ما حكم التدخين ؟
A-
A=
A+
السائل : ما حكم التدخين ؟
الشيخ : أنا شايف ... في حدا عم يدخِّن هون ؟ نعم ؟ ... نسأل الله أن يعافينا .
...
السائل : ... .
الشيخ : السؤال السابق ؟ الرشوة ؟
السائل : ... .
الشيخ : الرشوة ؟
السائل : ... .
...
الشيخ : ... هذا التدخين والتحشيش إلا من باب واحد ، لكن الفرق أنُّو الدخان سيطرته على الناس أكثر من سيطرة الحشيش ، والشيء إذا شاع وذاع هانت خطورته عند الناس بسبب اعتيادهم ، وهو منكر في واقع الأمر ، وهذا أنا ألاحظه في الموضات الجديدة والموضات القديمة ، تشوف المرأة المموَّضة على الموضة القديمة ، نسيت حالها المسكينة أنُّو هي مخالفة للشريعة ، فهي - مثلًا - ثوبها روبها للركبتين ، لكن الموضة كانت لعلها زالت بالبنطلونات أنُّو يكون لنصف الفخذين ، فتمرُّ ذات نصف الفخذين بجانب المرأة القديمة في الموضة اللي هي للركبتين ... تمر هيك ؛ فما تكاد تتجاوز ذات الموضة القديمة إلا تلتفت هذه ... شو ما بقى في حياء ؟ ما بقى في دين ؟ شو ... ؟ كاشفة عن فخذيها ، هي نسيانة حالها أنُّو كاشفة عن ساقيها !! وكشف الساق حرام ، لكن لا شك أنُّو هداك أحرم ، لكن القرافة من هذا أنُّو مع الزمن المنكر يصبح معروفًا ، وهذا من علامات الساعة ، وأنا أعتقد أن الكفار مع الحشيش يجريان مجرى الساق مع الفخذ تمامًا .
هذا كلام يمكن يقول بعض الناس كلام خطابي وعاطفي ، لكن لح نتكلم بقى لغة علمية :
الدخان حرام ؛ بدليل أن الله - عز وجل - قال : (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )) مش هيك الآية ؟
السائل : نعم .
الشيخ : (( وَلَا تُسْرِفُوا )) ، ولا شك عند أيِّ عاقل أن حرق المال إسراف ، ولا شك - أيضًا - مرة أخرى أن شرب الدخان هو حرق للمال ، لكن العادة - أيضًا - لا ... العادة تنسِّي الناس بعض الحقائق ؛ ولأضرب على هذا مثلًا :
أقلُّ مبتلى اليوم بشرب الدخان بيشرب كل يوم ما قيمته ليرة سورية ، هذا أقل تقدير ، هذا الذي يشرب كل يوم ليرة سورية من الدخان لو سألته - وجرِّبوا إذا ما صدَّقتم - لو أخذ الليرة السورية وعملها هيك ... أقرب طريق لإقناع من ابتُلِيَ بشرب الدخان وتحريمه من جهات ، لكن نريد أن نثبت لهم التحريم من جهة واحدة هي التي تحصِّل القناعة في نفس المبتلى بشرب الدخان ؛ فالذي أعتقده أن أيَّ إنسان عاقل مُبتلى بشرب الدخان لو أخذ الليرة السورية التي يشتري بها عادةً الباكيت من الدخان ، وقد يكون أكثر من ليرة ، فأخذ الليرة هَيْ وشعلها هيك حرقها قدَّام منه وهو إيش ؟ مطروب مكيِّف ، لا يشك إنسان بأنُّو هذا حرام ؛ لأنُّو حرق الليرة بدون إيش ؟ فائدة ؛ لا ، في فائدة ، شو الفائدة ؟ كيَّف الرجل ؛ لما شاف المنظر هيك ، مسك الليرة وشعلها والتهبت ، هو كيَّف ؛ هذه فائدة ؛ فهل يقول إنسان أنُّو هذه الفائدة تساوي ليرة سورية فيجوز له العمل في الإسلام ولَّا كل العقلاء يحكمون فورًا بدون أيِّ تردُّد أنُّو العملية هَيْ حرام ؟ لأنها تمثِّل تمامًا النهي السابق في الآية الكريمة : (( وَلَا تُسْرِفُوا )) ، هذا إسراف .
وبالإضافة إلى ذلك حديث الرسول - عليه السلام - الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " ؛ في حدا بيقول : هذا ليس إضاعة مال ؟ إذا في حدا من العقلاء - وكلُّكم عقلاء - فليقل أن العملية هَيْ ليست إضاعة مال وليست إسرافًا ، ولا أحد منكم - إن شاء الله - يقول إلا الحق ؛ أنُّو هذا إضاعة مال وإسراف .
طيب ، هذه صورة متفق عليها على تحريمها بين جميع العقلاء ، ح نجيب هلق صورة ثانية ، ح نلف الورقة هَيْ ، نعملها هيك ، وبدل ما نشعلها هيك ح أحطها بتمِّي وأشعلها ويوصِّل الدخان لتمِّي ؛ يا ترى بقيت الصورة السابقة هي نفسها ؛ أي : حرامًا ، ولَّا صارت حلالًا لأنُّو الهيئة تغيَّرت ؟ شو هاد التغيُّر ؟ لفِّينا الورقة اللي كانت مفروشة ومفرودة ، وحطينا بالفم ... من نص الدخان ولَّا صارت القضية أشد تحريمًا ؟
سائل آخر : أشد تحريمًا .
