باب : - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
باب :
A-
A=
A+
الشيخ : حديث آخر ونكتفي به . يقول المؤلف - رحمه الله - : " باب طيب النفس " يرويه بسنده الصحيح : عن مُعَاذَ بنَ عَبدِ اللَّهِ بنِ خُبَيبٍ الجُهَنِيَّ يحدِّث عن أبيه عن عمِّه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَرجَ عَليهِم وعَليه أَثَرُ غُسلٍ ، وَهو طَيبُ النَّفسِ ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ ألمَّ بِأهلِهِ ، فَقُلنَا : يَا رسولَ اللَّهِ ، نَراكَ طَيِبُ النَّفسِ ؟ قَالَ : ( أَجَل ، والحَمدُ لله ) ، ثُمَّ ذُكِرَ الغِنَى فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّهُ لَا بَأسَ بِالغِنَى لِمن اتَّقَى ، والصِّحَةُ لِمَن اتَّقَى خَيْرُ مِن الغِنَى ، وطِيبُ النَّفسِ مِن النِّعَم ) ، والذي نحفظه في الدراسات القديمة من النعيم : ( وطيب النفس من النعيم ) .

يذكر الراوي في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج عليهم ذات خرج عليهم وعليه أثر الاغتسال ونفسه مطمئنة رضية ، والإنسان كما هو معلوم تظهر على ملامح وجهه إن كانت نفسه صافية رضية مطمئنة أو على العكس من ذلك ، فلاحظ أصحابه ذلك منه - عليه الصلاة والسلام - فقالوا : ( يا رسول الله ، نراك طيب النفس ؟ قال : أجل ، والحمد لله ) يحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه على أن متَّعَه بالحلال ، ثم بهذه المناسبة ذكر - عليه الصلاة والسلام - حديثًا فيه أيضًا حض للمسلم على أن يكون غني النفس فإن كان كذلك فلا يضره بعد ذلك إن كان فقير المال ، قال - عليه السلام - : ( إِنَّهُ لَا بَأسَ بِالغِنَى لِمن اتَّقَى ، والصِّحَةُ لِمَن اتَّقَى خَيرٌ مِن الغِنَى ) ، لا بأس للمؤمن أن يكون غنيًّا ، لكن بشرط أن يكون تقيًّا ، وإلا فإذا كان المرء غنيًّا ولم يكن متَّقيًا الله - عز وجل - في ماله لا من حيث كسبه إياه ولا من حيث إنفاقه له ولا من حيث تسرفه هو في ذات نفسه به ، إذا لم يكن تقيًّا في ماله هذا المال وبال على صاحبه كما جاء في بعض الأحاديث التي سبق أن ذكرناها أن المسلم أول ما يُسأل عنه يوم القيامة أمور ذكر منها : ( وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ ) ؛ لذلك فالرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول : ( إنه لا بأس بالغنى لِمَن اتَّقى ) وهذه الجملة من هذا الحديث تلتقي مع حديث عمرو بن العاص السابق ألا وهو قوله - عليه السلام - : ( نِعْمَ المالُ الصالح للرجل الصالح ) أما إن كان المال في يد رجل غير تقي غير تقي فهو سيكون ضرره في تصرفه بهذا المال أكثر من نفعه ، فلا جرم أن الشارع الحكيم فرض على الذين يتصرفون بأموالهم تصرفا غير مشروع فرض عليهم ما يعرف بالحجر على السفيه ، يولّى عليه رحل حكيم عاقل ينفق عليه من ماله ولا يدعه يتصرف لأنه سينفقه في سبله غير المشروعة ، لذلك قال - عليه السلام - : ( لا بأس بالغنى لِمَن اتَّقى ) ، ولكنه - عليه السلام - في الوقت نفسه قال : ( والصحة لِمَن اتَّقى خيرٌ من الغنى ) . لعل ذلك لأن المال بالنسبة للصحة يجري مجرى الوسيلة مع الغاية ، فإذا تحقَّقت الصحة فلم يبق هناك قيمة للمال ، ولذلك نحن نجد كثيرين من الأغنياء والموسرين يعيشون حياتهم الطويلة في حزن وكمد بسبب مرض مزمن ألَمَّ بهم وعلى حياتهم ، فلم يستفيدوا شيئًا من مالهم ، لذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( والصحة لِمَن اتَّقى خيرٌ من الغنى ) . أيضًا قيّد هذا الخير في أن يكون المسلم في صحة في بدنه في أن يكون متّقيا أيضًا في ذلك لربه ، وإلا فكما أن المال يُصرف في معصية الله - عز وجل - فكذلك الصحة تصرف في كثير من الأحيان في معصية الله - تبارك وتعالى - في أن يتجبَّرَ على الضعفاء والمساكين في أن يظلم الناس ، لأنه يرى نفسه أقوى منهم في بدنه ، ولذلك فكل من الغنى والصحة لا بد له من التقوى ولكن الصحة مع التقوى خير من الغنى مع التقوى .ثم قال - عليه السلام - في رواية هذا الحديث : ( وطيب النفس من النعم ) أي : طيب النفس وضصاها بما قسم الله - عز وجل - لها سواء كان صاحبها غنيا أو فقيرا ، سواء كان صحيح البدن أم مريضًا ، فطيب النفس لا تستلزم أبدًا شيئًا من هذه الكمالات الدنيوية ، بينما طيب النفس إنما يتحقَّق للإنسان بقوة إيمانه بربِّه واستسلامه لقضائه وقدره .

نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من المؤمنين الصابرين الراضين بقضائه وقدره .

مواضيع متعلقة