حكم القرض بالتقسيط لكن يجرُّ فائدة ؟ وكلام موسَّع في حرمة الحيل الشرعية ، مع شرح حديث : ( من باع بيعتين في بيعة ) ؟
A-
A=
A+
الحويني : ذهبت أنا وأحد الإخوة لمعرض السيارات ، فاختار سيارة قيمتها ثمانية آلاف ريال ، على أن يعطيني كل شهر ألف ومائتا ريال ، وتكون عليه زيادة خمسة آلاف ؛ أي : يكون عليه ثلاثة عشر ألف ريال ، وقد وصلني منها أربعة آلاف ؛ فهل في هذه في هذا شيء من الحرام أم لا ؟
الشيخ : المقابل ماذا أخذ الزيادة ؟
الحويني : يبدو أن المقابل أنو أعطاه المبلغ .
الشيخ : القضية ربويَّة مكشوفة ، ما يحتاج إلى سؤال ؛ لأن هذا " قرض جرَّ نفعًا " .
الحويني : لكن ممكن يقول أنا يعني السيارة بيني وبينه ، ليس مالًا بمال ، إنما مال ودخله سيارة في النصف ؟
الشيخ : " دوبلة " ، حيلة ، هذا يقع فيه كثير من الناس اليوم .
الحويني : التقسيط ، يعني كأنه يقصد بها التقسيط .
الشيخ : لا يجوز ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) ، والشارع الحكيم قد حرَّم الحيل الشرعية ، و ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، الحديث الذي جاء في " الصحيح " من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لعن اللهُ اليهودَ حُرِّمت عليهم الشُّحوم ، فجَمَلُوها ، ثم باعوها ، وأكلوا أثمانها ، وإن الله - عز وجل - إذا حرَّم أكل شيء حرَّم ثمنه ) ، الشاهد من هذا الحديث أن الله - عز وجل - لما حرَّم على اليهود كما قال في القرآن الكريم : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )) ، كان من هذه الطَّيِّبات التي حُرِّمت على اليهود الشحوم ، فكان الواجب عليهم إذا ذبحوا الذَّبيحة أن يستفيدوا من لحمها ، وأن يرموا بشحمها الأرض ، فلم يصبر اليهود على هذا الحكم الإلهي العادل ، فماذا فعلوا ؟
أخذوا الشحوم فألقوها في القدور ، ثم أوقدوا النار من تحتها ، فأخذت شكلًا آخر ، فبذلك زيَّن لهم الشيطان سوء عملهم ، وأوهَمَهم أن هذا الشحم صار شيئًا آخر غير الشحم المحرَّم ، فأخذوا الشَّحم وجَمَلُوه - أي : ذوَّبوه - وباعوه وأكلوا ثمنه .
الشاهد أن الله - عز وجل - أدَّبَنَا بمثل حديث نبيِّه هذا وأمثاله ، أنه لا يجوز للمسلم أن يحتال على استحلال ما حرم الله - عز وجل - بأدنى الحيل . ونكاح التحليل الذي - معلوم لدى الحاضرين ، إن شاء الله - هو نكاح توفَّرت فيه شروط النكاح المشروعة عادةً ، ولكن لماذا جعله الشارع الحكيم نكاحًا باطلًا ولعن المُحلِّل والمُحلَّل له ؟
لأنه لم يُقصد به ما يُقصد به عادةً من الزواج الشرعي الذي أشار إليه ربنا - عز وجل - في قوله - تبارك وتعالى - : (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )) ، لما لم يكن المقصود من نكاح التحليل هو تحقيق هذا السَّكن وهذه الألفة بين الزوجين ، وإنما كان المقصود به تحليل ما حرَّم الله بقوله : (( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )) ، وهذا تأديب من الله - عز وجل - للذي يطلِّق زوجته الطلقة الثالثة ، حتى ما يعتاد الناس أن يطلِّقوا ثم يندموا على تطليقهم ، فيأتي هذا المُحلِّل فيُعجِّل رجوع المرأة إلى زوجها الذي طلَّقها ثلاثًا ، والله - عزوجل - يقول : (( فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )) ، تنكح نكاحًا شرعيًّا كما فعلت من قبل ، فلما كان هذا المُحلِّل يقصد تحليل ما حرَّم الله كان ملعونًا في حديث الرسول - عليه السلام - المعروف : ( لعن الله المُحَلِّل والمحلَّل له ) .
والآن نعود إلى الصورة السابقة ، أو إلى بيع التقسيط ، لو أنا جئت إلى زيد من الناس غني ، قلت له أقرِضْني ألف جنيه ، أريد أن أشتري سيارة ، أقرضني ألف جنيه لوجه الله ، يقول أفعل لكن بشرط أن تعطيني ألف ومائة - مثلًا - ، هذا بإجماع علماء المسلمين حرام ؛ لأنه ربا مكشوف ، وقرض جرَّ نفعًا .
