حكم صلاة الرجال والنساء مختلطين في المسجد الحرام ، وحكم السترة فيه .
A-
A=
A+
الحويني : ما حكم الصلاة في المسجد الحرام مع التصاق الرجال والنساء ؟ وحكم السترة فيه ؟
الشيخ : لا شكَّ أن هذه من الأمور التي يتساهل فيها بعض الناس ، سواء كانوا رجالًا أو نساءً ، والغالب أن الخطأ من النساء ، وليس من الرجال ؛ لأنَّهنَّ يتقدَّمن ويختلطن مع الرجال ، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول : ( خير صفوف الرجال أوَّلها ، وشرُّها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرُّها أوَّلها ) ، ففي هذا الحديث حضُّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء على أن يتأخَّرن عن الرجال مهما وسعهم الأمر واتسعت بهن أرض المسجد ، فإذا ما تعدَّت النساء صفوفهنَّ وتقدَّمن إلى صفوف الرجال ، وكما قيل قديمًا - اختلط الحابل بالنَّابل - ؛ حينئذٍ المسؤولية إنما تقع على المعتدي ، فإذا كان المعتدي إنما هي المرأة - كما هو الغالب - ؛ فالإثم عليها ، وإذا كان المعتدي هو الرجل ؛ بمعنى هو الذي خالط صفَّ النساء أو صفوفهنَّ ؛ فيكون الإثم عليه .
أما الصلاة ففي كل من الحالتين - أي سواء كان المعتدي المرأة أو الرجل - ؛ فالصلاة صحيحة ، لأنه لا يوجد في السنة فضلًا عن الكتاب ، بل ولا في الآثار السلفية التي نستنير بها في فهم الكتاب والسنة - كما نذكر دائمًا أبدًا - ؛ لا يوجد في شيء من ذلك ما يدلُّ على بطلان صلاة من حاذَ المرأةَ أو مَن حاذته المرأةُ ، لا شيء من ذلك سوى مخالفة نظام تسوية الصفوف ، هذا النظام الذي سمعتموه آنفًا في حديث : ( خير صفوف الرجال أوَّلها ، وشرُّها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرُّها أوَّلها ) ، هذه المخالفة تستلزم الإثم والمعصية ، ولا تستلزم بطلان الصلاة ؛ لأن البطلان حكمٌ مستقلٌّ لا بد له من دليل خاص ، وهذا فيما علمنا مما لا وجود له ، نقول هذا ذاكرين أن هناك في بعض المذاهب المعروفة اليوم من مذاهب أهل السنة ؛ أن المرأة إذا وقفت - حتى لو كانت هي المعتدية ! - لو حاذت الرجل بطلت صلاة الرجل ! لكن هذا إنما هو الرأي ، ولا دليل عليه في الشرع ، فحسبنا إذًا أن نذكِّر الرجال والنساء معًا ألا يقعن في الإثم ، وفي مخالفة حديث الرسول - عليه السلام - ، وبخاصة وهم جميعًا قد خرجن للحج إلى بيت الله الحرام ، هذا الحج الذي لا يستفيد منه إلا من التزم أحكام الشرع ، كما قال - تعالى - في القرآن الكريم : (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )) ، وقال - عليه الصلاة والسلام - بيانًا لمن التزم هذا النهج القرآني (( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )) ، قال - عليه الصلاة والسلام - مبيِّنًا فضيلة هذا الذي يلتزم هذا النهج بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من حجَّ فلم يرفث ، ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه ) ، فالمقصود من كل الحجاج رجالًا ونساءً ، كبارًا وصغارًا ، إذا قصدوا الحج أن يكون غايتهم من وراء ذلك أن يعودوا إلى بلادهم كما ولدتهم أمَّهاتهم ، أتقياء أنقياء من كلِّ الذنوب والآثام ، لا أن يعود أحدهم إلى بلده مفتخرًا بأنه حجَّ إلى بيت الله الحرام ، واكتسب لقب الحاج فصار الناس ينادونه بالحاج فلان !
إن من يبتغي الحصول بسبب الحج على هذا اللقب ؛ فهذا يُخشى عليه أن يعود من حجَّته بخُفَّي حنين ، أو كما قال ذلك الأعرابي لزميله يوم رجع من حجته : " وما حججتَ ولكن حجَّتِ الإبل " ، فالمقصود من الحج أن يعود المسلم تقيًّا نقيًّا كما ذكرنا ، وليس متشرِّفًا بلقب الحاج ؛ فهذا مما يُبطل العمل ؛ لأن الله - عز وجل - يقول : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) .
