بيان اختلاف العلماء في معنى الورود المذكور في قوله تعالى : (( وإن منكم إلا واردها )) ، وبيان الراجح من الأقوال.
A-
A=
A+
الشيخ : لكن المفسرون اختلفوا في معنى الورود في الآية : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) على أقوالٍ ثلاثة : القول الأول : هو الظاهر مِن الآية : واردها أي : داخلها .القول الثاني : واردها يعني : مارر من فوقها .القول الثالث : يمر بطرفها وبجنبها . ولكلٍّ من هذه الأقوال الثلاثة مستند من الناحية العربية ، لأن الورود يأتي بمعنى الولوج والدخول ، ويأتي بمعنى المرور من فوق ، ويأتي بمعنى الاقتراب من المكان كإيراد مثلًا إبل على الحوض ، ليس معناه الدخول وإنما على طرف الحوض ، فلكل من هذه الأقوال الثلاثة في تفسير الورود في الآية السابقة : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) مستند من الناحية اللغوية .ولكن هنا يظهر للباحث المسلم أهمية السنة التي كما يقولون اليوم " تضع النقاط على الحروف " وتُزيل الاحتمالات التي ترد في بعض النصوص من القرآن كهذا النص : الورود يفسر بثلاثة معاني كما ذكرنا .السنة تحدد لنا أن الورود معناه الدخول ، والأدلة على ذلك كثيرة ولا أريد أن أستطرد في ذكرها كثيرًا ، وإنما أذكر نصًا واحدًا منها : روى الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يومًا : ( لا يدخل النار أحدٌ من أصحاب الشجرة ) : أصحاب الشجرة الذين ذكروا في القرآن الكريم وأنهم بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ، هؤلاء أَخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -وطبعًا خبره وحي السماء من الله - تبارك وتعالى - أنهم لا أحد منهم يدخل النار ، ( لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة أو من أهل الشجرة ) ، فأشكل الأمر على إحدى إمهات المؤمنين أزواج النبي الكريم ، أَلَا وهي حفصة بنت عمر بن الخطار - رضي الله عنها - أشكل هذا الخبر : ( لا يدخل أحد من أهل الشجرة النار ) . قالت : كيف يا رسول الله والله - عز وجل - يقول : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ) : فمن هذا الإشكال الذي أوردته السيدة حفصة بناء على ما فهمته من نصِّ نبيِّها وزوجها ( لا يدخل أحدٌ النارَ من أصحاب الشجرة ) لما أوردت الآية معنى ذلك أنها فهمت أن الآية على خلاف الحديث ، أي : معنى الآية : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) داخلها ، فكيف يقول الرسول - عليه السلام - : ( لا يدخل النار أحدٌ من أصحاب الشجرة ) ؟! لذلك أشكل عليها الأمر ، أُريد أن أُدندِن حول هذا الاستدلال من السيدة حفصة ، استدلت بالآية أنه لا بد لكل مخلوق مِن أن يدخل النار ومن هؤلاء أصحاب الشجرة فلذلك أشكل الأمر عليها حينما سمعت نبيها يقول : ( لا يدخل النارَ أحدٌ من أصحاب الشجرة ) ، فلو كان معنى الورود في الآية غير الخروج لصحَّح النبي - صلى الله عليه وسلم - لها المعنى الذي فهمته من الآية ، ولكن الواقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّها على هذا الفهم وعلى أن المعنى للورود هو الدخول ، إلا أنَّه بين لها أن الإشكال الذي ورد عليها طائح ذاهب مِن أصله لأنه قال - عليه الصلاة والسلام - لها : ( ألم تقرئي ما بعد الآية : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )) ) .
إذًا هذا الحديث يوضح لنا معنى الآية : أن الورود هو بمعنى الدخول أولًا ، وأن هذا الدخول عامٌّ شامل للمؤمن والكافر ، للصالح والطالح (( وَإِنْ مِنْكُمْ )) ، ولكن من كان مستحقًّا للخلاص من النار بدون عذاب أنجاه الله - عز وجل - منها وأخرجه بسلام ، ومن كان مُستحقًا للبقاء فيها ما شاء الله فهو الذي قال الله - عز وجل - : (( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )) ، هذا الدخول إذًا قسمان : دخول مقرون بعذاب وهذا خاص بالفجار أو الكفار كل بحسبه . أو دخول ليس مقرونًا بعذاب ، إذًا ما الحكمة من ذلك ؟! لقد ذكر علماء التفسير وبخاصة منهم فخر الدين الرازي في تفسيره المعروف : " مفاتيح الغيب " ذكر لذلك حكمٌ كثيرة منها : أن الأبرار حينما يدخلون النار ولا تمسهم بعذاب يرون أهل النار كيف يُعذَّبون وهم لا يُعذَّبون ، هذه آية عجيبة من آيات الله - عز وجل - يوم القيامة ، المسلمون في قلب النار لكن النار لا تؤثر فيهم إطلاقًا ولكنها تحرِّق من يستحقُّ التحريق وتعذب من يستحقُّ العذاب من الكفار أو الفجار ، فهم حينما يرون هذه الأنواع من العذاب يحمدون الله - عز وجل - أن نجاهم من النار ، فهذا من عبرة دخولهم النار مرورًا ورؤيتهم أهل النار يعذبون .
إذًا هذا الحديث يوضح لنا معنى الآية : أن الورود هو بمعنى الدخول أولًا ، وأن هذا الدخول عامٌّ شامل للمؤمن والكافر ، للصالح والطالح (( وَإِنْ مِنْكُمْ )) ، ولكن من كان مستحقًّا للخلاص من النار بدون عذاب أنجاه الله - عز وجل - منها وأخرجه بسلام ، ومن كان مُستحقًا للبقاء فيها ما شاء الله فهو الذي قال الله - عز وجل - : (( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )) ، هذا الدخول إذًا قسمان : دخول مقرون بعذاب وهذا خاص بالفجار أو الكفار كل بحسبه . أو دخول ليس مقرونًا بعذاب ، إذًا ما الحكمة من ذلك ؟! لقد ذكر علماء التفسير وبخاصة منهم فخر الدين الرازي في تفسيره المعروف : " مفاتيح الغيب " ذكر لذلك حكمٌ كثيرة منها : أن الأبرار حينما يدخلون النار ولا تمسهم بعذاب يرون أهل النار كيف يُعذَّبون وهم لا يُعذَّبون ، هذه آية عجيبة من آيات الله - عز وجل - يوم القيامة ، المسلمون في قلب النار لكن النار لا تؤثر فيهم إطلاقًا ولكنها تحرِّق من يستحقُّ التحريق وتعذب من يستحقُّ العذاب من الكفار أو الفجار ، فهم حينما يرون هذه الأنواع من العذاب يحمدون الله - عز وجل - أن نجاهم من النار ، فهذا من عبرة دخولهم النار مرورًا ورؤيتهم أهل النار يعذبون .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 46
- توقيت الفهرسة : 00:00:00