الآن نُدخل الواسطة ؛ أنا أريد أن أشترى سيارة ، فيقول لي اذهب أنت واشتر السيارة ، وأنا أدفع عنك ، وهذه تكلف - مثلًا - عشرة آلاف تدفعها عشرة آلاف ومائة ؛ إيش الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى ؟ لا فرق أبدًا سوى أنه دخلت السيارة واسطة لتحليل ما حرَّم الله ، وأما النتيجة واحدة ، وأنه لو أعطاني قيمة السيارة وأخذ منِّي ربا ؛ فهذا ربا مكشوف ، لكن هو لا يرضى أن يعطيني السيارة ، يقول روح خذ السيارة ، ثم يأخذ مني قيمة سيارة ، والربا عليها " كل الدروب على الطاحون " ؛ لذلك قال - عليه السلام - : ( من باع بيعتين في بيعة ؛ فله أوكَسُهما أو الربا ) ، فأنا أدري أن بعض العلماء قديمًا وحديثًا يتأوَّلون هذا الحديث بتأويل يخرجون به عن بيع التقسيط ، ولهم في ذلك تآويل كثيرة ، لكن أنا من مذهبي ومشربي أولًا أنني أفسِّر الأحاديث بعضها ببعض ، وثانيًا أرجع في تفسيرها إلى السلف ، وبخاصة منهم من كان راويًا لبعضها ، وقد روى الإمام أحمد في " مسنده " بإسناد قويٍّ عن سِمَاك بن حرب - وهو من التابعين - ، روى عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتين في بيعة " ، وفي لفظ : " عن صفقَتَين في صفقة " ، فقال رجل لسِمَاك راوي الحديث : " ما بيعتين في بيعة ؟ " ، قال : أن تقول : " أبيعك هذا نقدًا بكذا ، ونسيئةً بكذا وكذا " . هذا هو بيع التقسيط ، يفسِّر به راوي الحديث سماك بن حرب حديث : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتين في بيعة " ، قال : أن تقول : " أبيعك هذا بكذا دينار - مثلًا - نقدًا ، وبكذا وكذا دينار ودرهم نسيئة " . هذا الدرهم مقابل ماذا ؟ مقابل النسيئة ، فإذًا لا فرق بين أن تكون الزيادة التي تُسمَّى زيادة مقابل الأجل في البيع أو في القرض ، البيع هنا وسيط لاستحلال ما نهى الله عنه على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والذين يذهبون إلى إباحة بيع التقسيط - وهم يعلمون مثل هذه الأحاديث - يفسِّرونها بأن النهي عن بيعتين في بيعة إنما هو لجهالة الثمن ، لأن البائع يعرض ثمنين ؛ ثمن النقد ، وثمن الأجل ، فحينما ينفصل الشاري عن البائع بأحد الثمنين يقولون - ولست معهم بطبيعة الحال - لأنه ينفصل ولم يتعيَّن أيُّ الثمنين هو الذي اعتمد عليه بينهما .
أنا أقول : مثل هذا التأويل أولًا يُخالف التعليل المذكور في الحديث الأول ، ذلك لأن هذا التعليل الذي نقلته آنفًا عن بعضهم هو تعليل بجهالة الثمن ، وهذه الجهالة تنافي العلة الشرعية ، وإذا دار الأمر في تعليل حكم شرعي بين علَّة عقلية وبين علة شرعية ، لا شكَّ أن العلة الشرعية هي التي يجب الاعتماد عليها دون العلة العقلية ، ما هي العلة الشرعية ؟ سبق ذكرها آنفًا في قوله - عليه السلام - : ( من باع بيعتين في بيعة ) ، نهى عن بيعتين في بيعة ، هذا يلتقي مع هذا الشطر من هذا الحديث ؛ ( من باع بيعتين في بيعة ) هذا حديث أبي هريرة ، حديث ابن مسعود : ( نهى عن بيعتين في بيعة ) ، فأحدهما شاهد للآخر ، ولكن في كلٍّ من الحديثين فائدة لا تُوجد في الحديث الآخر ، أما حديث أبي هريرة فهي العلة النقلية ؛ حيث قال - عليه السلام - في تمام الحديث : ( من باع بيعتين في بيعة ؛ فله أوكَسُهما أو الربا ) ، أوكسهما : أنقصهما ثمنًا كما هو واضح ، وإلا فإذا أخذ أكثرهما ؛ فقد أخذ الربا ، ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا ) .
هذا الحديث يُعطينا فائدة أخرى غير العلة المنصوص عليها فيه ، وهي أنها علَّة ربوية ، أما الفائدة الأخرى فهي : أن البيع صحيح ، والزيادة باطلة ، البيع صحيح ، والزيادة باطلة ، أما الذين يفسِّرون حديث ابن مسعود " نهى عن بيعتين في بيعة " بأنه لجهالة الثمن ؛ فهم أولًا يعللون كما ذكرنا آنفًا بعلَّة تخالف العلة المنصوص عليها في حديث أبي هريرة ، وثانيًا يُبطلون البيع وحديث أبي هريرة يُنَفِّذه ولا يبطله ولكنه يبطل الزيادة ، ثم يأتي مؤيدًا لحديث أبي هريرة رواية عن ابن مسعود - موقوفة هذه الرواية عليه - أنه قال : " صفقة في صفقتين ربا " ، فإذًا نحن نأخذ العلة المنصوص عليها على الأقل نفضِّلها ونُؤزرها على العلَّة التي لم يأت نصٌّ عليها أولًا ، ثم هي مخالفة للعلة المنصوص عليها ثانيًا ، وأخيرًا إنها علة غير واقعة في تعامل الناس وبخاصة اليوم .