الحويني : بالنسبة للسترة في المسجد الحرام ؟
الشيخ : بقي السترة ، أما السترة ؛ فقضية السترة أصبحت في اليوم نسيًا منسيًّا في بلاد الإسلام كلها إلا القليل جدًّا منها ، أما في المسجد الحرام فقد كُسيت ثوبًا لا يليق بها ، لأن هذا الثوب قضى على شرعيَّتها ، لقد جاءت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث عدَّة فيها الأمر باتِّخاذ المصلي السترة في أيِّ مكان كان على الإطلاق ، سواء كان في الصحراء ، أو كان في البنيان ، أو كان في مسجد ، أو في مسجد جامع ، ولو كان المسجد الحرام ، فقد جاءت أولًا الأحاديث مطلقةً أو عامَّةً ، يقول - عليه الصلاة والسلام - في بعضها : ( إذا صلَّى أحدكم فليصلِّ إلى سترة ، لا يقطع الشيطان عليه صلاته ) ، آنفًا حينما خرجت من خيمتي إلى الصلاة رأيت بعضهم يصلي لا إلى سترة ، والسترة هي أيُّ عمود ، بل لو كان هناك شخص جالس فيمكن للمصلي أن يتخذه سترة ؛ يصلي إلى هذا الشخص ، فقوله - عليه السلام - : ( إذا صلى أحدكم ؛ فليصلِّ إلى سترة ) ، لماذا ؟ يأتي الجواب مباشرة : خشيةَ أن يقطع الشيطان عليه صلاته ؛ ( لا يقطع الشيطان عليه صلاته ) أي : خشية أن لا يقطع الشيطان عليه صلاته ، ومعنى هذا أن هناك وسائل شرعيَّة لا يُمكن للعقل البشري أن يدركَ تأثيرها ، هذه الوسائل تحول بين المصلي وبين أن يتعرَّض الشيطان لإخلال بصلاته على الأقل ، أو لإبطالها من أصلها ، فنحن نسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في هذا الحديث آمرًا لكل مصلٍّ أن يصلي إلى سترة ، وهنا أدب آخر جاء بيانه في رواية أخرى فينبغي التنبه لها ؛ ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا صلَّى أحدكم فَلْيدنُ من سترته ) ، الحديث الأول ، أو الرواية الأولى كانت : ( فليصلِّ إلى سترة ) .
لكن قد يسأل الإنسان إذا صلَّيت أنا هنا والسترة هناك ؛ فهل هذه سترة ؟ الجواب في الرواية الثانية : ( إذا صلَّى أحدكم ؛ فَلْيدنُ من سترته ) ، فلا بد أن يكون قريبًا منها ، وهذا القرب جاء بيانه - أيضًا - في السنة ، وهكذا السنة يكمِّل بعضها بعضًا ؛ فهل يقترب المصلي من السترة ، بحيث أنه يكاد أن يمسَّ برأسه السترة التي بين يديه أم لا بد أن يكون بين رأسه وبين سترته فسحة وفراغ ؟ الجواب : نعم ، لا بد أن يكون بين موضع سجود المصلي وبين السترة ممرُّ شاة ، جاء في الحديث : " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان بين مصلَّاه ، - أي: موضع سجوده - وبين السترة ممرُّ شاة " ، فإذًا لا يبتعد عنها ولا يدن منها بحيث يكاد ينطحه برأسه ، لا وإنما يجعل بينه وبينها ممرُّ شاة ، تقريبًا شبرًا أو قريبًا من شبر .
إن من أهمية هذه السترة كما سيظهر لكم تظهر هذه الأهمية في المسجد الحرام ، لكثرة ابتلاء المصلين بالمارَّة بين أيديهم ، وبخاصة مرور النساء ، فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( يقطع صلاة أحدكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرَّحل : المرأة والحمار والكلب الأسود ) ، فإذًا للسترة هذه وظيفتان ؛ الوظيفة الأولى عامَّة ، وهي أنها تحول بين الشيطان وبين أن يعرِّض صلاة هذا المصلي وراء السترة لشيء من النقصان . والأهمية الأخرى هي أنَّ هذه السترة تحول بين المصلي وبين بطلان صلاته إذا مرَّ بين يديه واحدٌ من الأمور الثلاثة ؛ المرأة ، أو الحمار ، أو الكلب الأسود ، أما إذا كان يصلي إلى سترة ؛ فلا يضرُّه بعد ذلك ما مرَّ بين يديه ، سواء كان جنسًا من هذه الأجناس الثلاثة أو كان شيئًا آخر ، أما الذي يصلي إلى لا سترة - ولو في المسجد الحرام ! - ؛ فصلاته معرَّضة للنقصان أو للبطلان على حسب الجنس الذي يمرُّ بين يدى المصلي .
هذا ما ينبغي أن نذكره بمناسبة السترة ، وأنها واجبة في كلِّ مسجد حتى المسجد الحرام ، ولذلك كان بعض السلف إذا صلى في المسجد الحرام وضع بين يديه سترةً ، ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، كما كنت ذكرت ذلك ونحوه في كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " .
