من دروس " الترغيب والترهيب " ، الترغيب في الصبر سيَّما لمن ابتُلِيَ في نفسه أو ماله ، وفضل البلاء والمرض والحمى ، وما جاء فيمن فَقَدَ بصره .
A-
A=
A+
الشيخ : ... أُعطِينا هذه الثمرة لكلِّ مصابٍ ببلاء صابر عليه ، وهذا هو الحديث السابق ؛ كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن الله - عز وجل - يخلِّص المبتلى بمصيبة من ذنوبه كما تخلِّص النار الحديدَ من خَبَثِه ، وبدهي جدًّا أن المسلم المذنب إذا ما خلَّصَه الله - عز وجل - بسبب ما من ذنوبه وآثامه أن يدخل جنة ربه - تبارك وتعالى - دون أيِّ عذاب ، فلئن كان حديث المرأة السوداء صريحًا في وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى الجنة فالحديث الذي قبله يتضمَّن مثلَ هذا الوعد لكلِّ مبتلًى صابر على بلائه ، بل إن هناك أحاديث أخرى صريحة في بعض البلايا كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - عن الله - عز وجل - - أي : حديث قدسي - : ( مَن ابتليته بحبيبَتَيه فصبر عوَّضته الجنة ) ؛ لذلك وكما يشعر معنا إخواننا الملازمون لدروسنا الأحاديث الواردة في بيان الصبر على البلاء كثيرة وكثيرة جدًّا متنوعة الألفاظ والمعاني ، ولكنها كلها تلتقي في نتيجة واحدة ؛ ألا وهي أن الصابر إنما مصيره أن يغفرَ الله له ذنوبه بحسب صبره وبحسب بلائه ، وأن يكون عاقبة ذلك أن يدخل الجنة .
لذلك ينبغي أن تتركَّز معاني هذه الأحاديث في نفوسنا حتى تُساعِدَنا أن نحيا في حياتنا الدنيا هذه حياة سعيدة ولو كان الكفار والمنافقون ممَّن لا يؤمنون إيماننا ولا يشاركوننا في ديننا يظنُّون أننا نعيش حياة صعبة ضنكة ، والحقيقة خلاف ذلك كما يشهد بذلك أوَّلًا واقعنا نحن معشر المسلمين ، وبعد ذلك من الناحية الإيمانية وإن كان هو الأصل يأتي الخبر الإلهي ليقول : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) ، أما مَن آمَنَ بالله - عز وجل - (( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )) ؛ فليس معنى (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) أنه لا ينبغي أن يكون غنيًّا ، لا ينبغي أن يكون مرفَّهًا ، لا ينبغي أن يكون متمتِّعًا بكل زخارف الدنيا ؛ لا ، بل قد يكون الأمر كذلك ، ومع ذلك فَهُم - هؤلاء الكفار - يعيشون كما قال - تعالى - : (( مَعِيشَةً ضَنْكًا )) ، والواقع يشهد لا سيما بالنسبة للطبقة المثقَّفة من الناس الذين يتتبَّعون أخبار العالم الكافر الأوروبي والأمريكي كيف أن الدنيا تفتَّحت لهم وكلما ازدادوا منها ازدادوا معيشة ضنكًا ، وصدق الله العظيم ، أما المؤمن فتجده ولو كان يعيش في ضنك من العيش المادي فهو قرير العين مطمئنُّ النفس ، لا يضجر ولا يتأفَّف ؛ ذلك لأن الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث مسلم : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ، هذا من الناحية المادية ، الدنيا سجن المؤمن يعيش فيها كما يعيش السجين ، لكن يا تُرى ماذا يبتغي السجين عادةً أن ينطلق من هذه الدار الذي أُلقِيَ فيها وهي دار ضيقة إلى دار واسعة ؟!
