الشيخ : ... أنه هو الذي خَلَقَ السماوات والأرض ، وخلقَ في جملة ما خلق تلك الآلهة التي اتَّخذوها آلهةً من دون الله - عز وجل - ، وكانوا هم - أيضًا - يعترفون بأنها من خلق الله - عز وجل - ؛ حتى كانوا من ضلالهم القديم حينما كانوا يطوفون حول الكعبة يقول قائلهم : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريك تملكه وما ملك " ، تملكه وما ملك ؛ فهذا اعتراف منهم بالربوبية ؛ أنُّو هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله مملوكون لله - تبارك وتعالى - ، فكان هذا منتهى الضلال أنهم نادَوا وعبدوا غير الله - عز وجل - وهم يعلمون أنها عبادٌ لله أمثالهم .

هناك فرق من ناحية العلم والمعرفة باللغة العربية ، جماهير المسلمين اليوم خاصَّة العامَّة لا يفهمون المعنى الصحيح للكلمة الطَّيِّبة " لا إله إلا الله " ، أما المشركون فكانوا يعرفون المعنى ، إلا أن هناك فرقان متقابلان ؛ المسلمون يقولون : " لا إله إلا الله " ؛ لأنهم يعلمون حقًّا أنه لا يصير المرء مسلمًا إلا بأن يشهد فيقول : " لا إله إلا الله " ؛ فهم يقولون هذه الكلمة الطَّيِّبة ، أما الكفار المشركون فَهُم لا يقولونها ؛ فهما متناقضان ؛ المسلمون يقولون : " لا إله إلا الله " ، الكفار لا يقولون : " لا إله إلا الله " ، لكن الكفار المشركون يعرفون معنى هذه الكلمة ؛ لذلك لم يقولوا بها ، أما هؤلاء المسلمين فَهُم يقولون بها ، لكن لا يعرفون معناها ، المشركون عرفوا معناها فجحدوا هذا المعنى ، المسلمون جهلوا هذا المعنى فنقضوه بأعمالهم ، ولو علموا لَتَمَّ إسلامهم ؛ ولذلك فالخطر يكمن في واقع المسلمين اليوم في جهلهم بحقيقة معنى " لا إله إلا الله " ، وإلا فقد شَرَكُوا مع المشركين في الشرك بمعنى الألوهية .

المشركون (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ، ليه ؟ لأنهم يعلمون أن إيمانهم بلا إله إلا الله يستلزم منهم الكفر بكلِّ الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله ؛ ولذلك أنكروها ، أما المسلمون في الوقت الذي يقول أحدهم : " لا إله إلا الله " فهو لا يرى حرجًا أن يأتي للميت ويناديه من دون الله ، ويستغيث به من دون الله ، وينذر له مع الله ، ويذبح له مع الله ؛ كلُّ هذا يفعله ولا يحسُّ مطلقًا بأن هذا يُنافي قوله : " لا إله إلا الله " ، بينما المشركون كانوا يحسُّون ويعلمون تمامًا أن ما يفعلون من الشركيات ينافي هذا التوحيد ؛ لذلك جحدوه كما قال - تعالى - : (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ )) .

فهذا التوحيد كانوا هم يعرفونه أنه مما دعاهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأنكروه ؛ لذلك يجب علينا نحن أوَّلًا أن نفهم هذه الشهادة على وجهها الصحيح ، ثم أن نبلِّغ ذلك إلى غيرنا ، فنحن مسؤولون ليس فقط عن أنفسنا ؛ بل وعمَّن حولنا من أبناء وآباء وأقرباء ونحو ذلك .

علمًا بأن أكثر المسلمين اليوم فهمُهم لهذه الكلمة فَهْم بمعنى توحيد الربوبية فقط ، وهذا خطأ فاحش جدًّا ، وإنما عليهم أن يفهموا من هذه الكلمة الطَّيِّبة أنها تتضمَّن ثلاثة أنواع من التوحيد ، توحيد الربوبية وهو الذي كان يؤمن به المشركون ليس إلا ، والتوحيد الثاني توحيد العبادة ، وهو ألَّا يُعبد مع الله أحد في أيِّ نوع من أنواع العبادات . ومِن جهل المسلمين اليوم أنهم يتوهَّمون أن العبادة التي إذا صُرفت إلى غير الله - عز وجل - تكون كفرًا هي فقط أن تسجد لغير الله ، أن تصلي لغير الله ، هكذا ضيَّقوا معنى توحيد العبادة ، فحصروها في الصلاة وفي السجود الذي هو جزء من أجزاء الصلاة .