نعم .
الشيخ : لا شكَّ أن هذه من الأمور التي يتساهل فيها بعض الناس ، سواء كانوا رجالًا أو نساءً ، والغالب أن الخطأ من النساء ، وليس من الرجال ؛ لأنَّهنَّ يتقدَّمن ويختلطن مع الرجال ، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول : ( خير صفوف الرجال أوَّلها ، وشرُّها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرُّها أوَّلها ) ، ففي هذا الحديث حضُّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء على أن يتأخَّرن عن الرجال مهما وسعهم الأمر واتسعت بهن أرض المسجد ، فإذا ما تعدَّت النساء صفوفهنَّ وتقدَّمن إلى صفوف الرجال ، وكما قيل قديمًا - اختلط الحابل بالنَّابل - ؛ حينئذٍ المسؤولية إنما تقع على المعتدي ، فإذا كان المعتدي إنما هي المرأة - كما هو الغالب - ؛ فالإثم عليها ، وإذا كان المعتدي هو الرجل ؛ بمعنى هو الذي خالط صفَّ النساء أو صفوفهنَّ ؛ فيكون الإثم عليه .
أما الصلاة ففي كل من الحالتين - أي سواء كان المعتدي المرأة أو الرجل - ؛ فالصلاة صحيحة ، لأنه لا يوجد في السنة فضلًا عن الكتاب ، بل ولا في الآثار السلفية التي نستنير بها في فهم الكتاب والسنة - كما نذكر دائمًا أبدًا - ؛ لا يوجد في شيء من ذلك ما يدلُّ على بطلان صلاة من حاذَ المرأةَ أو مَن حاذته المرأةُ ، لا شيء من ذلك سوى مخالفة نظام تسوية الصفوف ، هذا النظام الذي سمعتموه آنفًا في حديث : ( خير صفوف الرجال أوَّلها ، وشرُّها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرُّها أوَّلها ) ، هذه المخالفة تستلزم الإثم والمعصية ، ولا تستلزم بطلان الصلاة ؛ لأن البطلان حكمٌ مستقلٌّ لا بد له من دليل خاص ، وهذا فيما علمنا مما لا وجود له ، نقول هذا ذاكرين أن هناك في بعض المذاهب المعروفة اليوم من مذاهب أهل السنة ؛ أن المرأة إذا وقفت - حتى لو كانت هي المعتدية ! - لو حاذت الرجل بطلت صلاة الرجل ! لكن هذا إنما هو الرأي ، ولا دليل عليه في الشرع ، فحسبنا إذًا أن نذكِّر الرجال والنساء معًا ألا يقعن في الإثم ، وفي مخالفة حديث الرسول - عليه السلام - ، وبخاصة وهم جميعًا قد خرجن للحج إلى بيت الله الحرام ، هذا الحج الذي لا يستفيد منه إلا من التزم أحكام الشرع ، كما قال - تعالى - في القرآن الكريم : (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )) ، وقال - عليه الصلاة والسلام - بيانًا لمن التزم هذا النهج القرآني (( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )) ، قال - عليه الصلاة والسلام - مبيِّنًا فضيلة هذا الذي يلتزم هذا النهج بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من حجَّ فلم يرفث ، ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه ) ، فالمقصود من كل الحجاج رجالًا ونساءً ، كبارًا وصغارًا ، إذا قصدوا الحج أن يكون غايتهم من وراء ذلك أن يعودوا إلى بلادهم كما ولدتهم أمَّهاتهم ، أتقياء أنقياء من كلِّ الذنوب والآثام ، لا أن يعود أحدهم إلى بلده مفتخرًا بأنه حجَّ إلى بيت الله الحرام ، واكتسب لقب الحاج فصار الناس ينادونه بالحاج فلان !
إن من يبتغي الحصول بسبب الحج على هذا اللقب ؛ فهذا يُخشى عليه أن يعود من حجَّته بخُفَّي حنين ، أو كما قال ذلك الأعرابي لزميله يوم رجع من حجته : " وما حججتَ ولكن حجَّتِ الإبل " ، فالمقصود من الحج أن يعود المسلم تقيًّا نقيًّا كما ذكرنا ، وليس متشرِّفًا بلقب الحاج ؛ فهذا مما يُبطل العمل ؛ لأن الله - عز وجل - يقول : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) .