فلما كان المؤمن يؤمن بما جاء في الشرع من البعث والنشور وجنَّة عرضها السماوات والأرض فهو لا يكاد يصدِّق أن يخرج من هذا السجن إلى تلك الأرض الطيبة الواسعة ؛ بخلاف الكافر ؛ فهو يعيش في جنة من الناحية المادية ، لكن من الناحية النفسية كما سمعتم الآية السابقة . أعود فأقول : ينبغي أن نتذكَّر معاني هذه الأحاديث حتى نحيا هذه الحياة السعيدة الطيبة .
وأريد أن ألفت النظر إلى شيء آخر بمناسبة عرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذه المرأة وتخييره إياها بين أن تصبر وبين ، بين أن تصبر ولها الجنة ، وبين أن يدعو لها ؛ فهي اختارت الجنة ، واختارت الصبر المؤدي إلى الجنة ؛ أريد أن أذكِّر بأن الناس تختلف طبائعهم ويختلف صبرهم ، فهذه امرأة كانت من هذه الحيثية من حيث أنها اختارت الصبر على بلاء الله - عز وجل - كانت خيرًا من ذاك الرجل ، وهذا خلاف القاعدة ، القاعدة أن الرجال خير من النساء ، ولكن لكل قاعدة شواذ ، وهذا من هذا القبيل ، ذاك الرجل المعروف قصَّته والتي يلهج بها الذين يتوسلون إلى الله - تبارك وتعالى - بالعباد بالأولياء والصالحين ، ذلك الرجل الأعمى الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضًا يشكو له عَمَاه ، ويطلب منه - عليه الصلاة والسلام - أن يدعو له تمامًا كما فعلت المرأة السوداء ، والرسول - عليه السلام - موقفه يطَّرد ولا يختلف من حيث نصحه للأمة ، لا فرق عنده بين الرجال والنساء ، فكما قال هنا للمرأة : ( إن شئتِ صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت ) ؛ كذلك قال للرجل تمامًا قال : ( إن شئتَ صبرتَ وهو خير لك ، وإن شئتَ دعوتٌ ) . قال : لا ، فادع .
لم يصبر الرجل ، يريد أن يتمتَّع بأن ينظر ويرى كما ينظر الناس ويرون ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - ذلك التعليم الذي توارَدَه الناس وتوارثوه في كتب السنة ؛ حيث قال - عليه السلام - : ( إئتِ الميضأة وتوضَّأ وصلِّ لله ركعتين ، ثم : قل اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبي الرحمة ، يا محمد ، إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ، اللهم شفِّعه فيَّ وشفِّعني فيه ) ، فذهب الرجل وتوضَّأ ودعا بما علَّمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياه ، وتوسَّل بالتوسل الذي تضمَّنه هذا التعليم النبوي ، ومرجعه إلى أنه توسَّلَ بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهو قوله : ( اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبي الرحمة ، يا محمد ، إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ) . كأنه يقول له : يا رسول الله ، أنت خير مَن وعد ووفى ؛ فقد وعَدْتَني بأن تدعو لي ، وأمرتني بأن أصلي وأدعو ، فها أنا صليت الركعتين وتوجَّهت إلى الله - عز وجل - بهذا الدعاء ، فالآن ساعدني أعنِّي على قضاء حاجتي .
الحديث كله كما هو مشروح في رسالتنا " التوسل أنواعه وأحكامه " يدور على التوسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بشخصه ، ولا أريد الآن الخوض في هذه المسألة ؛ لا سيما وهي مشروحة في تلك الرسالة ، وإنما قصدت بالتذكير بهذا الحديث بالفرق بين شخص وآخر ، بالفرق بين امرأة عجوز سوداء تصبر وشخص آخر لا يصبر ، فيطلب من الرسول - عليه السلام - أن يدعو له ، فيدعو له فعلًا ؛ لأنه وَعَدَه فيعود الأعمى بصيرًا .
