؟ نقول : لا ؛ لأنه هذه سمة من السمات ؛ وحينئذٍ فنحن نترك هذا اللفظ الذي يحتمل أخذًا وردًّا ونقول : هؤلاء الذين يُكفِّرون اليوم حكام المسلمين بالجملة ، بالتعبير الشامي " بالكوم " ، هي بضاعة ليست بضاعة ، يجب أن نضع أمام أعيننا دائمًا خطورة تكفير المسلم ، مش فقط تكفير جماهير المسلمين أو جماعة من المسلمين ، فرد من أفراد المسلمين هذا خَطِر كما تعلمون من الأحاديث المعروفة فيمن كفَّر مسلمًا فقد باء به أحدهما .
فأنا اعتقد أن هؤلاء الذين يُعلنون تكفير حكَّام المسلمين على تفصيل بين بعضهم وبعض آخر ، ولسنا الآن في هذا الصدد ، إنهم من هذه الحيثيَّة هم كالخوارج الأولين الذين كانوا يُكفِّرون المسلم بمجرد ارتكابه كبيرة من الكبائر ؛ فهؤلاء المعاصرين اليوم منهم من يُمكن أن يُطلق عليه لفظة الخوارج أو لا بسبب الذي ذكرته آنفًا ، لأنه هؤلاء اشتهروا ليس بتكفير عامة المسلمين كما هو مذهب الخوارج والإباضية منهم اليوم والموجودين في عُمان ، وربما في الجزائر .
السائل : ... الجزائر عندنا .
الشيخ : عندكم شيء من ذلك .
السائل : نعم .
الشيخ : هؤلاء مذهبهم معروف ، مرتكب الكبيرة فهو كافر .
السائل : نعم .
الشيخ : هؤلاء الذين نقول آنفًا متحفِّظين هل هم خوارج أم ليسوا بخوارج ؟ نحن ما أشيع عنهم على الأقل إنهم يلتقون مع الإباضية في تكفير المسلم بمجرد ارتكابه كبيرة من الكبائر ؛ لأن ديدنهم الآن هو فقط ما يتعلق بالحكم ، تكفير حكام المسلمين ؛ فنحن نقول : هذا التكفير سواء في دائرة الحكام أو في دائرة أوسع بحيث تشمل - أيضًا - المحكومين ، وأنا التقيت مع كثيرين منهم قبل عشرة .
السائل : عندنا كثير شيخ ، ... وصلوها إلى المحكومين كذلك .
الشيخ : أنا أقول : التقيت مع جماعة من هؤلاء وناقشتُهم في سورية وبالأردن ، مما ذكَّرني تسلسلهم في التكفير بقصَّة كنت سمعتُها من بعض شيوخي من الألبان الأعاجم ، ونعلم يقينًا بفضل الله - عز وجل - بعد أن ربنا - تبارك وتعالى - علَّمني لغة القرآن ولغة الحديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن الأعاجم عندهم أشياء عجيبة وعجيبة جدًّا من البعد عن الفهم الصحيح لهذا الدين ؛ لقد روَوْا لنا القصة التالية :
أن رجلًا عالمًا زار صديقًا له في بيته في داره ، فلما خرج فبدل أن يودِّعه بالسلام عليه ودَّعه بأن حكم عليه بالكفر ؛ لماذا ؟ عندنا عادة في هديك البلاد وربما هكذا تزال بلاد الأعاجم ، إذا دخل الضيوف كما دخلتم أنتم الآن فينزعون نعالَهم ، فتبقى نعالهم كما تركوها حينما خرجوا ، عندهم أدب ، قد يكون أدب ؛ لكن انظر ماذا يترتَّب من وراء هذا الأدب ؛ فربة البيت أو ولد ربِّ البيت أو خادم إن كان عندهم يخرج للنعال ويُوجِّهها هكذا ، مش أنتم دخلتم هكذا ؟
الحضور : نعم .
الشيخ : هو يوجِّه النعال هكذا ، إذا خرج الضيوف يجدون النعال موجَّهة ما في غير يدكُّوا أرجلهم فيها ، هذا احترام إيه ؟ للضيف إكرام ، هذا العالم لما خرج وجد النعلين كما تركهما ؛ يعني غير موجَّهين ، قال : هذا رب البيت كفر ؛ لماذا ؟ قال : لأنه لم يحترم العالم ؛ كيف ؟ لأنه ما وجَّه النعلين له ، هذا يُكلِّفه أنه يمد رجله يمد يده يُوجِّهها ، هذا ليس فيه إكرام للعالم ، والذي لم يُكرم العالم لم يُكرم العلم ، والذي لم يُكرم العلم لم يُكرم مَن جاء بالعلم وهو محمد رسول الله ، هاللي ما أكرم رسول الله ما أكرم جبريل ، ما أكرم رب العالمين إذًا هو كافر ، ذكَّرني واقع هذه الطائفة ، وما أستطيع أن أضع لها صبغة أو بلدًا مُعيَّنًا ، لكن أعلم أن فيهم من تسلسل في تكفير الحكَّام إلى المحكومين ، إلى أئمة المساجد ، إلى المؤذِّنين ، إلى معلِّمي الديانة في المدارس اللِّي بيسمُّوها المعارف ليه ؟ لأنهم كلهم يؤيِّدون هذا الحكم الكافر .
