كلمة الشَّيخ خشَّان في توحيد الأسماء والصفات .
A-
A=
A+
الشيخ خشَّان : ... (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
يؤسفنا أن لا يحضر شيخنا - حفظه الله - معنا في هذه الجلسة ، ولكن هذا بقضاء الله وقدره ، فنحن نرضى بما كتب الله - سبحانه وتعالى - ، وعَهِدَ إليَّ - حفظه الله - أن نتابع حديثنا الذي بدأناه في الصباح حول التوحيد ، وأن نتكلَّم في النقطة الثالثة وهي توحيد الصفات ، ولا بد لي قبل أن أبدأ بتوحيد الصفات من الكلام على طريقة القرآن أوَّلًا .
تعلمون أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل الرسل بالهدى ودين الحق ، وأرسلهم ليبلِّغوا الناس ويأمروا الناس بعبادة الله - تبارك وتعالى - ، وقد عرَّفنا الله - تبارك وتعالى - نفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأصلًا الواجب على المؤمن أول واجب على الإنسان هو أن يصدِّق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فأول ما يُطلب من الإنسان هو التصديق ، التصديق بالرسالات ، والتصديق بكُتُب الله - تبارك وتعالى - ؛ فليس المطلوب من الإنسان النظر ؛ أوَّلًا : ليتبيَّن له نزول الله - تبارك وتعالى - ، وبعد ذلك يكون التصديق كما يظنُّ كثير من بعض علماء الكلام ، وإنما المأمور به أن يصدِّق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل كل شيء ؛ ذلك لأن وجود الله - تبارك وتعالى - مركوزٌ في الفِطَر ، والله - عز وجل - في الآيات الكثيرة وفي السور الكثيرة لم يبيِّن لنا - تبارك وتعالى - أنه من الواجب علينا أن ننظر أوَّلًا لنتوصَّل إلى وجود الله - عز وجل - ؛ لا ، وإنما يسوق الآيات ويخاطب فيها فطرة الإنسان ؛ لأن هذه من المسلَّمات عند جميع البشر ، حتى عند العرب الجاهليين كما تفضَّل شيخنا وتكلَّم ذلك في الصباح ، وحتى عند النصارى واليهود وجميع الأمم ؛ كلُّهم يعترفون بوجود الله - تبارك وتعالى - ، والذي أنكر وجود الصانع وجود الله - تبارك وتعالى - وهو فرعون - عليه لعنة الله - ؛ مع ذلك هو مستيقن بها في نفسه ، (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا )) .
إذًا فإثبات الصانع مركوزٌ في الفِطَر ، ولا حاجة بنا لِأن نستعرض أدلة كثيرة لنتوصَّل بها بعد ذلك إلى وجود الله - تبارك وتعالى - ؛ فطريقة القرآن هي التذكير أوَّلًا ، التذكير بخلق الله - عز وجل - بآيات الله - تبارك وتعالى - الكثيرة المنتشرة في هذا الكون ، وتبدأ طبعًا من أنفسنا ، فالله - سبحانه وتعالى - يقول في خلق الإنسان آيات كثيرة وكثيرة جدًّا ، خلقَ الإنسان (( مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ )) ، وأيضًا يقول : (( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) ، هذا لفت نظر ، يخاطب فيه الفطرة ، ويخاطب فيه العقل لِيتنبَّه من غفلته ، وليشعر وهو لا بد أن يستسلم قطعًا أمام هذه الحقيقة ، (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) فلا يستطيع إنسان مهما كان ظالمًا ، ومهما كان مغرقًا في الكفر لا يستطيع أن يقول بأنه هو الذي يخلق هذا الماء ، وبأنه هو الذي يكوِّنه ؛ لا ، لا يجرؤ ولا يستطيع أن يدَّعي ذلك مطلقًا ، وأيضًا بالتالي لا بد أن يستسلم إلى أن الذي خَلَقَ هذا الماء وقدَّره وكوَّنه هو عليم حكيم قادر ؛ ألا وهو الله - تبارك وتعالى - .
إذًا فوحدانية الله - تبارك وتعالى - من حيث الخلق ، أو من حيث وجود الذات المقدسة هذا مركوزٌ في الفِطَر ، ولسنا بحاجة إلى المقدِّمات أو المقدَّمات التي يلجأ إليها علماء الكلام ، وإنما نحن بحاجة إلى أن نتَّبع طريقة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وطريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - في الكلام حول وجود الله - تبارك وتعالى - .
وآية واحدة كما نقول حينما نقف عندها يمكن أن توقظ الفطرة ، ويمكن أن توقظ وتنبِّه العقل وهي كما قال - سبحانه وتعالى - : (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) ، هذا تحدٍّ من الله - سبحانه وتعالى - لهؤلاء البشر الطغاة ليتنبَّهوا وليفكِّروا في نشأتهم في أصل نشأتهم ، وفي أصل خلقهم ، وأن الله - تبارك وتعالى - يبيِّن لهم في هذه الآية أنهم خُلِقوا من شيء ، وليسوا مخلوقين من لا شيء ، وإنما هناك قوَّة خَلَقَتْهم وأوجَدَتْهم ، (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) ؛ فلا يستطيعون أن يقولوا بأنهم هم الخالقون ، وإنما لا بد أن يستسلموا لأن هناك قوَّة خلقتهم وفطرتهم وأبدعتهم ، هذه القوة هي قوة الله - تبارك وتعالى - .
وهكذا إذًا تمضي طريقة القرآن في معالجة هذا الموضوع .
