تقسيم السنة إلى قول وفعل وإقرار
A-
A=
A+
الشيخ : وإنما هي الطريقة والمنهج الذي سلكه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بيانه لكتاب ربه بيانًا يكون على ثلاثة أنواع : تارة يكون بيانه - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقول وتارة يكون بالفعل وتارة يكون بإقراره - عليه الصلاة والسلام - لما يراه من بعض أصحابه الكرام ، هذا البيان الذي تعهد به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليقدمه للناس لم يكن منه - عليه الصلاة والسلام - إلا تنفيذًا لأمر من أوامر القرآن الكريم التي وجهها إليه رب العالمين من ذلك قوله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، وأنزلنا إليك الذكر أي القرآن لتبين للناس بقولك أو فعلك أو تقريرك ما أنزل إليهم من القرآن الكريم والعلماء الذين تتبعوا سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجدوها تبين القرآن الكريم من النواحي التي هي بحاجة إليها فالرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلًا بين آية السرقة : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )) ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا قطعَ إلا في ربع دينار فصاعدًا ) ، ولو أن رجلًا أراد أن يفهم هذه الآية الكريمة اعتمادًا منه فقط على اللغة العربية وأساليبها وآدابها لما وسعه أن يفهم من إطلاق لفظة السارق والسارقة إلا أنه أي سارق وأية سارقة مهما كان المال المسروق فهو سارق لغة وعلى ذلك يفسر الآية ويحكم بقطع يد كل سارق ولو سرق بيضة أو درهمًا أو شيئًا حقيرًا فجاء بيان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - القولي ردًّا لهذا الفهم الذي يتبادر إلى أي عربي بيانًا منه - صلى الله عليه وسلم - للقرآن تنفيذًا للأمر السابق الذكر فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا ) وهذا الحديث والأحاديث الصحيحة التي أخرجها الإمام البخاري ومسلم في " صحيحيهما " واللفظ لمسلم فهذا كما ترون ينفي إقامة الحد على السارق فيما إذا سرق ما دون ربع الدينار ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا ) فكذلك بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الآية من زاوية آخرى ، وكان بيانه بيانًا فعليًّا ذلك أن اليد أطلقت في الآية المذكورة فهي تشمل الكف والذراع والعضد لغة ولكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين بفعله أن المقصود باليد ها هنا إنما هو الكف على ذلك جرت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قطع يد السارق عند الرسغ بينما أطلقت الآية أطلقت الآية اليدين في آية الوضوء : (( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) ، فكان هذا التحديد مبيِّنًا في نفس الآية من جهة وفي سنة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من جهة آخرى هذا المثال من عشرات الأمثلة تبين لكم أنه لا مجال لأي مسلم مهما كان قويًا في اللغة العربية وآدابها تبين لنا أنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن يستقل المسلم في فهم القرآن الكريم دون الاعتماد على سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سواء كانت قولية أو فعلية أو تقريرية من أجل هذا جاءت الآيات الكثيرة في القرآن الكريم كلها تدندن حول حقيقة واحدة ألا وهي أنه يجب على المسلمين أن يطيعوا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يطيعون رب العالمين أن يطيعوا أمره كما يطيعون أمر الله - تبارك وتعالى - كما في كثير من آيات القرآن الكريم من ذلك قوله - تبارك وتعالى - : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) ، وكمثل قوله - تبارك وتعالى - : (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )) ، وكذلك قول الله - تبارك وتعالى - : (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) ، ومثل ذلك - أيضًا - قول الله - تبارك وتعالى - : (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 350
- توقيت الفهرسة : 00:00:00