هذه كرامة من الله - عز وجل - لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ، ومعجزة له لن تتكرَّر مهما توسَّل المتوسِّلون ، ومهما دعا المبطلون بمثل هذا الدعاء ، فإنما هم مغالطون لأنفسهم ؛ ذلك لأن في الدعاء يقول الداعي : ( اللهم إني توجَّهت إليك بنبيِّك لِتعافِيَني ، يا محمد ) يخاطب الرسول - عليه السلام - ، يقول : ( إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ، اللهم فشفِّعني فيه ، وشفِّعه فيَّ ) ، الآن هذه الشفاعة المتبادلة مستحيلة ؛ ولذلك فأقول : مَهْما دعا هؤلاء المبطلون الذين يتأوَّلون الحديث بخلاف تأويله الصحيح ، فهذا التاريخ أربعة عشر قرنًا ، والمبتلون بالعمى بالملايين ليس بالألوف لن تتكرَّر هذه الحادثة ؛ لماذا ؟ لأنه لا يوجد هناك مَن يدعو وبهذا الدعاء خاصَّة ؛ لا ، لأنه لا نبي بعده - عليه السلام - .
فإذًا نأخذ عبرة من هذه القصة فيجب أن نتمثَّل فيما نُبتلى به بهذه المرأة السوداء ؛ حيث اكتسبت الجنة بصبرها على بلائها ، أما ذاك فالله أعلم به ، وإنما لم يتعاط السبب الذي يكتسب به الأجر ألا وهو الصبر ، فنسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من الصابرين ، (( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) .
عم يذكِّرنا الأستاذ علي بفارقة مخجلة مؤسفة ، هذه المرأة تتكشَّف مضطرَّة ، ومع ذلك فهي تتعاطى الأسباب الممكنة لتتخلَّص من هذا الانكشاف الذي ليس لها فيه كسب ولا إرادة ، وآخر وسيلة عندها أن تأتي نبيَّها - عليه الصلاة والسلام - ، فتطلب منه أن يدعو الله لها لِيُعافيها من هذا الصَّرع الذي ينتج منه الانكشاف المذكور ، ثم تطلب من الرسول - عليه السلام - أخيرًا لما آثرت البقاء في هذا البلاء احتسابًا للجنة ، ادعُ الله لي ألَّا أنكشف ، فهذه امرأة تنكشف رغم أنفها ؛ مع ذلك تطلب من نبيِّها أن يدعو الله لها ؛ فأين هذا ؟ وأين نساؤنا اليوم اللاتي يتكشَّفن قصدًا ؟ وليس هذا فقط ، وإنما يتكشَّفن حبًّا وظهورًا وتبرُّجًا وتفاخرًا على بنات جنسها ، أين هذه النسوة من تلك المرأة السوداء ؟! هكذا يعني يتفاضل الناس في الإيمان وفي الابتعاد عن التجاوب عن الإيمان الصحيح .
الآن نعود إلى الإجابة عن بعض الأسئلة في حدود ما نستطيع من الإجابة .
لذلك ينبغي أن تتركَّز معاني هذه الأحاديث في نفوسنا حتى تُساعِدَنا أن نحيا في حياتنا الدنيا هذه حياة سعيدة ولو كان الكفار والمنافقون ممَّن لا يؤمنون إيماننا ولا يشاركوننا في ديننا يظنُّون أننا نعيش حياة صعبة ضنكة ، والحقيقة خلاف ذلك كما يشهد بذلك أوَّلًا واقعنا نحن معشر المسلمين ، وبعد ذلك من الناحية الإيمانية وإن كان هو الأصل يأتي الخبر الإلهي ليقول : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) ، أما مَن آمَنَ بالله - عز وجل - (( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )) ؛ فليس معنى (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) أنه لا ينبغي أن يكون غنيًّا ، لا ينبغي أن يكون مرفَّهًا ، لا ينبغي أن يكون متمتِّعًا بكل زخارف الدنيا ؛ لا ، بل قد يكون الأمر كذلك ، ومع ذلك فَهُم - هؤلاء الكفار - يعيشون كما قال - تعالى - : (( مَعِيشَةً ضَنْكًا )) ، والواقع يشهد لا سيما بالنسبة للطبقة المثقَّفة من الناس الذين يتتبَّعون أخبار العالم الكافر الأوروبي والأمريكي كيف أن الدنيا تفتَّحت لهم وكلما ازدادوا منها ازدادوا معيشة ضنكًا ، وصدق الله العظيم ، أما المؤمن فتجده ولو كان يعيش في ضنك من العيش المادي فهو قرير العين مطمئنُّ النفس ، لا يضجر ولا يتأفَّف ؛ ذلك لأن الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث مسلم : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ، هذا من الناحية المادية ، الدنيا سجن المؤمن يعيش فيها كما يعيش السجين ، لكن يا تُرى ماذا يبتغي السجين عادةً أن ينطلق من هذه الدار الذي أُلقِيَ فيها وهي دار ضيقة إلى دار واسعة ؟!
