ما رأيكم في التفريق بين ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العبادة فيؤخذ به، وبين ما ورد عنه على سبيل العادة فلا يؤخذ به ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأيكم في التفريق بين ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العبادة فيؤخذ به، وبين ما ورد عنه على سبيل العادة فلا يؤخذ به ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخ ، يتداخل أعداء الإسلام إلى أهل السنة فيقولون : أن بعض الأشياء هي من العادات وليست من العبادات وهم يأخذون ما ورد عن النبي في مجال العبادات ولا يأخذون ما ورد عن النبي في مجال العادات كتربية اللحية مثلًا أو التعطر أو ؟يتداخل أعداء الإسلام إلى أهل السنة فيقولون : أن بعض الأشياء هي من العادات وليست من العبادات وهم يأخذون ما ورد عن النبي في مجال العبادات ولا يأخذون ما ورد عن النبي في مجال العادات كتربية اللحية مثلًا أو التعطر أو فما رأيكم ؟

الشيخ : هذا أيضًا موضوع يحتاج إلى بحث طويل وهو تقسيم السنة تقسيمًا من نوع آخر ، السنة التي فعلها الرسول - عليه الصلاة والسلام - تنقسم إلى قسمين : سنة تعبدية وسنة عادية والسنة التعبدية هي التي ظهر من فعل الرسول - عليه السلام - إياها أنه كان يقصد التقرب بها إلى الله - عز وجل - وأشد ما يظهر ذلك حينما يأتي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر بذلك الشيء الذي فعله أو بالحض عليه ، السنة الأخرى السنة سنة العادة أو السنة العادية وهي التي فعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحكم عادته البشرية أو بحكم البيئة والمجتمع والبلدة التي كان يحيا فيها ، هذا النوع من سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لا أحد من المسلمين يقول : لا يجوز الاستنان به فيه - عليه الصلاة والسلام - وإنما هناك فرق واضح يجب أن يلاحظه حينما يريد مسلم ما أن يستن بسنة الرسول - عليه السلام - من نوع سنن العادة وهو إذا كان قد علم أن الرسول - عليه السلام - فعل ذلك بحكم العادة أو بحكم الطبيعة والجبلة البشرية ففعل ذلك المسلم أيضًا فلا ضير عليه أما أن يتقرب إلى الله بسنة من سنن العادة وهو يعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يتقرب بذلك إلى الله فبدهي القول أنه قد خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن الاتباع لا ينبغي أن نحصره في الشكل بل يجب أن نضم إليه أيضًا النظر إلى القصد فلو أن مسلمًا صلى ركعتين قبل الفجر بنية أنهما فريضتان وهذا على الماشي كما يقولون عندنا من ضلالات القاديانية فإنهم يقولون : صلاة الفجر ركعتان وركعتان كلتاهما فرض فلو أن مسلمًا صلى سنة الفجر بنية الفرض فلم يستن بسنة الرسول - عليه السلام - لأنه ما صلاهما بنية الفرض وإنما صلاهما بنية التطوع فمن صلاهما بهذه النية فقد اقتدى بالرسول - عليه السلام - كذلك طرِّد السنن العادية مثلًا ثبت في شمائله - عليه الصلاة والسلام - أنه كان له شعر يبلغ تارة شحمتي الأذنين وأخرى رؤوس المنكبين فليس لأحد أن يقول : أنا أستن بسنة الرسول - عليه السلام - فأربي شعري إلى هنا أو إلى هنا متقربًا بذلك إلى الله لأنه ليس لدينا دليل أن الرسول - عليه السلام - فعل ذلك متقربًا به إلى الله كذلك ثبت في صحيح ... وجعل منه أربع جدًّائل متقربًا بذلك إلى الله فللإنسان أن يطيل شعره إلى هنا دون أن يتقرب بذلك إلى الله أو إلى أكثر من ذلك أو أن يوفره كما فعل - عليه السلام - فله ذلك ولكن ليس له أن ينوي ما لم ينو الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا التفصيل حق ، أعني التفريق بين