ما الدليل من الكتاب والسنة على عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة ؟
A-
A=
A+
الشيخ : وهو قوله : ما هو دليل الكتاب والسنة على أنه لا زكاة في مال التجارة ؟الجواب من وجهين اثنين : أولًا : أن الأموال الأصل فيها الحرمة التحريم كالدّماء والأعراض ، فلا يجوز استباحة شيء من هذه الأمور إلا بنص لأن الأصل فيها الحرمة كما جاء في خطبة الرسول - عليه السلام - في عرفات حين قال : ( ألا إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في عامكم هذا ، في بلدكم هذا ) فلما كانت الأموال الأصل فيها الحرمة فلا يجوز أخذ شيء منها إلا بنصٍّ ، فالله فرض الزكاة على النقدين فرض الزكاة على الحيوانات وهي معروفة ، وفرض الزكاة على أنواع معيّنة من الزروع كما سيأتي بيانه في الجواب عن السؤال الثالث . ولم نجد في الكتاب ولا في السنّة آية أو حديثًا يأمر المسلم بأن يخرج زكاة عروض تجارته ، فإذا كان الأصل الحرمة ولم يأت نص يخرجنا من هذا الأصل فجب علينا أن نبقى على هذا الأصل ، والأصل في الأشياء هنا الحرمة وليس الإباحة ، القاعدة التي تقول : " الأصل في الأشياء الإباحة " هي فيما خلق الله - عز وجل - من أمور مما أنبت من نباتات وخلق من حيوانات فالأصل في هذه الأشياء الإباحة ، أما فيما يتملّكه الإنسان من مال فالأصل فيه الحرمة كما ذكرنا من خطبة الرسول - عليه السلام - ، حتى يأتي نص ينقلنا من الحرمة إلى الإباحة والوجوب هذا أولا .وثانيًا : أن التجارة كانت معروفة في عهد النبوة والرسالة ، يقول : كنا سمع أن عثمان بن عفان كان من أغنى أصحاب الرسول - عليه الصلاة والسلام - حتى تمكّن وهو شخص واحد أن يجهّز جيش العسرة من ماله الخاص ، وكذلك عبد الرحمن بن عوف كان من أغنياء الصحابة حتى قُطع الذهب بالفؤوس بعد وفاته ، لم يُنقل إطلاقًا أن تجار الصحابة وفي مقدّمتهم هذان الصحابيان أن الرسول - عليه السلام - أمرهما أن يخرجا زكاة تجارتهما أو أنهما أخرجا الزكاة فعلًا لأنهما لو أخرجا لعرفنا أن الرسول أمرهما بذلك ، فما نُقل أن الرسول أمرهما بذلك ، ولا نقل أنهما أخرجا فعلًا الزكاة من تجارتهما .إذن حتى الآن صار معنا دليلين على أن الزكاة لا تجب على عروض التجارة ، الدليل الأول : أن الأصل في الأموال الحرمة ، الدليل الثاني : أن التجارة كانت معروفة في عهد الرسول - عليه السلام - فلم يأمر بإخراج الزكاة ولا أمر الصحابة شيئًا من الزكاة عنها .ثالثًا وأخيرًا : ما ذكرناه آنفًا من موقف عمر بن االخطاب وأصحابه الذين كانوا معه في تلك الجلسة من امتناعه أن يأخذ زكاة الخيل التي جاء بها أصحابها للتجارة من بلاد الشام ، وإنما أخذ منهم صدقتها صدقة تطوع من أصحاب هذه الأموال .ولكن هنا شيء لا بد من التذكير به إذا كان رجل أنعم الله - تبارك وتعالى - عليه بثروة من أموال التجارة ، فقد أمرنا بتطير أنفسنا مما طُبعت عليه كما قال - تعالى - : (( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ )) ، وقد أمرنا بأن نطهر أنفسنا من أوضار وآثار الشّح وذلك بأن نخرج الزكاة (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )) فتزكية النفس حين ذاك بالنسبة للأموال التي يملكها المسلم على نوعين اثنين : النوع الأول : الزكاة التي فرضها الشارع محدودة النصاب محدودة الواجب عليه التي هي اثنان ونصف مثلًا أو الربع أو العشر أو نحو ذلك مما هو معروف في كتاب الزكاة من كتب الحديث والفقه فهو يُخرج من تلك الأموال التي فرض الله - عز وجل - عليها نسبة معيّنة بالمئة اثنان ونصف فبذلك يطهر ماله ، والمال المطلق الذي لم يفرض الشارع الحكيم عليه زكاة معيّنة فهو يخرج منها ما تطيب نفسه مما يشعر بأنه في طريق تزكية نفسه مما طبعت عليه من الشح والبخل .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 17
- توقيت الفهرسة : 00:00:00