وكذلك الشيء الآخر هو أن الرسل دعوا الناس إلى عبادة الله - تبارك وتعالى - ، فما من رسول بَعَثَه الله - عز وجل - إلا ليأمر قومه بعبادة الله ، وأنه لا إله إلا الله ، (( مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) ، كل الرسل جاؤوا بهذه الكلمة يأمرون الناس بعبادة الله - عز وجل - ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) ، وهذه نقطة - أيضًا - ثانية ؛ ذلك لأن الله - عز وجل - اعتمد على ما في فِطَرِ الناس من الإقرار بوجوده - تبارك وتعالى - ؛ فدعاهم إلى عبادته ، وإذًا توحيد الألوهية يتضمَّن توحيد الربوبية ، ولا عكس ؛ توحيد الربوبية لا يتضمَّن توحيد الألوهية ، وإنما توحيد الألوهية يشمل توحيد الربوبية ، فلا يكون عبدًا لله - عز وجل - ؛ يعني بمعنى عبدًا طائعًا مختارًا إلا أن يكون معترفًا بالله - تبارك وتعالى - بربوبيته - عز وجل - ، وبأنه هو خالق هذا الكون ؛ فلذلك ربنا - عز وجل - يبيِّن لنا في كتابه ويخاطبنا في آيات كثيرة أن نتوجَّه إليه - سبحانه وتعالى - بالعبادة ، وأن نخصَّه بالعبادة لأنه هو الخالق ، (( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ )) ؛ فالخالق هو الذي يستحقُّ أن يُعبد ، وأن غير الخالق فلا يستحقُّ أن نتوجَّه إليه بالعبادة ؛ ولذلك نجد الآيات الكثيرة في كتاب الله - عز وجل - تتحدث عن توحيد الألوهية أكثر مما تتحدث عن توحيد الربوبية ؛ لماذا ؟ لأن توحيد الربوبية - كما قلنا - مركوزٌ في الفِطَر ، والذين أنكروه حتى أنكروه وهم مستيقنون ، وموسى - عليه السلام - لما قال لفرعون الذي أنكر وجود الله - تبارك وتعالى - قال له : (( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )) ؛ أنزل هذه الآيات (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )) للناس ؛ هدًى ونورًا .
فإذًا هذا فرعون المنكر ؛ فمع ذلك فموسى كيف يخاطبه ؟ لا يأتي بمقدَّمات وبراهين ، وإنما يخاطبه ويبيِّن له أنه هو يكذب ، وأن الذي يستيقنه بنفسه والذي يعلمه حقيقة العلم هو أن الله - تبارك وتعالى - هو الذي أنزل هذه الآيات البيِّنات .
وأيضًا حينما سألَ فرعونُ (( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ )) أيضًا ماذا أجابه موسى - عليه السلام - ؟ (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ وَمَا بَيْنَهُمَا ] إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )) ؛ إذًا ما أتاه ببراهين كثيرة ؛ لا ، وإنما خاطبَ فطرته ، وخاطب ما استقرَّ في نفسه ، (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ وَمَا بَيْنَهُمَا ] إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )) ؛ فماذا ادَّعى حينئذٍ فرعون ؟ ادَّعى قال : "" إن صاحبكم لمجنون "" ، ادَّعى أنه مجنون ؛ فحينئذٍ - أيضًا - ردَّ عليه موسى قال : (( رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ )) ؛ إذًا هذا يبيِّن لنا إصرار موسى على المبدأ وعلى هذه الطريقة التي تخاطب الفطرة والعقل معًا ، وليست على طريقة علماء الكلام الذين يخوضون في كلام كثير ، ومع ذلك هو قليل البركة ، وليس فيه الفائدة المرجوَّة .
هذه يعني لا بد أن نفهمها لنتميَّز بها طريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - في إثبات توحيد الربوبية وفي إثبات توحيد الألوهية ، وبعد ذلك في إثبات توحيد الصفات لله - سبحانه وتعالى - ؛ إذًا كل شيء الذي يجب علينا هو أن نستسلم وأن نصدِّق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والعقل مهمَّته هو فَهْم ما جاء عن الله - تبارك وتعالى - ، وما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليس وظيفة العقل هي التحكُّم في آيات الله - تبارك وتعالى - ، وصرف هذه الآيات عن معانيها ؛ لا ، وإنما وظيفة العقل هي التدبر والفَهْم لآيات الله - عز وجل - .
فتوحيد الصفات ربنا - تبارك وتعالى - وَصَفَ نفسه بصفات في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فالواجب على المسلم أن يؤمن بما وَصَفَ الله - تبارك وتعالى - به نفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله دون تأويل دون تعطيل ودون تشبيه .
والميزان في ذلك قول الله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، ففي هذه الآية نفيٌ وإثباتٌ ، في هذه الآية نفي الشَّبيه والمثيل عن الله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ؛ فلا يشبه الله - تبارك وتعالى - شيء من مخلوقاته البتَّة ، فهناك وجودان ؛ وجود الخالق ووجود المخلوق ، وكل ما سوى الله - عز وجل - هو كائن مُحدَث بعد أن لم يكن ، والله - تبارك وتعالى - هو الأزليُّ ، وهو واجب الوجود - سبحانه وتعالى - ، وكل ما سواه هو مخلوق .
فإذًا المسلم يجب عليه أن يثبت لله - تبارك وتعالى - ما أثبَتَ لنفسه ، ولا يشبِّه ربه - تبارك وتعالى - بمخلوقاته ، ولا يؤوِّل كلام الله - عز وجل - ويعطِّل صفات الله - سبحانه وتعالى - خشيةً من التشبيه والتجسيم كما يزعم بعض الناس ، وخاصة من المعطِّلة .
وكما قلنا المقياس والميزان قوله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ؛ فأثبت في هذه الآية لنفسه سمعًا وبصرًا ، ونفى عنه - تبارك وتعالى - المماثلة والمشابهة للمخلوقات وللحوادث . فالمعطِّل الذي يعطِّل صفات الله - تبارك وتعالى - هو لا شك يؤمن بأن لله - تبارك وتعالى - بعضهم هؤلاء يؤمنون بأن لله - عز وجل - سمعًا ، وبأن لله - تبارك وتعالى - بصرًا ؛ يؤمن بذلك ، ولكنه لا يؤمن بصفات الله - تبارك وتعالى - الأخرى ؛ فيجب أن نقيمَ على هذا الإنسان الحجة من هذه الآية ، ومن إيمانه بسمع الله - تبارك وتعالى - وبصره ، وكذلك في كلِّ صفة من الصفات التي يصف الله - سبحانه وتعالى - بها نفسه .
