ما هو منهج أهل السنة والجماعة في فهم بعض الآيات التي قد تستدعي التأويل : مثل (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )) و (( تجري بأعيننا )) و (( ولتصنع على عيني )) وغيرها ؟! - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما هو منهج أهل السنة والجماعة في فهم بعض الآيات التي قد تستدعي التأويل : مثل (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )) و (( تجري بأعيننا )) و (( ولتصنع على عيني )) وغيرها ؟!
A-
A=
A+
السائل : السؤال الأخير بالنسبة لنا حتى نتيح المجال لإخواننا ، معلوم أن من أصول منهج أهل السنة والجماعة في منهج الأسماء والصفات : أنهم يمرروا الآيات والأحاديث التي جاءت في أسماء الله - عز وجل - وصفاته كما جاءت دون تأويل أو تمثيل أو تعطيل أو توجيه أو تشبيه ، ولكن بعض إخواننا يسأل عن بعض الآيات التي تستدعي التأويل : كقوله - تبارك وتعالى - : (( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) ، أو قوله - عز وجل - : (( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )) ، أو قوله - عز وجل - : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) أو غير ذلك من الآيات التي تكون بأنها تستدعي .

الشيخ : التأويل .

السائل : بعض التأويل ، فهل يجوز أن تأول مثل هذه الآيات ؟ أو إذا كانت هناك أحاديث قريبة منها أو بمعناها ؟ أن تأول هذه الأحاديث التي جائت في بعض الأسماء والصفات إن كانت هناك قرينة تستدعي ذلك ؟!

الشيخ : أقول جوابًا على هذا السؤال : بعد حمد الله - تبارك وتعالى - ، والتوكل عليه وحده لا شريك له ، إن كان هناك تأويل لبعض الآيات المشار إليها في السؤال ، فلا ينبغي أن يكون صادرًا من عندنا نحن المتأخرين ، وإنما نحن متبعون ، كما جاء في الحكمة السلفية : " اتبع ولا ترتفع ، واتبع ولا تبتدع " ، فنحن لسنا مبتدعين ، وإنما نحن متَّبعون ، ولذلك قلنا آنفًا إشارة سريعة عابرة ، ولنا كلمات مطولة متكررة وهي والحمد لله مسجلة وسائرة بين الناس : حول ضرورة فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ، محاضرات ألقيت لتأكيد ضرورة التمسك في فهم الكتاب والسنة ليس فقط فيما يتعلق بآيات الصفات وأحاديث الصفات ، بل في فهم الإسلام كله ، من أوله إلى آخره ، لا بد أن نفهمهما -أعني الكتاب والسنة- على ما كان عليه سلفنا الصالح ، هذا بصورة عامة ، وفي الأسماء والصفات بصورة خاصة ، لأنها كانت من أخطر المزالق التي انحرف عن منهج الكتاب والسنة ... ذلك إلا لأنهم لم يتسمكوا بهذا القيد الذي أدندن حوله الآن : على منهج السلف الصالح ، ركبوا رؤوسهم ، وفهموا الآيات والأحاديث فهمًا خاصًّا صادرًا من أفهامهم ومن عقولهم ، ولم يتلقوا تلك المفاهيم وتلك التفاسير عن السلف الصالح ، وبخاصة منهم : أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، الذين تلقوا القرآن من فم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضا طريا ، ومفسرا جليا ، هؤلاء السلف الصالح هم الذين ينبغي أن نقتدي بهم في فهمنا للإسلام عامة ، ولموضوع آيات الصفات وأحاديث الصفات ثانيا ، فنقول : إن كان هناك آية أو حديث يقال إنه تأويل وكان منقولا عن سلفنا الصالح : فنحن متبعون ولسنا مبتدعين ، كما قلنا آنفًا ، ما سلموا به دون تأويل فنحن معهم ، وما قد أولوه ، وأنا أتحفظ لأن ما يقال إنه تأويل في كثير من الأحيان ليس بسبيل التأويل إطلاقا ، لكني أقول على فرض وعلى جدل أن بعض المخاصمين أو المبتدعين أو المخالفين للسلف يزعمون كمثل بعض الآيات التي ذُكرت آنفًا ، قال : إنها تأويل كمثل آية : (( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ )) ، (( وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) ، يقولون : هذا تأويل ، إن كان تأويلًا وفسره العلماء بهذا المعنى المؤوَّل وأعني بهم السلف الصالح فنحن تبع لهم لأنهم أعلم منا بما أنزل الله على قلب نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، لأنهم تلقوا العلم منه مباشرة ، ولكن في كثير من الأحيان ما يقال إنه تأويل ليس تأويلا كما ذكرت آنفًا : وهو الآن هذا المثال ولا نقف كثيرًا عنده أو عند غيره ، لأن المقصود وضع قاعدة وهي : " إذا السلف أولوا نصا فنحن معهم إن سمي أنه تأويل فليسمى ولا مشاحة في الأسماء وفي الاصطلاح " ، لكن في كثير من الأحيان لا يكون تأويلًا وهذا هو المثال (( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ )) ، الأيد : هنا ليس جمع يد التي هي الجارحة بالنسبة لنا نحن البشر ، وإنما هي : القدرة ، اليد هي القدرة ، والأيدي الأيد : هي القدرة فليست هي هنا جمع يد التي قد تجمع إلى أيدي وأيادي ، وإنما هي هنا بمعنى القوة والآية التي تتعلق بداود - عليه السلام - أظن (( ذَا الْأَيْدِ )) نعم ؟