الشيخ : ما في شك - أيضًا - في هذا ؛ ليه ؟ لأنُّو الدخان اللي كان بالفم صار هلق إيش ؟ دخل الجوف ، وهذا كمان ما في طبيب من الأطباء يقول أنُّو الدخان يعقِّم ، يعني بينفع الصدر ، كل الأطباء يقولوا أنُّو هذا مضر ، هَيْ الصورة الثانية .
نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : سيدي ، هادا معروف ، بس هاد الكلام بيقرؤه شارب الدخان ولا بيلتفت له إطلاقًا ، لكن جيب له الأمثلة هَيْ بيقدر يقول : لا ، هادا ما فيها شي ؟ الليرة السورية حرقناها ما فيها شي ؟ ما يقدر يقول : ما فيها شيء ، إلا بقى إذا سقط الخطاب بيني وبينه ؛ يعني يجي يكابر : يقول : لا ، سيدي ما فيها شي !! الليرة السوري حرقناها ، ونحن عم نمثِّل أقل قيمة ، وإلا في ناس بيشربوا خمس ليرات كل يوم - والعياذ بالله - دخان ! فإذا حرق الخمسة هَيْ بفرد شقفة كمان ما فيها شيء ؛ المهم هَيْ الصورة الثانية .
الصورة الثالثة الدخَّنجية القديمة اللي كان كل واحد يتزيَّن بالدخان يحط العلبة ، ويحط الدفتر ... تبع الورق ... ويجي يلف السيجارة هيك ويصف الدخان ويبرمها ، ويقعد يكيِّف فيها ؛ هَيْ صورة ثالثة ، حدا يقول أنُّو هَيْ الصورة الثالثة خرجت عن الصورة الأولى والثانية ، ولَّا يقول : نعم ، خرجت من جهة أنُّو صارت أشد ؛ ليه ؟ لأنُّو هون دخل في الصورة الثانية دخل دخان الورق إلى الجوف ، هو رح يدخل دخان من نوع فيه المادة اللي بيسمُّوها " النيكوتين " يعني ، وهذا سم زعاف ح يدخل الجوف وبطريقة منظَّمة كل يوم عشر سيجارات ، عشرين سيجارة ؛ ما أدري والله .
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته --
فإذًا هذه أمثلة واقعية تدل المجتمع على أنه مبتلى بأمر محرَّم بداهةً ، لولا إيه ؟ العادة اعتادَها ونسي حاله مثل هديك المرأة اللي مبيِّنة سيقانها نسيت إيش ؟ سيقانها تجاه جارتها اللي كشفت عن فخذيها .
ويحمد الله أنُّو الله ما ابتلاه بشرب الإيش ؟ الحشيش ؛ لأنُّو الحشيش ريحته طالعة عند البشر أنُّو مضر ، أما الدخان لسا ، فهَيْ عملية أولى لمعرفة أنُّو هذا الدخان شربه حرام ، من ناحية إيش ؟ الإسراف .
الناحية الثانية : الإضرار ؛ والجرائد والمجلات والإذاعات العالمية عم تدندن وتطنطن مثل ما سمعتم من أخونا أبو حمزة أنُّو من أسباب السرطان شرب الدخان ، وأصبح في بعض البلاد لعلها بلاد أمريكا أنُّو إلى الآن يوجد في كل البلاد من جملة تضليل الناس زخرفة الباكيتات تبع الدخان ، شايفينها قديش جميلة ؟ خَرْج الهدية بالأعراس يعني ، هذه من جملة تشجيع الناس على الإقبال على شرب الدخان ، لكن من عجائب الأمور أنُّو من بعدما تحقَّقوا هالبشر هدول الكفار أضرار الدخان صاروا في بعض البلاد يطبعوا على هالباكيتات بمعنى أنُّو لا تشربه فإنه مضرٌّ ، شايف ؟ هنّ عم يبيعوه وهنّ عم يطبعوا فيها من باب النصيحة الطِّبِّيَّة مو من باب حرام وحلال ، وهذا من عجائب ما قرأنا في بعض المجلات .
ومن الناحية الشرعية الأخرى ، صار عندنا هلق علتين ، كلٌّ منهما تقتضي القول بتحريم الدخان ، العلة الأولى إضاعة المال والإسراف ، العلة الثانية الإضرار بالصحة والبدن ، وهذا يعترف به كل مبتلى بهذا الخبيث ؛ لا سيما إذا كان مدمنًا .
