حكم الرجل الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل أنه يخاف ألا يلتزم به ، وكيف نوفق بين الآية : (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ )) والحديث : ( أول من تُسعَّر بهم النار ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حكم الرجل الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل أنه يخاف ألا يلتزم به ، وكيف نوفق بين الآية : (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ )) والحديث : ( أول من تُسعَّر بهم النار ) ؟
A-
A=
A+
الحويني : سائل يقول : في قوله - تبارك وتعالى - : (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )) ، فيقول : أنُّو يخشى أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فتكون حجة عليه لأنه لا يمتثل ، فيقرأ قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيدور في النار كحمار الرحى ) الحديث ، فيقول كيف نخرج من إثم عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من هذه الآية وهذا الحديث ؟

الشيخ : أذكر جيِّدًا أنني كنت قرأت في تفسير الإمام القرطبي " الجامع لتفسير القرآن " هذه الشبهة التي وُجِّهت إلى الإمام مالك - رحمه الله - فأجاب : " ودَّ الشيطان أن يسمع منكم مثل هذه الشبهة ، من منَّا باستطاعته أن يأتمر بكل ما يأمر ، وأن ينتهي عن كل ما ينتهي ؟! " ، ولكن على المسلم أن يحرص على أن يعمل بما يأمر ، وأن ينتهي عما نهى عنه ، ولكن إذا كان يشعر أنه أحيانًا قد يأمر بالشيء ولا يأتمر به ، وينهى عن شيء آخر ولا ينتهي عنه ، فهنا يجب أن نستحضر حقيقتين اثنتين :

الأولى : أشرت إليها آنفًا وهي أن يحرص على أن يعمل بما يأمر وأن ينتهي عن ما ينهى عنه .

الحقيقة الثانية: أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عليه واجبان ، أحدهما الأمر والنهي ، والآخر عدم المخالفة لما يأمر ولما ينهى ، فإذا أخلَّ بأحد الأمرين ؛ فلا ينبغي أن يخلَّ بالأمر الآخر ... يعمل بالمعروف لكنه لا يأمر به ، وينتهي عن المنكر ولكنه لا ينهى الناس عنه ، فهذا قام بواجب وترك واجبًا ، على العكس من ذلك ما نحن الآن في صدده ، هو يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتمر ، وينهى عن المنكر لكنه لا ينتهي ، فقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيام بواجب ، وتركه العمل بالمعروف والانتهاء عن المنكر ترك لواجب ، فهذا يساوي ذاك ، كل منهما أخلَّ بواجب ، والحق أن يجمع بين الأمرين ؛ إذا أمر يأتمر وإذا نهى ينتهي ، ولكن لا يمكن أن يوجد إنسان غير معصوم يمكن أن يجمع بين الأمرين في كل ما كان أمرًا بالمعروف فيفعله ، أو نهيًا عن منكر فيتركه ، إنما يفوته بعض الأشياء ، وبخاصة أن بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد لا يكون واجبًا ، قد يكون من باب المستحبات أو السنن المؤكدات ، فهو - مثلًا - يحضُّ الناس ويأمرهم بقيام الليل مثلًا وهو لا يقوم الليل ، ويحض الناس على صلاة الضحى ويأمرهم بها ، ويذكر لهم من فضلها ما شاء الله ، وهو لا يصلي صلاة الضحى ، فهنا لا نكران عليه ؛ لأنه لم يخلَّ بواجب ؛ لأن ما ذكرنا ليست من الواجبات .

فخلاصة القول : أن هذه الشبهة تعطِّل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يجوز للمسلم أن يتأثَّر بها ، ولكن عليه أن يحرصَ كل الحرص أن لا يدخل في وعيد الحديث الذي أشار إليه السائل ، وهو ما أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( يُؤتى بالعالم يوم القيامة ، فيُلقى في النار ، فتندلق أقتابُ بطنه ، ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى ، فيطوف به أهل النار ، فيقولون له : يا فلان ، ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) . أقول : الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون حريصًا كل الحرص أن لا يكون في منزلة هذا العالم الذي يُلقى في النار إلى آخره .

ثم إني ألاحظ في هذا الحديث أن هذا العالم من طابعه ومن دَيدنه أنه يأمر بالمعروف ولا يأتمر ، وينهى عن المنكر ولا ينتهي ، أي إنه ليس كمن لو أمر أحيانًا بمعروف ثم لا يأتمر ، ونهى أحيانًا عن المنكر ثم هو لا ينتهي ، لأن الأمر - كما قلت آنفًا - لا يمكن لبشر أن ينجو من الإخلال بشيء من الواجبات ، ومن ذلك أن يأمر بشيء ولا يأتمر به ، وينهى عن شيء ولا ينتهي عنه ، الحديث محمول على من كان طابعه أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر ، ثم هو يخالف الناس إلى خلاف ما يأمرهم به ويناههم عنه .

هذا جوابي ، إن شاء الله يكون صوابًا .
  • رحلة الخير - شريط : 13
  • توقيت الفهرسة : 00:36:29
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة