توضيح الشيخ للوسائل التي يتخذها البشر الصالح منهم والطالح للوصول الى معرفة شيء من المغيبات عنهم والتي هي في حقيقتها ليست من الغيب المحض .
A-
A=
A+
الشيخ : وبعد هذا النوع من الوسيلة التي يختصُّ بها المؤمنون ، ننتقل إلى وسائل أخرى ، لا فرق فيها أو بين من يتخذها ، إن كان مسلما صالحًا ، أو مسلما فاسقا ، أو كان ماردا شريرا ، لا فرق ، لأن هذه الأسباب يسرّها الله لكل الناس دون أي تفريق بين إيمانهم وبين كفرهم ، فمن أخذ بشيء من هذه الأسباب وصل إلى ذلك الغيب ، الذي كان غيبا بالنسبة لعموم الناس ، ثم لما اتخذ بعضهم تلك الوسيلة التي خلقها الله - عز وجل - وصل إلى ما لم يصل إليه الآخرون ، فسمي هذا غيبا ، ولكن ! هناك فرق آخر بإمكان هؤلاء الذين ذكرناهم أخيرا من البشر دون فرق بين مسلم وكافر ، هؤلاء لا يستطيعون بهذه الوسائل التي ذللها الله لهم أن يكتشفوا ما سيكون في سنة كذا ، في يوم كذا ، في ساعة كذا ، مما لم يجعل الله له نظاما ، أو سببا ، وأنا أضرب بهذه المناسبة مثالا سهلا جدًّا : كنت قرأته يوم كنت أقرأ ما هبّ ودب : أنه ، أن الفلاح المزارع يستطيع أن يعرف عمر الشجرة كم هي ؟ ليست وهي قائمة على جذعها ، وإنما بعد أن تقطع من جذعها ، فيرى هناك دوائر ضمن دائرة ضمن دائرة ، فيقول : هذه عمرها كذا ، أي : كل دائرة تمثّل سنة ، هذا ليس علما بالغيب ، نعم هو علم غيبي بالنسبة للجهلة الذين لا يعرفون دلالة هذه الدوائر ، كذلك كنت قرأت في بعض كتب الأدب : أن الإنسان بإمكانه أن يعرف عمر الشخص من الخطوط التي يراها في ظفره ، فكل خط يدل على سنة ، هذا طبعًا من الأمور التي لم ينتشر العلم بها ، ولكن ! من الذي يشك الآن بصحة أخبار علماء الفلك التي ينشرونها قبل سنة ولا سنتين ، وربما سنين !! ويجعلون لذلك تقاويم في سنة كذا ، في يوم كذا ، في ساعة كذا ، ستنكسف الشمس في البلد الفلاني انكسافا كليا ، نصفيا جزئيا ، يفرّقون بين بلد وبلد وكذلك خسوف القمر في ليلة كذا في يوم كذا كل أو جزء إلى آخره ، ما كانوا ليعرفوا ذلك لولا أن الله - عز وجل - جعل نظاما لدوران الشمس والقمر ، واتصالهما بهذا الدوران بالأرض ، وهم علموا بما يسّر الله لهم من الأسباب . أخيرا توصل العلم أو كاد أن يكتشف ما في رحم المرأة ، إن كان ذكرا أو أنثى ، بهذا الجهاز الذي يشبه التلفاز المعروف اليوم ، هذا ليس علما غيبيا ، وإنما بهذه الوسيلة التي ذللها الله لهم ، اكتشفوا ما هو مجهول عند الآخرين ، هذا ليس علما بالغيب ، وإنما هذا اكتشاف للواقع الغالب ، اكتشاف للواقع المخلوق ، وقد يكون اكتشاف لما سيقع ، وهذا قليل ونادر جدًّا ، ومنه ما يتعلق بالكسوف وبالخسوف . وليس من هذا القبيل أيضًا ما يستغله بعض الدجالين اليوم ، الذين يتصلون ببعض الجن ، فالجن يعلمون من الواقع الطبيعي وعلاقة الناس بعضهم ببعض ، أكثر مما يعلم الإنسي ، فهذا الإنسي يستعين بالجني فقد يدله مثلًا على ضآلة فقدت وهي موجودة في مكان كذا ، هذا أيضًا ليس علما بالغيب ، إنما هو اكتشاف الواقع بما ملّكه الله إياه من العلم ، كما قلنا بالنسبة للأطباء والفلكيين ، فالله - عز وجل - أعطى للجن نوع من المعرفة فتفوقوا بها على الإنس ، فهم يمدون قرنائهم من الإنس بهذه المعلومات ليست استكشافا لما سيقع ؟ وإنما استكشاف لما هو واقع . هذا إذًا ليس له علاقة بما اختص الله - عز وجل - به من العلم الغيبي ، الذي هو علم ذاتي ، ليس علما مكتسبا ، وإنما هو كما هو خالق ورازق ومحي ومميت ، فهو عالم بالغيب ، لا يشاركه في ذلك أحد ، فإذًا الغيب قسمان : قسم ذاتي ، وقسم كسبي ، القسم الذاتي هو الذي تفرّد الله به ، والقسم الكسبي : هو الذي يختص الله به من عباده ببعض الوسائل التي ألمحنا إليها ، بعض هذه الوسائل خاصة بالمؤمنين ، وبعضها يشترك معهم الكافرون .
- فتاوى عبر الهاتف والسيارة - شريط : 150
- توقيت الفهرسة : 00:00:00