التوفيق بين الأحاديث التي تثبت العدوى وبين الأحاديث التي تنفيها.
A-
A=
A+
السائل : ... .
الشيخ : ما يمنع ما يمنع .
السائل : ... .
الشيخ : لا ... لا ينفي العدوى مطلقًا ، لأن العدوى مثبتة في أحاديث كثيرة صحيحة ، ولذلك إذا جاء نص ظاهره نفي العدوى مطلقًا يجب التوفيق بين هذا النص النافي للعدوى مطلقًا وبين النصوص المثبتة للعدوى ، هناك في اللغة العربية لا يسمِّيها النحويون بأنها لا النافية للجنس ، فقوله - عليه السلام - مثلًا ( لا صلاةَ لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) هل هي نفي لجنس الصلاة ؟ وحينئذٍ يكون الحديث دليلًا على بطلان الصلاة ، لأنه نفى وجود جنس الصلاة بعدم وجود الفاتحة فيدل ذلك على ركنيتها أو هو على حد قول العرب " لا فتى إلا علي " أي : لا فتى كاملًا وهذا - أيضًا - معروف في الأسلوب النبوي كمثل قوله - عليه السلام - : ( لا إيمان لِمَن لا أمانةَ له ، ولا دين لِمَن لا عهدَ له ) فلا إيمان لا يعني مطلقًا ، كاملًا ، ولا دين لا يعني مطلقًا وإلا أصبح مرتدًّا وهذا لا يقول به أهل السنة على الأقل ؛ إذًا تأتي لا لنفي الكمال وتأتي لنفي الجنس ، فهنا لما جاء الحديث : ( لا عدوى ) إذا قلنا لا عدوى مطلقًا تعارض معارضة واضحة للأحاديث التي سبقت الإشارة إليها والتي تثبت العدوى كمثل قوله - عليه السلام - : ( فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد ) ، وكمثل قوله - عليه السلام - في الحديث الذي أصبح في هذا الزمن علمًا من أعلام النبوة ودليل إعجاز علمي على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا وهو قوله - عليه السلام - : ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ، وإذا وقع الطاعون في أرض لَسْتُم فيها فلا تدخلوا إليها ) ، هذا هو الذي يسمى اليوم بالحجر الصحي ، وما ذاك إلا لمنع انتقال الطاعون من أرض موبوءة إلى أرض سليمة .فلكي لا يتعارض حديث العدوى مع مثل هذه الأحاديث لا بد من تأويل الحديث إذا صح التعبير إلى معنى غير المعنى المتبادر إلى الذهن الذي هو نفي العدوى مطلقًا فما هو هذا المعنى الصحيح ؟ يدل عليه تمام الحديث : لأنه جاء فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال : ( لا عدوى ) كان هناك رجل أعرابي قال : يا رسول الله فإنا نرى الجمال السليمة يدخل بينها الجمل الأجرب فيعديها ، كأنه يقول للرسول - عليه السلام - أن أنا حسب ما فهمت منك نفي العدوى مطلقًا ونحن نشاهدها بأم أعيننا ، أنا أرى الجمل الأجرب يدخل بين الجمال السليمة فيعديها كيف أنت تقول لا عدوى ؟ هذا حسب فهمه هو ؟ فالآن قبل أن ندندن على جواب الرسول - عليه السلام - الموجز قوله : ( فَمَن أعدى الأول ؟ ) يجب أن ننظر : هل كان الأعرابي صادقًا أو على الأقل مصيبًا فيما قاله للرسول - عليه السلام - عند الرسول - عليه السلام - ولا كان مخطأ ؟ فإذا عرفنا الجواب عن هذا السؤال استقام لنا الاستدلال بجواب الرسول على أنه لم يعني ما فهمه الأعرابي ، وبداهة نعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما ينبغي له أن يقر قائلًا خطأ على خطئه وإنما يصوب له خطأه ويدله على ما ينبغي أن يكون قاله فلما قال الأعرابي ما قال والرسول سكت على ذلك وبنى على سكوته أن قال له : ( فمن أعدى الأول ؟ ) نتج من ذلك أنه لم يعني - عليه السلام - المعنى الذي فهمه الأعرابي أي : المعنى المطلق ( لا عدوى ) مطلقًا ، هذا المعنى هو الذي فهمه الأعرابي فلذلك جاءه الأشكال الذي طرحه على الرسول - عليه السلام - ليعرف الجواب قال : أنا أرى خلاف ما تقول ، فالرسول - عليه السلام - بأوجز عبارة دله على حقيقتين : الحقيقة الأولى أنه أساء فهم عنه ، والحقيقة الأخرى أن يوضح له ما الذي رمى إليه الرسول - عليه السلام - بقوله : ( لا عدوى ) وهو لا عدوى بنفسها بذاتها ، وإنما بإذن ربها لأنه قال له : ( فمن أعدى الأولى ؟ ) حينما كان الأول لم يكن هناك قبله جمل آخر حتى يعديه ، فماذا سيكون المؤمن جوبًا لمثل هذا السؤال فمن أعدى الأول ؟ الله ، إذن الله هو السبب المباشر لوجود العدوى وليس العدوى نفسها ، لأن العدوى لا إرادة لها وإنما هي موجهة بإرادة الله - تبارك وتعالى - ، فإن شاء جعلها سببًا للعدوى والتأثير في الأصحاء وإن شاء ...خلاصة القول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بهذا النفي أن يبطل ما كان مستقرًا في أذهان الجاهلية الأولى ، أن هذه كما يقولون اليوم جاهلية القرن العشرين طبيعة هكذا ، فهم لا يؤمنون بالله - عز وجل - الفعال لما يريد والفعال لما يشاء ، والحقيقة أننا نجد اليوم أكثر الأطباء أو كثير من أطباء المسلمين كأنهم من أهل الجاهلية الأولى ، لا يلتفتون أبدًا إلى أن هذه العدوى مش لزامًا لازم تعدي ، وإنما بإرادة الله - تبارك وتعالى - قد تحصل وقد لا تحصل إلى درجة وهذا مشاهد في كل الأطباء حتى في السوريين منهم يفحص مريضًا ليس عليه بوادر أنه مصاب بمرض معد ، وبالتالي غسل يديه ووضع الكمامة قبل ذلك على أنفه وفمه ، ثم غسل يديه بسبرتو هذا لا مبرر له لا شرعا ولا طبًا ، لأنه ما في هناك ما يوحي بمثل هذا التحفظ الشديد ، لا شك أن هذا من الناحية الصحية أنا رأيي أن هذا عبارة عن وسوسة ووسوسة متعلقة بأهل الطب الذين ينبغي أن تكون الوسوسة عندهم أبعد ما تكون ، لأنهم يعرفون حقيقة الأمراض التي تعدي والتي لا تعدي ، ومن الناحية الشرعية الأمر أوضح وأظهر لأنه تمسك بالأوهام ، والشرع حينما نهى عن الطيرة ونهى عن التمائم وجعل ذلك كله أنواعًا من الشرك في مثل قوله - عليه السلام - : ( لا ) إيش تبع التولة ؟
الطالب : ( ولا تولة ) .
