حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( خمسٌ مَن فَعَلَ واحدةً منهنَّ كان ضامنًا على الله - عز وجل - : مَن عاد مريضًا ، أو خرج مع جنازة ، أو خرج غازيًا ، أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره ، أو قعدَ في بيته فسَلِمَ الناس منه وسَلِمَ من الناس ) .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الذي بعده يُشبه ما قبله مع اختلاف الخصال في بعضها ، وهو - أيضًا - من الأحاديث الصحيحة قال : وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( خمسٌ مَن فعل واحدةً منهنَّ كان ضامنًا على الله - عز وجل - ) . هذا فيه توسعة على الناس أكثر من الحديث السالف ، الحديث السابق اشترط أن يعمل في يوم واحد خمس خصال ليكون له هذه الفضيلة المذكورة في الحديث ؛ وهو أن يُكتَبَ من أهل الجنة ، أما في حديثنا الآن فالله - عز وجل - يزيد عباده المؤمنين فضلًا من عنده لِأَن يقول على لسان نبيِّه : ( خمسٌ مَن فَعَلَ واحدةً منهنَّ كان ضامنًا على الله - عز وجل - : مَن عاد مريضًا ، أو خرج مع جنازة ، أو خرج غازيًا ، أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره ، أو قعدَ في بيته فسَلِمَ الناس منه وسَلِمَ من الناس ) رواه أحمد والطبراني واللفظ له وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " ، وروى أبو داود نحوه من حديث أبي أمامة ، وتقدَّم في الأذكار .
( خمسٌ مَن فعل واحدة منهنَّ كان ضامنًا على الله - عز وجل - ) ؛ أي : كان له ضمان عند الله - عز وجل - أن يُدخِلَه الجنة وأن يُعيذَه من النار ، ( مَن عاد مريضًا ، أو خرج مع جنازة ، أو خرج غازيًا ) ، هذا يُقال فيه كما قيل في الخصلة الأخيرة من الحديث السابق : ( وأعتق رقبة ) ، لا سبيل اليوم إلى الخروج المذكور في هذا الحديث - مع الأسف الشديد - كما هو معلوم لدى الجميع .
خصلة أخرى لعلها - أيضًا - ممكنة ولكنها صعبة التحقيق ، ( أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره ) ، أقول : لعله صعب ، لعله غير ممكن ؛ لأن الإمام إذا أُطلِقَ في اللغة العربية الشرعية إنما يُقصد به الإمام المُبايَع البيعة الإسلامية المعروفة على السمع والطاعة في غير معصية ، هذا - مع الأسف - غير موجود في العالم الإسلامي اليوم ، وعسى أن يعود إلى المسلمين كما قلنا آنفًا مجدهم وعزُّهم ؛ وذلك بأن يكون عليهم خليفة مسلم يحكم بينهم بما أنزل . هذه الخصلة هي أن يدخل المسلم على مثل هذا الإمام المذكور أو المشار إليه آنفًا : ( يريد تعزيره وتوقيره ) ، التعزير هنا هو عين التوقير ، فقوله : ( تعزيره وتوقيره ) ، فقوله : ( وتوقيره ) عطف بيان وتفسير للتعزير المذكور في الحديث ؛ ذلك لأنه لفظة التعزير في اللغة من ألفاظ الأضداد ، وهذا منه أمثلة كثيرة في اللغة العربية ، لفظة واحدة تُعطي معنيَين متعاكسين يفسِّره ويحدِّده السياق والسباق ، هنا فُسِّر بلفظ مُرادف للمعنى المُراد هنا ، فالتعزير تعرفون - مثلًا - من الأحكام الشرعية في كتاب الحدود باب اسمه : " باب التعزير " ، والمقصود به تأديب لِمَن ارتكب خطأً شرعيًّا وليس عليه حدٌّ منصوص عليه في الشرع ، فيُعزِّره الإمام الحاكم بما يراه أو بما يرى فيه تأديبه ، هذا اسمه تعزير ؛ فهل في هذا التعزير توقير ؟ العكس ؛ فيه شيء من الإهانة .
ولذلك فالتعزير يأتي بمعنيين : بمعنى الإهانة وبمعنى الإكرام والتوقير ، هذا المعنى الثاني هو الذي أُريدَ به هنا ، والدليل على ذلك واضح من حيث عطف وتوقيره على تعزيره .