الطالب : (( ذَا الْأَيْدِ )) .

الشيخ : أي : ذو القوَّة ، وليس معناه له أيادي مثلًا كالأخطبوط ولا مؤاخذة لا ، وإنما هو صاحب قوة ، فهذا ليس تأويلًا مثاله وأكتفي بهذا في الإجابة عن ذاك السؤال ، يقولون : في تفسير آية سورة يوسف - عليه السلام - : (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا )) ، هذا تأويل ، لأن المعنى اسأل أهل القرية واسأل أهل العير ، يسمُّونه تأويلًا وليس تأويلًا ، ذلك لأنهم حينما يفسرون التأويل يقولون : " هو إخراج المعنى عن الظاهر عن الحقيقة إلى المجاز " ، هكذا يقولون ، ويشترطون لهذا التأويل أن تتعذر الحقيقة ، ولا يمكن القول بها لا شرعا ولا عقلا ، فيكون ذلك قرينة عند هؤلاء الذين يقسمون الكلام إلى حقيقة وإلى مجاز ، والمجاز هو : التأويل ، يشترطون أن تتعذر الحقيقة ، ليس الأمر في مثل هذه الآية تتعذر معنى الحقيقة الظاهرة من الآية ، التأويل : " هو أن تفهم من الآية معنى فتفر منه إلى معنى غير ظاهر " ، هذا هو التأويل وأما هنا في الآية الأمر على خلاف ذلك تمامًا ، لا أحد من أهل اللغة التي نزل القرآن بلغتهم وهم العرب بداهة ، لا أحد يتبادر لذهنه مما حكاه ربنا - عز وجل - في هذه الآية الكريمة : (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ )) أي : اسأل جدرانها وجبالها وأنهارها وأشجارها و و هذا معنى أبدا لا ينساق إليه الذهن مطلقا ، ما هو الذي ينساق إليه الذهن مباشرة ؟! هو هذا الذي يسمونه بالمضاف المحذوف ، أي أهل القرية ، أهل العير هذا الذي يتبادر إلى الذهن ، إذن هذا المعنى المتبادر الى الذهن هو المعنى الحقيقي ، فليس هذا تأويلا وليس هذا مجازا ، لأنه المعنى الحقيقي هو الذي يتبادر إلى ذهن الإنسان مباشرة ، لكن يقوم هناك دليل في الشرع أو في العقل يمنعه من أن يفهم هذا المعنى ، فيضطر إلى التأويل ، ليس الأمر هكذا هنا ، المعنى الذي يتبادر إلى الذهن هو هذا الذي يسمونه مجازا ، مجاز حذف : اسأل أهل القرية هذا المعنى هو الحقيقة ، وعلى ذلك أمثلة وأمثلة كثيرة ، سرت والقمر هذا مجاز أيضًا يذكرونه ، سرت والقمر : ما أحد يفهم سار والقمر حاطه في إيده في إيده ماشي والقمر في سمائه وهو يمشي في الأرض ، كذلك : (( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )) ، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدًّا فالسلف فسروا هذه الآية : (( وَهُوَ مَعَكُمْ )) أي : بعلمه هذا ليس تأويلًا ، هذا هو المعنى الحقيقي الذي لا يفهم العرب إلا هو ، وعلى هذا جاء عن السلف ، إذن الجواب بإيجاز : إن كان هناك تأويل قال به السلف : فعلى الرأس والعين ، لكن في أكثر الأحيان ليس هناك تأويل ، بل ما يسمونه تأويلًا : هو الحقيقة ، وهذا ما جاء في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مشروحًا شرحًا وافيًا جدًّا لا مجال لأحد أن يستدرك عليه ، ولعل في هذا ما يكفي إن شاء الله في الجواب .

السائل : بارك الله فيكم .

مواضيع متعلقة