الشيخ : هذه قبلها ، ( إن الرقى والتولة والتمائم شركٌ ) ، فهذه كلها حرمها الشارع الحكيم من باب قطع دابر الوسوسة ، ومن باب قطع دابر ما يأتي بالأوهام ، وإذا بالأطباء أنفسهم يقعون في الأوهام ، وهذا النوع مما ينبغي على المسلم أن يترفع عنه ، كل الأسباب التي لا يكون غلبة الظن قائمة فيها أنها سبب كوني ، وهذا مأخوذ من حديث السبعين ألفًا الذي قال فيهم الرسول - عليه السلام - في مجلس من مجالسه في المسجد ، قال لأصحابه يومًا : ( يدخل الجنة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر ) ، ودخل حجرته ، فأخذ الصحابة يتحدَّثون ويتظنَّون ، يتساءلون مَن يكون هؤلاء ؟ هنيئًا لهم ، من هم ؟ سبعون ألف من أمة الرسول - عليه السلام - يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر ، منهم من يقول : من يكون هؤلاء سوى نحن المهاجرين الذين هجروا بلادهم وأوطانهم في سبيل الله ، وهؤلاء يقولون : إنما نحن الأنصار الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآووه في ساعة العسرة ، منهم من يقول : لا أنتم ولا أنتم ، لا هؤلاء ولا هؤلاء ، إنما هم أبناؤكم يأتون من بعدكم يؤمنون بالنبي ولم يروه ، وسرعان ما طلع عليهم الرسول - عليه السلام - ، وقال لهم : ( هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكَّلون ) ؛ لذلك فهذا الحديث يفهم منه أن الأسباب تنقسم إلى أنواع من حيث ما نحن فيه فسبب يغلب على الظن أنه سبب ناجح يؤخذ به إعمالًا للأوامر الكثيرة التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على التداوي كمثل قوله - عليه السلام - : ( يا أيها الناس ، تداووا عباد الله ؛ فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء ) ، في حديث ابن مسعود : ( عَلِمَه مَن عَلِمَه وجَهِلَه مَن جَهِلَه ) ، فإذا كان السبب الدواء يغلب عليه أي : يغلب على الظن أنه يفيد صاحبه فالأفضل أن يأتيه وأن يتعاطاه ، أما إذا كان السبب مش يغلب على الظَّنِّ ، وإنما يقيني فحينئذٍ يجب تعاطيه ، وعلى العكس من ذلك إذا كان مظنونًا ظنًّا مرجوحًا فالأفضل الإعراض عنه ، وهذا يؤخذ من حديث السبعين ألف الذين لا يسترقون أي : لا يطلبون الرقية من غيرهم ، شو معنى لا يطلبون الرقية من غيرهم ؟ يعني ما بقولوا للشَّيخ راسي بيوجعني تعال كبسني شو السبب ؟ لأن تكبيس الشَّيخ للرأس ما هو غالب على الظن أنه سيطيب الرأس .
الطالب : نعم .
الشيخ : فالأولى حين ذاك أحد شيئين : إما أن تأخذ حبة شو اسمه هذا ؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، أسبرين أو - مثلًا - دواء آخر مقطوع مفعوله ... أو إنه إذا ما تيسر لك هذا توكل على الله - تبارك وتعالى - إن لم تعرف أن تستعمل بعض الرقى المشروعة تريقي بها نفسك بنفسك ، أما أن تطلب ذلك من غيرك هذا مش لا يجوز ، هذا خلاف الأفضل ، لأن فيه الأخذ بسبب أشبه ما يكون بالأسباب إيش ؟ الموهومة .
هذا يعني تقسيم الأسباب من حيث غلبة الظن وعدم غلبة الظن ، لكن الحديث يتضمَّن سببًا آخر من نوع آخر وهو : ( ولا يكتوون ) مع أن الكي يعني مزكى في الأحاديث ( خير ما تداويتم به ) قال - عليه السلام - : ( ذكر القرآن وذكر العسل ) وذكر إيش ؟ ( وكية بنار ) لكنه أتبع ذلك بقوله : ( وأنهى أمَّتي عن الكيِّ ) ، وذلك لما فيه من إيش ؟ تعذيب الجسم بالنار ( ولا يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار ) . فلذلك نأخذ من حديث السبعين هذا الأدب الإسلامي الرفيع وهو أن لا يتأثر الإنسان بالأوهام وأن لا يتجاوب معها ، والأطباء اليوم أشد الناس تجاوبًا مع مثل هذه الأوهام ، بحيث أنهم يطهرون - زعموا - أيديهم بالمحرم وهو السبيرتو .