فالله - سبحانه وتعالى - موجود ، وهو ذات ، وكذلك هذه المخلوقات موجودة ، فالذين يريدون أن يؤوِّلوا وأن ينفوا صفات الله - عز وجل - فرارًا من التشبيه وفرارًا من التجسيم ؛ فإذًا يلزمهم من ذلك نفي الله - تبارك وتعالى - كلِّيًّا ، والواقع كأنهم هذا الذي وقعوا فيه ! لماذا ؟ لأنهم طبعًا أخذوا يصفون الله - سبحانه وتعالى - بصفات السلوب ، بصفات كل كلامهم سلب ، ليس فيه صفات إيجابية أبدًا ، وإنما صفات سلوب ، وبذلك كأنَّهم جعلوا الله - سبحانه وتعالى - معدومًا ، ولذلك ابن القيم - رحمه الله - يقول عن المعطِّلة : " مَن عطَّل فهو يعبد عدمًا ، ومن جسَّم فهو يعبد صنمًا " ؛ فالمؤوِّلة يعبدون عدمًا ، والمجسِّمون يعبدون صنمًا ، والمسلم الحقُّ والمؤمن الحقُّ هو الذي يؤمن بما جاء عن الله - تبارك وتعالى - ، فيُثبت ما أثبته الله - تبارك وتعالى - لنفسه ، وينفي ما نفاه الله - تبارك وتعالى - عن نفسه .
فالله - تبارك وتعالى - موجود ، وكذلك نحن موجودون ، فالذي يريد أن ينفي اليد والعين وما أشبه ذلك ممَّا وصف الله - سبحانه وتعالى - به نفسه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ يلزمه من ذلك أو يُقال له : فهل أنت تثبت وجودًا لله - تبارك وتعالى - ؟ فلا بد أن يقول : بلى ، إنه يثبت لله - عز وجل - وجودًا ، والإنسان موجود ؛ فهل يُفهم من ذلك المشابهة والمماثلة ؟ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا .
كذلك يُسأل : هل يثبت لله - عز وجل - سمعًا وبصرًا ؟ هل يثبت لله - عز وجل - علمًا أم لا يثبت ؟ فهو لا شك يثبت لله - تبارك وتعالى - مثل هذه الصفات ، ويثبت هذه أسماء الله الحسنى ، عليم قدير حكيم حليم خبير سميع بصير ، والله - عز وجل - وَصَفَ عباده بذلك ؛ (( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )) ، وكذلك وصف الإنسان بأنه عليم : (( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ )) "" عليم "" ، ووصف الإنسان بأنه حليم وبأنه رحيم : (( بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) ؛ إذًا هذه كلها صفات وَصَفَ الله - سبحانه وتعالى - بها عباده ، ووصف الله - عز وجل - نفسه ، أطلق هذه الكلمات ، هناك اشتراك لفظي في هذه الصفات ، فالله رحيم والإنسان رحيم ، الله عليم والإنسان عليم ، الله قدير والإنسان قدير ، لكن هذه القدرة ليست كتلك القدرة ، وهذا السمع ليس كذلك السمع ، وهذا البصر ليس كذاك البصر ، وهذه الإرادة ليست كتلك الإرادة ، فإرادة الله - تبارك وتعالى - ليس كمثلها إرادة ، وكذلك علمه ليس كمثله علم ، وسمعه ليس كمثله سمع ، وقُلْ كذلك في كلِّ صفات الله - تبارك وتعالى - ، ويد الله - عز وجل - ليست كالأيدي ؛ ولذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ) ، ويقول : ( وكلتا يديه يمين ) ، كلتا يديه ؛ يثبت لله - تبارك وتعالى - يدين ، وليست يدًا واحدة ، وإنما كما قال ربنا - عز وجل - : (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )) ، (( بَلْ يَدَاهُ )) يثنِّي ، (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )) ؛ إذًا فلا بد أن نثبت لله - عز وجل - ما أثبت لنفسه فنقول : إن لله - عز وجل - يدًا ليست كالأيدي ، ولا نؤوِّل فنقول : إن يد الله - عز وجل - هنا تعني النعمة ؛ لا ، أو تعني القدرة ؛ لا ، وإنما نجعلها على القاعدة فنقول : إن يد الله - تبارك وتعالى - ليست كالأيدي ، كما أن وجوده ليس كوجود سائر المخلوقات ، وكما أنَّ علمه ليس كسائر العلم ، هذا طبعًا شكل موجز .
وكذلك في التشبيه - أيضًا - يُقال للمشبِّه الذي يشبِّه ، والذي يجسِّم ربَّنا - تبارك وتعالى - يشبِّهه بمخلوقاته ؛ هذا طبعًا ليس لديه برهان ، وليس لديه دليل ، بل كتاب الله - تبارك وتعالى - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تردُّ عليه ؛ فربنا - عز وجل - يقول : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) هذا نفي مُجمَل بأن الله - تبارك وتعالى - لا يُشبِهُه شيء من مخلوقاته .
ولا حاجة لنا أن نتدخَّل بالجزئيات ، وإنما فقط أن نؤمن بأن الله - تبارك وتعالى - لا يشبهه شيء في أيِّ صفة من صفاته - تبارك وتعالى - ، فننفي حينئذٍ عن الله - تبارك وتعالى - التجسيم ، وننفي عن الله - سبحانه وتعالى - المماثلة .