الحويني : بالنسبة للسترة في المسجد الحرام ؟
الشيخ : بقي السترة ، أما السترة ؛ فقضية السترة أصبحت في اليوم نسيًا منسيًّا في بلاد الإسلام كلها إلا القليل جدًّا منها ، أما في المسجد الحرام فقد كُسيت ثوبًا لا يليق بها ، لأن هذا الثوب قضى على شرعيَّتها ، لقد جاءت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث عدَّة فيها الأمر باتِّخاذ المصلي السترة في أيِّ مكان كان على الإطلاق ، سواء كان في الصحراء ، أو كان في البنيان ، أو كان في مسجد ، أو في مسجد جامع ، ولو كان المسجد الحرام ، فقد جاءت أولًا الأحاديث مطلقةً أو عامَّةً ، يقول - عليه الصلاة والسلام - في بعضها : ( إذا صلَّى أحدكم فليصلِّ إلى سترة ، لا يقطع الشيطان عليه صلاته ) ، آنفًا حينما خرجت من خيمتي إلى الصلاة رأيت بعضهم يصلي لا إلى سترة ، والسترة هي أيُّ عمود ، بل لو كان هناك شخص جالس فيمكن للمصلي أن يتخذه سترة ؛ يصلي إلى هذا الشخص ، فقوله - عليه السلام - : ( إذا صلى أحدكم ؛ فليصلِّ إلى سترة ) ، لماذا ؟ يأتي الجواب مباشرة : خشيةَ أن يقطع الشيطان عليه صلاته ؛ ( لا يقطع الشيطان عليه صلاته ) أي : خشية أن لا يقطع الشيطان عليه صلاته ، ومعنى هذا أن هناك وسائل شرعيَّة لا يُمكن للعقل البشري أن يدركَ تأثيرها ، هذه الوسائل تحول بين المصلي وبين أن يتعرَّض الشيطان لإخلال بصلاته على الأقل ، أو لإبطالها من أصلها ، فنحن نسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في هذا الحديث آمرًا لكل مصلٍّ أن يصلي إلى سترة ، وهنا أدب آخر جاء بيانه في رواية أخرى فينبغي التنبه لها ؛ ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا صلَّى أحدكم فَلْيدنُ من سترته ) ، الحديث الأول ، أو الرواية الأولى كانت : ( فليصلِّ إلى سترة ) .
لكن قد يسأل الإنسان إذا صلَّيت أنا هنا والسترة هناك ؛ فهل هذه سترة ؟ الجواب في الرواية الثانية : ( إذا صلَّى أحدكم ؛ فَلْيدنُ من سترته ) ، فلا بد أن يكون قريبًا منها ، وهذا القرب جاء بيانه - أيضًا - في السنة ، وهكذا السنة يكمِّل بعضها بعضًا ؛ فهل يقترب المصلي من السترة ، بحيث أنه يكاد أن يمسَّ برأسه السترة التي بين يديه أم لا بد أن يكون بين رأسه وبين سترته فسحة وفراغ ؟ الجواب : نعم ، لا بد أن يكون بين موضع سجود المصلي وبين السترة ممرُّ شاة ، جاء في الحديث : " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان بين مصلَّاه ، - أي: موضع سجوده - وبين السترة ممرُّ شاة " ، فإذًا لا يبتعد عنها ولا يدن منها بحيث يكاد ينطحه برأسه ، لا وإنما يجعل بينه وبينها ممرُّ شاة ، تقريبًا شبرًا أو قريبًا من شبر .
إن من أهمية هذه السترة كما سيظهر لكم تظهر هذه الأهمية في المسجد الحرام ، لكثرة ابتلاء المصلين بالمارَّة بين أيديهم ، وبخاصة مرور النساء ، فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( يقطع صلاة أحدكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرَّحل : المرأة والحمار والكلب الأسود ) ، فإذًا للسترة هذه وظيفتان ؛ الوظيفة الأولى عامَّة ، وهي أنها تحول بين الشيطان وبين أن يعرِّض صلاة هذا المصلي وراء السترة لشيء من النقصان . والأهمية الأخرى هي أنَّ هذه السترة تحول بين المصلي وبين بطلان صلاته إذا مرَّ بين يديه واحدٌ من الأمور الثلاثة ؛ المرأة ، أو الحمار ، أو الكلب الأسود ، أما إذا كان يصلي إلى سترة ؛ فلا يضرُّه بعد ذلك ما مرَّ بين يديه ، سواء كان جنسًا من هذه الأجناس الثلاثة أو كان شيئًا آخر ، أما الذي يصلي إلى لا سترة - ولو في المسجد الحرام ! - ؛ فصلاته معرَّضة للنقصان أو للبطلان على حسب الجنس الذي يمرُّ بين يدى المصلي .
هذا ما ينبغي أن نذكره بمناسبة السترة ، وأنها واجبة في كلِّ مسجد حتى المسجد الحرام ، ولذلك كان بعض السلف إذا صلى في المسجد الحرام وضع بين يديه سترةً ، ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، كما كنت ذكرت ذلك ونحوه في كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " .
نعم .
- رحلة الخير - شريط : 12
- توقيت الفهرسة : 00:22:49
- نسخة مدققة إملائيًّا