وأنا أعرف أحد الشباب بالجندية كان يشرب الدخان ، فكنَّا ننصحه حتى ربنا - عز وجل - عافاه وترك الدخان ، قال لي : كنَّا لما يضعوا لنا هدف - مثلًا - في الركض في تعليم تمارين الجيش ، هدف أنُّو يطلع التبة هذه ، أوَّلًا مسابقة وبعدين ... وهو شاب في نحو أربعة وعشرين خمسة وعشرين ... قال : ما أصل للتبة هناك إلا أنا عم ألهث ، من بعدما ترك الدخان يركض قال مثل الغزال من دون أي لهث وكأنُّو ماشي في السهل ، هذه أشياء معروفة عند الجميع ؛ فهذا ضرر ، فهذه علة ثانية تقتضي تحريم الدخان ؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول : ( لا ضرر ولا ضرار ) .
فيه علة ثالثة : وهي إيذاء المؤمنين ، وهذه الحاسَّة حاسَّة الإيذاء للمؤمنين تموت من الشاربين المكثرين للدخان ، وهذه تراها في كل المجتمعات ، مثلًا ... تدخل دائرة من الدوائر لك معاملة ، تلاقي الشاب عم يشرب الدخان وهو يكاد يحرق ثياب جواره ، فضلًا عن أنُّو عم ينفث إيش ؟ الدخان ، وعم يبخِّر إيش ؟ الحاضرين بهالريحة الزَّكية الطَّيبة ، هذا كله لا يشعر فيه ، مع أنه كما قال - تعالى - : و (( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )) .
هذه غفلة .
نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : كذلك يعني أحيانًا ... خاصَّة السيارات الصغيرة تلاقي يكاد الركاب وهنّ أربعة خمسة لا يرى بعضهم بعضًا ، لأنُّو اثنين عم يشربوا ، لا يبالون أبدًا بإيذاء الجالسين جانبين .
مرة بالمناسبة ركبت كان طريق ظهر البيدر تبع الورود مغلق بسبب الثلوج ، فركبنا من الطريق القديم هادا شو اسمه ؟ مرج عيون ، والله ركبت بين شخصين غريبين عنَّا تمامًا ، واحد منهم درزي والثاني نصراني ، الدرزي بدأ قال بدو يستأذنني أدب اجتماعي يعني عندهم ، لكن شوف هالأدب بعدين شو خاتمته ؟! قال بدو يستأذن مني ، أوَّلًا قدَّمَني كالعادة ، قلت له على طريقتنا نحن : عافاك الله ، طبعًا هَيْ ينتبهوا لها أنُّو هَيْ عمرهم ما سمعوها ، شو عافاك الله ؟ شو عامل أنا ؟ مو عامل شي مسكين ، تطلع فيَّ تطليع الأعمى بس سرعان ما انتبه أنو أنا ما لي شرِّيب دخان ، قال لي : تسمح ؟ قلت له : والله السماح مو من عندي ، إذا أنت يعني هاد الشيء بينفعك ما يضرُّك ما في مانع ، عرف كمان تأكيد لإشارتي السابقة " عافاك الله " أنُّو الشَّيخ هادا مبيِّن واحد متنطِّع ومتشدِّد ، بدأ ... كلام من يمِّنا يعني ؛ أنُّو فعلًا الدخان مضر وإلى آخره ، ونحن على كل حال نحترم الشَّيوخ ومدري إيه ، وصار يحكي لي بقى تاريخ حياته درزي ... وعاش تاجر بالشام وهلق ... وإلى آخره ، وبعدين المسكين نفد صبره وما عاد سأل لا عن الشَّيخ ولا عن ضرر الدخان ، وصار ينفخ بالسيارة هَيْ حتى أعمى عيوننا ، وتلاقي الثاني ... نصراني - والعياذ بالله - .
فالشاهد من جملة أضرار شرب الدخان هو مات حاسة إيش ؟ إيذاء الآخرين ، وهذا أشد ما يظهر بين المسلمين لما يقف المسلم شرِّيب الدخان بجانب مسلم آخر في الصف لا يشرب الدخان ؛ بتلاقي من فمه مثل الكرث - والعياذ بالله - عم يطلع منه ، وهذا إضرار ، وإذا كان الرسول - عليه السلام - يقول أوَّلًا بالنسبة لقراءة القرآن جهرًا في المسجد : ( يا أيها الناس ، كلُّكم يناجي ربَّه ؛ فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة ) ، جاء في حديث آخر أو رواية أخرى : ( فتؤذوا المؤمنين ) ، فنهى عن الجهر بالقراءة لأنُّو في إيذاء للمؤمنين اللي عم يصلوا هاللي عم يذكروا الله هاللي هاللي إلى آخره ، فإذا كان لا يجوز إيذاء المؤمنين بقراءة القرآن ؛ فيجوز إيذاء المؤمنين بالريحة الخبيثة اللي هي أثر من آثار شرب الدخان ؟! لا والله ، لا يقول إنسان بهذا مطلقًا .
أيضًا حديث آخر : يقول الرسول - عليه السلام - : ( مَن أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربَنَّ مصلَّانا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) ، فينهى الرسول - عليه السلام - الذي أكل الأكل الطَّيِّب المفيد الصحي وهو البصل ، لكن لرائحته الكريهة قال له : ( فلا يقربَنَّ مصلَّانا ) ، شو العلة ؟ ( فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) ، يعني فلا يقربنَّ مصلَّانا فإنه يؤذي الملائكة كما يؤذي المؤمنين ؛ فإن المؤمنين تؤذيهم الرائحة الكريهة ؛ وكذلك الملائكة تتأذى من الرائحة الكريهة التي يتأذى بها المؤمنون .