إذا جئنا إلى الذي اشترى سيارة ما على طريقة التقسيط ؛ أين جهالة الثمن ؟ بعد الأخذ والرد والزيادة على الشراء بثمن التقسيط ثمن نهائي ، وأنهاه التاجر ثم كتب عنده في الدفتر الخاص بالحسابات وكتب ما يسمُّونه بـ " الكمبياليات " إلى آخره . كيف يصح أن يقال إنهما انفصلا على ثمن مجهول ؛ أهو ثمن النقد أم ثمن الأجل ؟ هذا في الحقيقة لا يوافق واقع بيع التقسيط اليوم تمامًا ، بل أنا أقول : ولا في الزمن القديم ، قبل وجود السندات والكمبياليات وما شابه ذلك ؛ بدليل :
إذا جاء الرجل يريد أن يشتري ناقة أو شاة أو نحو ذلك بثمنين ، فسينفصلان على أحد أو إحدى البيعتين ، ثم نقده الثمن فقد تحدد ثمن وانتهى الإشكال ، وإن انصرفا ولم ينقده ثمن فبدهيٌّ جدًّا أنهما انصرفا على ثمن التقسيط - الأجل - فأين جهالة الثمن؟ ذلك مفقود تمامًا .
أخيرًا - والبحث في هذا يطول ويطول جدًّا - أريد أن ألفت النظر : أن هذه المعاملة - أي : بيع التقسيط - دخيلة في الإسلام ، دخيلة على المعاملات الإسلامية ، هي مبايعة أجنبية غربية من أقوام وصفهم الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم بأنهم : (( لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )) ، فهؤلاء لا يُحرِّمون ولا يحلِّلون ، ونحن بسبب تقليدنا الأعمى لهؤلاء الكفار استحسنَّا واستيسرنا بيع التقسيط ، وفعلًا فيه قضاء لمصالح الناس ، ولكن ليس من القاعدة المرفوضة في الإسلام قولهم : الغاية تبرر الوسيلة - .
فالذي أريد أن أذكِّر به أن بيع التقسيط رفعَ الشفقة والرحمة من قلوب الأغنياء على الفقراء ، وكان من الممكن لكل التجار أن يكسبوا أجورًا وثوابًا عظيمًا جدًّا في أثناء كسبهم للمال الحلال ، وبخاصَّة أن هذا الكسب الحلال - مع الأجور والثواب العظيم من الله - أنفع لهم في العاجلة فضلًا عن الآجلة ، كيف ذلك ؟ لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أنَّ قرض درهمين يساوي صدقة درهم ) ، قرض مائتين دينار يساوي صدقة مائة دينار ، إذا أقرضتَ أخاك المسلم مائتي دينار فكأنما تصدَّقت بمائة دينار ، فلو أن التجار الذي وسَّع الله عليهم في أموالهم ، باعوا بسعر النقد في التقسيط ولم يأخذوا زيادة على بيع النقد ، وصبروا في الوفاء على إخوانهم المسلمين لله - عز وجل - ليس لأجل الزيادة التي سمَّاها الرسول صراحة بالربا ، وإنما تقربًا منهم إلى الله - تبارك وتعالى - ؛ فتأمَّلوا كم وكم يتوفَّر عندهم كل يوم من الصدقات دون أن يتصدَّقوا ؟ سوى أن يبيعوا بسعر النقد بيع التقسيط ؛ سيجمعون في كل يوم الألوف المؤلفة من الصدقات ، وهم لم يتصدقوا . هذا من ناحية الآجلة ، أما العاجلة ، فانظروا الآن معي هذا السِّرِّ الإلهي إنما يريد أن لا يربح المسلم على أخيه المسلم مستغلًّا حاجته أكثر مما يستفيد البائع من الغني . إذا تصوَّرتم معي تاجرين يبيعان بضاعة واحدة ، أحدهما يبيع بثمن واحد لا فرق عنده بين ثمن النقد وبين ثمن التقسيط ، والآخر يأخذ زيادة على بيع التقسيط ؛ أيُّ الرجلين تنفق بضاعته أكثر ؟
الأول : الأول .
الشيخ : أنبئوني بعلم ، تاجرين كلاهما يبيع بضاعة واحدة ، وسعرهما في التقسيط واحد ، لكن أحدهما إذا باع بالتقسيط يبيع بنفس سعر النقد ، أما الآخر فيأخذ زيادة ، الزبائن تكثر على الأول أم على الثاني ؟
السائلون : على الأول .
الشيخ : على الأول ، إذًا لماذا لا يبيع الناس بسعر واحد ، سعر التقسيط هو عين سعر النقد ؟ ذلك هو الجشع وهو الطمع أولًا ، ثم الرغبة عن أجر الآجلة التي ذكرناها آنفًا ، أنه لو كان - مثلًا - يريد أن يبيع بسعر التقسيط زيادة ألف ريال مثلًا ، فلم يأخذ منه هذه الزيادة ، ماذا يكتب له ؟ صدقة خمسمائة ريال ، كتبت له هكذا ؛ لأنه باعه وصبر عليه في الوفاء ، لذلك فالأجر الذي يكسبه التاجر لو باع بسعر واحد ، ولم يأخذ الزيادة ذلك له خيرًا عاجلًا وآجلًا .
