إثبات حجية خبر الآحاد - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
إثبات حجية خبر الآحاد
A-
A=
A+
الشيخ : من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أرسل - مثلًا - معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره بأمر هو أن يدعوهم إلى الإسلام ورتَّبَ له - عليه الصلاة السلام - بأن يبدأ بدعوتهم إلى لا إله إلا الله ، قال : ( فإن هم أجابوك فادعهم إلى الصلاة ) إلى آخر الحديث فحينما كان يريد معاذ بن جبل أن يشرح لهم معنى لا إله إلا الله ويطبقها عليهم في واقعهم كان ذلك يستلزم بيانًا منه لكثير من الأحكام التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

وهذه الأحكام بطبيعة الحال إن لم تكن منصوصة في القرآن كما هو شأن غالب الأحكام فإنما هي أحاديث نبوية فحينما كان يدندن معاذ بن جبل بتلك الأحاديث إلى الذين أرسل إليهم وهم أهل اليمن فخبره حسب الفلسفة السابقة خبر آحاد ومنطق أولئك الناس الذين فرقوا ذلك التفريق قديمًا وحديثًا أن المدعوين بواسطة معاذ ليسوا مكلفين بالأخذ بتلك الأحاديث لأنها حديث آحاد لأن الذي ينقلها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما رجل واحد وهو معاذ وهذا معناه أنهم جعلوا الشريعة تتغير عما كانت عليه في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - إذا سمع الحديث من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفيه عقيدة ما وجب عليه الإيمان به فإذا هو نقل ذلك الحديث إلى غيره لا يجب على هذا الغير إذا صح التعبير أن يؤمن بهذا الحديث لأن الناقل له هو فرد هذا التفريق هو أول خطوة بدأ من بعض الفرق الضالة قديمًا في الانحراف عن العقيدة الإسلامية الصحيحة ومن هنا جاء رد كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تتعلق بالغيب تتعلق بالبعث والنشور وقيام الساعة بل تتعلق بصفات الله - تبارك وتعالى - وردت هذه الأحاديث بهذا ... حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة أما السلف فلا يعرف هذا التفريق ذلك بأن الآيات الكثيرة التي هي حجة على الطائفة الأولى والطائفة الثانية من القرآنيين والقاديانيين هي نفسها أيضًا حجة على هؤلاء المفرقين بين حديث الآحاد وحديث التواتر فلا يؤخذ بحديث الآحاد في العقيدة وإنما بحديث التواتر تلك الأدلة حجة أيضًا عليهم - مثلًا - حينما قال الله - عز وجل - : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) ، لم يفرق يطاع الرسول فيما بلغنا بطريق التواتر في العقيدة وفيما بلغنا بطريق الآحاد في الأحكام فقط النص عام مجرد أن يبلغ الخبر إلى المسلم بأمر ما أمر به الرسول - عليه السلام - أو خبر ما أخبر به الرسول - عليه السلام - وجب الإيمان به كذلك - مثلًا - قوله - تبارك وتعالى - في حق التفقه في الدين : (( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ )) ، هنا ملاحظة هامة جدًّا الآية تحض أن ينفر من كل فرقة طائفة والطائفة في لغة القرآن لغة العرب هي الفرد الواحد فصاعدًا فالآية تحض أن يخرج من كل فرقة طائفة شخص فأكثر يأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ويتفقَّه في الدين ثم ليعود بعد ذلك لينقل فقهه إلى قومه لعلهم يرجعون لعلهم يهتدون فلولا أن الخبر الآحاد حجة في شريعة الإسلام دون تفريق بين ما كان متعلقًا بالعقيدة وما كان متعلقًا بالأحكام لما أطلق الله - عز وجل - هذا النص القرآني ولفرق بين دين ودين وقال - تعالى - : (( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ )) ، ترى أول ما يتفقه المسلم في دينه سواء قديمًا أو حديثًا أيبدأ بالمسائل الاعتقادية أم يبدأ بالمسائل الفرعية الأحكام الشرعية ؟ لا شك أن الواجب على المسلم قبل كل شيء أن يصحح عقيدته وهكذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتلقون التوحيد منه - عليه الصلاة والسلام - وذلك يشمل تفاصيل في نواحي شتى ثم ينقلون هذا التوحيد وهذه العقائد مع الأحكام التي تلقوها من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ما وراءهم من قومهم أو من غيرهم ، الشاهد أن الآيات الكريمة كلها جاءت تحض على التمسك بالنص الصادر من الرسول - عليه الصلاة والسلام - نصًا مطلقًا غير مقيد فكان هذا التفصيل سببًا للإطاحة بكثير من النصوص النبوية بحجة أنها أحاديث آحاد وأنها متعلقة بالعقيدة ثم وقعت بين هؤلاء الناس بلبلة ذلك لأن الله - عز وجل - اقتضت حكمة تشريعه أنه ألهم نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يتكلم ببعض الأحاديث تشتمل أحكامًا وعقيدة كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير أن يستعذ بالله من أربع يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شرِّ فتنة المسيح الدجال ) ؛ ففي هذا الحديث حكم شرعي واضح ألا وهو أمر الرسول - عليه السلام - كل مصل أن يستعيذ بالله من هذه الأربع هذا هو الحكم الشرعي لكن في ضمن هذا الحديث إخبار عن أمر غيبي ألا وهو مثلًا مما يهمنا الآن عذاب القبر يستعيذ من عذاب القبر ، فعذاب القبر غيب أي عقيدة فالذين يقولون لا يؤخذ بحديث الآحاد في العقيدة ينبغي أن لا يأخذوا بهذا الحديث لأنه آحاد ، ولكنهم يُفاجؤون من جهة أخرى بأن هذا الحديث فيه حكم شرعي وهو أن يستعذ بالله من أربع فماذا يفعلون ؟ إن أخذوا به على أساس أنه يتضمن حكمًا شرعيًا أخذوا به وفيه عقيدة ولا يجوز الأخذ فيها بحديث آحاد وإن أعرضوا عن الأخذ بهذا الحديث لأن فيه عقيدة ولا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة أعرضوا عنه وفيه حكم شرعي ذلك جزاء من يأتي بأحكام شرعية لم يأت بها الله ولا بينها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

مواضيع متعلقة