ولكن لا يفهمنَّ أحد من ذلك أن إذا نفينا المماثلة ونفينا التشبيه ، وكذلك تركنا التأويل وتركنا التعطيل أنه نقع في حيرة من أمرنا ؛ لا ، أو أن ذلك يخالف الحق ؛ لا ، وإنما هذه هي الطريقة المحمودة ، وهذه هي طريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - ، وطريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونفهم من ذلك أن لله - عز وجل - وجودًا حقيقيًّا ، وذاتًا حقيقيَّة لها وجود حقيقي خارج هذا الكون ؛ خارج هذا الكون ، لا نقول بأن الخالق والمخلوق شيء واحد كما يقول الذي يؤمنون بوحدة الوجود ، وبأن هذه المخلوقات هي عين الخالق ، وأن هذه الموجودات هي عين الله - تبارك وتعالى - ، وأن هذا الكون بكلِّ ما فيه هو ذات ، بل نثبت لله - عز وجل - ذاتًا مستقلَّة منفصلة عن هذا الكون متصفةً بجميع صفات الكمال ، منزَّهةً عن جميع صفات النقصان ، كما أثبت الله - تبارك وتعالى - لنفسه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
والشيء الذي أريد أن أقول أو أن أبيِّنه هو ما لَجَأَ إليه علماء الكلام من النفي ، النفي المفصَّل على عكس طريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - كما قلنا بالنفي المجمل ، الله - عز وجل - نفى نفيًا مجملًا (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، ولكنَّ علماء الكلام لجؤوا إلى النفي المفصَّل ، وسترون الآن كيف ما هو الفرق بين آيات الله - عز وجل - وبين هذا العلم الذي ادَّعوه أنه علم ، وهو علم الكلام ، وكيف تجد سوء الأدب مع الله - تبارك وتعالى - في تعبيراتهم وفي قولهم ؟!
فيقول علماء الكلام : " بأن الله - عز وجل - ليس بجسم ، ولا شبح ، ولا جثَّة ، ولا صورة ، ولا لحم ، ولا دم ، ولا شخص ، ولا جوهر ، ولا عَرَض ، ولا بذي لون ، ولا رائحة ، ولا طعم ، ولا مجسَّة ، ولا بذي حرارة ، ولا برودة ، ولا رطوبة ، ولا يبوسة ، ولا طول ، ولا عرض ، ولا عمق ، ولا اجتماع ، ولا افتراق ، ولا يتحرَّك ، ولا يسكن " ؛ لا يتحرَّك ؛ مع أن الله - تبارك وتعالى - يقول : (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة ؛ فيقول : هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟! ) ؛ فَهُم يقولون بأن الله - عز وجل - لا ينزل !!
إذًا .
سائل آخر : يُستفاد من هذا الحركة ؟ أنا سمعت من الشَّيخ أنه لا يستلزم من النزول .
السائل : لا ، نقول : النزول والمجيء ؛ نزول ومجيء ليس كمثله نزول وليس كمثله مجيء ، لا نقول نحن : حركة كحركتنا ، وإنما نزول يليق بجلاله - تبارك وتعالى - ، وأفعاله - عز وجل - تليق به - سبحانه وتعالى - ليست كما نحن نتوهَّم وكما نحن نتخيَّل ونظن حينما نقول من النزول أنه يلزم من ذلك حركة ؛ أي: حركة كحركتنا ، يعني حينما ينزل أحدنا فهو يتحرَّك حركة ؛ نزول الله - تبارك وتعالى - يليق به بجلاله وكماله ، وإذا قلنا : نحن لا نريد أن ندخل في هذه التفاصيل ؛ لأن التعبير عن الحقِّ يجب أن يكون بالألفاظ الشرعية النبوية ، نتقيَّد باللفظ الذي جاء عن الله - تبارك وتعالى - ، وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فنحن لا نجرؤ أن نأتي بلفظ لم يأتِ به الشرع بكتاب أو سنة ؛ فالله - تبارك وتعالى - أثبت لنفسه نزولًا ؛ فنحن نثبت له النزول ، أثبت لنفسه المجيء ؛ فنحن نثبت له المجيء ، (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ؛ إذًا فالله - تبارك وتعالى - يجيء ، وأيضًا في الحديث : ( إذا جاءني مشيًا أتيته هرولةً ) ؛ إذًا ( يمشي أتيته هرولة ) ؛ إذًا فالله - تبارك وتعالى - هنا أثبت لنفسه هرولة ، فهل نحن ننفي عن الله - تبارك وتعالى - ما أثبت لنفسه ؟ لا ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ، فطالما أن الله - عز وجل - وَصَفَ أن له هرولةً ؛ فنحن لا نستطيع إلا أن نثبت أن لله - تبارك وتعالى - هذه الصفة ، ولكن هرولة ليست كهرولتنا ، ومجيء ليس كمجيئنا ، ونزول ليس كنزولنا ، واستعلاء ليس كاستعلائنا ، وهكذا في كلِّ صفة من صفات الله - تبارك وتعالى - .
لكن هنا هؤلاء حينما يقولون : " بأن الله - عز وجل - ليس بجسم ، ولا شبح ، ولا جثَّة ، ولا صورة ، ولا لحم ، ولا دم ، ولا شخص ، ولا جوهر ، ولا عَرَض ، ولا بذي لون ، ولا رائحة ، ولا طعم ، ولا مجسَّة ، ولا بذي حرارة ، ولا برودة ، ولا رطوبة ، ولا يبوسة ، ولا طول ، ولا عرض ، ولا عمق ، ولا اجتماع ، ولا افتراق ، ولا يتحرَّك ، ولا يسكن ، ولا يتبعَّض ، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء ، وليس بذي جهات ، ولا بذي يمين ، ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا فوق ولا تحت ، ولا يحيط به مكان ، ولا يجري عليه زمان ، ولا يجوز عليه المماسَّة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ، ولا يُوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم ، ولا يُوصف بأنه متناهٍ ، ولا يُوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ، ولا والد ولا مولود " ، هذه طبعًا ، " ولا تحيط به الأقدار " . يعني هذه " لا والد ولا مولود " يمكن هذه لفظة من كتاب الله - تبارك وتعالى - ، " ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار الى آخر ما نقله أبو الحسن " . نحن لا حاجة لنا أن نجعل أنفسنا في جحر الضَّبِّ وأن نسلكَ هذا السبيل في النفي ، وأن نقول بأن الله - عز وجل - لا فوق ولا تحت ، ولا يمين ولا يسار ، ولا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه ... .
