باب :
A-
A=
A+
الشيخ : ينضم إلى ما سبق ذكره هو أن كلمة شكرًا كأنها مترجمة عن لفظة أجنبية فنستطيع أن نفهم من ذلك أن استعمال هذه اللفظة المختصرة هو استعمال أجنبي ترجمناه نحن إلى اللغة العربية فكان من ذلك لفظة شكرًا لكن هذه اللفظة التقت مع قول الرسول - عليه السلام - : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) ولكن ما دام أن هذه الكلمة لم تنبع من الإسلام ولم يوجه إليه الرسول - عليه السلام - الأنظار بل على العكس من ذلك إنما وجهنا إلى أن نقول : جزاك الله خيرًا ، فعلينا إذن أن نستعمل هذه الكلمة وإن كان ولا بد من استعمال كلمة شكرًا لأنه قد لا يجد الإنسان المناسبة أو الوقت الواسع ليقول كل ما أحسن إليه جزاك الله خيرًا فيقول هذه الكلمة من باب الإيجاز والاسراع ، فلا بأس من استعمال كلمة شكرًا في بعض الأحيان وفي بعض الأحوال الضيقة لكن الأصل أن نقول جزاك الله خيرًا لأن هذه التجزية هي في الحقيقة تقابل كلمة السلام عليكم فكما أن كلمة السلام عليكم هي تحية الإسلام فكذلك كلمة جزاك الله خيرًا هي تجزية الإسلام ولكن كلمة شكرًا لها أصل في الحديث الآتي فلا بأس من استعمالها أحيانًا ، أما الأصل فأن نقول : جزاك الله خيرًا هذا بيان لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( فإن لم يجِدْ ما يُجزيهِ فليُثْنِ عَلَيهِ ) فالثناء عليه هو طبعًا المقصود به الثناء بالخير وأحسن الخير كما ذكرنا كلمة جزاك الله خيرًا .يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره ) كأنه يربط - عليه السلام - هذا الأمر بالحديث الآتي ، لا يشكر الله من لا يشرك الناس ، فمن أثنى على المحسن خيرًا فقد شكره . ثم قال - عليه الصلاة والسلام - : ( وإن كَتَمَه فقد كفَرَه ) ؛ أي : إن الرسول - عليه السلام - في هذه الجملة الأخيرة ألا وهي قوله : ( وإن كَتَمَه فقد كفَرَه ) يعالج بعض النفوس المريضة بعض النفوس التي تغلب عليها الأنانية وحب الذات وهي التي إن أحسنت إليها سكتت ولم تذكر المحسن بخير وذلك من كب النفس الأمارة بالسوء لذلك يقول الرسول - عليه السلام - : ( ومَن كَتَمَه فقد كَفَرَه ) ، فرجل أحسن إلي فالمرتبة الأولى في المجازات بالخير أن تكافئه بمثل ما عاملك تعامله والمرتبة الثانية إن لم تجد ما تكافئه به أثنيت عليه خيرًا وإلا فإنك إن لم تثن عليه خيرًا كتمت ذلك فقد كفرت هذه النعمة التي قدمها إليك ربنا - تبارك وتعالى - على يد ذلك المحسن إليك فكان كفرًا لكنه كفر نعمة فالكفر درجات ، ومن ذلك كفر النعمة كما جاء في هذا الحديث : ( وإن كتمه فقد كفره ) ؛ إذًا فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله أنه إن أحسن إليه محسن أن يكتم هذا الإحسان ، لأن أقل مراتب الشكر أن تذكر المحسن بخير ولا تكتم هذا الخير عن الناس بل تذيعه بين الناس أن فلان فعل معي كذا وكذا عمل معي كذا وكذا فهذا هو شكرك إياه حينما تعجز عن مقابلة إحسانه بإحسان مثله ، يعني أن الإنسان إذا أهدي إليه هدية - مثلًا - كتاب فرضنا وأنت تستطيع أن تقابل هذه الهدية بهدية مثلها فهذا هو الواجب في المرتبة الأولى ، فإن لم تكن