إذًا يجب أن يشعر شارب الدخان إن كان مسلمًا حقًّا أنه حينما يعتاد شرب الدخان تصبح رائحة الدخان طبيعة ملازمة له ، ... بها كل من يلازمه ، خاصَّةً زوجته المسكينة ، فهذه مظلومة طيلة حياة هذا المدمن ؛ لأنُّو تشم منه رائحة كريهة ، اللهم إلا إذا طَبَعَها بطابعه ، وجعلها تدمن إيش ؟ الدخان كإدمانه ، فنكون حينئذٍ تحت المطر منصير إيش ؟ تحت المزراب .
فإذًا البصل الطَّيِّب نهى الرسول - عليه السلام - مَن أكله أن يدخل المسجد ، ودخول المسجد واجب عليه ، فعاقَبَه لا لإسقاط الواجب ، لا يصح أن نقول : أسقط الواجب عنه ؛ لا ، إنما يُسقط الواجب عن معذور ، وإنما نقول : عقوبةً له نهاه أن يحضر المساجد لأنُّو هو بين مصيبتين ، بين مصيبة إثم ترك صلاة الجماعة وبين مصيبة إيذاء المؤمنين ، فإذا وقع المسلم - من قواعد علم الأصول - بين مصيبتين اختار أيسرهما وأقلَّهما ضررًا ، فاعتبر الشارع الحكيم - فاعتبروا أنتم يا أولي الألباب والأبصار - اعتبر ترك صلاة الجماعة مصيبة على التارك أقل من إيذاء المسلمين بسبب رائحته الكريهة من طعام حلال وهو البصل أو الثوم ، إلى درجة أن الرسول - عليه السلام - كما ثبت في " صحيح مسلم " كان إذا دخل المسجد فشمَّ من رجل رائحة الثوم أو البصل أمَرَ بإخراجه إلى البقيع ، إلى بيت الموتى ؛ كأنه يشير أن هذا الرجل لا يحقُّ أن يحيا بين الأحياء ، وإنما منزله القبور !!
إذا عرفنا هذه الحقائق - وكلها حقائق شرعية ثابتة - فحينئذٍ الدخان لا يشكُّ مسلم أنه حرام ؛ ولذلك جاء أحد العلماء الدمشقيين بأرجوزة لطيفة ، فجَمَعَ هذه العلل بس بطريقة متسلسلة وفقهية يفهَمُها أهل العلم ، فقال :
" الأصل فيه شرعًا الإباحَةْ "
لأنُّو نبات !
" والنهي عنه مطلقًا قباحَةْ "
يعني من دون تفصيل .
وجا خلافٌ عنهُمُ طويلُ *** والواضِحُ المعتَمَدُ التفصيلُ
إن كان يؤذيهِ بعقلٍ أو بَدَنْ *** أو كان ذا ضَرورةٍ إلى الثَّمَنْ
فيحرم استعمالُه ... .
... الوقت يساوي عند علماء الاقتصاد مال ؛ لأنُّو أيّ مال في الدنيا لا يمكن الحصول عليه إلا بالوقت ، فتجد هؤلاء المبتلين بشرب الدخان يلهيهم شرب الدخان عن ذكر الله ونحو ذلك من العبادات والطاعات ، وهذا ما عَنَاه هذا العالم الفاضل :
ولكن الإكثار منه مُلهِيْ *** وريحُه الكَريهُ عنه منهِيْ
منهي بطريق القياس كما ذكرنا .
" جهادُهم فيه جهادٌ في الهوى "
تنصحه لا تشرب ، يروح كلامك أدراج الرياح !
" جهادُهم فيه جهادٌ في الهَوَى *** سكوتُهم ونَهْيٌهم عنه سَوا "
يعني سواء سكتَّ سَكَتَ العلماءُ عنهم أو نهاهم سواء .
" بل ربَّما أغرى فتىً مشغوفًا *** بشربِه واستهوَنَ المصروفَا "
يعني نصحك إياه بأن يترك شرب الدخان ربما كان سببًا لإغرائه وحضِّه على المداومة على شرب الدخان .
" بل ربَّما أغرى فتىً مشغوفًا *** بشربِه واستهوَنَ المصروفَا "
قال :
" وغايةُ الكلامِ فيه أنَّهُ *** من النَّباتِ وهو حلٌّ كلُّهُ
إلا الذي يضرُّ بالأبدانِ *** أو النُّهى فذاكَ شيء ثانِي
قد أخبَرَ اللهُ ثم المصطفَى *** عن عسلِ النَّحل بأنه شفا
مع أنه يضرُّ بالمَحْمومِ *** وحرمةُ المؤذي من المعلومِ "
ولا أحد اليوم يعتقد إلا أن الدخان مضرٌّ فهو حرام ؛ فضلًا عن النواحي الأخرى ذَكَرَها هذا العالم الفاضل وشرحناها من قبل .
...
الشيخ : ... بس يا شيخ .
