الكلام على فهم أهل الكلام للإسلام ، وبيان ضررهم على الإسلام وأهل الإسلام .
A-
A=
A+
الشيخ : علماء الكلام يا أخي .
...
بين الذين تُشير إليهم حينما يقولون أنَّ وجود علماء الكلام ... في سبيل الدفاع عن الإسلام وفي سبيل إبعاد شبهات الكفار من الروم واليونان ونحو ذلك ، الحقيقة كان يعجبهم أن يقرِّبوا الإسلام إلى المنطق الفكري لا إلى المنطق اليوناني ، لكن هناك لأنَّهم عكسوا ذلك تمامًا ، والأمر يعني كما يُقال التاريخ يعيد نفسه ، نحن الآن في محنة تُشبه تلك المحنة تمامًا ، فالكُتَّاب الإسلاميين اليوم وعلماء المسلمين اليوم ينقسمون إلى مذهبين ، تمامًا التاريخ يعيد نفسه ، سمعت يحاولون الآن أن يُؤمرِكُوا الإسلام يُؤوربّوه يجعلوه إسلام أوروبي وإسلام أمريكي ، هل هو لتوضيح الإسلام وبيان أنَّه يتماشى مع العقل السليم والفطرة السليمة ؟ أم هو تأويل الإسلام تأويلًا يتماشى مع ثقافة هؤلاء الأوروبيين والأمريكيين ؟ فالآن العلماء قسمان ، قسم يحاول أن يُبيِّن الإسلام بفهمه إيَّاه أوَّلًا فهمًا صحيحًا ، وبعرضه - أيضًا - عرضًا صحيحًا سليمًا ، وقسم آخر يقول عرض الإسلام هكذا وبهذه المعاني القديمة لا يفهمها هؤلاء الأوروبيون ، فينبغي أن نفهِّمهم الإسلام فهمًا تتقبَّله نفوسهم ، هذا هو ما صنعه علماء الكلام وعلى رأسهم المعتزلة .
وهذا هو كان السبب بضعف الإسلام وإدخال أفكار غريبة عن الإسلام ، فهؤلاء الأساتذة المُحاضِرون الذين تشير إليهم هم في الحقيقة لا يفهمون الإسلام ، ولكن يتأثَّرون بكثرة كاثرة من علماء الكلام ويتوهَّمون أن عملهم كان في سبيل خدمة الإسلام ، والواجب كان ينبغي أن يكون كذلك ولكن ليس مع كل ، ما ينبغي أن يكون هو كائن ، إي نعم .
أنا أقول الآن : علماء الكلام أضرُّوا المسلمين ؛ بدليل أنُّو العالم الإسلامي الآن يعيش على فتاتات علم الكلام فهو ضال وحائر ، ويكفي أنني ضربت لكم مثلًا في الأمس القريب ويبدو أنك كنت حاضرًا ، ففي سؤال الجارية من الرسول - عليه السلام - : ( أين الله ؟ ) . وقولها : في السماء . اسأل اليوم مَن شئت من المحاضرين أنفسهم لا تجد منهم جوابًا .
إذًا ما الذي استفادوه من هذا العلم الذي يبجِّلونه ويعظِّمونه ويزعمون بأنه كان ضرورة زمنيَّة في سبيل الدفاع ، هم ماذا فعلوا للإسلام ؟ بل بالعكس انحرفوا بالإسلام إلى الأديان الأخرى أو الأفكار الغريبة عن الإسلام ، الجملة التي رويتَها بدقَّة عن الإمام مالك هي في الواقع معيار الدعوة السلفية ، فهو يقول : " الاستواء معلوم " ، علماء الكلام ماذا يقولون ؟ علماء الكلام وصل بهم الأمر ليس فقط إلى تأويل نصوص الكتاب والسنة الذي هو يشبه التَّعطيل ، بل هي تأويل نفس كلام الإمام مالك تأويلًا مضحكًا حتى يدفعوا أن يكون كلام مالك حجَّة عليهم ، هم يقولون معنى قول مالك : " الاستواء معلوم " يعني مذكور ، إيش يعني مذكور ؟ يعني مذكور في القرآن ، وهذا تعطيل يشبه تعطيل المؤوِّلة تمامًا للنَّصِّ العربي من هذا الإمام الجليل ، هو السَّائل يقول : يا مالك ، (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، ما معنى استوى ؟ فهذا السَّائل يعلم أنُّو الاستواء مذكور في القرآن ، فكيف يقول مالك للسَّائل : الاستواء مذكور في القرآن وهو فسَّره بـ ، وهو يسأل عن هذا المذكور في القرآن هو يعلم وليس بجاهلٍ له ، فيقول : يا مالك ، (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، كيف استوى ؟ كان الجواب : " الاستواء معلوم " أي : لغةً ، (( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ )) فهو ... ؛ لأنَّ معنى الاستواء معروف في اللغة وأنه هو الاستعلاء ، ولما كان هذا حجة على المؤوِّلة وعلى الخلف عطَّلوا هذه الحجة بتأويل ... قالوا : يعني مالك الاستواء مذكور ، إيش يعني مذكور ؟ يعني مذكور في القرآن ، ليش هو يسأل السَّائل : هل هناك آية في القرآن ذُكِر فيها الاستواء حتى يكون الجواب : نعم ، الاستواء مذكور في القرآن ؟ لم يكن السؤال حول هذا ، كان السؤال عن كيفيَّة الاستواء ، وكان السؤال في تقرير الآية التي يسأل عنها وهو يعلمها وهو يذكرها ؛ فما معنى قول هؤلاء المتأخِّرين بأن مالكًا يعني بقوله : الاستواء معلوم يعني مذكور ؟ تعطيل لنصِّ مالك !!
أخيرًا نقول نحن : يا علماء الكلام ، ما معنى (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ؟ سيقولون - وقولهم يذكِّرنا بقصة وبنكتة - فيقولون في المسألة قولان :
السلف يقولون الاستواء هو الاستعلاء ، والخَلَف يقولون : الاستواء هو الاستيلاء ، في المسألة قولان ، والنكتة زعموا بأن مفتيًا كيِّسًا ذكيًّا عرض له سفر خارج البلدة ، فأناب عنه والده ليدير عملية الإفتاء ، قال له : يا أبي ، أنا رجل لست بعالم ، ولست أعلم بالقيام بهذه ... بالنيابة عنك . قال له : أنا أدلُّك على طريقة كلما جاءك سائل يسألك قل له : في المسألة قولان ، فكان يتخلَّص هكذا من الجواب حرام ولَّا حلال ؟ في المسألة قولان . يجوز أم لا يجوز ؟ في المسألة قولان يا أخي ، والدين واسع و و إلى آخره . فانتبه كيِّس من الأكياس وفطن من الفطناء أنُّو في شيء هنا في الأمر ، فقال لصاحبٍ له : سَلِ الشَّيخ قل له : أفي الله شكٌّ ؟! قال له : يا سيدي الشَّيخ ، أَفِي الله شكٌّ ؟ قال : في المسألة قولان [ الجميع يضحك ! ] .
فعلماء الكلام يعالجون العقيدة بمثل هذا التردُّد وهذه الحيرة ، ما معنى الاستواء ؟ السلف يقولون : الاستواء الاستعلاء ، والخَلَف يقولون : هو الاستيلاء ؛ ما الذي استفادوه من هذا التأويل ؟ لا شيء ، فلا هم سلفيون ولا هم خلفيون ؛ لمَ ؟ ... هم حائرون كما قلت في الأمس القريب عن ذاك الأمير الكيِّس قال : هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم !! هؤلاء أضاعوا معانيَ من القرآن جليلة وظاهرة بداهةً ، قلنا وقالوا - سلفنا - : لماذا أنتم تؤوِّلون الاستواء بمعنى الاستيلاء ؟ قالوا وهذا يُظهر لك أنُّو القضية مو قضية دفاع ورد على الفلسفة اليونانية والرومانية ، لا ، الفلسفة تلك المادية دخلت في شُغاف قلوب هؤلاء ... علم الكلام فعملت فيهم وصرفهم عن الاستجابة لنور القرآن ، قالوا لهم : بماذا تُفسِّرون الاستواء المذكور في أكثر من آية في القرآن بالاستيلاء ولا تقولون بالاستعلاء الذي هو المعنى العربي لهذه الكلمة ؟
قالوا : إذا قلنا الاستواء في الآية هو الاستعلاء جعلنا لله مكان ، والله منزَّه عن المكان ، كلام صحيح بعضه ، أي : إن الله منزَّه عن المكان صحيح ، لكن فهمهم هذا غير صحيح ؛ يعني قولهم : إذا قلنا : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) استعلى جعلنا له مكانًا خطأ ، أما تنزيههم ربَّهم عن المكان فصحيح ، وهكذا (( خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ )) ، فلكن هل تخلَّصوا من مشكلة حينما لجؤوا إلى القول بأن معنى استوى استولى ؟ مثل اللي كان تحت الدَّلف وصار تحت المطر ، تعرفون الدَّلف أنتم ولَّا ما تقولون هذا ؟ يعني سقف البيت ينقِّط من المطر ، يكون هناك في زجاجات أو كسر بصير في نقط ، فكنا تحت الدَّلف صرنا تحت المزراب أو صرنا تحت المطر ، هكذا أصابهم ، فلما قالوا : الاستيلاء واستدلوا على ذلك ببيت من الشعر قال :
" استوى بشر على العراق *** بغير دم وسيف مهراق "
نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : كيف ؟
السائل : " استوى بشر على العراقِ *** بغير سيفٍ أو دمٍ مهراقِ "
الشيخ : فانظروا الآن ؛ الشيء اللي فرُّوا منه وقعوا فيه ؛ لأنُّو شبهوا استيلاء ربِّ العالمين على العرش باستيلاء إيش ؟ بشر على العراق ، هاللي فروا منه وقعوا فيه صراحة ؛ بينما علماء السلف يقولون : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) استعلى استعلاء يليق بكماله ، لا يقولون كما يستعلي فلان على عرشه بخلاف قول السلف هؤلاء : استيلاء كما استولى بشر على العراق ، لَاحَظُوا هذا ؛ فماذا قالوا ؟ يعني لَاحَظُوا أنُّو تأوليهم عاد عليهم بالشَّرِّ الذي فرُّوا منه ؛ فماذا قالوا ؟ قالوا : لا ، نحن نعني أنه استولى استيلاءً يليق بجلاله ، طيب ؛ قولوا : استعلى استعلاءً يليق بجلاله ، انتهت المشكلة ، وخليكم سلفيين وبلاش تكونوا خلفيين .