ولكن أولًا الجشع والطمع ، وثانيًا تقليدنا للأوربيين الذين وصفهم ربُّ العالمين كما ذكرنا آنفًا في القرآن الكريم : (( لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) ، وبسبب هذه المعاملة السَّيِّئة التي تسرَّبت بين التجار اليوم ، كان من الأسباب التي ضعَّفت الثقة والرباط الذي كان يكون في الأزمنة السالفة بين الأغنياء وبين الفقراء ، ومثل هذا التحكم هو الذي يولِّد الانفجار ويولِّد الأحزاب الشيوعية ونحوها ، التي انقلبت على الأثرياء ليعودوا أخيرًا فقراء كبارًا وصغارًا ، ذلك سبب من لا يقف عند ما أمر الله - عز وجل - من العدل والإحسان ، وحسن تعامل المسلمين بعضهم مع بعض ، ولعل في هذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
---
الشيخ : سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ، تراصُّوا ، لا تدعوا فرجات للشيطان ، تقدم هناك في الأخير ، لا تمدُّوا رؤوسكم ، انظروا يمينًا ويسارًا كما أنتم ، حتى تروا من خلف الإمام ، تقدموا ، خطيب ، يتقدموا اللِّي عن يسارك ، ... دراويش ... يا الله .
[ إمامة الشيخ للصلاة ].
---
الشيخ : خلاص ؟ تفضل .
السائل : فضيلة الشيخ قبل قراءة الأسئلة بودنا نكمل آخر مسألة ... .
الشيخ : وهي ؟
السائل : ( من باع بيعتين في بيعه واحدة ؛ فله أوكسهما أو الربا ) .
الشيخ : تفضل .
السائل : البيع عقد لازم ، وإذا قال أشتري هذا بكذا نقدًا أو بكذا نسيئةً ؛ سوف يكون البيع لازم في بيعة واحدة ، ولكن لو حملنا الحديث على بيع العينة - مثلًا - أشتري بكذا نسيئة وأبيع نقدًا ، وأبيع نقد وأشتري نسيئة ، هنا بيعتان لازمتان في بيعة واحدة ، فيكون له أوكسهما أو الربا ؟
الشيخ : من فسر هذا التفسير ؟
السائل : الذي فسر تفسيرك فضيلة الشيخ ... .
الشيخ : من فسَّر تفسيرك هذا ؟ أي من حمل الحديث على بيع العينة ؟
السائل : قصدك تسأل من من العلماء ؟
الشيخ : أنا ذكرت لك - أيضًا - مَن مِن العلماء من فسَّر التفسير الذي سمعته مني آنفًا ، وتفسيرنا سلفي وتفسيرك خلفي ، وحسبنا هذا كما قيل :
" فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكلُّ إناء بما فيه ينضح "
لكني أعلم أنك سلفي مثلي ؛ ألست كذلك ؟
السائل : أرجو هذا .
الشيخ : وأنا أرجو معك ، فلماذا ندع تفسير السلف ومن الراوي الذي يروي الحديث مباشرة ؛ لماذا ندعه ؟
هذا مع كل ما ذكرناه من أن بيع التقسيط فيه استغلال لحاجة القاصر العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع الثمن نقدًا ، وفيه تعويد التجار على الجشع المادي والإعراض عن الأجر الأخروي ، وهذا فرق كبير جدًّا بين هذا التفسير وذاك التفسير ، وأنا أذكر أن من الحكم المروية عن بعض الكتب الإلهية ، وليس يهمنا هنا السند بطبيعة الأمر ؛ لأننا نتكلم عن الحكمة قالوا : " بأن عيسى - عليه الصلاة السلام - وعظ ذات يوم الحواريين ، وذكر لهم بأنه سيأتي من بعده أنبياء كذا ، ويأتي من بعده رسول اسمه " أحمد " ، وهو آخر من يبعث من الرسل ، قالوا له : فكيف نعرف الصادق من الكاذب ؟ أجاب بقوله - وهنا الحكمة - : " من ثمارهم تعرفونه " . فنحن نعرف تمييز قول على آخر من حيث النتيجة والعاقبة ، فإذا قيل بجواز بيع بالتقسيط وأخذ الزيادة مقابل هذا الصبر في الوفاء ، فيه ما أشرنا إليه من تطبيع التجار على الجشع والطمع ، وعلى استغلال حاجة الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمن الحاجة إلا بثمن ، وفيه - أيضًا - كما ذكرنا سابقًا أن التاجر وهو عادةً لا ينصرف إلى عبادة الله وذكره كما هو شأن غير التجار المتفرِّغين بذكر وعبادة الله . فالله - عز وجل - قد أوجد لهؤلاء التجار هذه الفرصة بأن يكسبوا أجورًا كما يقولون في بعض البلاد السورية : " كالمنشار على الطالع والنازل " ، فهو بلاش يقعد أن يذكر الله ويصلي على نبيِّه ويتلو القرآن ؛ لأنه غير متفرغ ، وإنما هو متفرغ للبيع والشراء ، لا بأس من ذلك ؛ لأنه مباح ، لكنه قد أفسح له المجال أن يكتسب من الحسنات ما لا يستطيعه أولئك المتفرغون للعبادة من الفقراء والمساكين ، وذلك بأن يصبر في الوفاء على الشارين من عنده بضاعة ، فيُكتب له مقابل كل درهمين صدقة درهم ، وعلى ذلك فقِسْ .
فإذًا ثمرة هذا القول أنفع للمجتمع الإسلامي من أن نعطِّل دلالة هذا الحديث على أن المقصود ببيعتين في بيعة ؛ أقول هذا بكذا نقدًا وهذا بكذا وكذا نسيئة ، بينما أنت تبعًا لمن أشرت إليه آنفًا تحمله على بيع العينة ، وبيع العينة حسبنا أن نعرف النهي عنه في قوله - عليه السلام - : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
خلاصة القول : لا أريد أن أُخالفَكم إلى ما أنهاكم عنه ، لا أريد أن أجادلكم ، كما أنني لا أريد أن تجادلونني ، أنا ذكرت ما عندي من بضاعة مزجاة ، فمن أعجبته ؛ فالحمد لله ، ومن لا فلينظر بضاعة خيرًا له من تلك .
