تتمة شرح حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( ... حسن خليقة، وعفاف طعمة، وصدق حديث، وحفظ أمانة ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ما هي هذه الخصال الأربعة ؟ قال - رضي الله عنه - : " حسن خليقة " ، يعني خلق ، إذا أعطيت حسن الخلق من الخصال الأربعة فلا يضرُّك أيها المتخلّق بالخلق الحسن ما فاتك من زينة الدنيا " حسن خلق ، وعفاف طعمة " يعني أن يكون أكلك في عفَّة أن يكون بعيدًا عن الأكل ما حرَّم الله - عز وجل - سواء تأكل ما عينه حرام أو تأكل الحلال الذي اكتسب بطريق محرّم ، فما دمت أعطيت حسن خليقة وعفاف طعمة أي أكل عفيف يعني حلال وليس عندك تهجّم على أكل أموال الناس حتى أن الطعمة أوسع من أنه يبتعد عن الحرام بل هو أيضًا لا تطمع نفسه لأن يأكل أموال الناس ولو برضى من أنفسهم ، ولكن قد لا تكون نفوسهم طيبة بهذا المال لولا أنه هو يتعاطى أساليب معيّنة بحيث أن يحمل أصدقاؤه وإخوانه على أن يقدّموا إليه ما يرى فيه من طعام وشراب ولا يفعل شيء من هذا إطلاقًا ، كما يشير إلى ذلك حديث أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان إذا جاء النبي - عليه الصلاة والسلام - غنائم أعطى عمر جزء منها عطية ، فيتعذَّر عمر - رضي الله عنه - بقوله : " يا رسول الله ، أعطِه هذا الذي تعطنيه ، أعطه إلى مَن هو أحوج إليه منِّي " ، هذا يدل على عفّة نفس عمر بن الخطّاب وأنه ليس عنده طمع ولا جشع ولا عنده جموح إلى هذا المال ولو كان حلال ، فيقول : " أعطِه إلى مَن هو أحوج إليه منِّي يا رسول الله " ، فكان الرسول - عليه السلام - يقول له معلّمًا له العدل والتيسير أي ترك الإفراط والتفريط فقال له : ( يا عمر ، ما آتاك الله من مال ونفسك غير مشرفة إليه فخُذْه وتموَّلْه ؛ فإنما هو رزقٌ ساقَ الله إليك ) . الشاهد من هذا الحديث أوَّلًا موقف عمر مما يدل على عفَّة نفسه ، وثانيًا : أمر الرسول - عليه السلام - بأن يأخذ ما دام نفسه غير متطلعة إلى هذا المال ويقول : ( ما آتاك الله من مال ونفسك غير مشرفة إليه ) يعني غير مائلة غير طامعة يعني : أعطيني يا ليت فلان يخدمني لا هو راض في قلبه مع ربه - سبحانه وتعالى - فلا يطمع في أموال الناس . الرسول - عليه السلام - يقول لعمر : ( ما آتاك الله من مال ونفسك غير مشرفة إليه فخُذْه وتموَّلْه ؛ فإنما هو رزقٌ ساقَ الله إليك ) وفي بعض الروايات : ( خُذْه وتموَّلْه وتصدَّق به ) هذا من عفاف الطعمة . والخصلة الثالثة : صدق حديث أي : من أعطي إذن مع عفة طعمة وحسن خليقة صدق الحديث فهو دائمًا وأبدًا يتكلَّم صدقًا ولا يعرف للكذب طريقًا أبدًا ، فهذه - أيضًا - خصلة من هذه الخصال الأربع التي إذا أوتيها المسلم أو المسلمة فلا يضرُّه ما فاته من زينة الدنيا وزخرفها . والخصلة الرابعة والأخيرة : وهي حفظ أمانة ، وهذا في الواقع يلتقي مع الخصلة الثانية وهي عفّة طعمة ، لأن الإنسان العفيف الذي لا تميل نفسه إلى أموال الناس ولو قُدِّمت إليه من طريق حلال فهذا أولى وأولى أن يحافظ على ما وضع عنده من أمانة وهو يحقق قول الله - عز وجل - فيها وهو قوله : (( أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) . فإذًا : يقول عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - : ( أربع خلال إذا أعطيتهنَّ فلا يضرُّك ما عزل عنك من الدنيا : حسن خليقة ، وعفاف طعمة ، وصدق حديث ، وحفظ أمانة ) . ونكتفي الآن بهذا المقدار من الأحاديث لنتوجَّه بعد ذلك إلى الإجابة عن بعض الأسئلة التي توفَّرت لدي .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 17
- توقيت الفهرسة : 00:00:00