فإذًا هؤلاء لما تأوَّلوا مش ردًّا العلماء اليونان والرومان وفلسفتهم إلى آخره ، الحقيقة شُبهات قامت في أنفسهم فدافعوا عنها بطريق التأويل ، فأدَّاهم ذلك إلى التعطيل ؛ لذلك الآن تجد علماء الكلام والمدافعين عنهم حيارى في دينهم ... إن استطعت يومًا هذا المُحاضر الذي ... علماء الكلام ، اسأله سؤال الرسول - عليه السلام - للجارية ؟ قلت : لا يستطيع أن يجيبك ؛ لأنه لا يعرف العقيدة الإسلامية ، هو يعرف فقط ثقافة إسلامية عامَّة أنُّو علماء الكلام والمعتزلة ... ردُّوا على الكفار والزنادقة ، وقد يكون فيهم الأمر هكذا ، لكن ما وقفوا في ردِّهم عند نصوص كتاب ربِّهم ، وإنما حكَّموا عقولهم ، فهم من ناحية أرادوا الإصلاح فوقعوا في الإفساد ، ونحن نعيش في هذا السياق ... مع الأسف إلا قليلًا من عباد الله المخلَصين .
... إتمامًا للبحث أقول : أنهم يقولون إذا قلنا : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وهذا من ... الرد على الفلاسفة ؛ لأني أنا سأكون الآن أتكلم بلغة الفلسفة ، فيتبيَّن أنهم لا يعلمون شيئًا من هذه الفلسفة وهي حق في هذا المجال ، فنحن نقول لهم فعلًا هذا وقع بيني وبين بعض مشايخ الأزهر في موطن من مواطن الحجِّ منذ نحو أربعة سنوات في ليلةٍ من ليالي منى الهادئة ، فلقينا هناك شيخًا أزهريًّا فجرى البحث في مسألة ... الصفات وبصورة خاصَّة في هذه الآية ، قلت له : أنتم تتَّهمون السلفيين بأنهم مجسِّمة لأنهم يُبقون الآيات على ظواهرها ، فهم يقولون (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) استعلى ، فتقولون عن السلفيين بأنهم مجسِّمة ومشبِّهة ، أنا أسألك الآن : حينما تنسبون إلى السلف قديمًا وحديثًا أنَّهم يجعلون ربَّهم في مكان حينما يقولون : الله في السماء ، والله على العرش استوى ، تقولون : إنهم يجعلونه في مكان ، أسألك الآن : آلمكان - هنا تبدأ الفلسفة الآن ، لكن فلسفة منطقية كما سترون - آلمكان أمرٌ وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ فكَّر قليلًا ثم أجاب بالجواب الصحيح ، قال : المكان أمر وجودي ليس شيئًا عدميًّا .
وأظن واضح لديكم المقصود من السؤال والجواب ، يعني - مثلًا - حينما نتصوَّر حينما نقرأ في كتب اللغة كلمة العنقاء ، اسم لحيوان ... إلى آخره ، فالعنقاء يعني لها وجود ولَّا هو فقط اسم في المخيِّلة ؟ قالوا أنُّو هذا لا وجود له العنقاء ؛ يعني خلق يُتخيَّل في الذهن ليس له وجود في الخارج ، هذا هو المعنى الذهني الذي ليس له وجود في الخارج .
فأنا لما سألت : المكان أمرٌ وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ وجودي كسائر الموجودات ، عدمي كالعنقاء - مثلًا - وقد عطف عليه بعضهم ... - أيضًا - ، هذا لا وجود له إلا في الذهن هكذا قالوا ، طيب ؛ المكان أمر وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ قال : أمر وجودي . قلت له : طيب ؛ هذا الموجود مسبوق بالعدم ؟ قال : نعم ، كون قلت له : المكان وُجِدَ بعد أن لم يكن ؛ أليس كذلك ؟ قال : نعم . قلت : الكون هو من حيث أنَّه مخلوق لله - عز وجل - هل هو محدود أم غير محدود ؟ قال : محدود . هذا كلام كله صحيح قلنا : إذًا الآن نحن في الأرض فوقنا ؟ قال : السماء الأولى . فوقها ؟ الثانية هيك السماء السابعة ، وفوق السماء السابعة إيش في ؟ قال : العرش . قلت له : فوق العرش إيش في ؟ قال : الملائكة الكروبيون . قلت : إيش هذه الملائكة الكروبيون ؟! أنت قرأت الملائكة الكروبيون في القرآن ؟ قال : لا . قلت : في الحديث في حديث في ذكر الملائكة يُسمَّوْن بالكروبيون ؟ قال : ما أدري . قلت : لكان كيف تقول بشيء من الغيب - ولا يعلم الغيب إلا الله - تقول : أنُّو فوق العرش في ملائكة كروبيون ؟ قال : هكذا درسنا في الأزهر الشريف . يدرِّسون في الأزهر أمور خرافية باسم العقيدة . قلت : لا يوجد في السنة فضلًا عن الكتاب أنَّ فوق العرش ملائكة مطلقًا وبصورة خاصَّة ملائكة باسم كروبيون ، ولكن في بالقرآن : (( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )) ، حملة العرش ، أما فوق العرش ، انظروا الآن كيف يعكسون الحقائق ، الحقائق الشرعية تُصرِّح أنُّو فوق العرش هو الله - تبارك وتعالى - ، هم يجعلون فوق العرش ملائكة كروبيون ، سبحان الله العظيم !! الشيء الذي لا وجود له يؤمنون به ، والشيء الموجود يجحدونه .