الشيخ : المقابل ماذا أخذ الزيادة ؟
الحويني : يبدو أن المقابل أنو أعطاه المبلغ .
الشيخ : القضية ربويَّة مكشوفة ، ما يحتاج إلى سؤال ؛ لأن هذا " قرض جرَّ نفعًا " .
الحويني : لكن ممكن يقول أنا يعني السيارة بيني وبينه ، ليس مالًا بمال ، إنما مال ودخله سيارة في النصف ؟
الشيخ : " دوبلة " ، حيلة ، هذا يقع فيه كثير من الناس اليوم .
الحويني : التقسيط ، يعني كأنه يقصد بها التقسيط .
الشيخ : لا يجوز ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) ، والشارع الحكيم قد حرَّم الحيل الشرعية ، و ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، الحديث الذي جاء في " الصحيح " من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لعن اللهُ اليهودَ حُرِّمت عليهم الشُّحوم ، فجَمَلُوها ، ثم باعوها ، وأكلوا أثمانها ، وإن الله - عز وجل - إذا حرَّم أكل شيء حرَّم ثمنه ) ، الشاهد من هذا الحديث أن الله - عز وجل - لما حرَّم على اليهود كما قال في القرآن الكريم : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )) ، كان من هذه الطَّيِّبات التي حُرِّمت على اليهود الشحوم ، فكان الواجب عليهم إذا ذبحوا الذَّبيحة أن يستفيدوا من لحمها ، وأن يرموا بشحمها الأرض ، فلم يصبر اليهود على هذا الحكم الإلهي العادل ، فماذا فعلوا ؟
أخذوا الشحوم فألقوها في القدور ، ثم أوقدوا النار من تحتها ، فأخذت شكلًا آخر ، فبذلك زيَّن لهم الشيطان سوء عملهم ، وأوهَمَهم أن هذا الشحم صار شيئًا آخر غير الشحم المحرَّم ، فأخذوا الشَّحم وجَمَلُوه - أي : ذوَّبوه - وباعوه وأكلوا ثمنه .
الشاهد أن الله - عز وجل - أدَّبَنَا بمثل حديث نبيِّه هذا وأمثاله ، أنه لا يجوز للمسلم أن يحتال على استحلال ما حرم الله - عز وجل - بأدنى الحيل . ونكاح التحليل الذي - معلوم لدى الحاضرين ، إن شاء الله - هو نكاح توفَّرت فيه شروط النكاح المشروعة عادةً ، ولكن لماذا جعله الشارع الحكيم نكاحًا باطلًا ولعن المُحلِّل والمُحلَّل له ؟
لأنه لم يُقصد به ما يُقصد به عادةً من الزواج الشرعي الذي أشار إليه ربنا - عز وجل - في قوله - تبارك وتعالى - : (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )) ، لما لم يكن المقصود من نكاح التحليل هو تحقيق هذا السَّكن وهذه الألفة بين الزوجين ، وإنما كان المقصود به تحليل ما حرَّم الله بقوله : (( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )) ، وهذا تأديب من الله - عز وجل - للذي يطلِّق زوجته الطلقة الثالثة ، حتى ما يعتاد الناس أن يطلِّقوا ثم يندموا على تطليقهم ، فيأتي هذا المُحلِّل فيُعجِّل رجوع المرأة إلى زوجها الذي طلَّقها ثلاثًا ، والله - عزوجل - يقول : (( فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )) ، تنكح نكاحًا شرعيًّا كما فعلت من قبل ، فلما كان هذا المُحلِّل يقصد تحليل ما حرَّم الله كان ملعونًا في حديث الرسول - عليه السلام - المعروف : ( لعن الله المُحَلِّل والمحلَّل له ) .
والآن نعود إلى الصورة السابقة ، أو إلى بيع التقسيط ، لو أنا جئت إلى زيد من الناس غني ، قلت له أقرِضْني ألف جنيه ، أريد أن أشتري سيارة ، أقرضني ألف جنيه لوجه الله ، يقول أفعل لكن بشرط أن تعطيني ألف ومائة - مثلًا - ، هذا بإجماع علماء المسلمين حرام ؛ لأنه ربا مكشوف ، وقرض جرَّ نفعًا .