عندك الطاقة والقدرة أن تقابل ذلك المهدي إليك بالكتاب لأن الناس متفاوتون من ناحية المادة ، فلو أن رجلًا مرموقًا يتوجه إليه الناس بمختلف الهدايا وكان من الناحية المادية وسطًا أو دون الوسط لا يستطيع أن يقابل كل هدية بمثلها فعلى الأقل أن يقابل تلك الهدية بالثناء والشكر هذه هي المتربة الثانية ، أما المرتبة الأولى أن تقابل المكافأة بمكافأة مثلها ، أهداك كتابًا تهدي إليه كتابًا ، أهداك ثوبًا تهدي إليه ثوبًا ، أهداك أي شيء آخر تقابله بالمثل هذا إن استطعت ، وإن كان هناك مرتبة عليا أعلى من هذه بكثير وهي التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حيث جاء في شمائله - عليه الصلاة والسلام - أنه كان يقبل الهدية ، كان - عليه الصلاة والسلام - إذا أهديت إليه هدية لا يرفضها ولا يردها وإنما يقبلها ولكنه - عليه الصلاة والسلام - كان يرد الهدية ويثيب عليها بخير منها ، هذا شأن النفوس الكريمة الطيبة أن تقبل الهدية وتثيب عليها بخير منها ، إذًا هذه المرتبة العليا التي ليس فوقها مرتبة . الآن صار عندنا ثلاث مراتب المرتبة العليا التي ليس فوقها هي التي كان عليها الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهي أن يكافئ بخير مما كوفئ به ، المرتبة الثانية : أن تكافئ بمثل ما كوفئت به ، المرتبة الثالثة والأخيرة : أن تذكر المكافئ لك بالخير وبالدعاء الحسن وخير الدعاء هو كما فصلنا قول الرسول - عليه السلام - : ( جزاك الله خيرًا ) فإن لم يكفئ بأحسن منها أو لم يقابل المكافأة بمثلها أو لم يثن على المكافئ خيرًا لم يبق هناك إلا الكفر لهذه النعمة ألا وهي كتمانها ، بعض النفوس المريضة تفعل هذا تأتيه الهدية فلا يحس بها أحد وهذا لا يجوز ، وفي هذا الأدب الذي أدبنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن نذكر المهدي بخير بأقل المراتب معالجة لنفس المهدي ونفس المهدى إليه ، أما المهدي فتطيب نفسه ويروق له أن يهدي المهدى إليه مرة أخرى بمثل ذلك أو بأحسن من ذلك هذا نفس المهدي ، وفي هذا الأدب معالجة نفس المهدى إليه بهضمها وإخضاعها لحكم الشارع وهو أن يذكر أن فلان أحسن إلي ، لأنه في هذا ملاحظة لما كان سبق معنا في بعض الدروس من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( اليد العليا هي المعطية ، واليد السفلى هي الآخذة ) ، فحينما يرضى المهدى إليه أن يقول فلان أعطاني كذا ، فلا شك أن في هذا القول وفي هذا الإخبار من ناحية المتحدث هضم لنفسه ، لأنه يشعر السامعين بأنه قبل هذه الهدية ورضي بها فكانت يده هي السفلى ففي هذا ترويض للنفوس أن لا تكون مستكبرة وأن لا تكون مستعلية على الحق ، وفي المقابل فيه تطييب لنفس المهدي ؛ لأن الإنسان المهدي حينما يشعر بأن هديته لا يشكر عليها ولا يقابل بالثناء الحسن فتضعف نفسه ولا يتشجَّع مرة أخرى على إعادة مثل تلك الهدية ، إذًا لا بد من مقابلة المكافئة بأقل المراتب وهي الثناء بالخير والدعاء للمهدي بقوله جزاك الله خيرًا وإلا إن لم يفعل ذلك وكتمه فقد كفره .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 5
- توقيت الفهرسة : 00:00:00