على كل حال أنا أريد أن أمشي معه إلى نهاية المطاف ، قلت له : هَبْ أن هناك ملائكة فوق العرش كروبيون ؛ فماذا بعد ذلك ؟ قال : لا شيء ، انتهى ، الكون محدود ، قال : لا شيء . قلت له : هناك مكان ؟ انظروا بقى بدأنا الحديث بالمكان ، قلت هناك مكان فوق الملائكة الكروبيون في مكان ؟ قال : لا . قلت له : السلفيون يقولون الله فوق العرش يعني في لا مكان ، أنت باعترافك أنُّو ليس هناك مكان ، فالله فوق المخلوقات كلها وأعلى المخلوقات في اعتقادنا العرش ، في اعتقادك الملائكة الكروبيون انتهى الكون ، وانتهى المكان ، فالله - عز وجل - حينما نصِفُه بأنه فوق العرش يعني ليس في مكان ، فضحك الرجل .
علماء الكلام عايشين في هالوَهْم في هالضَّلالة أنُّو إذا قلنا : الله فوق العرش ؛ يعني جعلناه في مكان مع أنه ليس هناك مكان ؛ لأن الله كان ولا شيء معه كما في الحديث السابق ، فهو الآن من هذه الحيثية - أي : من حيث أنه لم يكن في مكان - فهو الآن من هذه الحيثية كما كان ، فهو ليس في مكان ، لكن لما خلق الخلق لا بد في هذه الحالة من أحد شيئين ؛ إما أن يكون الخلق فوقه أو يكون كما هو الواقع فوق خلقه ، فنحن نقطع بأنه فوق المخلوقات ؛ ولذلك من صفات المؤمنين ما وصفهم به ربُّ العالمين بقوله في القرآن الكريم نفسه : (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) ، بينما علماء الكلام كما سمعتم بالأمس لا فوق لا تحت ، لا يمين لا يسار ، لا أمام لا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه ، هذا هو الكفر بعينه !! إذًا ما أفادنا علماء الكلام شيئًا ، على العكس وإنما هم ورَّثونا هذا الضياع ، ضياع عقائدي خطير جدًّا المسلمون لا يعرفون ربَّهم أين هو !!
ومن العجائب - إن أنسى كما يقال فلا أنسى - كنت مرَّة خرجت من دمشق في سبيل الدعوة إلى حلب ، وبين دمشق وحلب نحو أربع مئة كيلو متر ، ثم يمَّمت شطر اللاذقية ، ساحل البحر الأبيض في نحو مئتين كيلو متر ، كنت راكب في سيارتي الخاصة ومعي صديقي ، وإذا بنا نرى رجلًا من هؤلاء السياح الأجانب واقف في جانب محطة بنزين ، من هؤلاء الشَّحاذين على الطريقة الأوروبية اللي بيركبوا مجانًا وبينتقلوا في بلاد الدنيا كلها مجانًا ، لهم اسم خاص أجنبي غريب ، فأشار فكنت قطعت قليلًا وتشاورت مع صاحبي شو رأيك نوقف السيارة ونركِّب هذا الإنسان ونتسلَّى فيه طوال الطريق يعني ونجادله ، قال : والله خير ما تقول . فرجعت القهقرى بالسيارة وأركبته ، وإذا به بعيد عنه قليلًا زوجته ، هذا لو علمنا ربما ما شجَّعنا ، لكن قلنا : لا بأس ، هن بيركبوا وراءنا وصاحبي بجانبي ، فالشيء الغريب - يا إخواننا - كان أسهل عليَّ أن أقنع هذا الرجل الكافر بالعقيدة السلفية ... .
... الكفار ليس عندهم كتاب ولا سنة لكن عندهم محاكمة منطقية ، وإذا به ينتهي في النهاية معنا إلى أنه يُصبح سلفيًّا ، إي والله ، يؤمن بأن الله - عز وجل - له صفة الفوقية ، بعد ذلك بعدما انتهينا من هذا بدأنا نتكلم في أمور كثيرة ، فهو - مثلًا - حليق ، وهذا من باب ضربنا عصفورين بحجر واحد [ الشَّيخ يضحك ! ] .
قلت له - أو قلت لصحابي بالأحرى - : سَلْه أنتم تعظِّمون عيسى - عليه السلام - أكثر مما نفعل نحن ، فنحن نعتقد أنَّه رسول من رسل الله وأنه بشر ، وليس إله و ... إله ، فأنتم تبالغون في تعظيمه ، لكن نراكم من ناحية أخرى لا تعظِّمونه . قال : كيف ذلك ؟ قلت له : عيسى - عليه السلام - كان له لحية ولَّا ليس له لحية ؟ قال له : لحية . وهم يُصوِّرونه لحية جليلة عظيمة ، طيب ؛ نحن نراكم - معشر النصارى - لا تتشبَّهون بإلهكم فهو له لحية ، وأنتم ليس لكم لحية ؛ ليه ؟ قال : هذه أمور عادية [ الشَّيخ يضحك ! ] ، هذه أمور عادية نحن لسنا مكلَّفين باتباع عيسى في ذلك ، يعني أذكر هذا من جملة البحوث التي جرت فيما بعد ، فسبحان الله يعني الإسلام دين الفطرة ، وكما قال - عليه السلام - : ( ما من مولودٍ إلا ويُولد على الفطرة ، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجسِّانه ) ، وإذا بنا نحن ونحن نعيش في الإسلام نتمجَّس ونتنصَّر ونتهوَّد ؛ باسم إيه ؟ مسلمين ، هذه هو الخطر العظيم ، لأنُّو الإنسان إذا عرف نفسه على خطأ يُرجى له أن يرجع عنه ، بخلاف ما إذا ظنَّ أنه على صواب فلن يعود منه .