الآن نُدخل الواسطة ؛ أنا أريد أن أشترى سيارة ، فيقول لي اذهب أنت واشتر السيارة ، وأنا أدفع عنك ، وهذه تكلف - مثلًا - عشرة آلاف تدفعها عشرة آلاف ومائة ؛ إيش الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى ؟ لا فرق أبدًا سوى أنه دخلت السيارة واسطة لتحليل ما حرَّم الله ، وأما النتيجة واحدة ، وأنه لو أعطاني قيمة السيارة وأخذ منِّي ربا ؛ فهذا ربا مكشوف ، لكن هو لا يرضى أن يعطيني السيارة ، يقول روح خذ السيارة ، ثم يأخذ مني قيمة سيارة ، والربا عليها " كل الدروب على الطاحون " ؛ لذلك قال - عليه السلام - : ( من باع بيعتين في بيعة ؛ فله أوكَسُهما أو الربا ) ، فأنا أدري أن بعض العلماء قديمًا وحديثًا يتأوَّلون هذا الحديث بتأويل يخرجون به عن بيع التقسيط ، ولهم في ذلك تآويل كثيرة ، لكن أنا من مذهبي ومشربي أولًا أنني أفسِّر الأحاديث بعضها ببعض ، وثانيًا أرجع في تفسيرها إلى السلف ، وبخاصة منهم من كان راويًا لبعضها ، وقد روى الإمام أحمد في " مسنده " بإسناد قويٍّ عن سِمَاك بن حرب - وهو من التابعين - ، روى عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتين في بيعة " ، وفي لفظ : " عن صفقَتَين في صفقة " ، فقال رجل لسِمَاك راوي الحديث : " ما بيعتين في بيعة ؟ " ، قال : أن تقول : " أبيعك هذا نقدًا بكذا ، ونسيئةً بكذا وكذا " . هذا هو بيع التقسيط ، يفسِّر به راوي الحديث سماك بن حرب حديث : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتين في بيعة " ، قال : أن تقول : " أبيعك هذا بكذا دينار - مثلًا - نقدًا ، وبكذا وكذا دينار ودرهم نسيئة " . هذا الدرهم مقابل ماذا ؟ مقابل النسيئة ، فإذًا لا فرق بين أن تكون الزيادة التي تُسمَّى زيادة مقابل الأجل في البيع أو في القرض ، البيع هنا وسيط لاستحلال ما نهى الله عنه على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والذين يذهبون إلى إباحة بيع التقسيط - وهم يعلمون مثل هذه الأحاديث - يفسِّرونها بأن النهي عن بيعتين في بيعة إنما هو لجهالة الثمن ، لأن البائع يعرض ثمنين ؛ ثمن النقد ، وثمن الأجل ، فحينما ينفصل الشاري عن البائع بأحد الثمنين يقولون - ولست معهم بطبيعة الحال - لأنه ينفصل ولم يتعيَّن أيُّ الثمنين هو الذي اعتمد عليه بينهما .
أنا أقول : مثل هذا التأويل أولًا يُخالف التعليل المذكور في الحديث الأول ، ذلك لأن هذا التعليل الذي نقلته آنفًا عن بعضهم هو تعليل بجهالة الثمن ، وهذه الجهالة تنافي العلة الشرعية ، وإذا دار الأمر في تعليل حكم شرعي بين علَّة عقلية وبين علة شرعية ، لا شكَّ أن العلة الشرعية هي التي يجب الاعتماد عليها دون العلة العقلية ، ما هي العلة الشرعية ؟ سبق ذكرها آنفًا في قوله - عليه السلام - : ( من باع بيعتين في بيعة ) ، نهى عن بيعتين في بيعة ، هذا يلتقي مع هذا الشطر من هذا الحديث ؛ ( من باع بيعتين في بيعة ) هذا حديث أبي هريرة ، حديث ابن مسعود : ( نهى عن بيعتين في بيعة ) ، فأحدهما شاهد للآخر ، ولكن في كلٍّ من الحديثين فائدة لا تُوجد في الحديث الآخر ، أما حديث أبي هريرة فهي العلة النقلية ؛ حيث قال - عليه السلام - في تمام الحديث : ( من باع بيعتين في بيعة ؛ فله أوكَسُهما أو الربا ) ، أوكسهما : أنقصهما ثمنًا كما هو واضح ، وإلا فإذا أخذ أكثرهما ؛ فقد أخذ الربا ، ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا ) .
هذا الحديث يُعطينا فائدة أخرى غير العلة المنصوص عليها فيه ، وهي أنها علَّة ربوية ، أما الفائدة الأخرى فهي : أن البيع صحيح ، والزيادة باطلة ، البيع صحيح ، والزيادة باطلة ، أما الذين يفسِّرون حديث ابن مسعود " نهى عن بيعتين في بيعة " بأنه لجهالة الثمن ؛ فهم أولًا يعللون كما ذكرنا آنفًا بعلَّة تخالف العلة المنصوص عليها في حديث أبي هريرة ، وثانيًا يُبطلون البيع وحديث أبي هريرة يُنَفِّذه ولا يبطله ولكنه يبطل الزيادة ، ثم يأتي مؤيدًا لحديث أبي هريرة رواية عن ابن مسعود - موقوفة هذه الرواية عليه - أنه قال : " صفقة في صفقتين ربا " ، فإذًا نحن نأخذ العلة المنصوص عليها على الأقل نفضِّلها ونُؤزرها على العلَّة التي لم يأت نصٌّ عليها أولًا ، ثم هي مخالفة للعلة المنصوص عليها ثانيًا ، وأخيرًا إنها علة غير واقعة في تعامل الناس وبخاصة اليوم .
إذا جئنا إلى الذي اشترى سيارة ما على طريقة التقسيط ؛ أين جهالة الثمن ؟ بعد الأخذ والرد والزيادة على الشراء بثمن التقسيط ثمن نهائي ، وأنهاه التاجر ثم كتب عنده في الدفتر الخاص بالحسابات وكتب ما يسمُّونه بـ " الكمبياليات " إلى آخره . كيف يصح أن يقال إنهما انفصلا على ثمن مجهول ؛ أهو ثمن النقد أم ثمن الأجل ؟ هذا في الحقيقة لا يوافق واقع بيع التقسيط اليوم تمامًا ، بل أنا أقول : ولا في الزمن القديم ، قبل وجود السندات والكمبياليات وما شابه ذلك ؛ بدليل :
إذا جاء الرجل يريد أن يشتري ناقة أو شاة أو نحو ذلك بثمنين ، فسينفصلان على أحد أو إحدى البيعتين ، ثم نقده الثمن فقد تحدد ثمن وانتهى الإشكال ، وإن انصرفا ولم ينقده ثمن فبدهيٌّ جدًّا أنهما انصرفا على ثمن التقسيط - الأجل - فأين جهالة الثمن؟ ذلك مفقود تمامًا .