السائل : هذا ما يقول به مسلم .
الشيخ : نحن نبدأ منطلقين من هذا الأصل الذي بَنَوه وهو تكفير حكام المسلمين ، هذا في دين الله غلوٌّ في الدين ؛ لأن التكفير لا يجوز إلا إذا تبيَّن أن هذا المُكفَّر قد أنكر حُكمًا معلومًا من الدين بالضرورة ، ثم أُقيمت الحجة عليه فقد يكون أعجميًّا ، قد يكون عربيًّا ؛ لكنه جاهل ، إلى آخره ، فهؤلاء يُطلقون الكلام ويقولون ... .
(( بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) ، ثم يُعرضون عما جاء في " تفسير ابن جرير " و " تفسير ابن كثير " أن المقصود بهؤلاء الكافرون أي الجاحدون لشريعة الله - تبارك وتعالى - وهم اليهود ، ونحن حينما نقول في تفسير الآية هذا القول فلسنا نعني أنه لا يَكفر إلا اليهود ؛ لا ، لكن من شارك اليهود - أيضًا - في إنكار شريعة الله - تبارك وتعالى - ، وأنها صالحة لكل زمان ومكان ؛ فحينئذٍ تُطبَّق عليه هذه الآية ؛ (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) .
ولكن من كان يعتقد أن شريعة الله هي التي ينبغي أن تكون هي الحاكمة ، ولكن لا أزكِّيهم كالذين يُرابون ويسرقون ويزنون ؛ فهؤلاء عصاة ، لكن لا نقول إنهم كفار إلا إذا علمنا أنهم استحلُّوا ما ارتكبوا من المعاصي ، كذلك هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ؛ فإن استحلُّوا ذلك بقلوبهم ودانوا بذلك في عقيدتهم ؛ أي : كما نسمع من بعض الكتَّاب مع الأسف يقولون : أن شريعة الإسلام الآن لا تصلح للحكم ، فهؤلاء هم كاليهود سواء ؛ فيطبَّق عليهم قوله - تعالى - : (( فأولئك هم الكافرون )) .
أما إن كانت الأخرى ؛ وهي أنهم يعترفون بأن الحكم بالإسلام هو الذي يجب أن يكون لكنَّ النفس الأمَّارة بالسوء التي تحمل الزُّناة والمرابين على استحلال ما حرَّم الله هي هذه النفس الأمَّارة بالسوء التي تحملهم على ... الأوضاع والخضوع للضغط العالمي الكافر إلى آخره ، لكن قلوبهم - ونحن لم نطَّلع عليها بطبيعة الحال - أحد شيئين :
إما أن تكون مُقرَّة بشرعية هذا الإسلام ؛ فحينئذٍ هم لم يخرجوا عن دائرة الإسلام هم كالفسَّاق الآخرين الذين يرتكبون المحرَّمات ، أما إن اعتقدوا بأن الإسلام لا يصلح للحكم في هذا الزمان ؛ فهو الكفر بعينه .
فمن أين لهؤلاء الناس الذين يُطلقون التكفير بالجملة بأنَّ كل حاكم من الحكام المسلمين اليوم إما أنهم اطَّلعوا على ما في قلوبهم ، أو سمعوا من ألفاظهم ما يُدينهم بأنَّهم لا يعتقدون الإسلام ، إن كان شيء من هذا فنحن معهم لا يكون مسلمًا من أنكر صلاحية الإسلام للحكم في كل زمان ومكان ، لكن لا سبيل للوصول إلى ذلك ، أما الكشف عن القلب فكلنا يعلم قوله - عليه السلام - لذاك الصحابي : ( هلَّا شقَقْتَ عن قلبه ؟! ) ؛ مع أنه صار تحت ضربة السيف ، فيغلب على الظَّنِّ أنه هذا المشرك ما قال لا إله إلا الله إلا فرارًا من القتل ، مع ذلك غلَّب الرسول - عليه السلام - لفظة الشهادة على ظاهر الفعل ، هذه الظاهرة التي تدل أنه قالها نفاقًا وخلاصًا من القتل ، فأنكر الرسول - عليه السلام - ذلك ، وقال : ( هلَّا شققت عن قلبه ؟! ) ؛ فنحن - أيضًا - نقول هؤلاء الحكام فيهم إسلام وفيهم غير إسلام ؛ فما الذي يجعلنا نُغلَّب عليهم غير الإسلام وهو الكفر على إسلامهم ؟ لا شيء عندنا إلا أن نسمع منهم خطابًا أو لفظًا أو كتابةً كما وقع من بعض الحُكَّام الذين أنكروا شرعية الصيام - مثلًا - في رمضان ، زعم محافظة على ... على الاقتصاد ونحو ذلك .