...
بين الذين تُشير إليهم حينما يقولون أنَّ وجود علماء الكلام ... في سبيل الدفاع عن الإسلام وفي سبيل إبعاد شبهات الكفار من الروم واليونان ونحو ذلك ، الحقيقة كان يعجبهم أن يقرِّبوا الإسلام إلى المنطق الفكري لا إلى المنطق اليوناني ، لكن هناك لأنَّهم عكسوا ذلك تمامًا ، والأمر يعني كما يُقال التاريخ يعيد نفسه ، نحن الآن في محنة تُشبه تلك المحنة تمامًا ، فالكُتَّاب الإسلاميين اليوم وعلماء المسلمين اليوم ينقسمون إلى مذهبين ، تمامًا التاريخ يعيد نفسه ، سمعت يحاولون الآن أن يُؤمرِكُوا الإسلام يُؤوربّوه يجعلوه إسلام أوروبي وإسلام أمريكي ، هل هو لتوضيح الإسلام وبيان أنَّه يتماشى مع العقل السليم والفطرة السليمة ؟ أم هو تأويل الإسلام تأويلًا يتماشى مع ثقافة هؤلاء الأوروبيين والأمريكيين ؟ فالآن العلماء قسمان ، قسم يحاول أن يُبيِّن الإسلام بفهمه إيَّاه أوَّلًا فهمًا صحيحًا ، وبعرضه - أيضًا - عرضًا صحيحًا سليمًا ، وقسم آخر يقول عرض الإسلام هكذا وبهذه المعاني القديمة لا يفهمها هؤلاء الأوروبيون ، فينبغي أن نفهِّمهم الإسلام فهمًا تتقبَّله نفوسهم ، هذا هو ما صنعه علماء الكلام وعلى رأسهم المعتزلة .
وهذا هو كان السبب بضعف الإسلام وإدخال أفكار غريبة عن الإسلام ، فهؤلاء الأساتذة المُحاضِرون الذين تشير إليهم هم في الحقيقة لا يفهمون الإسلام ، ولكن يتأثَّرون بكثرة كاثرة من علماء الكلام ويتوهَّمون أن عملهم كان في سبيل خدمة الإسلام ، والواجب كان ينبغي أن يكون كذلك ولكن ليس مع كل ، ما ينبغي أن يكون هو كائن ، إي نعم .
أنا أقول الآن : علماء الكلام أضرُّوا المسلمين ؛ بدليل أنُّو العالم الإسلامي الآن يعيش على فتاتات علم الكلام فهو ضال وحائر ، ويكفي أنني ضربت لكم مثلًا في الأمس القريب ويبدو أنك كنت حاضرًا ، ففي سؤال الجارية من الرسول - عليه السلام - : ( أين الله ؟ ) . وقولها : في السماء . اسأل اليوم مَن شئت من المحاضرين أنفسهم لا تجد منهم جوابًا .
إذًا ما الذي استفادوه من هذا العلم الذي يبجِّلونه ويعظِّمونه ويزعمون بأنه كان ضرورة زمنيَّة في سبيل الدفاع ، هم ماذا فعلوا للإسلام ؟ بل بالعكس انحرفوا بالإسلام إلى الأديان الأخرى أو الأفكار الغريبة عن الإسلام ، الجملة التي رويتَها بدقَّة عن الإمام مالك هي في الواقع معيار الدعوة السلفية ، فهو يقول : " الاستواء معلوم " ، علماء الكلام ماذا يقولون ؟ علماء الكلام وصل بهم الأمر ليس فقط إلى تأويل نصوص الكتاب والسنة الذي هو يشبه التَّعطيل ، بل هي تأويل نفس كلام الإمام مالك تأويلًا مضحكًا حتى يدفعوا أن يكون كلام مالك حجَّة عليهم ، هم يقولون معنى قول مالك : " الاستواء معلوم " يعني مذكور ، إيش يعني مذكور ؟ يعني مذكور في القرآن ، وهذا تعطيل يشبه تعطيل المؤوِّلة تمامًا للنَّصِّ العربي من هذا الإمام الجليل ، هو السَّائل يقول : يا مالك ، (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، ما معنى استوى ؟ فهذا السَّائل يعلم أنُّو الاستواء مذكور في القرآن ، فكيف يقول مالك للسَّائل : الاستواء مذكور في القرآن وهو فسَّره بـ ، وهو يسأل عن هذا المذكور في القرآن هو يعلم وليس بجاهلٍ له ، فيقول : يا مالك ، (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، كيف استوى ؟ كان الجواب : " الاستواء معلوم " أي : لغةً ، (( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ )) فهو ... ؛ لأنَّ معنى الاستواء معروف في اللغة وأنه هو الاستعلاء ، ولما كان هذا حجة على المؤوِّلة وعلى الخلف عطَّلوا هذه الحجة بتأويل ... قالوا : يعني مالك الاستواء مذكور ، إيش يعني مذكور ؟ يعني مذكور في القرآن ، ليش هو يسأل السَّائل : هل هناك آية في القرآن ذُكِر فيها الاستواء حتى يكون الجواب : نعم ، الاستواء مذكور في القرآن ؟ لم يكن السؤال حول هذا ، كان السؤال عن كيفيَّة الاستواء ، وكان السؤال في تقرير الآية التي يسأل عنها وهو يعلمها وهو يذكرها ؛ فما معنى قول هؤلاء المتأخِّرين بأن مالكًا يعني بقوله : الاستواء معلوم يعني مذكور ؟ تعطيل لنصِّ مالك !!