لكنهم لا يعلمون أن الذبح لغير الله هو مثل السجود لغير الله ؛ فلا جرمَ أن الله - عز وجل - قَرَنَ الذبح مع الصلاة ، فقال - عز وجل - : (( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي )) أي : ذبيحتي ، (( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ )) ؛ فهذا الذبح لغير الله هو مثل إذا صلَّى المسلم لغير الله ، فكما أن هذه الصلاة تُعتبر شركًا بالله - عز وجل - في العبادة ؛ كذلك كل العبادات - ومن ذلك الذبح - يُعتبر شركًا مع الله - عز وجل - لِمَن ذبح له .

وهكذا المناداة لغير الله ؛ فَمَن نادى غيرَ الله فقد عَبَدَه من دون الله ؛ ولذلك ربُّنا - عز وجل - ذَكَرَ في أكثر من آية وأفاد أن الدعاء هو الشرك إذا ما وُجِّه إلى غير الله - عز وجل - : (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ )) ، (( تَدْعُونَ )) بماذا يفسِّر ذلك بعضُ المتأخرين ؟ (( تَدْعُونَ )) بمعنى تعبدون فقط ، أيوا ، بينما هي على بابها ؛ (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ )) ؛ أي : تنادونهم من دون الله ؛ فإذا صلى له من باب أولى ، فيكون جَمَعَ صلاةً فيها أنواع من العبادات ، فإذا دعا غير الله - عز وجل - فقد عَبَدَه من دون الله - عز وجل - ؛ فلا جرمَ أن الله - عز وجل - فَرَضَ على المسلمين أن يقرؤوا الفاتحة في كل ركعة من الصلاة ، وفيها قولنا : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) ، فالاستعانة بغير الله - عز وجل - هو فعل عبادة لغير الله - عز وجل - ولا فرق ، بينما كثير من المتأخرين اليوم كالنَّبهاني وأمثاله الدَّجوي وأمثاله يفسِّرون العبادة (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ )) أي : الدعاء عبادة ، أو هي العبادة المطلقة ، نحن نقول كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( الدعاء هو العبادة ) ، وتلا هذه الآية : (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) ، ( الدعاء هو العبادة ) عكس ما يقول كثير من المشايخ اليوم ، ( الدعاء هو العبادة ) هذا على وزان قوله - عليه السلام - : ( الحج عرفة ) ، لا يعني أن مَن وَقَفَ على عرفات ولم يأتِ بشيء آخر من أركان الحج بأن حجَّه صحيح ، وإنما يعني أن أسَّ أركان الحج هو الوقوف في عرفة ، كذلك قول الرسول - عليه السلام - : ( الدعاء هو العبادة ) يعني أسُّ العبادات كلها هو هذا الدعاء ، فإذا المسلم توجَّه بدعاءٍ إلى غير الله - عز وجل - ؛ قال : يا " باز " أغِثْني ، يا " باز " انصرني ، يا " باز " أعنِّي ؛ فقد توجَّه بأعظم عبادة إلى غير الله - عز وجل - ، ومعنى ذلك أنه كفر وأشرك بالله شرك العبادة ، لا يفيده شيء كما يريد بعضُ المشايخ أن يخلِّصوا هؤلاء من هذه الضلالة الكبرى ، يقول بعض المشايخ : يا أخي ، هو يعلم ويعتقد أنه لا ينفع ولا يضرُّ ، اسأله ، اسأله هذا المستغيث بالميت ، بتعتقد أنه يضرُّ وينفع ؟ بيقول لك : لا ، لا يضرُّ ولا ينفع . طيب ، ليش عم تناديه من دون الله ؟! إذا كان لا يضرُّ ولا ينفع فلا تنادِ ؛ لا ، واسطة !! إذًا بينفع ، فقوله : لا ينفع جحدٌ لواقع أمرهم تمامًا ، واستكبار على النصوص من الكتاب والسنة ؛ لولا أنهم يعتقدون أن مناداتهم لغير الله - عز وجل - من الأولياء والصالحين ينفع عندهم ما نادَوه من دون الله - تبارك وتعالى - =

-- وعليكم السلام ورحمة الله --

= ولذلك فهم يفرِّقون بين مَن يجزمون بأنه لا ينفع ؛ فلا يجوز مناداته من دون الله - عز وجل - ، وبين مَن يتظاهرون بأنهم يعتقدون أنهم لا ينفعون ؛ فهم ينادونهم من دون الله ؛ لأن الحقيقة أنهم يعتقدون أنهم ينفعون مع الله - عز وجل - .