الشيخ : أنا شايف ... في حدا عم يدخِّن هون ؟ نعم ؟ ... نسأل الله أن يعافينا .
...
السائل : ... .
الشيخ : السؤال السابق ؟ الرشوة ؟
السائل : ... .
الشيخ : الرشوة ؟
السائل : ... .
...
الشيخ : ... هذا التدخين والتحشيش إلا من باب واحد ، لكن الفرق أنُّو الدخان سيطرته على الناس أكثر من سيطرة الحشيش ، والشيء إذا شاع وذاع هانت خطورته عند الناس بسبب اعتيادهم ، وهو منكر في واقع الأمر ، وهذا أنا ألاحظه في الموضات الجديدة والموضات القديمة ، تشوف المرأة المموَّضة على الموضة القديمة ، نسيت حالها المسكينة أنُّو هي مخالفة للشريعة ، فهي - مثلًا - ثوبها روبها للركبتين ، لكن الموضة كانت لعلها زالت بالبنطلونات أنُّو يكون لنصف الفخذين ، فتمرُّ ذات نصف الفخذين بجانب المرأة القديمة في الموضة اللي هي للركبتين ... تمر هيك ؛ فما تكاد تتجاوز ذات الموضة القديمة إلا تلتفت هذه ... شو ما بقى في حياء ؟ ما بقى في دين ؟ شو ... ؟ كاشفة عن فخذيها ، هي نسيانة حالها أنُّو كاشفة عن ساقيها !! وكشف الساق حرام ، لكن لا شك أنُّو هداك أحرم ، لكن القرافة من هذا أنُّو مع الزمن المنكر يصبح معروفًا ، وهذا من علامات الساعة ، وأنا أعتقد أن الكفار مع الحشيش يجريان مجرى الساق مع الفخذ تمامًا .
هذا كلام يمكن يقول بعض الناس كلام خطابي وعاطفي ، لكن لح نتكلم بقى لغة علمية :
الدخان حرام ؛ بدليل أن الله - عز وجل - قال : (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )) مش هيك الآية ؟
السائل : نعم .
الشيخ : (( وَلَا تُسْرِفُوا )) ، ولا شك عند أيِّ عاقل أن حرق المال إسراف ، ولا شك - أيضًا - مرة أخرى أن شرب الدخان هو حرق للمال ، لكن العادة - أيضًا - لا ... العادة تنسِّي الناس بعض الحقائق ؛ ولأضرب على هذا مثلًا :
أقلُّ مبتلى اليوم بشرب الدخان بيشرب كل يوم ما قيمته ليرة سورية ، هذا أقل تقدير ، هذا الذي يشرب كل يوم ليرة سورية من الدخان لو سألته - وجرِّبوا إذا ما صدَّقتم - لو أخذ الليرة السورية وعملها هيك ... أقرب طريق لإقناع من ابتُلِيَ بشرب الدخان وتحريمه من جهات ، لكن نريد أن نثبت لهم التحريم من جهة واحدة هي التي تحصِّل القناعة في نفس المبتلى بشرب الدخان ؛ فالذي أعتقده أن أيَّ إنسان عاقل مُبتلى بشرب الدخان لو أخذ الليرة السورية التي يشتري بها عادةً الباكيت من الدخان ، وقد يكون أكثر من ليرة ، فأخذ الليرة هَيْ وشعلها هيك حرقها قدَّام منه وهو إيش ؟ مطروب مكيِّف ، لا يشك إنسان بأنُّو هذا حرام ؛ لأنُّو حرق الليرة بدون إيش ؟ فائدة ؛ لا ، في فائدة ، شو الفائدة ؟ كيَّف الرجل ؛ لما شاف المنظر هيك ، مسك الليرة وشعلها والتهبت ، هو كيَّف ؛ هذه فائدة ؛ فهل يقول إنسان أنُّو هذه الفائدة تساوي ليرة سورية فيجوز له العمل في الإسلام ولَّا كل العقلاء يحكمون فورًا بدون أيِّ تردُّد أنُّو العملية هَيْ حرام ؟ لأنها تمثِّل تمامًا النهي السابق في الآية الكريمة : (( وَلَا تُسْرِفُوا )) ، هذا إسراف .
وبالإضافة إلى ذلك حديث الرسول - عليه السلام - الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " ؛ في حدا بيقول : هذا ليس إضاعة مال ؟ إذا في حدا من العقلاء - وكلُّكم عقلاء - فليقل أن العملية هَيْ ليست إضاعة مال وليست إسرافًا ، ولا أحد منكم - إن شاء الله - يقول إلا الحق ؛ أنُّو هذا إضاعة مال وإسراف .
طيب ، هذه صورة متفق عليها على تحريمها بين جميع العقلاء ، ح نجيب هلق صورة ثانية ، ح نلف الورقة هَيْ ، نعملها هيك ، وبدل ما نشعلها هيك ح أحطها بتمِّي وأشعلها ويوصِّل الدخان لتمِّي ؛ يا ترى بقيت الصورة السابقة هي نفسها ؛ أي : حرامًا ، ولَّا صارت حلالًا لأنُّو الهيئة تغيَّرت ؟ شو هاد التغيُّر ؟ لفِّينا الورقة اللي كانت مفروشة ومفرودة ، وحطينا بالفم ... من نص الدخان ولَّا صارت القضية أشد تحريمًا ؟
سائل آخر : أشد تحريمًا .