الشيخ : ما يمنع ما يمنع .
السائل : ... .
الشيخ : لا ... لا ينفي العدوى مطلقًا ، لأن العدوى مثبتة في أحاديث كثيرة صحيحة ، ولذلك إذا جاء نص ظاهره نفي العدوى مطلقًا يجب التوفيق بين هذا النص النافي للعدوى مطلقًا وبين النصوص المثبتة للعدوى ، هناك في اللغة العربية لا يسمِّيها النحويون بأنها لا النافية للجنس ، فقوله - عليه السلام - مثلًا ( لا صلاةَ لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) هل هي نفي لجنس الصلاة ؟ وحينئذٍ يكون الحديث دليلًا على بطلان الصلاة ، لأنه نفى وجود جنس الصلاة بعدم وجود الفاتحة فيدل ذلك على ركنيتها أو هو على حد قول العرب " لا فتى إلا علي " أي : لا فتى كاملًا وهذا - أيضًا - معروف في الأسلوب النبوي كمثل قوله - عليه السلام - : ( لا إيمان لِمَن لا أمانةَ له ، ولا دين لِمَن لا عهدَ له ) فلا إيمان لا يعني مطلقًا ، كاملًا ، ولا دين لا يعني مطلقًا وإلا أصبح مرتدًّا وهذا لا يقول به أهل السنة على الأقل ؛ إذًا تأتي لا لنفي الكمال وتأتي لنفي الجنس ، فهنا لما جاء الحديث : ( لا عدوى ) إذا قلنا لا عدوى مطلقًا تعارض معارضة واضحة للأحاديث التي سبقت الإشارة إليها والتي تثبت العدوى كمثل قوله - عليه السلام - : ( فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد ) ، وكمثل قوله - عليه السلام - في الحديث الذي أصبح في هذا الزمن علمًا من أعلام النبوة ودليل إعجاز علمي على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا وهو قوله - عليه السلام - : ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ، وإذا وقع الطاعون في أرض لَسْتُم فيها فلا تدخلوا إليها ) ، هذا هو الذي يسمى اليوم بالحجر الصحي ، وما ذاك إلا لمنع انتقال الطاعون من أرض موبوءة إلى أرض سليمة .فلكي لا يتعارض حديث العدوى مع مثل هذه الأحاديث لا بد من تأويل الحديث إذا صح التعبير إلى معنى غير المعنى المتبادر إلى الذهن الذي هو نفي العدوى مطلقًا فما هو هذا المعنى الصحيح ؟ يدل عليه تمام الحديث : لأنه جاء فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال : ( لا عدوى ) كان هناك رجل أعرابي قال : يا رسول الله فإنا نرى الجمال السليمة يدخل بينها الجمل الأجرب فيعديها ، كأنه يقول للرسول - عليه السلام - أن أنا حسب ما فهمت منك نفي العدوى مطلقًا ونحن نشاهدها بأم أعيننا ، أنا أرى الجمل الأجرب يدخل بين الجمال السليمة فيعديها كيف أنت تقول لا عدوى ؟ هذا حسب فهمه هو ؟ فالآن قبل أن ندندن على جواب الرسول - عليه السلام - الموجز قوله : ( فَمَن أعدى الأول ؟ ) يجب أن ننظر : هل كان الأعرابي صادقًا أو على الأقل مصيبًا فيما قاله للرسول - عليه السلام - عند الرسول - عليه السلام - ولا كان مخطأ ؟ فإذا عرفنا الجواب عن هذا السؤال استقام لنا الاستدلال بجواب الرسول على أنه لم يعني ما فهمه الأعرابي ، وبداهة نعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما ينبغي له أن يقر قائلًا خطأ على خطئه وإنما يصوب له خطأه ويدله على ما ينبغي أن يكون قاله فلما قال الأعرابي ما قال والرسول سكت على ذلك وبنى على سكوته أن قال له : ( فمن أعدى الأول ؟ ) نتج من ذلك أنه لم يعني - عليه السلام - المعنى الذي فهمه الأعرابي أي : المعنى المطلق ( لا عدوى ) مطلقًا ، هذا المعنى هو الذي فهمه الأعرابي فلذلك جاءه الأشكال الذي طرحه على الرسول - عليه السلام - ليعرف الجواب قال : أنا أرى خلاف ما تقول ، فالرسول - عليه السلام - بأوجز عبارة دله على حقيقتين : الحقيقة الأولى أنه أساء فهم عنه ، والحقيقة الأخرى أن يوضح له ما الذي رمى إليه الرسول - عليه السلام - بقوله : ( لا عدوى ) وهو لا عدوى بنفسها بذاتها ، وإنما بإذن ربها لأنه قال له : ( فمن أعدى الأولى ؟ ) حينما كان الأول لم يكن هناك قبله جمل آخر حتى يعديه ، فماذا سيكون المؤمن جوبًا لمثل هذا السؤال فمن أعدى الأول ؟ الله ، إذن الله هو السبب المباشر لوجود العدوى وليس العدوى نفسها ، لأن العدوى لا إرادة لها وإنما هي موجهة بإرادة الله - تبارك وتعالى - ، فإن شاء جعلها سببًا للعدوى والتأثير في الأصحاء وإن شاء ...خلاصة القول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بهذا النفي أن يبطل ما كان مستقرًا في أذهان الجاهلية الأولى ، أن هذه كما يقولون اليوم جاهلية القرن العشرين طبيعة هكذا ، فهم لا يؤمنون بالله - عز وجل - الفعال لما يريد والفعال لما يشاء ، والحقيقة أننا نجد اليوم أكثر الأطباء أو كثير من أطباء المسلمين كأنهم من أهل الجاهلية الأولى ، لا يلتفتون أبدًا إلى أن هذه العدوى مش لزامًا لازم تعدي ، وإنما بإرادة الله - تبارك وتعالى - قد تحصل وقد لا تحصل إلى درجة وهذا مشاهد في كل الأطباء حتى في السوريين منهم يفحص مريضًا ليس عليه بوادر أنه مصاب بمرض معد ، وبالتالي غسل يديه ووضع الكمامة قبل ذلك على أنفه وفمه ، ثم غسل يديه بسبرتو هذا لا مبرر له لا شرعا ولا طبًا ، لأنه ما في هناك ما يوحي بمثل هذا التحفظ الشديد ، لا شك أن هذا من الناحية الصحية أنا رأيي أن هذا عبارة عن وسوسة ووسوسة متعلقة بأهل الطب الذين ينبغي أن تكون الوسوسة عندهم أبعد ما تكون ، لأنهم يعرفون حقيقة الأمراض التي تعدي والتي لا تعدي ، ومن الناحية الشرعية الأمر أوضح وأظهر لأنه تمسك بالأوهام ، والشرع حينما نهى عن الطيرة ونهى عن التمائم وجعل ذلك كله أنواعًا من الشرك في مثل قوله - عليه السلام - : ( لا ) إيش تبع التولة ؟
الطالب : ( ولا تولة ) .