أخيرًا نقول نحن : يا علماء الكلام ، ما معنى (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ؟ سيقولون - وقولهم يذكِّرنا بقصة وبنكتة - فيقولون في المسألة قولان :
السلف يقولون الاستواء هو الاستعلاء ، والخَلَف يقولون : الاستواء هو الاستيلاء ، في المسألة قولان ، والنكتة زعموا بأن مفتيًا كيِّسًا ذكيًّا عرض له سفر خارج البلدة ، فأناب عنه والده ليدير عملية الإفتاء ، قال له : يا أبي ، أنا رجل لست بعالم ، ولست أعلم بالقيام بهذه ... بالنيابة عنك . قال له : أنا أدلُّك على طريقة كلما جاءك سائل يسألك قل له : في المسألة قولان ، فكان يتخلَّص هكذا من الجواب حرام ولَّا حلال ؟ في المسألة قولان . يجوز أم لا يجوز ؟ في المسألة قولان يا أخي ، والدين واسع و و إلى آخره . فانتبه كيِّس من الأكياس وفطن من الفطناء أنُّو في شيء هنا في الأمر ، فقال لصاحبٍ له : سَلِ الشَّيخ قل له : أفي الله شكٌّ ؟! قال له : يا سيدي الشَّيخ ، أَفِي الله شكٌّ ؟ قال : في المسألة قولان [ الجميع يضحك ! ] .
فعلماء الكلام يعالجون العقيدة بمثل هذا التردُّد وهذه الحيرة ، ما معنى الاستواء ؟ السلف يقولون : الاستواء الاستعلاء ، والخَلَف يقولون : هو الاستيلاء ؛ ما الذي استفادوه من هذا التأويل ؟ لا شيء ، فلا هم سلفيون ولا هم خلفيون ؛ لمَ ؟ ... هم حائرون كما قلت في الأمس القريب عن ذاك الأمير الكيِّس قال : هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم !! هؤلاء أضاعوا معانيَ من القرآن جليلة وظاهرة بداهةً ، قلنا وقالوا - سلفنا - : لماذا أنتم تؤوِّلون الاستواء بمعنى الاستيلاء ؟ قالوا وهذا يُظهر لك أنُّو القضية مو قضية دفاع ورد على الفلسفة اليونانية والرومانية ، لا ، الفلسفة تلك المادية دخلت في شُغاف قلوب هؤلاء ... علم الكلام فعملت فيهم وصرفهم عن الاستجابة لنور القرآن ، قالوا لهم : بماذا تُفسِّرون الاستواء المذكور في أكثر من آية في القرآن بالاستيلاء ولا تقولون بالاستعلاء الذي هو المعنى العربي لهذه الكلمة ؟
قالوا : إذا قلنا الاستواء في الآية هو الاستعلاء جعلنا لله مكان ، والله منزَّه عن المكان ، كلام صحيح بعضه ، أي : إن الله منزَّه عن المكان صحيح ، لكن فهمهم هذا غير صحيح ؛ يعني قولهم : إذا قلنا : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) استعلى جعلنا له مكانًا خطأ ، أما تنزيههم ربَّهم عن المكان فصحيح ، وهكذا (( خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ )) ، فلكن هل تخلَّصوا من مشكلة حينما لجؤوا إلى القول بأن معنى استوى استولى ؟ مثل اللي كان تحت الدَّلف وصار تحت المطر ، تعرفون الدَّلف أنتم ولَّا ما تقولون هذا ؟ يعني سقف البيت ينقِّط من المطر ، يكون هناك في زجاجات أو كسر بصير في نقط ، فكنا تحت الدَّلف صرنا تحت المزراب أو صرنا تحت المطر ، هكذا أصابهم ، فلما قالوا : الاستيلاء واستدلوا على ذلك ببيت من الشعر قال :
" استوى بشر على العراق *** بغير دم وسيف مهراق "
نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : كيف ؟
السائل : " استوى بشر على العراقِ *** بغير سيفٍ أو دمٍ مهراقِ "
الشيخ : فانظروا الآن ؛ الشيء اللي فرُّوا منه وقعوا فيه ؛ لأنُّو شبهوا استيلاء ربِّ العالمين على العرش باستيلاء إيش ؟ بشر على العراق ، هاللي فروا منه وقعوا فيه صراحة ؛ بينما علماء السلف يقولون : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) استعلى استعلاء يليق بكماله ، لا يقولون كما يستعلي فلان على عرشه بخلاف قول السلف هؤلاء : استيلاء كما استولى بشر على العراق ، لَاحَظُوا هذا ؛ فماذا قالوا ؟ يعني لَاحَظُوا أنُّو تأوليهم عاد عليهم بالشَّرِّ الذي فرُّوا منه ؛ فماذا قالوا ؟ قالوا : لا ، نحن نعني أنه استولى استيلاءً يليق بجلاله ، طيب ؛ قولوا : استعلى استعلاءً يليق بجلاله ، انتهت المشكلة ، وخليكم سلفيين وبلاش تكونوا خلفيين .
