شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال الله تعالى للنفس: اخرجي قالت : لا أخرج إلا كارهة ).
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الثاني وهو صحيح - أيضًا - لكن كما سنلاحظ ليس له صلة بهذا الباب لأنه روى - أيضًا - بسنده السابق الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( قال الله - تعالى - للنفس : اخرجي . قالت : لا أخرج إلا كارهة ) هذا الحديث لا علاقة له بالباب ، ولذلك ذهب بعض العلماء إلى القول بأن هذا الحديث الثاني رواه المصنف بنفس الحديث الأول فليس هو المقصود بالذات ، وإنما جاء تبعًا للحديث السابق وهو قوله - عليه السلام - : ( لا يشكر الله مَن لا يشكر الناس ) فجاء هذا الحديث الثاني تبعًا للأول هكذا قالوا ، وعلى كل حال فهذا حديث صحيح .والمقصود منه : ( قال الله - عز وجل - للنفس : اخرجي ) يعني للروح اخرجي فأجابت : ( لا أخرج إلا كارهة ) ، وفي هذا إشارة إلى تعلُّق الإنسان بالحياة بحيث أن الروح لا تخرج من جسدها ولا تفارقه إلا مكرهة مرغمة ، ولذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة : ( مَن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه ، وَمَن كرهَ لقاء الله كره الله لقاءه ) . فقالت : السيدة عائشة - رضي الله عنها - : كيف هذا وما منَّا من أحد إلا ويجد نفسه كارهًا للموت ؟ فأجاب الرسول - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( إنما ذلك حينما يحضر الأجل ) وحينما يعرض للإنسان الموت فحين ذاك تنجلي له الحقيقة فيرى منزله في الجنة أو يرى منزله من النار ، فمن كان من أهل الجنة ورأى منزله في الجنة حين ذاك أحب لقاء الله ، ومن كان العكس من ذلك والعياذ بالله إذا كان من أهل النار فانكشف له الغطاء حين حشرجة الروح فحين ذاك يكره أن يلقى الله لأنه عرف أن مصيره النار ، والغرض من هذا الحديث هو أن الرسول - عليه السلام - أقر السيدة عائشة على قولها أنه ما منا من أحد إلا ويكره الموت فكيف يا رسول الله تقول : ( مَن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه ، ومَن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) ؟ فأجاب الرسول - عليه السلام - بأن هذا حين النزع حين حضور الأجل حين ذاك يكره الإنسان لقاء الله إذا كان فاسقًا أو كافرًا ويحب لقاء الله إذا كان مؤمنًا صادقًا ، لأن المؤمن يكشف عن بصيرته في تلك الساعة فيرى منزلته في الجنة فيحب لقاء الله والعكس بالعكس ، فقوله - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث : ( قال الله - تعالى - للنفس : اخرجي . قالت : لا أخرج إلا كارهة ) هو بيان لهذا الذي طبع عليه الإنسان من حبِّه للحياة ، فإذا بدت له علامات السعادة وأنه من أهلها أحبَّ حين ذاك لقاء الله - تبارك وتعالى - .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 6
- توقيت الفهرسة : 00:00:00