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
يؤسفنا أن لا يحضر شيخنا - حفظه الله - معنا في هذه الجلسة ، ولكن هذا بقضاء الله وقدره ، فنحن نرضى بما كتب الله - سبحانه وتعالى - ، وعَهِدَ إليَّ - حفظه الله - أن نتابع حديثنا الذي بدأناه في الصباح حول التوحيد ، وأن نتكلَّم في النقطة الثالثة وهي توحيد الصفات ، ولا بد لي قبل أن أبدأ بتوحيد الصفات من الكلام على طريقة القرآن أوَّلًا .
تعلمون أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل الرسل بالهدى ودين الحق ، وأرسلهم ليبلِّغوا الناس ويأمروا الناس بعبادة الله - تبارك وتعالى - ، وقد عرَّفنا الله - تبارك وتعالى - نفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأصلًا الواجب على المؤمن أول واجب على الإنسان هو أن يصدِّق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فأول ما يُطلب من الإنسان هو التصديق ، التصديق بالرسالات ، والتصديق بكُتُب الله - تبارك وتعالى - ؛ فليس المطلوب من الإنسان النظر ؛ أوَّلًا : ليتبيَّن له نزول الله - تبارك وتعالى - ، وبعد ذلك يكون التصديق كما يظنُّ كثير من بعض علماء الكلام ، وإنما المأمور به أن يصدِّق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل كل شيء ؛ ذلك لأن وجود الله - تبارك وتعالى - مركوزٌ في الفِطَر ، والله - عز وجل - في الآيات الكثيرة وفي السور الكثيرة لم يبيِّن لنا - تبارك وتعالى - أنه من الواجب علينا أن ننظر أوَّلًا لنتوصَّل إلى وجود الله - عز وجل - ؛ لا ، وإنما يسوق الآيات ويخاطب فيها فطرة الإنسان ؛ لأن هذه من المسلَّمات عند جميع البشر ، حتى عند العرب الجاهليين كما تفضَّل شيخنا وتكلَّم ذلك في الصباح ، وحتى عند النصارى واليهود وجميع الأمم ؛ كلُّهم يعترفون بوجود الله - تبارك وتعالى - ، والذي أنكر وجود الصانع وجود الله - تبارك وتعالى - وهو فرعون - عليه لعنة الله - ؛ مع ذلك هو مستيقن بها في نفسه ، (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا )) .
إذًا فإثبات الصانع مركوزٌ في الفِطَر ، ولا حاجة بنا لِأن نستعرض أدلة كثيرة لنتوصَّل بها بعد ذلك إلى وجود الله - تبارك وتعالى - ؛ فطريقة القرآن هي التذكير أوَّلًا ، التذكير بخلق الله - عز وجل - بآيات الله - تبارك وتعالى - الكثيرة المنتشرة في هذا الكون ، وتبدأ طبعًا من أنفسنا ، فالله - سبحانه وتعالى - يقول في خلق الإنسان آيات كثيرة وكثيرة جدًّا ، خلقَ الإنسان (( مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ )) ، وأيضًا يقول : (( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) ، هذا لفت نظر ، يخاطب فيه الفطرة ، ويخاطب فيه العقل لِيتنبَّه من غفلته ، وليشعر وهو لا بد أن يستسلم قطعًا أمام هذه الحقيقة ، (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) فلا يستطيع إنسان مهما كان ظالمًا ، ومهما كان مغرقًا في الكفر لا يستطيع أن يقول بأنه هو الذي يخلق هذا الماء ، وبأنه هو الذي يكوِّنه ؛ لا ، لا يجرؤ ولا يستطيع أن يدَّعي ذلك مطلقًا ، وأيضًا بالتالي لا بد أن يستسلم إلى أن الذي خَلَقَ هذا الماء وقدَّره وكوَّنه هو عليم حكيم قادر ؛ ألا وهو الله - تبارك وتعالى - .
إذًا فوحدانية الله - تبارك وتعالى - من حيث الخلق ، أو من حيث وجود الذات المقدسة هذا مركوزٌ في الفِطَر ، ولسنا بحاجة إلى المقدِّمات أو المقدَّمات التي يلجأ إليها علماء الكلام ، وإنما نحن بحاجة إلى أن نتَّبع طريقة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وطريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - في الكلام حول وجود الله - تبارك وتعالى - .
وآية واحدة كما نقول حينما نقف عندها يمكن أن توقظ الفطرة ، ويمكن أن توقظ وتنبِّه العقل وهي كما قال - سبحانه وتعالى - : (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) ، هذا تحدٍّ من الله - سبحانه وتعالى - لهؤلاء البشر الطغاة ليتنبَّهوا وليفكِّروا في نشأتهم في أصل نشأتهم ، وفي أصل خلقهم ، وأن الله - تبارك وتعالى - يبيِّن لهم في هذه الآية أنهم خُلِقوا من شيء ، وليسوا مخلوقين من لا شيء ، وإنما هناك قوَّة خَلَقَتْهم وأوجَدَتْهم ، (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) ؛ فلا يستطيعون أن يقولوا بأنهم هم الخالقون ، وإنما لا بد أن يستسلموا لأن هناك قوَّة خلقتهم وفطرتهم وأبدعتهم ، هذه القوة هي قوة الله - تبارك وتعالى - .
وهكذا إذًا تمضي طريقة القرآن في معالجة هذا الموضوع .