أخيرًا - والبحث في هذا يطول ويطول جدًّا - أريد أن ألفت النظر : أن هذه المعاملة - أي : بيع التقسيط - دخيلة في الإسلام ، دخيلة على المعاملات الإسلامية ، هي مبايعة أجنبية غربية من أقوام وصفهم الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم بأنهم : (( لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )) ، فهؤلاء لا يُحرِّمون ولا يحلِّلون ، ونحن بسبب تقليدنا الأعمى لهؤلاء الكفار استحسنَّا واستيسرنا بيع التقسيط ، وفعلًا فيه قضاء لمصالح الناس ، ولكن ليس من القاعدة المرفوضة في الإسلام قولهم : الغاية تبرر الوسيلة - .
فالذي أريد أن أذكِّر به أن بيع التقسيط رفعَ الشفقة والرحمة من قلوب الأغنياء على الفقراء ، وكان من الممكن لكل التجار أن يكسبوا أجورًا وثوابًا عظيمًا جدًّا في أثناء كسبهم للمال الحلال ، وبخاصَّة أن هذا الكسب الحلال - مع الأجور والثواب العظيم من الله - أنفع لهم في العاجلة فضلًا عن الآجلة ، كيف ذلك ؟ لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أنَّ قرض درهمين يساوي صدقة درهم ) ، قرض مائتين دينار يساوي صدقة مائة دينار ، إذا أقرضتَ أخاك المسلم مائتي دينار فكأنما تصدَّقت بمائة دينار ، فلو أن التجار الذي وسَّع الله عليهم في أموالهم ، باعوا بسعر النقد في التقسيط ولم يأخذوا زيادة على بيع النقد ، وصبروا في الوفاء على إخوانهم المسلمين لله - عز وجل - ليس لأجل الزيادة التي سمَّاها الرسول صراحة بالربا ، وإنما تقربًا منهم إلى الله - تبارك وتعالى - ؛ فتأمَّلوا كم وكم يتوفَّر عندهم كل يوم من الصدقات دون أن يتصدَّقوا ؟ سوى أن يبيعوا بسعر النقد بيع التقسيط ؛ سيجمعون في كل يوم الألوف المؤلفة من الصدقات ، وهم لم يتصدقوا . هذا من ناحية الآجلة ، أما العاجلة ، فانظروا الآن معي هذا السِّرِّ الإلهي إنما يريد أن لا يربح المسلم على أخيه المسلم مستغلًّا حاجته أكثر مما يستفيد البائع من الغني . إذا تصوَّرتم معي تاجرين يبيعان بضاعة واحدة ، أحدهما يبيع بثمن واحد لا فرق عنده بين ثمن النقد وبين ثمن التقسيط ، والآخر يأخذ زيادة على بيع التقسيط ؛ أيُّ الرجلين تنفق بضاعته أكثر ؟
الأول : الأول .
الشيخ : أنبئوني بعلم ، تاجرين كلاهما يبيع بضاعة واحدة ، وسعرهما في التقسيط واحد ، لكن أحدهما إذا باع بالتقسيط يبيع بنفس سعر النقد ، أما الآخر فيأخذ زيادة ، الزبائن تكثر على الأول أم على الثاني ؟
السائلون : على الأول .
الشيخ : على الأول ، إذًا لماذا لا يبيع الناس بسعر واحد ، سعر التقسيط هو عين سعر النقد ؟ ذلك هو الجشع وهو الطمع أولًا ، ثم الرغبة عن أجر الآجلة التي ذكرناها آنفًا ، أنه لو كان - مثلًا - يريد أن يبيع بسعر التقسيط زيادة ألف ريال مثلًا ، فلم يأخذ منه هذه الزيادة ، ماذا يكتب له ؟ صدقة خمسمائة ريال ، كتبت له هكذا ؛ لأنه باعه وصبر عليه في الوفاء ، لذلك فالأجر الذي يكسبه التاجر لو باع بسعر واحد ، ولم يأخذ الزيادة ذلك له خيرًا عاجلًا وآجلًا .
ولكن أولًا الجشع والطمع ، وثانيًا تقليدنا للأوربيين الذين وصفهم ربُّ العالمين كما ذكرنا آنفًا في القرآن الكريم : (( لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) ، وبسبب هذه المعاملة السَّيِّئة التي تسرَّبت بين التجار اليوم ، كان من الأسباب التي ضعَّفت الثقة والرباط الذي كان يكون في الأزمنة السالفة بين الأغنياء وبين الفقراء ، ومثل هذا التحكم هو الذي يولِّد الانفجار ويولِّد الأحزاب الشيوعية ونحوها ، التي انقلبت على الأثرياء ليعودوا أخيرًا فقراء كبارًا وصغارًا ، ذلك سبب من لا يقف عند ما أمر الله - عز وجل - من العدل والإحسان ، وحسن تعامل المسلمين بعضهم مع بعض ، ولعل في هذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
---
الشيخ : سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ، تراصُّوا ، لا تدعوا فرجات للشيطان ، تقدم هناك في الأخير ، لا تمدُّوا رؤوسكم ، انظروا يمينًا ويسارًا كما أنتم ، حتى تروا من خلف الإمام ، تقدموا ، خطيب ، يتقدموا اللِّي عن يسارك ، ... دراويش ... يا الله .