فلما كان المؤمن يؤمن بما جاء في الشرع من البعث والنشور وجنَّة عرضها السماوات والأرض فهو لا يكاد يصدِّق أن يخرج من هذا السجن إلى تلك الأرض الطيبة الواسعة ؛ بخلاف الكافر ؛ فهو يعيش في جنة من الناحية المادية ، لكن من الناحية النفسية كما سمعتم الآية السابقة . أعود فأقول : ينبغي أن نتذكَّر معاني هذه الأحاديث حتى نحيا هذه الحياة السعيدة الطيبة .
وأريد أن ألفت النظر إلى شيء آخر بمناسبة عرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذه المرأة وتخييره إياها بين أن تصبر وبين ، بين أن تصبر ولها الجنة ، وبين أن يدعو لها ؛ فهي اختارت الجنة ، واختارت الصبر المؤدي إلى الجنة ؛ أريد أن أذكِّر بأن الناس تختلف طبائعهم ويختلف صبرهم ، فهذه امرأة كانت من هذه الحيثية من حيث أنها اختارت الصبر على بلاء الله - عز وجل - كانت خيرًا من ذاك الرجل ، وهذا خلاف القاعدة ، القاعدة أن الرجال خير من النساء ، ولكن لكل قاعدة شواذ ، وهذا من هذا القبيل ، ذاك الرجل المعروف قصَّته والتي يلهج بها الذين يتوسلون إلى الله - تبارك وتعالى - بالعباد بالأولياء والصالحين ، ذلك الرجل الأعمى الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضًا يشكو له عَمَاه ، ويطلب منه - عليه الصلاة والسلام - أن يدعو له تمامًا كما فعلت المرأة السوداء ، والرسول - عليه السلام - موقفه يطَّرد ولا يختلف من حيث نصحه للأمة ، لا فرق عنده بين الرجال والنساء ، فكما قال هنا للمرأة : ( إن شئتِ صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت ) ؛ كذلك قال للرجل تمامًا قال : ( إن شئتَ صبرتَ وهو خير لك ، وإن شئتَ دعوتٌ ) . قال : لا ، فادع .
لم يصبر الرجل ، يريد أن يتمتَّع بأن ينظر ويرى كما ينظر الناس ويرون ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - ذلك التعليم الذي توارَدَه الناس وتوارثوه في كتب السنة ؛ حيث قال - عليه السلام - : ( إئتِ الميضأة وتوضَّأ وصلِّ لله ركعتين ، ثم : قل اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبي الرحمة ، يا محمد ، إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ، اللهم شفِّعه فيَّ وشفِّعني فيه ) ، فذهب الرجل وتوضَّأ ودعا بما علَّمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياه ، وتوسَّل بالتوسل الذي تضمَّنه هذا التعليم النبوي ، ومرجعه إلى أنه توسَّلَ بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهو قوله : ( اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبي الرحمة ، يا محمد ، إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ) . كأنه يقول له : يا رسول الله ، أنت خير مَن وعد ووفى ؛ فقد وعَدْتَني بأن تدعو لي ، وأمرتني بأن أصلي وأدعو ، فها أنا صليت الركعتين وتوجَّهت إلى الله - عز وجل - بهذا الدعاء ، فالآن ساعدني أعنِّي على قضاء حاجتي .