وكذلك الشيء الآخر هو أن الرسل دعوا الناس إلى عبادة الله - تبارك وتعالى - ، فما من رسول بَعَثَه الله - عز وجل - إلا ليأمر قومه بعبادة الله ، وأنه لا إله إلا الله ، (( مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) ، كل الرسل جاؤوا بهذه الكلمة يأمرون الناس بعبادة الله - عز وجل - ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) ، وهذه نقطة - أيضًا - ثانية ؛ ذلك لأن الله - عز وجل - اعتمد على ما في فِطَرِ الناس من الإقرار بوجوده - تبارك وتعالى - ؛ فدعاهم إلى عبادته ، وإذًا توحيد الألوهية يتضمَّن توحيد الربوبية ، ولا عكس ؛ توحيد الربوبية لا يتضمَّن توحيد الألوهية ، وإنما توحيد الألوهية يشمل توحيد الربوبية ، فلا يكون عبدًا لله - عز وجل - ؛ يعني بمعنى عبدًا طائعًا مختارًا إلا أن يكون معترفًا بالله - تبارك وتعالى - بربوبيته - عز وجل - ، وبأنه هو خالق هذا الكون ؛ فلذلك ربنا - عز وجل - يبيِّن لنا في كتابه ويخاطبنا في آيات كثيرة أن نتوجَّه إليه - سبحانه وتعالى - بالعبادة ، وأن نخصَّه بالعبادة لأنه هو الخالق ، (( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ )) ؛ فالخالق هو الذي يستحقُّ أن يُعبد ، وأن غير الخالق فلا يستحقُّ أن نتوجَّه إليه بالعبادة ؛ ولذلك نجد الآيات الكثيرة في كتاب الله - عز وجل - تتحدث عن توحيد الألوهية أكثر مما تتحدث عن توحيد الربوبية ؛ لماذا ؟ لأن توحيد الربوبية - كما قلنا - مركوزٌ في الفِطَر ، والذين أنكروه حتى أنكروه وهم مستيقنون ، وموسى - عليه السلام - لما قال لفرعون الذي أنكر وجود الله - تبارك وتعالى - قال له : (( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )) ؛ أنزل هذه الآيات (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )) للناس ؛ هدًى ونورًا .
فإذًا هذا فرعون المنكر ؛ فمع ذلك فموسى كيف يخاطبه ؟ لا يأتي بمقدَّمات وبراهين ، وإنما يخاطبه ويبيِّن له أنه هو يكذب ، وأن الذي يستيقنه بنفسه والذي يعلمه حقيقة العلم هو أن الله - تبارك وتعالى - هو الذي أنزل هذه الآيات البيِّنات .
وأيضًا حينما سألَ فرعونُ (( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ )) أيضًا ماذا أجابه موسى - عليه السلام - ؟ (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ وَمَا بَيْنَهُمَا ] إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )) ؛ إذًا ما أتاه ببراهين كثيرة ؛ لا ، وإنما خاطبَ فطرته ، وخاطب ما استقرَّ في نفسه ، (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ وَمَا بَيْنَهُمَا ] إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )) ؛ فماذا ادَّعى حينئذٍ فرعون ؟ ادَّعى قال : "" إن صاحبكم لمجنون "" ، ادَّعى أنه مجنون ؛ فحينئذٍ - أيضًا - ردَّ عليه موسى قال : (( رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ )) ؛ إذًا هذا يبيِّن لنا إصرار موسى على المبدأ وعلى هذه الطريقة التي تخاطب الفطرة والعقل معًا ، وليست على طريقة علماء الكلام الذين يخوضون في كلام كثير ، ومع ذلك هو قليل البركة ، وليس فيه الفائدة المرجوَّة .
هذه يعني لا بد أن نفهمها لنتميَّز بها طريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - في إثبات توحيد الربوبية وفي إثبات توحيد الألوهية ، وبعد ذلك في إثبات توحيد الصفات لله - سبحانه وتعالى - ؛ إذًا كل شيء الذي يجب علينا هو أن نستسلم وأن نصدِّق بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والعقل مهمَّته هو فَهْم ما جاء عن الله - تبارك وتعالى - ، وما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليس وظيفة العقل هي التحكُّم في آيات الله - تبارك وتعالى - ، وصرف هذه الآيات عن معانيها ؛ لا ، وإنما وظيفة العقل هي التدبر والفَهْم لآيات الله - عز وجل - .
فتوحيد الصفات ربنا - تبارك وتعالى - وَصَفَ نفسه بصفات في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فالواجب على المسلم أن يؤمن بما وَصَفَ الله - تبارك وتعالى - به نفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله دون تأويل دون تعطيل ودون تشبيه .
والميزان في ذلك قول الله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، ففي هذه الآية نفيٌ وإثباتٌ ، في هذه الآية نفي الشَّبيه والمثيل عن الله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ؛ فلا يشبه الله - تبارك وتعالى - شيء من مخلوقاته البتَّة ، فهناك وجودان ؛ وجود الخالق ووجود المخلوق ، وكل ما سوى الله - عز وجل - هو كائن مُحدَث بعد أن لم يكن ، والله - تبارك وتعالى - هو الأزليُّ ، وهو واجب الوجود - سبحانه وتعالى - ، وكل ما سواه هو مخلوق .
فإذًا المسلم يجب عليه أن يثبت لله - تبارك وتعالى - ما أثبَتَ لنفسه ، ولا يشبِّه ربه - تبارك وتعالى - بمخلوقاته ، ولا يؤوِّل كلام الله - عز وجل - ويعطِّل صفات الله - سبحانه وتعالى - خشيةً من التشبيه والتجسيم كما يزعم بعض الناس ، وخاصة من المعطِّلة .
وكما قلنا المقياس والميزان قوله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ؛ فأثبت في هذه الآية لنفسه سمعًا وبصرًا ، ونفى عنه - تبارك وتعالى - المماثلة والمشابهة للمخلوقات وللحوادث . فالمعطِّل الذي يعطِّل صفات الله - تبارك وتعالى - هو لا شك يؤمن بأن لله - تبارك وتعالى - بعضهم هؤلاء يؤمنون بأن لله - عز وجل - سمعًا ، وبأن لله - تبارك وتعالى - بصرًا ؛ يؤمن بذلك ، ولكنه لا يؤمن بصفات الله - تبارك وتعالى - الأخرى ؛ فيجب أن نقيمَ على هذا الإنسان الحجة من هذه الآية ، ومن إيمانه بسمع الله - تبارك وتعالى - وبصره ، وكذلك في كلِّ صفة من الصفات التي يصف الله - سبحانه وتعالى - بها نفسه .
