تتمة شرح حديث مالك بت الحويرث رضي الله عنه قال : ( ... وصلوا كما رأيتموني أصلي ... ) .
A-
A=
A+
الشيخ : الغرض أن قول الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث : ( وصلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) يوجب علينا أمرين اثنين الثاني مرتبط بالأول لا يمكن تحقيق الثاني إلا بالأول .هذا الأمر الأول هو أن نتعلَّم صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد ذلَّلنا السبيل ويسرناه للناس ليتمكَّنوا من تحقيق هذا الأمر ( صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) بأن ألفت منذ نحو عشرين سنة كتابي المعروف " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من التكبير إلى التسليم " كأنك تراها وهو كتاب معروف وأعرف أن كثيرًا من النساء والرجال يقتنون هذا الكتاب ولكن في الوقت نفسه أعلم أن كثيرًا من المقتنين لهذا الكتاب من النساء والرجال لا يقرؤونه قراءة تدبر وتفهم ولذلك ننذكر والذكرى تنفع المؤمنين بأنه لا بد من دراسة هذا الكتاب حتى ليكاد يحفظ غيبًا لأنه متعلق بعبادة نكرِّرها في اليوم على الأقل خمس مرات الفرائض ، وهذا التكرار مما يرسخ في الذهن ما نقرؤه في الكتاب بخلاف مثلًا كتاب " حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ؛ فإنه كتاب يتضمَّن عبادة يفرض على الإنسان أن يأتي بها في العمر مرة فإذا قرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره ثم لم يطبقه في واقع الحياة فقد ينسى أما الصلاة فيتكرر خمس مرات وأكثر فينبغي أن تكون محفوظة لدى كل المسلمين يهمه أن يطبق هذا الأمر الكريم ( صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) ، فمن اهتم هذا الاهتمام أصبحت صلاته كأنها آلة لا يمكن إلا أن يصيب السنة فالذي يعتاد مثلًا أضرب مثلًا بسيطًا الذي يعتاد أن يحرك أصبعه في التشهد بصورة كما يقولون اليوم أوتوماتيكيًّا لما يجلس في التشهد فسنراه يحرك أصبعه حتى لو افترضنا بأن أصبعه غللت وربطت بالأصابع الأخرى فلا بد من أن نحسَّ بأنه يحركها لأنه هكذا اعتاد على السنة الذي اعتاد مثلًا أن يسجد على يديه لا يمكن أن يسجد على ركبتيه وهكذا لذلك قالوا : " العادة طبيعة ثانية " فإذا كان الإنسان عنده طبيعة سيئة فعليه أن يجاهد فيها حتى تصبح الطبيعة الثانية هي عادته وذلك مما أشار إليه الرسول - عليه السلام - بقوله : ( إنما العلم بالتعلُّم ، والحلم بالتحلُّم ) ، فليس من الضروري أن يخلق الإنسان عالمًا ، بل هو يخلق جاهلًا لا يدري شيئًا ، لكن بالتعلم يصبح عالمًا كذلك ليس من الضروري أن يخلق كل إنسان حليما فكثير من الناس لا حلم عندهم فيأمرهم الرسول - عليه السلام - بتكلف الحلم فيقول : ( وإنما الحلم بالتحلُّم ) أي تكلف التحلم أي أن يصبر فلا يؤاخذ الإنسان إذا أخطأ وإنما يحلم عليه الشاهد أن هذا الحديث : ( وصلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) يوجب علينا إذًا أن نتعلم كيفية صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أن نجعلها منهاجنا وبرنامجنا في صلواتنا كلها .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 4
- توقيت الفهرسة : 00:00:00