الشيخ : ما في شك - أيضًا - في هذا ؛ ليه ؟ لأنُّو الدخان اللي كان بالفم صار هلق إيش ؟ دخل الجوف ، وهذا كمان ما في طبيب من الأطباء يقول أنُّو الدخان يعقِّم ، يعني بينفع الصدر ، كل الأطباء يقولوا أنُّو هذا مضر ، هَيْ الصورة الثانية .
نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : سيدي ، هادا معروف ، بس هاد الكلام بيقرؤه شارب الدخان ولا بيلتفت له إطلاقًا ، لكن جيب له الأمثلة هَيْ بيقدر يقول : لا ، هادا ما فيها شي ؟ الليرة السورية حرقناها ما فيها شي ؟ ما يقدر يقول : ما فيها شيء ، إلا بقى إذا سقط الخطاب بيني وبينه ؛ يعني يجي يكابر : يقول : لا ، سيدي ما فيها شي !! الليرة السوري حرقناها ، ونحن عم نمثِّل أقل قيمة ، وإلا في ناس بيشربوا خمس ليرات كل يوم - والعياذ بالله - دخان ! فإذا حرق الخمسة هَيْ بفرد شقفة كمان ما فيها شيء ؛ المهم هَيْ الصورة الثانية .
الصورة الثالثة الدخَّنجية القديمة اللي كان كل واحد يتزيَّن بالدخان يحط العلبة ، ويحط الدفتر ... تبع الورق ... ويجي يلف السيجارة هيك ويصف الدخان ويبرمها ، ويقعد يكيِّف فيها ؛ هَيْ صورة ثالثة ، حدا يقول أنُّو هَيْ الصورة الثالثة خرجت عن الصورة الأولى والثانية ، ولَّا يقول : نعم ، خرجت من جهة أنُّو صارت أشد ؛ ليه ؟ لأنُّو هون دخل في الصورة الثانية دخل دخان الورق إلى الجوف ، هو رح يدخل دخان من نوع فيه المادة اللي بيسمُّوها " النيكوتين " يعني ، وهذا سم زعاف ح يدخل الجوف وبطريقة منظَّمة كل يوم عشر سيجارات ، عشرين سيجارة ؛ ما أدري والله .
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته --
فإذًا هذه أمثلة واقعية تدل المجتمع على أنه مبتلى بأمر محرَّم بداهةً ، لولا إيه ؟ العادة اعتادَها ونسي حاله مثل هديك المرأة اللي مبيِّنة سيقانها نسيت إيش ؟ سيقانها تجاه جارتها اللي كشفت عن فخذيها .
ويحمد الله أنُّو الله ما ابتلاه بشرب الإيش ؟ الحشيش ؛ لأنُّو الحشيش ريحته طالعة عند البشر أنُّو مضر ، أما الدخان لسا ، فهَيْ عملية أولى لمعرفة أنُّو هذا الدخان شربه حرام ، من ناحية إيش ؟ الإسراف .
الناحية الثانية : الإضرار ؛ والجرائد والمجلات والإذاعات العالمية عم تدندن وتطنطن مثل ما سمعتم من أخونا أبو حمزة أنُّو من أسباب السرطان شرب الدخان ، وأصبح في بعض البلاد لعلها بلاد أمريكا أنُّو إلى الآن يوجد في كل البلاد من جملة تضليل الناس زخرفة الباكيتات تبع الدخان ، شايفينها قديش جميلة ؟ خَرْج الهدية بالأعراس يعني ، هذه من جملة تشجيع الناس على الإقبال على شرب الدخان ، لكن من عجائب الأمور أنُّو من بعدما تحقَّقوا هالبشر هدول الكفار أضرار الدخان صاروا في بعض البلاد يطبعوا على هالباكيتات بمعنى أنُّو لا تشربه فإنه مضرٌّ ، شايف ؟ هنّ عم يبيعوه وهنّ عم يطبعوا فيها من باب النصيحة الطِّبِّيَّة مو من باب حرام وحلال ، وهذا من عجائب ما قرأنا في بعض المجلات .
ومن الناحية الشرعية الأخرى ، صار عندنا هلق علتين ، كلٌّ منهما تقتضي القول بتحريم الدخان ، العلة الأولى إضاعة المال والإسراف ، العلة الثانية الإضرار بالصحة والبدن ، وهذا يعترف به كل مبتلى بهذا الخبيث ؛ لا سيما إذا كان مدمنًا .
وأنا أعرف أحد الشباب بالجندية كان يشرب الدخان ، فكنَّا ننصحه حتى ربنا - عز وجل - عافاه وترك الدخان ، قال لي : كنَّا لما يضعوا لنا هدف - مثلًا - في الركض في تعليم تمارين الجيش ، هدف أنُّو يطلع التبة هذه ، أوَّلًا مسابقة وبعدين ... وهو شاب في نحو أربعة وعشرين خمسة وعشرين ... قال : ما أصل للتبة هناك إلا أنا عم ألهث ، من بعدما ترك الدخان يركض قال مثل الغزال من دون أي لهث وكأنُّو ماشي في السهل ، هذه أشياء معروفة عند الجميع ؛ فهذا ضرر ، فهذه علة ثانية تقتضي تحريم الدخان ؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول : ( لا ضرر ولا ضرار ) .