ويقول أهل العلم : كيف يكون التعزير من ألفاظ التضاد أو الأضداد مع هذا الفرق في المعنى ؟
يقولون : لأن هناك قدرًا مشتركًا ؛ فالتعزير سواء كان بمعنى التوقير الذي أُريدَ به هنا أو كان بمعنى يستلزم شيئًا من الإهانة ؛ ففي كلٍّ من المعنيين قدر مشترك ؛ وهو المنع ؛ فحينما يدخل الداخل على الإمام يريد تعزيره وتوقيره يريد أن يمنعَ عنه أيَّ شيء يؤذيه ؛ لذلك فمعنى التعزير هنا متحقَّق لكن بهذا التفصيل . كذلك حينما يُنفَّذ في مخطئ ما أو مذنبٍ ما حدٌّ غير منصوص عليه وإنما من باب التعزير ؛ أيضًا يُقصَد بهذا التعزير منع هذا الذي عُزِّرَ من أن يعود مرة أخرى إلى فعلتِه السوأى .
إذًا ففي كلٍّ من المعنيين قدر مشترك سواء قُصِد به التوقير أو قُصِد به الإهانة ، إذا قُصِد به التوقير قُصِد منع ما يُؤذي الموقَّر ، وإذا قُصد به معنى الإهانة قُصِد به منع هذا الذي يُهان بالتعزير أن يعود إلى فعلته السيئة .
ثم قال عطفًا على ما سبق وهي الخصلة الخامسة والأخيرة : ( أو قَعَدَ في بيته فسَلِمَ الناس منه وسَلِمَ من الناس ) ؛ هو ، ويبدو أن هذه الفقرة الأخيرة هي ليست في كل زمان وفي كل مكان ، وإنما في زمن الفتن ؛ ذلك لأنه من المعلوم في الإسلام أن الإسلام مبني على المخالطة الذي يستلزم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومَن كان قعيدَ البيت فهو لا يحظى بمثل هذه الفضائل ؛ ولا سيما وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ؛ فهذا هو الأصل في المسلم أن يكون اجتماعيًّا ، ولكن ليس اجتماعيًّا بالطبع كما يقولون في علم الاجتماع ؛ لأن الاجتماعي في الطبع ليس له حدود هناك يلتزمها ونواحي أخرى يجتنبها ، وإنما يكون اجتماعيًّا بالشرع حيث أمره الشرع يقف ، وحيث أمره يتقدَّم يتقدَّم ، وهكذا .
فالأصل في المسلم أن يكون هكذا اجتماعيًّا ، إلا في ظروف طارئة ؛ ففي هذه الظروف يأتي حكم يُناسب الحال ، ففي فهمي لهذا الحديث أن الفقرة الأخيرة تنطبق في زمن الفتن التي يغلب فيها على المسلم أنه إذا خالط أُصِيبَ بضرر في دينه أو في عرضه ؛ ولذلك فلا بد من قياس ونظر في الموضوع بحيث لا ننسى هذه المنقبة فنطرِّد القاعدة السابقة : ( المؤمن الذي خالط الناس ) إلى آخره ، فالتطريد هذه القاعدة ينسِّينا هذه المنقبة ، وتطريد هذه المنقبة ينسينا تلك القاعدة ؛ ولذلك فلا بد للمسلم من أن يكون حكيمًا يزين الأمور بميزان دقيق ، أقول هذا لأن كثيرًا من الناس منذ مئات السنين ، منذ قرون طويلة كتبوا كتبًا وألَّفوا رسائل في الحضِّ على العزلة ، فكتاب " الإحياء " - " إحياء علوم الدين " - للغزالي من كتبه كتاب عنوانه كتاب " العزلة " ، وللإمام الخطَّابي المحدث اللغوي المشهور كتاب خاص - أيضًا - في " العزلة " مطبوع .
فهنا يجري مناقشات كثيرة وكثيرة جدًّا بين الذين يميلون بطبيعتهم إلى العزلة وهم على الغالب من الصوفية ؛ يجري بين هؤلاء نقاش طويل وبين أهل العلم الذين يتولَّون دائمًا مخالطة المجتمع والقيام بما أمَرَ الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود الاستطاعة كما قال - عليه السلام - : ( من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع ) إلى آخر الحديث .
