هل يجب الحج على الشخص إذا بذل له المال من الغير وما هو مذهب الحنابلة في ذلك ؟
A-
A=
A+
الشيخ : هنا سؤال أو سؤالين : ذكر السيد سابق في " فقه السنة " أن الحنابلة قالوا : " لا يلزم الحج ببذل الغير له ولا يصير مستطيعًا بذلك سواء كان الباذل قريبًا أم أجنبيًا " : هل هذا الحكم صحيح وما الأدلة التي استند إليها الحنابلة في هذا الأمر ؟ ! لا أتصور أو لا أعلم وُجود دليل في هذه القضية ، وإنما هو الرأي والاجتهاد ككثير من المسائل الشرعية ، والعبارة تحتمل معنيين اثنين هنا قال : " لا يلزم الحج ببذل الغير له " : إذا كان المقصود بالبذل هو الإعطاء فعلًا للرجل الذي لا يستطيع الحج المال الذي يتمكن مِن الحج به فحينئذٍ صار مستطيعًا ، فحينئذٍ يجب عليه أن يحج ويقبل هذا البذل ما دام أنه قُدّم إليه ، فإذا كان المقصود بتقديم البذل هو تمليكه فلا إشكال عندنا ولا ريب أن هذا الحج يجب عليه . أما إذا كان المقصود بالبذل بمعنى أنه يُعطى مال لغير هذا الذي لا يستطيع الحج فيحج عنه فهذا لا يجب الحج عليه حينذاك ، لأنه في هذه الصورة التي فرضتها سوف لا يحج هو وإنما سيحجَّج عنه آخر بمال مقدم إليه ، فإذا قُدم المال مباشرة إلى الذي لا يملكه ليحج فقد صار مستطيعًا وشملته الآية المعروفة (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) . أما إذا لم يملك المال وإنما قيل له نحجج إنسان عنك فهنا لا يحج أحد عن أحد كما شرحنا ذلك في درس مضى . وأنا في الواقع أستغرب هذا الحكم من جهة نسبته للحنابلة فقط ، فأنا ما درست المشكلة هذه وإنما وجه استغرابي لها هو : أنه ثبت في السنة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما حج حجة الإسلام حجة الوداع ورجع منها ، جاءت إليه امرأة شاكية تشكو زوجها إليه - صلى الله عليه وسلم - ، واسمها أم طلق ، قالت : " يا رسول الله ، إن زوجي عنده جمله فلان ، وأبى أن يحجِّجَني عليه " ؛ يعني : لما حج مع الرسول الفرض كله يا أبو فلان يا أبو طلق حججني معك هي جملك فلان زائد عن جملك قال هذا لناضحنا يعني للزرع وسحب الماء وسقي النخيل ونحو ذلك ، فهي تشكو الزوج إلى الرسول - عليه السلام - بعد ما عاد من الحج ، ( فأرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وراء أبي طلق ، وذكر له ما ادَّعته زوجته عليه ، وأن عندك جمل هو ناضحك ، قال يا رسول الله : إني أعدَدْتُه في سبيل الله . فقال - عليه السلام - - وهنا الشاهد - : ( أما إنك لو أحجَجْتَها عليه لَكانَ في سبيل الله ) : فمن هنا يقول الإمام أحمد مِن بين كل الأئمة الذين قالوا في تفسير قوله - تعالى - في مصارف الزكاة : (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ )) ثم قال في آخرها : (( وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ )) الأئمة قالوا : في سبيل الله الجهاد ، أحمد زاد عليهم فقال : والحج ، أي لو أن رجلًا عنده زكاة مال ألفين ثلاثة آلاف ليرة اليوم - مثلًا - بيحججوا الإنسان ، فقالوا للفقير هي ثلاثة آلاف ليرة روح حج عنك سقطت الزكاة عنه ، بينما الأئمة الآخرين يقولون : لا سبيل الله قال في الجهاد في سبيل الله قتال يعني حرب ، الإمام أحمد يقول الحرب هو الحج . وكان الرسول - عليه السلام - أشار إشارة لطيفة جدًّا في حديث رواه البخاري مِن حديث السيدة عائشة حينما طَلَبت النساء مِنه أن يجاهدن معه فقال - عليه السلام - : ( جهادكنَّ الحج والعمرة ) ؛ أي : لأن الحج هو نوع من الجهاد في سبيل الله ، فلما ذكر الله - عز وجل - في آخر مصارف الزكاة قوله : (( وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ )) أَدخل في هذا المصرف الإمامُ أحمد دفع المال للفقير ليحج ، فيكون ذلك المال قد سقط عنه فرضية الزكاة ، واستدل على ذلك بحديث أبي طلق حينما قال الرسول - عليه السلام - لأبي طلق : ( أما إنك لو أحجَجْتَها على جملك أو ناضحك لَكانَ في سبيل الله ) ؛ يعني في الجهاد ، فالحج من جملة الجهاد الداخل في معنى في سبيل الله ، لذلك هنا ينقل عن السيد سابق أنه نقل عن الحنابلة أنه لا يلزم الحج ببذل إلى آخره ، كيف هذا ما دام الفقير أُعطي له ما يتمكن من الحج به فقد صار واجب الحج عليه ، هذا الذي نراه في هذه المسألة .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 25
- توقيت الفهرسة : 00:00:00