فإذًا هؤلاء لما تأوَّلوا مش ردًّا العلماء اليونان والرومان وفلسفتهم إلى آخره ، الحقيقة شُبهات قامت في أنفسهم فدافعوا عنها بطريق التأويل ، فأدَّاهم ذلك إلى التعطيل ؛ لذلك الآن تجد علماء الكلام والمدافعين عنهم حيارى في دينهم ... إن استطعت يومًا هذا المُحاضر الذي ... علماء الكلام ، اسأله سؤال الرسول - عليه السلام - للجارية ؟ قلت : لا يستطيع أن يجيبك ؛ لأنه لا يعرف العقيدة الإسلامية ، هو يعرف فقط ثقافة إسلامية عامَّة أنُّو علماء الكلام والمعتزلة ... ردُّوا على الكفار والزنادقة ، وقد يكون فيهم الأمر هكذا ، لكن ما وقفوا في ردِّهم عند نصوص كتاب ربِّهم ، وإنما حكَّموا عقولهم ، فهم من ناحية أرادوا الإصلاح فوقعوا في الإفساد ، ونحن نعيش في هذا السياق ... مع الأسف إلا قليلًا من عباد الله المخلَصين .
... إتمامًا للبحث أقول : أنهم يقولون إذا قلنا : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وهذا من ... الرد على الفلاسفة ؛ لأني أنا سأكون الآن أتكلم بلغة الفلسفة ، فيتبيَّن أنهم لا يعلمون شيئًا من هذه الفلسفة وهي حق في هذا المجال ، فنحن نقول لهم فعلًا هذا وقع بيني وبين بعض مشايخ الأزهر في موطن من مواطن الحجِّ منذ نحو أربعة سنوات في ليلةٍ من ليالي منى الهادئة ، فلقينا هناك شيخًا أزهريًّا فجرى البحث في مسألة ... الصفات وبصورة خاصَّة في هذه الآية ، قلت له : أنتم تتَّهمون السلفيين بأنهم مجسِّمة لأنهم يُبقون الآيات على ظواهرها ، فهم يقولون (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) استعلى ، فتقولون عن السلفيين بأنهم مجسِّمة ومشبِّهة ، أنا أسألك الآن : حينما تنسبون إلى السلف قديمًا وحديثًا أنَّهم يجعلون ربَّهم في مكان حينما يقولون : الله في السماء ، والله على العرش استوى ، تقولون : إنهم يجعلونه في مكان ، أسألك الآن : آلمكان - هنا تبدأ الفلسفة الآن ، لكن فلسفة منطقية كما سترون - آلمكان أمرٌ وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ فكَّر قليلًا ثم أجاب بالجواب الصحيح ، قال : المكان أمر وجودي ليس شيئًا عدميًّا .
وأظن واضح لديكم المقصود من السؤال والجواب ، يعني - مثلًا - حينما نتصوَّر حينما نقرأ في كتب اللغة كلمة العنقاء ، اسم لحيوان ... إلى آخره ، فالعنقاء يعني لها وجود ولَّا هو فقط اسم في المخيِّلة ؟ قالوا أنُّو هذا لا وجود له العنقاء ؛ يعني خلق يُتخيَّل في الذهن ليس له وجود في الخارج ، هذا هو المعنى الذهني الذي ليس له وجود في الخارج .
فأنا لما سألت : المكان أمرٌ وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ وجودي كسائر الموجودات ، عدمي كالعنقاء - مثلًا - وقد عطف عليه بعضهم ... - أيضًا - ، هذا لا وجود له إلا في الذهن هكذا قالوا ، طيب ؛ المكان أمر وجوديٌّ أم عدميٌّ ؟ قال : أمر وجودي . قلت له : طيب ؛ هذا الموجود مسبوق بالعدم ؟ قال : نعم ، كون قلت له : المكان وُجِدَ بعد أن لم يكن ؛ أليس كذلك ؟ قال : نعم . قلت : الكون هو من حيث أنَّه مخلوق لله - عز وجل - هل هو محدود أم غير محدود ؟ قال : محدود . هذا كلام كله صحيح قلنا : إذًا الآن نحن في الأرض فوقنا ؟ قال : السماء الأولى . فوقها ؟ الثانية هيك السماء السابعة ، وفوق السماء السابعة إيش في ؟ قال : العرش . قلت له : فوق العرش إيش في ؟ قال : الملائكة الكروبيون . قلت : إيش هذه الملائكة الكروبيون ؟! أنت قرأت الملائكة الكروبيون في القرآن ؟ قال : لا . قلت : في الحديث في حديث في ذكر الملائكة يُسمَّوْن بالكروبيون ؟ قال : ما أدري . قلت : لكان كيف تقول بشيء من الغيب - ولا يعلم الغيب إلا الله - تقول : أنُّو فوق العرش في ملائكة كروبيون ؟ قال : هكذا درسنا في الأزهر الشريف . يدرِّسون في الأزهر أمور خرافية باسم العقيدة . قلت : لا يوجد في السنة فضلًا عن الكتاب أنَّ فوق العرش ملائكة مطلقًا وبصورة خاصَّة ملائكة باسم كروبيون ، ولكن في بالقرآن : (( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )) ، حملة العرش ، أما فوق العرش ، انظروا الآن كيف يعكسون الحقائق ، الحقائق الشرعية تُصرِّح أنُّو فوق العرش هو الله - تبارك وتعالى - ، هم يجعلون فوق العرش ملائكة كروبيون ، سبحان الله العظيم !! الشيء الذي لا وجود له يؤمنون به ، والشيء الموجود يجحدونه .