فالله - سبحانه وتعالى - موجود ، وهو ذات ، وكذلك هذه المخلوقات موجودة ، فالذين يريدون أن يؤوِّلوا وأن ينفوا صفات الله - عز وجل - فرارًا من التشبيه وفرارًا من التجسيم ؛ فإذًا يلزمهم من ذلك نفي الله - تبارك وتعالى - كلِّيًّا ، والواقع كأنهم هذا الذي وقعوا فيه ! لماذا ؟ لأنهم طبعًا أخذوا يصفون الله - سبحانه وتعالى - بصفات السلوب ، بصفات كل كلامهم سلب ، ليس فيه صفات إيجابية أبدًا ، وإنما صفات سلوب ، وبذلك كأنَّهم جعلوا الله - سبحانه وتعالى - معدومًا ، ولذلك ابن القيم - رحمه الله - يقول عن المعطِّلة : " مَن عطَّل فهو يعبد عدمًا ، ومن جسَّم فهو يعبد صنمًا " ؛ فالمؤوِّلة يعبدون عدمًا ، والمجسِّمون يعبدون صنمًا ، والمسلم الحقُّ والمؤمن الحقُّ هو الذي يؤمن بما جاء عن الله - تبارك وتعالى - ، فيُثبت ما أثبته الله - تبارك وتعالى - لنفسه ، وينفي ما نفاه الله - تبارك وتعالى - عن نفسه .
فالله - تبارك وتعالى - موجود ، وكذلك نحن موجودون ، فالذي يريد أن ينفي اليد والعين وما أشبه ذلك ممَّا وصف الله - سبحانه وتعالى - به نفسه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ يلزمه من ذلك أو يُقال له : فهل أنت تثبت وجودًا لله - تبارك وتعالى - ؟ فلا بد أن يقول : بلى ، إنه يثبت لله - عز وجل - وجودًا ، والإنسان موجود ؛ فهل يُفهم من ذلك المشابهة والمماثلة ؟ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا .
كذلك يُسأل : هل يثبت لله - عز وجل - سمعًا وبصرًا ؟ هل يثبت لله - عز وجل - علمًا أم لا يثبت ؟ فهو لا شك يثبت لله - تبارك وتعالى - مثل هذه الصفات ، ويثبت هذه أسماء الله الحسنى ، عليم قدير حكيم حليم خبير سميع بصير ، والله - عز وجل - وَصَفَ عباده بذلك ؛ (( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )) ، وكذلك وصف الإنسان بأنه عليم : (( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ )) "" عليم "" ، ووصف الإنسان بأنه حليم وبأنه رحيم : (( بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) ؛ إذًا هذه كلها صفات وَصَفَ الله - سبحانه وتعالى - بها عباده ، ووصف الله - عز وجل - نفسه ، أطلق هذه الكلمات ، هناك اشتراك لفظي في هذه الصفات ، فالله رحيم والإنسان رحيم ، الله عليم والإنسان عليم ، الله قدير والإنسان قدير ، لكن هذه القدرة ليست كتلك القدرة ، وهذا السمع ليس كذلك السمع ، وهذا البصر ليس كذاك البصر ، وهذه الإرادة ليست كتلك الإرادة ، فإرادة الله - تبارك وتعالى - ليس كمثلها إرادة ، وكذلك علمه ليس كمثله علم ، وسمعه ليس كمثله سمع ، وقُلْ كذلك في كلِّ صفات الله - تبارك وتعالى - ، ويد الله - عز وجل - ليست كالأيدي ؛ ولذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ) ، ويقول : ( وكلتا يديه يمين ) ، كلتا يديه ؛ يثبت لله - تبارك وتعالى - يدين ، وليست يدًا واحدة ، وإنما كما قال ربنا - عز وجل - : (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )) ، (( بَلْ يَدَاهُ )) يثنِّي ، (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )) ؛ إذًا فلا بد أن نثبت لله - عز وجل - ما أثبت لنفسه فنقول : إن لله - عز وجل - يدًا ليست كالأيدي ، ولا نؤوِّل فنقول : إن يد الله - عز وجل - هنا تعني النعمة ؛ لا ، أو تعني القدرة ؛ لا ، وإنما نجعلها على القاعدة فنقول : إن يد الله - تبارك وتعالى - ليست كالأيدي ، كما أن وجوده ليس كوجود سائر المخلوقات ، وكما أنَّ علمه ليس كسائر العلم ، هذا طبعًا شكل موجز .
وكذلك في التشبيه - أيضًا - يُقال للمشبِّه الذي يشبِّه ، والذي يجسِّم ربَّنا - تبارك وتعالى - يشبِّهه بمخلوقاته ؛ هذا طبعًا ليس لديه برهان ، وليس لديه دليل ، بل كتاب الله - تبارك وتعالى - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تردُّ عليه ؛ فربنا - عز وجل - يقول : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) هذا نفي مُجمَل بأن الله - تبارك وتعالى - لا يُشبِهُه شيء من مخلوقاته .
ولا حاجة لنا أن نتدخَّل بالجزئيات ، وإنما فقط أن نؤمن بأن الله - تبارك وتعالى - لا يشبهه شيء في أيِّ صفة من صفاته - تبارك وتعالى - ، فننفي حينئذٍ عن الله - تبارك وتعالى - التجسيم ، وننفي عن الله - سبحانه وتعالى - المماثلة .