وقد ذكرت لبعض إخواننا قصة غريبة جدًّا وقعت بيني وبين أحد المشايخ ؛ صلينا الجمعة في مسجد في الطريق ما بين حلب واللاذقية ، ثم بعد الصلاة ذهبنا إلى بيت هذا الإمام ، وجرى الحديث حول التوحيد ، وصلنا إلى موضوع الاستغاثة بغير الله ؛ وإذا به يقول : ما فيها شيء ، والحجة في ذلك أن هذا المستغيث بغير الله - عز وجل - هو يعتقد أن هذا الميت لا يضرُّ ولا ينفع ؛ فقلنا له : إذًا لماذا يناديه من دون الله - عز وجل - إذا كان يعتقد حقيقةً في قرارة قلبه أن هذا الميت لا يضرُّ ولا ينفع ؛ لماذا يناديه من دون الله - عز وجل - ؟ قال : من باب التوسُّل . قلنا : باب التوسُّل لا يستلزم مناداة المُتوسَّل به ، وإنما ينادى المُتوسَّل إليه وهو الله - تبارك وتعالى - ، هذه مسألة أخرى ؛ يا رب ارحمني بجاه الرسول - عليه السلام - ؛ هذا لم يستغِثْ بغير الله ، ولم يناد غير الله ، كل ما في الأمر أنه أدخَلَ وسيلة غير مشروعة ، لكن الذي يقول : يا باز أغِثْني ؛ هذا قد توجَّه بأعظم عبادة ؛ ألا وهو الدعاء إلى غير الله - تبارك وتعالى - ، فهذا ليس توسُّلًا ، أنتم تسمُّونه توسُّلًا من باب : ( يسمُّونها بغير اسمها ) .

ثم كشفتُ له عن الحقيقة حينما قلت له : إذا كنتم تعتقدون أن هذا الميت الذي يُستغاث به من دون الله لا يضرُّ ولا ينفع ؛ فهل ترون مانعًا من أن يقول هذا المستغيث كاشفًا عمَّا في نفسه كما تقولون ؛ أن يقول في دعائه : يا " باز " ، يا مَن لا يضرُّ ولا ينفع أغِثْني ؛ يجوز ؟ قال : يجوز . يا " باز " يا مَن لا يضرُّ ولا ينفع أغِثْني ؛ قال : يجوز . قلت له - وأنا جالس بجنب الجدار - : هل من مانعٍ أن يقول القائل : يا جدار ، يا مَن لا ينفع ولا يضرُّ أغِثْني ؛ هل يجوز ؟ قال : لا يجوز . قلنا له : إذًا في فرق بين القولة الأولى والقولة الأخرى ؛ هذا يدل على أن الذي يستغيث بـ " الباز " في قرارة نفسه أنه يضرُّ وينفع ؛ وإلا شو الفرق بينه وبين الجدار ؟! هو فرَّق حتى في القول ، ونحن لا نفرِّق لا قولًا ولا عقيدةً ؛ فلا يجوز أن يقول : يا " باز " يا مَن لا ينفع ولا يضرُّ أغِثْني ، ولا يجوز أن يقول : يا جدار يا مَن لا ينفع ولا يضرُّ أغِثْني ؛ لأن لا هذا يغيث ولا ذاك يغيث ، وهذا الطلب هو إشراك بالله - عز وجل - في العبادة ؛ لذلك فَمِن معاني " لا إله إلا الله " أن لا نعبد مع الله أحدًا .

والمعنى الثالث من توحيد .

السائل : ... الصفات .

الشيخ : نعم ؟

السائل : أرى توحيد الصفات تأجيله ... .

الشيخ : آ .

السائل : في جماعة نعسوا ، فنعطيهم ربع ساعة استراحة حول العقيدة ... .

عيد عباسي : معليش ، تتمة الناحية .

السائل : لا ، توحيد الصفات أنا أرى أن البحث هام يحتاج إلى جلسة خاصة .

عيد عباسي : إي ، ممكن تجعل جلسة .

السائل : إي ، فنكتفي الآن بهذا ، وأنا شايف العيون دبلت.

الشيخ : صحيح ، هذا كشاهد لِمَا قلناه .

السائل : فلذلك نأخذ ربع استراحة هلق ، فرصة يتنشَّطوا فيها الشباب ، بعدين نرجع لدرس " رياض الصالحين " .

عيد عباسي : شو يساووا فيها الفرصة ؟

السائل : فرصة استراحة ، شو بتلاقوا طلاب الجامعة لما يأخذوا استراحة ؟ يتحدثوا بيناتهم كل اثنين لحال بيتنشَّطوا .