فيه علة ثالثة : وهي إيذاء المؤمنين ، وهذه الحاسَّة حاسَّة الإيذاء للمؤمنين تموت من الشاربين المكثرين للدخان ، وهذه تراها في كل المجتمعات ، مثلًا ... تدخل دائرة من الدوائر لك معاملة ، تلاقي الشاب عم يشرب الدخان وهو يكاد يحرق ثياب جواره ، فضلًا عن أنُّو عم ينفث إيش ؟ الدخان ، وعم يبخِّر إيش ؟ الحاضرين بهالريحة الزَّكية الطَّيبة ، هذا كله لا يشعر فيه ، مع أنه كما قال - تعالى - : و (( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )) .
هذه غفلة .
نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : كذلك يعني أحيانًا ... خاصَّة السيارات الصغيرة تلاقي يكاد الركاب وهنّ أربعة خمسة لا يرى بعضهم بعضًا ، لأنُّو اثنين عم يشربوا ، لا يبالون أبدًا بإيذاء الجالسين جانبين .
مرة بالمناسبة ركبت كان طريق ظهر البيدر تبع الورود مغلق بسبب الثلوج ، فركبنا من الطريق القديم هادا شو اسمه ؟ مرج عيون ، والله ركبت بين شخصين غريبين عنَّا تمامًا ، واحد منهم درزي والثاني نصراني ، الدرزي بدأ قال بدو يستأذنني أدب اجتماعي يعني عندهم ، لكن شوف هالأدب بعدين شو خاتمته ؟! قال بدو يستأذن مني ، أوَّلًا قدَّمَني كالعادة ، قلت له على طريقتنا نحن : عافاك الله ، طبعًا هَيْ ينتبهوا لها أنُّو هَيْ عمرهم ما سمعوها ، شو عافاك الله ؟ شو عامل أنا ؟ مو عامل شي مسكين ، تطلع فيَّ تطليع الأعمى بس سرعان ما انتبه أنو أنا ما لي شرِّيب دخان ، قال لي : تسمح ؟ قلت له : والله السماح مو من عندي ، إذا أنت يعني هاد الشيء بينفعك ما يضرُّك ما في مانع ، عرف كمان تأكيد لإشارتي السابقة " عافاك الله " أنُّو الشَّيخ هادا مبيِّن واحد متنطِّع ومتشدِّد ، بدأ ... كلام من يمِّنا يعني ؛ أنُّو فعلًا الدخان مضر وإلى آخره ، ونحن على كل حال نحترم الشَّيوخ ومدري إيه ، وصار يحكي لي بقى تاريخ حياته درزي ... وعاش تاجر بالشام وهلق ... وإلى آخره ، وبعدين المسكين نفد صبره وما عاد سأل لا عن الشَّيخ ولا عن ضرر الدخان ، وصار ينفخ بالسيارة هَيْ حتى أعمى عيوننا ، وتلاقي الثاني ... نصراني - والعياذ بالله - .
فالشاهد من جملة أضرار شرب الدخان هو مات حاسة إيش ؟ إيذاء الآخرين ، وهذا أشد ما يظهر بين المسلمين لما يقف المسلم شرِّيب الدخان بجانب مسلم آخر في الصف لا يشرب الدخان ؛ بتلاقي من فمه مثل الكرث - والعياذ بالله - عم يطلع منه ، وهذا إضرار ، وإذا كان الرسول - عليه السلام - يقول أوَّلًا بالنسبة لقراءة القرآن جهرًا في المسجد : ( يا أيها الناس ، كلُّكم يناجي ربَّه ؛ فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة ) ، جاء في حديث آخر أو رواية أخرى : ( فتؤذوا المؤمنين ) ، فنهى عن الجهر بالقراءة لأنُّو في إيذاء للمؤمنين اللي عم يصلوا هاللي عم يذكروا الله هاللي هاللي إلى آخره ، فإذا كان لا يجوز إيذاء المؤمنين بقراءة القرآن ؛ فيجوز إيذاء المؤمنين بالريحة الخبيثة اللي هي أثر من آثار شرب الدخان ؟! لا والله ، لا يقول إنسان بهذا مطلقًا .
أيضًا حديث آخر : يقول الرسول - عليه السلام - : ( مَن أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربَنَّ مصلَّانا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) ، فينهى الرسول - عليه السلام - الذي أكل الأكل الطَّيِّب المفيد الصحي وهو البصل ، لكن لرائحته الكريهة قال له : ( فلا يقربَنَّ مصلَّانا ) ، شو العلة ؟ ( فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) ، يعني فلا يقربنَّ مصلَّانا فإنه يؤذي الملائكة كما يؤذي المؤمنين ؛ فإن المؤمنين تؤذيهم الرائحة الكريهة ؛ وكذلك الملائكة تتأذى من الرائحة الكريهة التي يتأذى بها المؤمنون .
