شرح أثر أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : ( كنت أضرب غلاما لي أي عبدا لي فسمعت من خلفي صوتا ماذا يقول هذا الصوت اعلم أبا مسعود اعلم يا أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه )
A-
A=
A+
الشيخ : وعلى العكس من ذلك الحديث الآتي يدل على أنه لا يجوز للسيد أن يضرب عبده بغير حقٍّ فقد روى المصنف في الحديث الآتي . عن أبي مسعود وهو أبو مسعود وليس ابن مسعود فقد يتوهَّمُ كثير من القراء بل كثيرًا ما ينحرف على الطابع أبو مسعود إلى ابن مسعود لجهلهم بتراجم أصحاب الرسول - عليه السلام - أول ما بيقرأ عن أبي مسعود بيقول هذا خطأ مطبعي والصواب ابن مسعود لا هذا أبي مسعود وهو غير عبد الله بن مسعود . فأبو مسعود هذا هو البدري واسمه عقبة بن عامر من أصحاب الرسول - عليه السلام - ومن الذين شهدوا معه واقعة بدر الكبرى هذا هو الذي يروى لنا القصة الآتية . يقول : ( كنت أضرب غلامًا لي أي عبدًا لي فسمعت من خلفي صوتا ماذا يقول هذا الصوت اعلم أبا مسعود اعلم يا أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه ) . بيسمع الصوت من خلفه بيقول اعرف يا أبا مسعود بإنه الله - عز وجل - هاللي فوق رأسك ورأس الجميع هو أقدر عليك منك أنت على هذا الغلام الذي تضربه وتوجعه ( قال فالتفت فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ) هو الذي ناداه وخوفه بالله - عز وجل - وأنه أقدر على تعذيب أبي مسعود من تعذيب أبي مسعود لغلامه ( قلت : يا رسول الله ، فهو حرٌّ لوجه الله ) ، هذا طبيعة الإنسان الكامل ليس الإنسان الكامل بالذي لا يخطئ لكن الإنسان الكامل هو الذي يخطئ ثم يتراجع عن خطئه ولا يسوف ولا يماطل ويماطل فيفسح المجال للشيطان أن يحول بينه وبين أوبته وتوبته إلى ربه هذا أبو مسعود رجل مؤمن فما كان ينتبه إلى أنه أخطأ مع ربه حينما ضرب غلامه ضربا ظالما له فيه فناداه الرسول - عليه السلام - ونبهه على ذلك يقول له الله أقدر على تعذيبك منك له ينبهه بأنك أنت تظلمه فماذا يكون جوابه إذن هو حر لوجه الله - عز وجل - .هذه التوبة النصوح أن يعجل الإنسان بها لأنه ما يدري الإنسان ماذا يصيبه إذا ما ماطل وسوف بالتوبة قال : ( إذًا هو حرٌّ لوجه الله . فقال يعني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أما إن لو لم تفعَلْ لمستك النار ) ، لو ما بادرت إلى إطلاقه من عبوديته وجعله حرًّا لوجه الله - عز وجل - لَمَسَّكَ الله بعذاب من عنده لقاء أنك بغيت واعتديت عليه ، ( أما إن لو لم تفعل لمَسَّتْكَ النار ) أو ( لَلَفَحَتْك النار ) والمعنى واحد . ففي هذا إذًا شيئان : الشيء الأول : أنه لا يجوز السيد أن يظلم عبده وأنه إن وقع في شيء من مثل هذا الظلم فتبرئ ذمته هو أن يطلق سبيله وجعله حرًّا لوجه الله - عز وجل - وإنسان حينما يقرأ مثل هذه الأحاديث والتوجيهات النبوية للأسياد مع عبيدهم يتذكر أن الاسترقاق في الإسلام هو نعمة للمسترقين كما كنت شرحت لكن ذلك في درس مضى واتَّخذت ذلك وسيلة للتنبيه على خطأ بعض الكتاب الإسلاميين اليوم الذين يتجاوبون مع الأمم المتحدة ومجالسها التي قررت بزعمها تحريم الاسترقاق فيتجاوب كثير من الكتاب الإسلاميين مع هذا الاتجاه الغربي فيعلن بأن الإسلام لا يمانع في تحريم الاسترقاق فقلت إن هؤلاء الكتاب لا يتنبَّهون إلى الفرق بين استرقاق المسلمين لأعدائهم وبين استرقاق أعدائهم للمسلمين فاسترقاق المسلمين لأعدائهم إنما هو نعمة يقدمونها إلى هؤلاء الأعداء كما ذكرت آنفًا قول الرسول - عليه السلام - : ( إن ربَّك لَيعجَبُ من أقوامٍ يُجَرُّون إلى الجنَّةِ بالسَّلاسل ) فهؤلاء الأسرى الذين يؤتى بهم إلى دار الإسلام يطلعون على الإسلام من كثب ومن قرب فيتعرفون على الحقيقة التي دعا إليها الإسلام فيؤمنون ويسلمون فيكون أسرهم نعمة عاد هذا الأسر بنعمة عليهم فالذين يدعون اليوم إلى تحريم الاسترقاق معنى هذا أنهم لا يفرقون بين استرقاق المسلم للكافر وهذه النماذج نقرؤها في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وبين استرقاق الكافر المسلم حيث يعود هذا المسلم مع الزمن أو على الأقل أولاده فيصبحون وثنيين وكفارًا مشركين . بينما إن لم يسلم ذلك الأسير الكافر بنفسه كما وقع في أول الإسلام فعلى الأقل النسل الذي سيتناسل منه سيعيش في جو إسلامي وسينتج ويخرج مسلمًا لا شك ولا ريب فيه ، فهذه آداب من آداب الإسلام في توجيه الأسياد إلى حسن معاملتهم للعبيد .
- شرح كتاب الأدب المفرد - شريط : 1
- توقيت الفهرسة : 00:00:00