سنن العبادة وسنن العادة ، سنن العبادة فعلها الرسول بقصد التقرب ، سنن العادة فعلها بحكم العادة بحكم الجبلة ، ومن ذلك مثلًا العمائم فالعمائم إنما توضع حتى اليوم في بعض البلاد الحارة عمائم ضخمة جدًّا ، ذلك لتدفع الحر عن رؤوس أصحابها كذلك كان الرسول - عليه السلام - يتعمم هو ومن قبله قومه لأنها عادة عربية فالرسول - صلى الله عليه وسلم - عاش في جو عربي ولبس لباس العرب من ذلك التعمم فتعمم - عليه الصلاة والسلام - ليس هناك حديث صحيح يبيِّن فضيلة التعمُّم لو - مثلًا - صح الحديث المذكور في بعض الكتب : ( صلاة بعمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة ) ، ما كان دليلًا واضحًا على أن العمامة سنة تعبدية لكن ليس عندنا إلا أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - تعمم على أنواع شتى لسنا الآن في صددها فسنن العادة فعلها الرسول بحكم العادة لا العبادة فالمسلم مخير بين أن يفعل وبين أن يترك ، وفعل وترك كلاهما سواء ، أما سنن العبادة فليس الأمر كذلك فإن المسلم حينما يقتدي بالرسول - عليه السلام - في ذلك ، له أجر يختلف هذا الأجر باختلاف السنة التي بينها الرسول - عليه السلام - بفعله أو بقوله وقبل أن أختم كلامي هذا لا بد من التذكير بأن ما جاء في سؤال السَّائل كمثال لسنن العادة التي ينكرها بعض الناس اليوم ذكر إعفاء اللحية فأنا أريد أن أذكر الأخ السائل بأن لا يتورط مع المتورطين الذين يعتبرون إعفاء اللحية من سنن العادة فيعجز بعد ذلك عن الجواب عنها إعفاء اللحية ليس من سنن العادة بل هو من سنن العبادة ، يكفي في ذلك أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنا فصلت القول في هذه المسألة في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " وإنما أوجز جدًّا بعض الأدلة حسبنا في أن نحشر إعفاء اللحية في سنن العبادة لا العادة قوله - عليه السلام - ( أحفوا الشارب وأعفوا اللحي وخالفوا اليهود والنصارى ) كذلك قوله فيما رواه عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال : ( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المتشبِّهين من الرجال بالنساء والمتشبِّهات من النساء بالرجال ) ؛ كذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - - وهذه الأحاديث كلها صحيحة - ( لعن الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، والواصلات والمستوصلات ، والفالجات المغيِّرات لخلق الله للحسن ) ؛ ففي هذا الحديث عبرة لِمَن يعتبر ؛ ففيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن النساء اللاتي يغيرن خلق الله من أجل الحسن قال في آخر الحديث : ( المغيِّرات لخلق الله للحسن ) وهذه الأحكام معللة بعلة منصوصة عليها المغيِّرات لخلق الله للحسن فإذا كانت المرأة - مثلًا - تنتف حاجبها فتستحق بذلك لعنة الله بصراحة هذا الحديث الصحيح ترى هل هناك فرق بين الرجل والمرأة في هذا الحكم أي إذا الرجل نتف حاجبه كما يشتهي ويروق له ترى هذا فيه منجاة من هذا اللعن أم هو يستحق اللعن أكثر من المرأة ؟ ذلك الذي أعتقده لأن المرأة قد رخص الله لها وأباح لها من الزينة ما حرمه على الرجل كما هو معلوم لديكم جميعًا فإذا حرم عليها زينة ما تكون هذه الزينة محرمة على الرجال من باب أولى كما يقول الفقهاء ، إذًا إعفاء اللحية ليس من سنن العادة بل هو من سنن العبادة ، بل إدخالها في وتصنيفها في السنن على الاصطلاح الفقهي لا يصح وإنما إعفاء اللحية واجب فرض من الفرائض وعلى ذلك اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله جميعًا .

السائل : جزاك الله خيرًا ... .

مواضيع متعلقة