هل اجتهاد عمر رضي الله عنه في طلاق الثلاث يكون من قبيل الاجتهاد مع ورود النص ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل اجتهاد عمر رضي الله عنه في طلاق الثلاث يكون من قبيل الاجتهاد مع ورود النص ؟
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة لاجتهاد عمر - رضي الله عنه - في طلاق الثلاث ، ألا يكون هذا اجتهاد في موضع النص ؟

الشيخ : في إيش ؟

السائل : اجتهاد في موضع النص ، حيث لا اجتهاد في موضع النص ؟

الشيخ : في مسألة الطلاق ؟

السائل : نعم .

الشيخ : لا ، ونحن قلنا ما قلنا آنفًا ، لكي لا نقول هذا الكلام ، " لا اجتهاد في مورد النص " ، هذا كلام لا خلاف فيه عند العلماء ، لو قال عمر بن الخطاب لا سمح الله : " كل طلاق بلفظ الثلاث فهو ثلاث " : هذا اجتهاد في مورد النص فيكون مردودا ، لكن هو -كما سقت آنفًا ، والمسألة الحقيقة فيها بيان حتى لا نقول ولو احتمالا مثل هذا الكلام ، بالنسبة لاجتهاد عمر في موضوع الطلاق- .عمر -رضي الله عنه- قال ما معناه : " إني أرى الناس قد استعجلوا أمرًا كان لهم فيه أناة " ، يعني أن الشارع الحكيم سن لهم الطلاق طلقة ومعها عدة ، طلقة ومعها عدة ، وهكذا كما أشرنا آنفًا في الآية : (( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ )) بهذه الطريقة جعل الله للمطلق زمنًا ، وجعل له مكانًا للتفكير والروية ، فهو مثلًا إذا لم تطب له الحياة مع زوجته فيقول له الشارع الحكيم : طلقها طلاقًا رجعيًّا وفكر في العاقبة ، وأجاز له أن يعيدها كما تعلمون في العدة مرتين ، أما الثلاثة : (( فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )) ، هؤلاء الذين جمعوا الطلاق الثلاث في طلقة واحدة ، ونفذوها على أزواجهم ، هؤلاء خالفوا الشريعة ، الشارع الحكيم جعل لهم أناة وهم قد استعجلوا في الأمر ، فبعد أن درس هذا الموضوع سيدنا عمر -رضي الله عنه- نظر في الأمر ولم يطبق الحكم الذي رآه ، ثم قال : " قد بدا لي أن أنفذها عليهم عقوبة لهم " ، وليس تغييرا لحكم الشرع ، عقوبة لهم : لهؤلاء الذين استعجلوا بمخالفة الشرع ، فجعلها ثلاثا ، هذا اسم من باب التعزير ، وليس من باب تغيير الحكم ، لأنه لم يبد منه أي كلمة تعاكس الحكم الشرعي أصالة ، وهو يعلم كما ذكرنا آنفًا أنه هكذا كان الأمر في عهد الرسول ، وفي عهد أبي بكر ، وفي عهده هو ، ولذلك لم ينفذ الحكم رأسا إلا بعدما فكر وقدر وشاور إلخ ، فقال : " قد بدا لي أن أنفذها فيهم " ، فأعلنها أنَّ من جمع الطلاق بلفظ الثلاث فنحن نفرق بينه وبين أهله ، فهذا ليس من باب التغيير ، وإنما هو من باب التعزير . ثم شيء لا بد أن أذكره في هذه المناسبة وهو : أن أصحاب الرسول - عليه السلام - كما تعلمون كانوا بحق لا تأخذهم في الله لومة لائم ، فلولا أنهم يعلمون أن عمر بن الخطاب فيما بدا له من تنفيذ الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثا هو مجتهدٌ اجتهادا سائغا له ، وليس معاكسا للشريعة ، لو أنهم لا يعلمون ذلك لبادروه بالإنكار ، لأنه ليس عندهم مراءاة ولا نفاق ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، والقصة التي تروى وإن كان في إسنادها ضعف في نقدي : " أن عمر لما خطب يوم الجمعة خطبة وأخبر الناس بأنه بلغه أن الناس يغالون في مهور نسائهم ، وأنه إذا بلغه عن رجل أنه أخذ مهرا أكثر من أربعمائة درهم المهر الذي أخذه الرسول - عليه الصلاة والسلام - لبناته ، أو دفعه لأزواجه أخذ الزيادة عليها وضمها إلى بيت مال المسلمين ، فقامت امرأة عجوز وقالت له : يا أمير المؤمنين ، ليس الأمر بيدك ، قال الله - عز وجل - : (( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا )) ، فقال : رجل أخطأ وامرأة أصابت " . وهذه القصة كما قلت : في سندها رجل اسمه مجالد بن سعيد ، والعلماء ما بين مضعفين لروايته ومحسنين ، كقاعدة ، بعضهم يضعف حديثه وبعضهم يحسنه ونحن مع التضعيف .

الشاهد ، كذلك يحسن مثالا أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم ، عمر بن الخطاب وهو يخطب يوم الجمعة : لما دخل عثمان بن عفان فقال : " ما بال أحدكم يتأخر عن صلاة الجمعة ، ولا يحضر الذكر يعني : الخطبة ، فقال عثمان : يا أمير المؤمنين ما كان إلا أن سمعت الأذان وجئت " ، قال : والأذان أيضًا ؟! ألم تسمع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن أتى الجمعة فليغتَسِلْ ) ، لأن عثمان ما ذكر الغسل ، ما قال : أنه أنا لما سمعت الأذان بادرت الغسل وجئت ، لا ، قال : " سمعت الأذان وجئت " ، قال له : كمان هكذا ، أين أنت من قول الرسول - عليه السلام - : ( مَن أتى الجمعة فليغتَسِلْ ) ، فالجماعة ليس عندهم النفاق الاجتماعي كالموجود اليوم ، كانوا ينكرون ما هو أبسط من ذلك ، لكن مع ذلك كانوا يقدرون رأي أمير المؤمنين ، لأنه كما تعلمون هذا في الواقع مزية كبيرة جدًّا له : ( يا عمر ، ما سلكت فجًّا إلا سلك الشيطان فجًّا غير فجِّك ) ؛ ولذلك ما كانوا يخافون في الله لومة لائم من جهة ، من جهة أخرى كانوا يقدرون اجتهادات أمير المؤمنين ، لأنه كان ينطق غالبًا بالحقِّ ، ولا يحيد عنه قيد شعرة . هذا الذي ندين الله به ، والله أعلم .

مواضيع متعلقة