ولكن لا يفهمنَّ أحد من ذلك أن إذا نفينا المماثلة ونفينا التشبيه ، وكذلك تركنا التأويل وتركنا التعطيل أنه نقع في حيرة من أمرنا ؛ لا ، أو أن ذلك يخالف الحق ؛ لا ، وإنما هذه هي الطريقة المحمودة ، وهذه هي طريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - ، وطريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونفهم من ذلك أن لله - عز وجل - وجودًا حقيقيًّا ، وذاتًا حقيقيَّة لها وجود حقيقي خارج هذا الكون ؛ خارج هذا الكون ، لا نقول بأن الخالق والمخلوق شيء واحد كما يقول الذي يؤمنون بوحدة الوجود ، وبأن هذه المخلوقات هي عين الخالق ، وأن هذه الموجودات هي عين الله - تبارك وتعالى - ، وأن هذا الكون بكلِّ ما فيه هو ذات ، بل نثبت لله - عز وجل - ذاتًا مستقلَّة منفصلة عن هذا الكون متصفةً بجميع صفات الكمال ، منزَّهةً عن جميع صفات النقصان ، كما أثبت الله - تبارك وتعالى - لنفسه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
والشيء الذي أريد أن أقول أو أن أبيِّنه هو ما لَجَأَ إليه علماء الكلام من النفي ، النفي المفصَّل على عكس طريقة كتاب الله - تبارك وتعالى - كما قلنا بالنفي المجمل ، الله - عز وجل - نفى نفيًا مجملًا (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، ولكنَّ علماء الكلام لجؤوا إلى النفي المفصَّل ، وسترون الآن كيف ما هو الفرق بين آيات الله - عز وجل - وبين هذا العلم الذي ادَّعوه أنه علم ، وهو علم الكلام ، وكيف تجد سوء الأدب مع الله - تبارك وتعالى - في تعبيراتهم وفي قولهم ؟!
فيقول علماء الكلام : " بأن الله - عز وجل - ليس بجسم ، ولا شبح ، ولا جثَّة ، ولا صورة ، ولا لحم ، ولا دم ، ولا شخص ، ولا جوهر ، ولا عَرَض ، ولا بذي لون ، ولا رائحة ، ولا طعم ، ولا مجسَّة ، ولا بذي حرارة ، ولا برودة ، ولا رطوبة ، ولا يبوسة ، ولا طول ، ولا عرض ، ولا عمق ، ولا اجتماع ، ولا افتراق ، ولا يتحرَّك ، ولا يسكن " ؛ لا يتحرَّك ؛ مع أن الله - تبارك وتعالى - يقول : (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة ؛ فيقول : هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟! ) ؛ فَهُم يقولون بأن الله - عز وجل - لا ينزل !!
إذًا .
سائل آخر : يُستفاد من هذا الحركة ؟ أنا سمعت من الشَّيخ أنه لا يستلزم من النزول .
السائل : لا ، نقول : النزول والمجيء ؛ نزول ومجيء ليس كمثله نزول وليس كمثله مجيء ، لا نقول نحن : حركة كحركتنا ، وإنما نزول يليق بجلاله - تبارك وتعالى - ، وأفعاله - عز وجل - تليق به - سبحانه وتعالى - ليست كما نحن نتوهَّم وكما نحن نتخيَّل ونظن حينما نقول من النزول أنه يلزم من ذلك حركة ؛ أي: حركة كحركتنا ، يعني حينما ينزل أحدنا فهو يتحرَّك حركة ؛ نزول الله - تبارك وتعالى - يليق به بجلاله وكماله ، وإذا قلنا : نحن لا نريد أن ندخل في هذه التفاصيل ؛ لأن التعبير عن الحقِّ يجب أن يكون بالألفاظ الشرعية النبوية ، نتقيَّد باللفظ الذي جاء عن الله - تبارك وتعالى - ، وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فنحن لا نجرؤ أن نأتي بلفظ لم يأتِ به الشرع بكتاب أو سنة ؛ فالله - تبارك وتعالى - أثبت لنفسه نزولًا ؛ فنحن نثبت له النزول ، أثبت لنفسه المجيء ؛ فنحن نثبت له المجيء ، (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ؛ إذًا فالله - تبارك وتعالى - يجيء ، وأيضًا في الحديث : ( إذا جاءني مشيًا أتيته هرولةً ) ؛ إذًا ( يمشي أتيته هرولة ) ؛ إذًا فالله - تبارك وتعالى - هنا أثبت لنفسه هرولة ، فهل نحن ننفي عن الله - تبارك وتعالى - ما أثبت لنفسه ؟ لا ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ، فطالما أن الله - عز وجل - وَصَفَ أن له هرولةً ؛ فنحن لا نستطيع إلا أن نثبت أن لله - تبارك وتعالى - هذه الصفة ، ولكن هرولة ليست كهرولتنا ، ومجيء ليس كمجيئنا ، ونزول ليس كنزولنا ، واستعلاء ليس كاستعلائنا ، وهكذا في كلِّ صفة من صفات الله - تبارك وتعالى - .
لكن هنا هؤلاء حينما يقولون : " بأن الله - عز وجل - ليس بجسم ، ولا شبح ، ولا جثَّة ، ولا صورة ، ولا لحم ، ولا دم ، ولا شخص ، ولا جوهر ، ولا عَرَض ، ولا بذي لون ، ولا رائحة ، ولا طعم ، ولا مجسَّة ، ولا بذي حرارة ، ولا برودة ، ولا رطوبة ، ولا يبوسة ، ولا طول ، ولا عرض ، ولا عمق ، ولا اجتماع ، ولا افتراق ، ولا يتحرَّك ، ولا يسكن ، ولا يتبعَّض ، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء ، وليس بذي جهات ، ولا بذي يمين ، ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا فوق ولا تحت ، ولا يحيط به مكان ، ولا يجري عليه زمان ، ولا يجوز عليه المماسَّة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ، ولا يُوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم ، ولا يُوصف بأنه متناهٍ ، ولا يُوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ، ولا والد ولا مولود " ، هذه طبعًا ، " ولا تحيط به الأقدار " . يعني هذه " لا والد ولا مولود " يمكن هذه لفظة من كتاب الله - تبارك وتعالى - ، " ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار الى آخر ما نقله أبو الحسن " . نحن لا حاجة لنا أن نجعل أنفسنا في جحر الضَّبِّ وأن نسلكَ هذا السبيل في النفي ، وأن نقول بأن الله - عز وجل - لا فوق ولا تحت ، ولا يمين ولا يسار ، ولا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه ... .
- نوادر بوابة تراث الإمام الألباني - شريط : 9
- توقيت الفهرسة : 00:14:07