إذًا يجب أن يشعر شارب الدخان إن كان مسلمًا حقًّا أنه حينما يعتاد شرب الدخان تصبح رائحة الدخان طبيعة ملازمة له ، ... بها كل من يلازمه ، خاصَّةً زوجته المسكينة ، فهذه مظلومة طيلة حياة هذا المدمن ؛ لأنُّو تشم منه رائحة كريهة ، اللهم إلا إذا طَبَعَها بطابعه ، وجعلها تدمن إيش ؟ الدخان كإدمانه ، فنكون حينئذٍ تحت المطر منصير إيش ؟ تحت المزراب .
فإذًا البصل الطَّيِّب نهى الرسول - عليه السلام - مَن أكله أن يدخل المسجد ، ودخول المسجد واجب عليه ، فعاقَبَه لا لإسقاط الواجب ، لا يصح أن نقول : أسقط الواجب عنه ؛ لا ، إنما يُسقط الواجب عن معذور ، وإنما نقول : عقوبةً له نهاه أن يحضر المساجد لأنُّو هو بين مصيبتين ، بين مصيبة إثم ترك صلاة الجماعة وبين مصيبة إيذاء المؤمنين ، فإذا وقع المسلم - من قواعد علم الأصول - بين مصيبتين اختار أيسرهما وأقلَّهما ضررًا ، فاعتبر الشارع الحكيم - فاعتبروا أنتم يا أولي الألباب والأبصار - اعتبر ترك صلاة الجماعة مصيبة على التارك أقل من إيذاء المسلمين بسبب رائحته الكريهة من طعام حلال وهو البصل أو الثوم ، إلى درجة أن الرسول - عليه السلام - كما ثبت في " صحيح مسلم " كان إذا دخل المسجد فشمَّ من رجل رائحة الثوم أو البصل أمَرَ بإخراجه إلى البقيع ، إلى بيت الموتى ؛ كأنه يشير أن هذا الرجل لا يحقُّ أن يحيا بين الأحياء ، وإنما منزله القبور !!
إذا عرفنا هذه الحقائق - وكلها حقائق شرعية ثابتة - فحينئذٍ الدخان لا يشكُّ مسلم أنه حرام ؛ ولذلك جاء أحد العلماء الدمشقيين بأرجوزة لطيفة ، فجَمَعَ هذه العلل بس بطريقة متسلسلة وفقهية يفهَمُها أهل العلم ، فقال :
" الأصل فيه شرعًا الإباحَةْ "
لأنُّو نبات !
" والنهي عنه مطلقًا قباحَةْ "
يعني من دون تفصيل .
وجا خلافٌ عنهُمُ طويلُ *** والواضِحُ المعتَمَدُ التفصيلُ
إن كان يؤذيهِ بعقلٍ أو بَدَنْ *** أو كان ذا ضَرورةٍ إلى الثَّمَنْ
فيحرم استعمالُه ... .
... الوقت يساوي عند علماء الاقتصاد مال ؛ لأنُّو أيّ مال في الدنيا لا يمكن الحصول عليه إلا بالوقت ، فتجد هؤلاء المبتلين بشرب الدخان يلهيهم شرب الدخان عن ذكر الله ونحو ذلك من العبادات والطاعات ، وهذا ما عَنَاه هذا العالم الفاضل :
ولكن الإكثار منه مُلهِيْ *** وريحُه الكَريهُ عنه منهِيْ
منهي بطريق القياس كما ذكرنا .
" جهادُهم فيه جهادٌ في الهوى "
تنصحه لا تشرب ، يروح كلامك أدراج الرياح !
" جهادُهم فيه جهادٌ في الهَوَى *** سكوتُهم ونَهْيٌهم عنه سَوا "
يعني سواء سكتَّ سَكَتَ العلماءُ عنهم أو نهاهم سواء .
" بل ربَّما أغرى فتىً مشغوفًا *** بشربِه واستهوَنَ المصروفَا "
يعني نصحك إياه بأن يترك شرب الدخان ربما كان سببًا لإغرائه وحضِّه على المداومة على شرب الدخان .
" بل ربَّما أغرى فتىً مشغوفًا *** بشربِه واستهوَنَ المصروفَا "
قال :
" وغايةُ الكلامِ فيه أنَّهُ *** من النَّباتِ وهو حلٌّ كلُّهُ
إلا الذي يضرُّ بالأبدانِ *** أو النُّهى فذاكَ شيء ثانِي
قد أخبَرَ اللهُ ثم المصطفَى *** عن عسلِ النَّحل بأنه شفا
مع أنه يضرُّ بالمَحْمومِ *** وحرمةُ المؤذي من المعلومِ "
ولا أحد اليوم يعتقد إلا أن الدخان مضرٌّ فهو حرام ؛ فضلًا عن النواحي الأخرى ذَكَرَها هذا العالم الفاضل وشرحناها من قبل .
...
الشيخ : ... بس يا شيخ .
- نوادر بوابة تراث الإمام الألباني - شريط : 17
- توقيت الفهرسة : 00:20:35