على كل حال أنا أريد أن أمشي معه إلى نهاية المطاف ، قلت له : هَبْ أن هناك ملائكة فوق العرش كروبيون ؛ فماذا بعد ذلك ؟ قال : لا شيء ، انتهى ، الكون محدود ، قال : لا شيء . قلت له : هناك مكان ؟ انظروا بقى بدأنا الحديث بالمكان ، قلت هناك مكان فوق الملائكة الكروبيون في مكان ؟ قال : لا . قلت له : السلفيون يقولون الله فوق العرش يعني في لا مكان ، أنت باعترافك أنُّو ليس هناك مكان ، فالله فوق المخلوقات كلها وأعلى المخلوقات في اعتقادنا العرش ، في اعتقادك الملائكة الكروبيون انتهى الكون ، وانتهى المكان ، فالله - عز وجل - حينما نصِفُه بأنه فوق العرش يعني ليس في مكان ، فضحك الرجل .
علماء الكلام عايشين في هالوَهْم في هالضَّلالة أنُّو إذا قلنا : الله فوق العرش ؛ يعني جعلناه في مكان مع أنه ليس هناك مكان ؛ لأن الله كان ولا شيء معه كما في الحديث السابق ، فهو الآن من هذه الحيثية - أي : من حيث أنه لم يكن في مكان - فهو الآن من هذه الحيثية كما كان ، فهو ليس في مكان ، لكن لما خلق الخلق لا بد في هذه الحالة من أحد شيئين ؛ إما أن يكون الخلق فوقه أو يكون كما هو الواقع فوق خلقه ، فنحن نقطع بأنه فوق المخلوقات ؛ ولذلك من صفات المؤمنين ما وصفهم به ربُّ العالمين بقوله في القرآن الكريم نفسه : (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) ، بينما علماء الكلام كما سمعتم بالأمس لا فوق لا تحت ، لا يمين لا يسار ، لا أمام لا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه ، هذا هو الكفر بعينه !! إذًا ما أفادنا علماء الكلام شيئًا ، على العكس وإنما هم ورَّثونا هذا الضياع ، ضياع عقائدي خطير جدًّا المسلمون لا يعرفون ربَّهم أين هو !!
ومن العجائب - إن أنسى كما يقال فلا أنسى - كنت مرَّة خرجت من دمشق في سبيل الدعوة إلى حلب ، وبين دمشق وحلب نحو أربع مئة كيلو متر ، ثم يمَّمت شطر اللاذقية ، ساحل البحر الأبيض في نحو مئتين كيلو متر ، كنت راكب في سيارتي الخاصة ومعي صديقي ، وإذا بنا نرى رجلًا من هؤلاء السياح الأجانب واقف في جانب محطة بنزين ، من هؤلاء الشَّحاذين على الطريقة الأوروبية اللي بيركبوا مجانًا وبينتقلوا في بلاد الدنيا كلها مجانًا ، لهم اسم خاص أجنبي غريب ، فأشار فكنت قطعت قليلًا وتشاورت مع صاحبي شو رأيك نوقف السيارة ونركِّب هذا الإنسان ونتسلَّى فيه طوال الطريق يعني ونجادله ، قال : والله خير ما تقول . فرجعت القهقرى بالسيارة وأركبته ، وإذا به بعيد عنه قليلًا زوجته ، هذا لو علمنا ربما ما شجَّعنا ، لكن قلنا : لا بأس ، هن بيركبوا وراءنا وصاحبي بجانبي ، فالشيء الغريب - يا إخواننا - كان أسهل عليَّ أن أقنع هذا الرجل الكافر بالعقيدة السلفية ... .
... الكفار ليس عندهم كتاب ولا سنة لكن عندهم محاكمة منطقية ، وإذا به ينتهي في النهاية معنا إلى أنه يُصبح سلفيًّا ، إي والله ، يؤمن بأن الله - عز وجل - له صفة الفوقية ، بعد ذلك بعدما انتهينا من هذا بدأنا نتكلم في أمور كثيرة ، فهو - مثلًا - حليق ، وهذا من باب ضربنا عصفورين بحجر واحد [ الشَّيخ يضحك ! ] .
قلت له - أو قلت لصحابي بالأحرى - : سَلْه أنتم تعظِّمون عيسى - عليه السلام - أكثر مما نفعل نحن ، فنحن نعتقد أنَّه رسول من رسل الله وأنه بشر ، وليس إله و ... إله ، فأنتم تبالغون في تعظيمه ، لكن نراكم من ناحية أخرى لا تعظِّمونه . قال : كيف ذلك ؟ قلت له : عيسى - عليه السلام - كان له لحية ولَّا ليس له لحية ؟ قال له : لحية . وهم يُصوِّرونه لحية جليلة عظيمة ، طيب ؛ نحن نراكم - معشر النصارى - لا تتشبَّهون بإلهكم فهو له لحية ، وأنتم ليس لكم لحية ؛ ليه ؟ قال : هذه أمور عادية [ الشَّيخ يضحك ! ] ، هذه أمور عادية نحن لسنا مكلَّفين باتباع عيسى في ذلك ، يعني أذكر هذا من جملة البحوث التي جرت فيما بعد ، فسبحان الله يعني الإسلام دين الفطرة ، وكما قال - عليه السلام - : ( ما من مولودٍ إلا ويُولد على الفطرة ، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجسِّانه ) ، وإذا بنا نحن ونحن نعيش في الإسلام نتمجَّس ونتنصَّر ونتهوَّد ؛ باسم إيه ؟ مسلمين ، هذه هو الخطر العظيم ، لأنُّو الإنسان إذا عرف نفسه على خطأ يُرجى له أن يرجع عنه ، بخلاف ما إذا ظنَّ أنه على صواب فلن يعود منه .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 60
- توقيت الفهرسة : 00:21:32
- نسخة مدققة إملائيًّا