تتمة شرح حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
A-
A=
A+
الشيخ : في التوراة زاد في وصف الرسول - عليه السلام - على هذه الصفات فقال : " وحرزًا للأميين " أي : وحصنًا حصينًا للأميين ، هذا في الواقع من جملة الأنباء الغيبية لأن التوراة نزل ولا يعرف المنزل عليهم اليهود من هم المقصودون بالأميين ، فهو يقول في التوراة أن من صفات هذا النبي الذي سيبعث آخر الزمان ويختم به باب النبوة لا يعرف اليهود أن أتباعه أو قومه الذي سيبعث فيهم هم أميون ، فنبأهم سلفًا ربنا - عز وجل - بطريق كتابه التوراة بأن هذا النبي الكريم الموصوف بأنه شاهد ومبشر ونذير بأنه حرز للأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون وفي هذا دلالة أن هذا النبي سوف يبعث من غير اليهود والنصارى لأن اليهود والنصارى ما كانوا أميين والأميون إنما هم العرب الذين قال الله - عز وجل - في وصف نبيه - تبارك وتعالى - أيضًا : (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ )) ، فالعرب هم ... . فابتلاهم الله بأن سلط عليهم من حولهم من الأعداء لذلك عاشوا وليست لهم دولة قائمة عاشوا قبائل شتى وطرائق قددًا يقتل بعضهم بعضًا ظلمًا بغير إثم ولا حرج ولا أي شيء ، فكان الروم يستعبدونهم وكان الفرس يستعبدونهم فلما جاء الإسلام بطريق محمد - عليه الصلاة والسلام - واستجاب له المؤمنون وهم أميون صار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصنًا لهم فلم يستطع بعد ذلك أن يستعبده الروم ولا الفرس ، بل انقلبت الآية وانعكست فجعل الله كلمة هؤلاء المؤمنين الأميين هي العليا وجعل كلمة الكفار الذين هم فارس والروم يومئذٍ السفلى ، فحين هذه الحقائق تشير هذه الكلمة الوجيزة التي كانت وحيًا من السماء إلى موسى - عليه السلام - في كتابه التوراة فقالت وحرزًا للأميين ، أي رسول الله يكون حصنًا حصينًا لأصحابه المؤمنين به وهم من الأميين ، وخاطب الله - عز وجل - نبيَّه - عليه السلام - كما جاء في التوراة : أنت عبدي ورسولي ، أنت عبدي ما في هذه المناداة إذا قال رب العالمين لنبيه أنت عبدي ؟ في هذا تشريف وأي تشريف لأن أي إنسان من البشر إذا انتسب لعظيم من العظماء ولو خائن تشرف وهو بشر مثله ، فكيف لا يتشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسبة الله له إليه كعبد من عباده المصطفين الأخيار ؟! فإذا لاحظنا هذا المعنى عرفنا أن خطاب الله - تبارك وتعالى - لنبيه - عليه السلام - بقوله : أنت عبدي هو تشريف له - عليه الصلاة والسلام - وأيما تشريف ؛ ولذلك لما ذكر الله - عز وجل - في سورة الإسراء في مطلعها أن الله - عز وجل - أسرى به - عليه السلام - قال : (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ )) ما قال سبحان الله الذي أسرى بمحمد لأنه في هذه التسمية وصف ولكن ليس فيها تشريف كما هو في قوله - تبارك وتعالى - : (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا )) إلى آخر الآية ، هكذا - أيضًا - ههنا في الآية الواردة في التوراة : " أنت عبدي " أي : ورسولي " أنت عبدي المختار المصطفى من بين عبادي ، ورسولي أرسلك إلى الناس جميعًا وكافة ورحمة للعالمين سميتك المتوكل " من أسماء الرسول - عليه السلام - : المتوكل على الله .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 10
- توقيت الفهرسة : 00:00:00