فائدة : التقوى تنقسم إلى قسمين اثنين.
A-
A=
A+
الشيخ : وتقوى الله يجب أن نعلم أنها ينقسم إلى قسمين : تقوى الله تفسّر تارة ، وهذا أقل ما يفسّر به : هو اجتناب نواهيه والإتيان بما أمر الله - عز وجل - به .ويفسّر أحيانًا وهي تقوى الكُمَّل من الرجال بأنها الإتيان بكل ما يرضي الله - تبارك وتعالى - سواء كان أمرًا واجبًا أو كان أمرًا مستحبًّا ، والانتهاء عما نهى عنه سواء كان نهيًا محرَّمًا أو نهيًا مكروهًا . وهذا المعنى الثاني هو الذي يشير إليه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله : ( دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك ) أن يترك الإنسان ما ليس فيه شبهة مخافة أن يقع في شبهة هذا تقوى في أعلى مراتب التقوى ، لكن هذا ليس أمرًا واجبًا إنما هو من فضائل الأعمال ، ولهذا - أيضًا - أشار الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - في حديث النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إنَّ الحلال بيِّن والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس ، فَمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) ؛ فإذًا الأمور ثلاثة : أمر حرام يجب اجتنابه ، وأمر حلال يجوز ارتكابه ، وأمر لا يُدرى أهو من الحلال أم من الحرام فالاحتياط والتقوى الكاملة أن يبتعد الإنسان عن مواقعة هذه الشبهات .مثاله مما يتعلق في حياتنا اليوم : هذه المعلَّبات التي يكثر السؤال عنها في كل مكان في هذا الزمان حيثما ذهبنا ما حكم هذه اللحوم المعلّبة التي تأتي من أوربا مثلًا ؟ فنحن نجيب من الناحية الفقهية أن هذه اللحوم إن عُرف أنها ذبحت ذبحًا شرعيًا بمعنى أنها لم تُقتل قتلًا وإنما ذبحت ذبحًا وكان الذابح من أهل الكتاب فهي حلال ، وإن كانت هذه اللحوم لم تُذبح ذبحًا شرعيًا وإنما قُتلت قتلاُ على الطريقة المتبعة اليوم في كثير من بلدان الغرب ، أو ذُبحت ذبحًا شرعيا ولكن الذّابح لم يكن مسلمًا ولا من كان من أهل الكتاب فحين ذاك هذا اللحم لا يجوز أكله ، فإن عرفنا أنه من النوع الأول جاز أكله ، وإن عرفنا أنه من النوع الثاني حرُم أكله ، وإن كنا لا نعلم أنه كثير من الأحيان نقع في حيرة يا ترى هذه اللحوم المعلّبة ذبحت ذبحًا شرعيًّا ولا لا ، ما ندري فالتقوى حين ذاك الابتعاد عن هذه اللحوم ، التقوى التي هي من أعلى درجات التقوى ، لكن لو أكلها الإنسان وهو لا يعلم أنها ذبحت غير ذبح شرعي فليس عليه بأس ، لكن الأفضل كما قال - عليه السلام - فيما ذكرنا آنفًا : ( دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك ) . والمقصود أن التقوى مرتبتان : مرتبة لا بد منها لكل مسلم وهي كما ذكرنا آنفًا : الإتيان بما أمر الله والابتعاد عما حرّم الله ، هذه تقوى لا يد أن يتّقيها كل مسلم .هناك تقوى في مرتبة أخرى وهي الابتعاد عن كل ما فيه شبهة ، فالابتعاد عن كل ما فيه شبهة مرتبة فاضلة ، ولكن لا تجب على كل الناس لأن هذا من باب الحيطة والحذر كما ذكرنا آنفًا من قوله - عليه السلام - : ( دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك ) ، فكلمة تقوى الله إذًا مع أعظمية حسن الخلق هي في الواقع قد جمعا الخير كله ، لأن المسلم إذا اتقى الله أو أتى بما فرض الله وابتعد عما حرّم الله فليس عليه مسؤولية ومؤاخذة أمام الله - تبارك وتعالى - ، على نحو ما جاء في حديث ذلك الأعرابي الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عمَّا فرض الله عليه فأخبره بالخمس صلوات في كل يوم وليلة فقال له : يا رسول الله ، هل عليَّ غيرهنَّ ؟ قال : ( لا ، إلا أن تطَّوَّع ) ، ثم سأله بما فرض الله عليه من صيام ، فأخبره بأن عليه من صيام شهر رمضان في كل سنة قال : هل عليَّ غيره ؟ قال : ( لا ، إلا أن تطَّوَّع ) . وهكذا كلما ذكر الرسول - عليه السلام - له ما فرض الله عليه سأله هل علي غير ذلك قال لا إلا أن أحببت أن تطَّوَّع يعني أن تزداد من عمل الخير مما لم يفرِضْه الله عليك ، فبعد أن انتهى الرسول - عليه السلام - من بيان ما فرض الله عليه انصرف ذلك الأعرابي وهو يقول : " والله - يا رسول الله - لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص " ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( أفلح الرجل إن صدق ، دخل الجنة إن صدق ) ، هذا خبر من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن المسلم إذا أتى بما فرض الله واجتنب ما نهى الله فهو في الجنة لا شك ولا ريب في ذلك ، ولكن ما بين أن يكون في الدرجة الدنيا من الجنة وبين أن يكون في الدرجات العاليات هذا لا يمكن بمجرد الاقتصار على فرائض الأعمال والابتعاد عن المحرّمات من الأعمال إنما تكون الدرجات في التسابق في الخيرات ، فهذا النوع من التقوى هو الواجب على كل مسلم كما جاء - أيضًا - في الحديث الآخر : ( قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن أنا صلَّيت الصلوات الخمس ، وصمت رمضان ، وحلَّلت الحلال ، وحرَّمت الحرام ؛ أأدخل الجنة ؟ قال : ( نعم ، إن أنت صليت الصلوات الخمس ، وصمت رمضان ، وحرَّمت الحرام ، وحلَّلت الحلال ؛ دخلت الجنة ) هذه التقوى هي أدنى مراتب التّقوى وهي التي لا بد على كل مسلم من أن يتحقق بها ، لكن التقوى أن تقوم الليل والناس نيام ، أن تتصدق بالمال الذي ما فرضه الله عليك لأنه ليس من الزكاة المفروضة ونحو ذلك من مكارم الأخلاق هذا باب لا يتنهي وبه يتبيّن المسلم البار من المسلم الذي يريد فقط النجاة من النار والدخول للجنّة ، فهذه هي التقوى بقسميها تقوى لا بد منها ، وتقوى تستحب ويتفاضل فيها الناس على مراتب كثيرة .أما حسن الخلق فهو بالإضافة إلى ما سبق من التقوى قال - عليه السلام - : أن من أكثر أسباب خول الجنة بعد التقوى حسن الخلق ، وقد عرفنا في الدرس الماضي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الرجل لَيُدرك بحسن خلقه درجةَ قائمِ الليل صائم النهار ) .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 18
- توقيت الفهرسة : 00:00:00