فإذًا خطأ واضح جدًّا أن نعلن تكفير الحكام هكذا إجمالًا بدون تفصيل ، ثم هَبْ أن الأمر كذلك ؛ فما شأن المستضعفين في الأرض الذين يُلحقون بهؤلاء الكفار بزعمهم أو هؤلاء الطواغيت كما يقولون إلى آخره ، إن المستضعفين في الأرض كانوا في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان ، ثم أين يذهبون بمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - بل من قول رب الأنام : (( إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) ، وقوله - عليه السلام - : ( من رأى منكم منكرًا ؛ فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) ، هذه النقاط كلها تدلُّنا على أن الجماعة ينطلقون من أهوائهم كما كان الخوارج السابقون ينطلقون من أهوائهم ، وإلا ما الذي رأوه في عليٍّ - رضي الله عنه - وهو الخليفة الراشد حتى خرجوا عليه ؟
السائل : نعم .
الشيخ : فإذًا الغلوُّ في الدين هو ظاهرة هؤلاء الناس اليوم ؛ فيجب أن لا نغترَّ بهم ، وأن نعرف أحكام الله وشريعة الله بتفاصيلها هذا من جهة ، من جهة أخرى هَبْ أن هؤلاء الحكَّام كلهم هم كفار كما يقولون ؛ فما وراء ذلك ؟ وراء ذلك الخروج عليهم ، طيب ؛ إذا كان المقصود الخروج عليهم ؛ فهل أنتم استعدَدْتُم لمثل هذا الخروج الذي يستلزم أمرين اثنين ؟
الأمر الأول : الفهم الصحيح للإسلام في عقيدته في أحكامه ، والشيء الثاني تربية هذه النفوس على هذا الإسلام المصفَّى حتى يُصبحوا كتلة واحدة إذا ما قاموا لمحاربة الكافر استطاعوا أن يتغلَّبوا عليه بإيمانهم واستعدادهم ، ليس هناك إلا عواطف جامحة شهد الواقع في العصر الحاضر في حوادث عديدة في مصر ، في الحرم المكي ، في سورية أخيرًا .
السائل : في الجزائز .
الشيخ : والجزائر إي نعم ، كل هذه الحوادث تدلُّنا على أن الناس يستعجلون .
السائل : لا بعدين فهِّمني الحادثة .
الشيخ : يستعجلون على أمر كان لهم فيهم أناة ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - عاش كما تعلمون في مكة يُضطهد من الكفار ، ويُضرب ، ويُهان ، وضعفاء المسلمين - أيضًا - يُطردون ويُقتلون إلى آخره ، ما ثاروا مثل هذه الثورة قبل أن يستعدُّوا بإيمانهم ، ثم بسلاحهم كما وقع ذلك فيما بعد حينما هاجر الرسول - عليه السلام - إلى المدينة .
فالشاهد أن هؤلاء الحقيقة أعتقد أنهم ليسوا علماء أولًا ، ثم لم يُربَّوا تربية إسلامية صحيحة ثانيًا ، ولذلك فهُم سيثيرون مشاكل من جديد دون أن يُفيدوا المسلمين أيَّ فائدة ؛ إلا أن يكونوا سببًا لتأخُّر الدعوة ، وما وقع يكفينا مثالًا - مع الأسف الشديد ! - .
والآن بالنسبة لسؤالك أنا أقول : أنا ما عندي مانع أن توجِّهوا أسئلة واضحة حول بعض الأعمال التي تُقام هناك ؛ لأنُّو أنا لا أستطيع أن أتصوَّر الوضع الذي أنتم تُشيرون إليه هناك ، فإذا كتبتم شيئًا فأنا أدرسه ، إن لم يكن هنا فإذا رجعت قريبًا - إن شاء الله - إلى عمَّان وأعطيكم الأجوبة ، وإن كنت لا أرى يعني كبير فائدة في هذا العمل ؛ لأنَّك قلت أنُّو كلامك كل منهم يُفسِّره حسب هواه ، مع أن كلامي واضح وواضح جدًّا ، لكن ألا تعتقد أن كلام الله - عز وجل - حتى اليوم المُبشِّرون النصارى يستغلُّون بعض النصوص منه لتأييد كُفرهم وضلالهم ؟ هذا شأن أهل الأهواء دائمًا وأبدًا ، فأنا ما أعتقد أنُّو في كلامي الذي سمعتموه آنفًا ما يدع مجالًا لأن يتمسَّك به كلُّ ذي هوًى ، فأنا صريح أقول : أن التحزب باطل ، تعصُّب جماعة لرجل ، مبايعتهم لرجل ، ومعاداة هذه الجماعة لجماعة أخرى هذا باطل لا يجوز ، فكيف يُمكن أن يُستغلَّ هذا الكلام لصالح الجماعة التي أقول أنا عنها إنها مُبطلة وإنها متحزبة ؟