شرح حديث علي رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه منها بشيء ، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله ... ).
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الثاني الذي أورده المصنف - رحمه الله - في هذا الباب هو ما رواه عن علي - رضي الله عنه - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الله بن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه منها بشيء ، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله فضحكوا من حموشة ساقيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ما تضحكون ! لرِجل عبد الله أثقل في الميزان من أُحد " . رجل عبد الله بن مسعود أثقل من أحد في الميزان عند الله - تبارك وتعالى - ، وما ذالك إلا لأنه كان من المهاجرين السابقين الأولين وكان أُوتِيَ حظًّا كبيرًا من العلم والفقه في الإسلام ؛ ولذلك جاء ذكر عبد الله بن مسعود في غير ما حديث صحيح عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال مثلًا : ( لو كنت مؤمرًا أحد بغير مشورة لأمرت ابن أم عبد ) يعني : عبد الله بن مسعود ، وقال أيضًا - عليه الصلاة والسلام - في بيان بعض فضائل ابن مسعود : ( مَن أحبَّ أن يقرأ القرآن غضًّا طريًّا فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد ) ، فعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - من هؤلاء الصحابة الذين أوتوا حظًا وافرًا من المناقب والفضائل والعلم ، والشاهد من إيراد الحديث تحت هذا الباب هو إثبات - أيضًا - جواز الخروج إلى خارج البلدة إما للمهنة والصنعة كما في أثر أبي سعيد الثابت حيث خرج إلى نخله وإما للفسحة أو النزهة كما قد يمكن أن يكون حديث ابن مسعود هذا لأنه يقول علي في أوله : ( أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود أن يصعد شجرة ) ، والغالب أن مثل هذا الشجر لا يكون خاصة يومئذٍ في وسط المدينة وإنما في خارجها ، وقد روى الإمام البخاري فيما سيأتي إن شاء الله قريبًا أو بعيدًا ( أن الرسول - عليه السلام - كان يحب الخروج إلى هذه التلاع ) يعني الهضبات المشرفة المطلة كان يحبُّ الرسول - عليه السلام - مثل هذا الخروج ، فهاهنا لما أمر ابن مسعود أن يقطع غصنًا من شجرة قد يكون في سبيل النزهة أو في سبيل العمل وراء الضيعة ونحو ذلك ، فلما صعد ابن مسعود على الشجرة ونظر أصحابه إلى ساق عبد الله ضحكوا من حموشة ساقيه أي من دقتها ، يعني يبدو من هذا الحديث أن ابن مسعود كان شخصًا نحيلًا ضئيل الجسم لم يكن بدينًا ملحمًا مشحمًا فلما طلع على الشجرة وهم طبعًا كانوا يلبسون الأزر ما كانوا يلبسون السروال اللي كنا نلبسه قديمًا أو البنطلون الي ابتلي به الناس اليوم حديثًا وإنما كانوا متواضعين في لباسهم إنما هو ثوب يستر به أحدهم عورته وهو الإزار فإن زاد شيئًا آخر على ذلك فإنما هو الرداء يعني فوطتين فوطة للقسم الأعلى وفوطة للقسم الأدنى ، فحينما يصعد أحدهم إلى مرتفع من مكان ينكشف الساق أكثر مما لو كان يمشي على الأرض عادة ؛ ذلك لأن هنا سنة يجب أن يعرفها الرجال هذه السنة أن الثوب الذي يستر به المسلم نصفه الأدنى من بدنه وهو المعروف قديمًا بالإزار وما يقوم مقامه اليوم هذا الأفضل في حقه أن لا يكون طويلًا الأفضل أن يبلغ إلى نصف الساق هذه الدرجة العليا في الفضيلة فإن طال فإلى الكعبين هذه رخصة فإن زاد عن الكعبين ففي النار ، لذلك إطالة العباية إلى ما تحت الكعبين نتكلم عن الرجال بقى أنتم خذو مجدكن لا يأخذ على خاطركن لأن الناس هنا على العكس كلما أطالت ذيلها كلما كان أرضى لها عند ربها ، نحن نتكلم عن الرجال فالرجال الثوب الأفضل أن يكون إلى نصف الساقين فإن طال فإلى ما فوق الكعبين ، فإن طال ما دون الكعبين ففي النار يعني يستحق صاحبه العذاب في النار ، ومعنى هذا أن البنطلون اللي هو في أصله لا يشرع لباسه لما فيه أولًا التشبه بالكفار ولما فيه أيضًا من جهة أخرى من تجسيم الأفخاذ والعورة فهو من هذه الجهة لا يجوز ، وكذلك لا يجوز من جهة أخرى وهو لأنه طويل إلى ما تحت الكعبين أصبح البنطلون اليوم يكاد يغطي قدم رجل كلها بطوله وسعته هذا في النار بصريح الحديث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أزرة المؤمن إلى نصف الساق ، فإن طال فإلى الكعبين ، فإن طال ففي النار ) ؛ ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا ينظر الله إلى مَن يجرُّ إزارَه خيلاء يوم القيامة ) . فالشاهد أن الصحابة كانوا يقتدون بسنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ويأخذون بأفضلها اتِّباعًا لأمر ربِّنا - تبارك وتعالى - : (( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا )) "" تتخذوا "" (( مِنْ دُونِهِ )) ، قال - تبارك وتعالى - : (( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ )) فالصحابة كانوا يتبعون أحسن ما أنزل إليهم فالأحسن هو أن يكون الثوب إلى نصف الساق ، فما هو المفروض في عبد الله ابن مسعود أن يكون ثوبه إلى نصف الساق فإذا صعد إلى الشجرة فتقريبًا انكشف الساق كله فظهرت دقته للناس فضحكوا ، هذا الضحك طبعًا ليس هو استهزاءً هذا هو المفروض في أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - وإنما هذا الضحك يعني يأتي فجأة على بعض الناس حينما يرى أمرًا غريبًا ، ابن مسعود لما يصعد الشجرة ويظهر ساقه كساق الفرس وأمثاله فيضحك بعض الناس فيريد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يلفت أنظار أولئك الناس أن هذا الذي تتعجبون من دقة ساقه وهذه الدقة معناها ليس لها وزن لكن لها وزن عند الله - عز وجل - إلى درجة أنه يزن جبل أحد ( لرِجل عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - عند الله أثقل في الميزان من أحد ) . هذا الباب التاسع عشر بعد المئة .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 8
- توقيت الفهرسة : 00:00:00