[ إمامة الشيخ للصلاة ].
---
الشيخ : خلاص ؟ تفضل .
السائل : فضيلة الشيخ قبل قراءة الأسئلة بودنا نكمل آخر مسألة ... .
الشيخ : وهي ؟
السائل : ( من باع بيعتين في بيعه واحدة ؛ فله أوكسهما أو الربا ) .
الشيخ : تفضل .
السائل : البيع عقد لازم ، وإذا قال أشتري هذا بكذا نقدًا أو بكذا نسيئةً ؛ سوف يكون البيع لازم في بيعة واحدة ، ولكن لو حملنا الحديث على بيع العينة - مثلًا - أشتري بكذا نسيئة وأبيع نقدًا ، وأبيع نقد وأشتري نسيئة ، هنا بيعتان لازمتان في بيعة واحدة ، فيكون له أوكسهما أو الربا ؟
الشيخ : من فسر هذا التفسير ؟
السائل : الذي فسر تفسيرك فضيلة الشيخ ... .
الشيخ : من فسَّر تفسيرك هذا ؟ أي من حمل الحديث على بيع العينة ؟
السائل : قصدك تسأل من من العلماء ؟
الشيخ : أنا ذكرت لك - أيضًا - مَن مِن العلماء من فسَّر التفسير الذي سمعته مني آنفًا ، وتفسيرنا سلفي وتفسيرك خلفي ، وحسبنا هذا كما قيل :
" فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكلُّ إناء بما فيه ينضح "
لكني أعلم أنك سلفي مثلي ؛ ألست كذلك ؟
السائل : أرجو هذا .
الشيخ : وأنا أرجو معك ، فلماذا ندع تفسير السلف ومن الراوي الذي يروي الحديث مباشرة ؛ لماذا ندعه ؟
هذا مع كل ما ذكرناه من أن بيع التقسيط فيه استغلال لحاجة القاصر العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع الثمن نقدًا ، وفيه تعويد التجار على الجشع المادي والإعراض عن الأجر الأخروي ، وهذا فرق كبير جدًّا بين هذا التفسير وذاك التفسير ، وأنا أذكر أن من الحكم المروية عن بعض الكتب الإلهية ، وليس يهمنا هنا السند بطبيعة الأمر ؛ لأننا نتكلم عن الحكمة قالوا : " بأن عيسى - عليه الصلاة السلام - وعظ ذات يوم الحواريين ، وذكر لهم بأنه سيأتي من بعده أنبياء كذا ، ويأتي من بعده رسول اسمه " أحمد " ، وهو آخر من يبعث من الرسل ، قالوا له : فكيف نعرف الصادق من الكاذب ؟ أجاب بقوله - وهنا الحكمة - : " من ثمارهم تعرفونه " . فنحن نعرف تمييز قول على آخر من حيث النتيجة والعاقبة ، فإذا قيل بجواز بيع بالتقسيط وأخذ الزيادة مقابل هذا الصبر في الوفاء ، فيه ما أشرنا إليه من تطبيع التجار على الجشع والطمع ، وعلى استغلال حاجة الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمن الحاجة إلا بثمن ، وفيه - أيضًا - كما ذكرنا سابقًا أن التاجر وهو عادةً لا ينصرف إلى عبادة الله وذكره كما هو شأن غير التجار المتفرِّغين بذكر وعبادة الله . فالله - عز وجل - قد أوجد لهؤلاء التجار هذه الفرصة بأن يكسبوا أجورًا كما يقولون في بعض البلاد السورية : " كالمنشار على الطالع والنازل " ، فهو بلاش يقعد أن يذكر الله ويصلي على نبيِّه ويتلو القرآن ؛ لأنه غير متفرغ ، وإنما هو متفرغ للبيع والشراء ، لا بأس من ذلك ؛ لأنه مباح ، لكنه قد أفسح له المجال أن يكتسب من الحسنات ما لا يستطيعه أولئك المتفرغون للعبادة من الفقراء والمساكين ، وذلك بأن يصبر في الوفاء على الشارين من عنده بضاعة ، فيُكتب له مقابل كل درهمين صدقة درهم ، وعلى ذلك فقِسْ .
فإذًا ثمرة هذا القول أنفع للمجتمع الإسلامي من أن نعطِّل دلالة هذا الحديث على أن المقصود ببيعتين في بيعة ؛ أقول هذا بكذا نقدًا وهذا بكذا وكذا نسيئة ، بينما أنت تبعًا لمن أشرت إليه آنفًا تحمله على بيع العينة ، وبيع العينة حسبنا أن نعرف النهي عنه في قوله - عليه السلام - : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
خلاصة القول : لا أريد أن أُخالفَكم إلى ما أنهاكم عنه ، لا أريد أن أجادلكم ، كما أنني لا أريد أن تجادلونني ، أنا ذكرت ما عندي من بضاعة مزجاة ، فمن أعجبته ؛ فالحمد لله ، ومن لا فلينظر بضاعة خيرًا له من تلك .
- رحلة الخير - شريط : 13
- توقيت الفهرسة : 00:00:01
- نسخة مدققة إملائيًّا