فكانت المناقشة تجري بين الفريقين ما بين مفضِّلٍ للعزلة وما بين مرجِّحٍ للمخالطة ، وكان الصواب مِن بين المذهبين هو التفصيل الذي أشرتُ إليه آنفًا ، إذا خالط المسلم مجتمعه وعاد ذلك عليه بالضرر الأكبر والأكثر ؛ فهنا محلُّ العزلة ، ويلزم بيته ، ويسلم من أذى الناس ويسلم الناس من أذاه ، وإن كان العكس ؛ لأن الفوائد تحصل من مخالطته للمجتمع أكثر من انطوائه على نفسه وجلوسه في بيته ؛ فحينئذٍ المخالطة أفضل من هذا الجلوس .
( خمسٌ مَن فعل واحدة منهنَّ كان ضامنًا على الله - عز وجل - ) ؛ أي : كان له ضمان عند الله - عز وجل - أن يُدخِلَه الجنة وأن يُعيذَه من النار ، ( مَن عاد مريضًا ، أو خرج مع جنازة ، أو خرج غازيًا ) ، هذا يُقال فيه كما قيل في الخصلة الأخيرة من الحديث السابق : ( وأعتق رقبة ) ، لا سبيل اليوم إلى الخروج المذكور في هذا الحديث - مع الأسف الشديد - كما هو معلوم لدى الجميع .
خصلة أخرى لعلها - أيضًا - ممكنة ولكنها صعبة التحقيق ، ( أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره ) ، أقول : لعله صعب ، لعله غير ممكن ؛ لأن الإمام إذا أُطلِقَ في اللغة العربية الشرعية إنما يُقصد به الإمام المُبايَع البيعة الإسلامية المعروفة على السمع والطاعة في غير معصية ، هذا - مع الأسف - غير موجود في العالم الإسلامي اليوم ، وعسى أن يعود إلى المسلمين كما قلنا آنفًا مجدهم وعزُّهم ؛ وذلك بأن يكون عليهم خليفة مسلم يحكم بينهم بما أنزل . هذه الخصلة هي أن يدخل المسلم على مثل هذا الإمام المذكور أو المشار إليه آنفًا : ( يريد تعزيره وتوقيره ) ، التعزير هنا هو عين التوقير ، فقوله : ( تعزيره وتوقيره ) ، فقوله : ( وتوقيره ) عطف بيان وتفسير للتعزير المذكور في الحديث ؛ ذلك لأنه لفظة التعزير في اللغة من ألفاظ الأضداد ، وهذا منه أمثلة كثيرة في اللغة العربية ، لفظة واحدة تُعطي معنيَين متعاكسين يفسِّره ويحدِّده السياق والسباق ، هنا فُسِّر بلفظ مُرادف للمعنى المُراد هنا ، فالتعزير تعرفون - مثلًا - من الأحكام الشرعية في كتاب الحدود باب اسمه : " باب التعزير " ، والمقصود به تأديب لِمَن ارتكب خطأً شرعيًّا وليس عليه حدٌّ منصوص عليه في الشرع ، فيُعزِّره الإمام الحاكم بما يراه أو بما يرى فيه تأديبه ، هذا اسمه تعزير ؛ فهل في هذا التعزير توقير ؟ العكس ؛ فيه شيء من الإهانة .
ولذلك فالتعزير يأتي بمعنيين : بمعنى الإهانة وبمعنى الإكرام والتوقير ، هذا المعنى الثاني هو الذي أُريدَ به هنا ، والدليل على ذلك واضح من حيث عطف وتوقيره على تعزيره .
ويقول أهل العلم : كيف يكون التعزير من ألفاظ التضاد أو الأضداد مع هذا الفرق في المعنى ؟
يقولون : لأن هناك قدرًا مشتركًا ؛ فالتعزير سواء كان بمعنى التوقير الذي أُريدَ به هنا أو كان بمعنى يستلزم شيئًا من الإهانة ؛ ففي كلٍّ من المعنيين قدر مشترك ؛ وهو المنع ؛ فحينما يدخل الداخل على الإمام يريد تعزيره وتوقيره يريد أن يمنعَ عنه أيَّ شيء يؤذيه ؛ لذلك فمعنى التعزير هنا متحقَّق لكن بهذا التفصيل . كذلك حينما يُنفَّذ في مخطئ ما أو مذنبٍ ما حدٌّ غير منصوص عليه وإنما من باب التعزير ؛ أيضًا يُقصَد بهذا التعزير منع هذا الذي عُزِّرَ من أن يعود مرة أخرى إلى فعلتِه السوأى .