الحديث كله كما هو مشروح في رسالتنا " التوسل أنواعه وأحكامه " يدور على التوسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بشخصه ، ولا أريد الآن الخوض في هذه المسألة ؛ لا سيما وهي مشروحة في تلك الرسالة ، وإنما قصدت بالتذكير بهذا الحديث بالفرق بين شخص وآخر ، بالفرق بين امرأة عجوز سوداء تصبر وشخص آخر لا يصبر ، فيطلب من الرسول - عليه السلام - أن يدعو له ، فيدعو له فعلًا ؛ لأنه وَعَدَه فيعود الأعمى بصيرًا .
هذه كرامة من الله - عز وجل - لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ، ومعجزة له لن تتكرَّر مهما توسَّل المتوسِّلون ، ومهما دعا المبطلون بمثل هذا الدعاء ، فإنما هم مغالطون لأنفسهم ؛ ذلك لأن في الدعاء يقول الداعي : ( اللهم إني توجَّهت إليك بنبيِّك لِتعافِيَني ، يا محمد ) يخاطب الرسول - عليه السلام - ، يقول : ( إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ، اللهم فشفِّعني فيه ، وشفِّعه فيَّ ) ، الآن هذه الشفاعة المتبادلة مستحيلة ؛ ولذلك فأقول : مَهْما دعا هؤلاء المبطلون الذين يتأوَّلون الحديث بخلاف تأويله الصحيح ، فهذا التاريخ أربعة عشر قرنًا ، والمبتلون بالعمى بالملايين ليس بالألوف لن تتكرَّر هذه الحادثة ؛ لماذا ؟ لأنه لا يوجد هناك مَن يدعو وبهذا الدعاء خاصَّة ؛ لا ، لأنه لا نبي بعده - عليه السلام - .
فإذًا نأخذ عبرة من هذه القصة فيجب أن نتمثَّل فيما نُبتلى به بهذه المرأة السوداء ؛ حيث اكتسبت الجنة بصبرها على بلائها ، أما ذاك فالله أعلم به ، وإنما لم يتعاط السبب الذي يكتسب به الأجر ألا وهو الصبر ، فنسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من الصابرين ، (( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) .
عم يذكِّرنا الأستاذ علي بفارقة مخجلة مؤسفة ، هذه المرأة تتكشَّف مضطرَّة ، ومع ذلك فهي تتعاطى الأسباب الممكنة لتتخلَّص من هذا الانكشاف الذي ليس لها فيه كسب ولا إرادة ، وآخر وسيلة عندها أن تأتي نبيَّها - عليه الصلاة والسلام - ، فتطلب منه أن يدعو الله لها لِيُعافيها من هذا الصَّرع الذي ينتج منه الانكشاف المذكور ، ثم تطلب من الرسول - عليه السلام - أخيرًا لما آثرت البقاء في هذا البلاء احتسابًا للجنة ، ادعُ الله لي ألَّا أنكشف ، فهذه امرأة تنكشف رغم أنفها ؛ مع ذلك تطلب من نبيِّها أن يدعو الله لها ؛ فأين هذا ؟ وأين نساؤنا اليوم اللاتي يتكشَّفن قصدًا ؟ وليس هذا فقط ، وإنما يتكشَّفن حبًّا وظهورًا وتبرُّجًا وتفاخرًا على بنات جنسها ، أين هذه النسوة من تلك المرأة السوداء ؟! هكذا يعني يتفاضل الناس في الإيمان وفي الابتعاد عن التجاوب عن الإيمان الصحيح .
الآن نعود إلى الإجابة عن بعض الأسئلة في حدود ما نستطيع من الإجابة .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 302
- توقيت الفهرسة : 00:00:01
- نسخة مدققة إملائيًّا