الشيخ : هذه قبلها ، ( إن الرقى والتولة والتمائم شركٌ ) ، فهذه كلها حرمها الشارع الحكيم من باب قطع دابر الوسوسة ، ومن باب قطع دابر ما يأتي بالأوهام ، وإذا بالأطباء أنفسهم يقعون في الأوهام ، وهذا النوع مما ينبغي على المسلم أن يترفع عنه ، كل الأسباب التي لا يكون غلبة الظن قائمة فيها أنها سبب كوني ، وهذا مأخوذ من حديث السبعين ألفًا الذي قال فيهم الرسول - عليه السلام - في مجلس من مجالسه في المسجد ، قال لأصحابه يومًا : ( يدخل الجنة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر ) ، ودخل حجرته ، فأخذ الصحابة يتحدَّثون ويتظنَّون ، يتساءلون مَن يكون هؤلاء ؟ هنيئًا لهم ، من هم ؟ سبعون ألف من أمة الرسول - عليه السلام - يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر ، منهم من يقول : من يكون هؤلاء سوى نحن المهاجرين الذين هجروا بلادهم وأوطانهم في سبيل الله ، وهؤلاء يقولون : إنما نحن الأنصار الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآووه في ساعة العسرة ، منهم من يقول : لا أنتم ولا أنتم ، لا هؤلاء ولا هؤلاء ، إنما هم أبناؤكم يأتون من بعدكم يؤمنون بالنبي ولم يروه ، وسرعان ما طلع عليهم الرسول - عليه السلام - ، وقال لهم : ( هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكَّلون ) ؛ لذلك فهذا الحديث يفهم منه أن الأسباب تنقسم إلى أنواع من حيث ما نحن فيه فسبب يغلب على الظن أنه سبب ناجح يؤخذ به إعمالًا للأوامر الكثيرة التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على التداوي كمثل قوله - عليه السلام - : ( يا أيها الناس ، تداووا عباد الله ؛ فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء ) ، في حديث ابن مسعود : ( عَلِمَه مَن عَلِمَه وجَهِلَه مَن جَهِلَه ) ، فإذا كان السبب الدواء يغلب عليه أي : يغلب على الظن أنه يفيد صاحبه فالأفضل أن يأتيه وأن يتعاطاه ، أما إذا كان السبب مش يغلب على الظَّنِّ ، وإنما يقيني فحينئذٍ يجب تعاطيه ، وعلى العكس من ذلك إذا كان مظنونًا ظنًّا مرجوحًا فالأفضل الإعراض عنه ، وهذا يؤخذ من حديث السبعين ألف الذين لا يسترقون أي : لا يطلبون الرقية من غيرهم ، شو معنى لا يطلبون الرقية من غيرهم ؟ يعني ما بقولوا للشَّيخ راسي بيوجعني تعال كبسني شو السبب ؟ لأن تكبيس الشَّيخ للرأس ما هو غالب على الظن أنه سيطيب الرأس .
الطالب : نعم .
الشيخ : فالأولى حين ذاك أحد شيئين : إما أن تأخذ حبة شو اسمه هذا ؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، أسبرين أو - مثلًا - دواء آخر مقطوع مفعوله ... أو إنه إذا ما تيسر لك هذا توكل على الله - تبارك وتعالى - إن لم تعرف أن تستعمل بعض الرقى المشروعة تريقي بها نفسك بنفسك ، أما أن تطلب ذلك من غيرك هذا مش لا يجوز ، هذا خلاف الأفضل ، لأن فيه الأخذ بسبب أشبه ما يكون بالأسباب إيش ؟ الموهومة .
هذا يعني تقسيم الأسباب من حيث غلبة الظن وعدم غلبة الظن ، لكن الحديث يتضمَّن سببًا آخر من نوع آخر وهو : ( ولا يكتوون ) مع أن الكي يعني مزكى في الأحاديث ( خير ما تداويتم به ) قال - عليه السلام - : ( ذكر القرآن وذكر العسل ) وذكر إيش ؟ ( وكية بنار ) لكنه أتبع ذلك بقوله : ( وأنهى أمَّتي عن الكيِّ ) ، وذلك لما فيه من إيش ؟ تعذيب الجسم بالنار ( ولا يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار ) . فلذلك نأخذ من حديث السبعين هذا الأدب الإسلامي الرفيع وهو أن لا يتأثر الإنسان بالأوهام وأن لا يتجاوب معها ، والأطباء اليوم أشد الناس تجاوبًا مع مثل هذه الأوهام ، بحيث أنهم يطهرون - زعموا - أيديهم بالمحرم وهو السبيرتو .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 332
- توقيت الفهرسة : 00:00:00