إذًا ففي كلٍّ من المعنيين قدر مشترك سواء قُصِد به التوقير أو قُصِد به الإهانة ، إذا قُصِد به التوقير قُصِد منع ما يُؤذي الموقَّر ، وإذا قُصد به معنى الإهانة قُصِد به منع هذا الذي يُهان بالتعزير أن يعود إلى فعلته السيئة .
ثم قال عطفًا على ما سبق وهي الخصلة الخامسة والأخيرة : ( أو قَعَدَ في بيته فسَلِمَ الناس منه وسَلِمَ من الناس ) ؛ هو ، ويبدو أن هذه الفقرة الأخيرة هي ليست في كل زمان وفي كل مكان ، وإنما في زمن الفتن ؛ ذلك لأنه من المعلوم في الإسلام أن الإسلام مبني على المخالطة الذي يستلزم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومَن كان قعيدَ البيت فهو لا يحظى بمثل هذه الفضائل ؛ ولا سيما وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ؛ فهذا هو الأصل في المسلم أن يكون اجتماعيًّا ، ولكن ليس اجتماعيًّا بالطبع كما يقولون في علم الاجتماع ؛ لأن الاجتماعي في الطبع ليس له حدود هناك يلتزمها ونواحي أخرى يجتنبها ، وإنما يكون اجتماعيًّا بالشرع حيث أمره الشرع يقف ، وحيث أمره يتقدَّم يتقدَّم ، وهكذا .
فالأصل في المسلم أن يكون هكذا اجتماعيًّا ، إلا في ظروف طارئة ؛ ففي هذه الظروف يأتي حكم يُناسب الحال ، ففي فهمي لهذا الحديث أن الفقرة الأخيرة تنطبق في زمن الفتن التي يغلب فيها على المسلم أنه إذا خالط أُصِيبَ بضرر في دينه أو في عرضه ؛ ولذلك فلا بد من قياس ونظر في الموضوع بحيث لا ننسى هذه المنقبة فنطرِّد القاعدة السابقة : ( المؤمن الذي خالط الناس ) إلى آخره ، فالتطريد هذه القاعدة ينسِّينا هذه المنقبة ، وتطريد هذه المنقبة ينسينا تلك القاعدة ؛ ولذلك فلا بد للمسلم من أن يكون حكيمًا يزين الأمور بميزان دقيق ، أقول هذا لأن كثيرًا من الناس منذ مئات السنين ، منذ قرون طويلة كتبوا كتبًا وألَّفوا رسائل في الحضِّ على العزلة ، فكتاب " الإحياء " - " إحياء علوم الدين " - للغزالي من كتبه كتاب عنوانه كتاب " العزلة " ، وللإمام الخطَّابي المحدث اللغوي المشهور كتاب خاص - أيضًا - في " العزلة " مطبوع .
فهنا يجري مناقشات كثيرة وكثيرة جدًّا بين الذين يميلون بطبيعتهم إلى العزلة وهم على الغالب من الصوفية ؛ يجري بين هؤلاء نقاش طويل وبين أهل العلم الذين يتولَّون دائمًا مخالطة المجتمع والقيام بما أمَرَ الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود الاستطاعة كما قال - عليه السلام - : ( من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع ) إلى آخر الحديث .
فكانت المناقشة تجري بين الفريقين ما بين مفضِّلٍ للعزلة وما بين مرجِّحٍ للمخالطة ، وكان الصواب مِن بين المذهبين هو التفصيل الذي أشرتُ إليه آنفًا ، إذا خالط المسلم مجتمعه وعاد ذلك عليه بالضرر الأكبر والأكثر ؛ فهنا محلُّ العزلة ، ويلزم بيته ، ويسلم من أذى الناس ويسلم الناس من أذاه ، وإن كان العكس ؛ لأن الفوائد تحصل من مخالطته للمجتمع أكثر من انطوائه على نفسه وجلوسه في بيته ؛ فحينئذٍ المخالطة أفضل من هذا الجلوس .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 292
- توقيت الفهرسة : 00:35:41
- نسخة مدققة إملائيًّا