شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُم يَرتَادُونَ لأَهلِهِم فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ، فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ ، فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ ) .
A-
A=
A+
الشيخ : أما الحديث الثالث فهو صحيح - أيضًا - ، وكان قد تقدَّم معنا في أول هذا الكتاب ، فذاك الحديث هو من حديث ابن عمر ، أما هذا فهو من حديث أبي هريرة ، ومخرجه غير مخرج ذاك ، فستسمعون بعض الاختلاف بين هذا وذاك ؛ فلا يشكلنَّ الأمر عليكم ؛ لأن الرواة يزيد بعضهم على بعض ؛ يحفظ هذا شيئًا لا يحفظه ذاك ، والعكس بالعكس .
يقول : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُم يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ) . أول جملة نُفاجأ في هذه الرواية هذه الزيادة : ( يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ) ؛ لأن الحديث الذي سبقت الإشارة إليه وكان تقدَّمَ معنا في أول الكتاب ليس فيه هذه الجملة : ( بينما ثلاثةُ نفرٍ ممَّن كان قبلكم يتمشَّون إذ أصابَهم المطرُ ) إلى آخر الحديث ؛ لم يُذكر في ذاك الحديث حديث ابن عمر ما الذي أخرج هؤلاء في طريقهم في الصحراء حتى أصابَهم المطر فلجؤوا إلى الغار ، هنا يبيِّن لنا السبب فيقول : ( يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ) ؛ أي : يطلبون الرزق والمعاش يضربون في الأرض كما أمر الله - عز وجل - ، فهذا هو الذي خَرَجَ بهم ذلك المخرج ، ( فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ ) .
( فَقَالَ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ : عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ) ، هذه - أيضًا - تعبير ، أو هذا تعبير لم يرد هناك ، ( عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ، وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إلَّا اللهُ ، فَادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ، فَقَالَ أَحَدُهُم : اللَّهُمَّ إِن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّهُ كانَتِ امرَأَةٌ تُعجِبُنِي ، فَطَلَبْتُهَا ، فَأَبَتْ عَلَيَّ ، فَجَعَلْتُ لَهَا جُعلًا ، فَلَمَّا قَرَّبَتْ نَفسَهَا تَرَكتُهَا ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ ثُلُثُ الحَجَرِ . وَقالَ الآخَرُ : اللَّهُمَّ إِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي وَالِدَانِ ، فَكُنْتُ أَحلُبُ لَهُمَا في إِنَائِهِمَا ، فَإِذَا أَتَيْتُهُمَا وَهُمَا نَائِمَانِ قمْتُ حَتَّى يَستَيقِظَا ، فَإِذَا استَيقَظَا شَرِبَا ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ ثُلُثُ الحَجَرِ . وَقَالَ الثَّالِثُ : اللهُمَّ إِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي استَأجَرْتُ أَجِيرًا يَومًا فَعَمِلَ إلى نِصفَ النّهَارِ ، فَأَعطَيْتُهُ أَجرَه فَسَخِطَهُ وَلَم يَأخُذْهُ ، فَوَفَّرْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَت ذَلِكَ المَالُ ، ثُمَّ جَاءَ يَطلُبُ أَجرَهُ فَقُلْتُ : خُذْ هذَا كُلَّهُ ، وَلَو شِئْتُ لَم أُعطِهِ إِلَّا أَجرَهُ الأَوَّلَ ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ الحَجَرُ وَخَرَجُوا يَتَمَاشَونَ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمر . هكذا في نسختي ، فمَن كانت عنده كذلك فليصحِّحها وليجعَلْها من حديث ابن عمر . ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر بنحوه . وتقدَّم ؛ أي : في أول الكتاب في الإخلاص في العمل لله - عز وجل - .
نعود إلى الحديث ونتفقَّه في بعض فقراته ، ونشرح ما قد يغمض منها .
( خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُمْ ) يعني من أهل الكتاب . ( يَرتَادُونَ لأَهلِهِم فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ) ، هذا من أسلوب العرب أن يُطلق في السماء على اعتبار أنها موضع المطر على المطر ، ( فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ) يعني أصابَهم المطر ، على حدِّ قول الشاعر :
" إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرضِ قَومٍ " ، إذا نزل السماء بأرض قومٍ يعني قامت الساعة ، وإنما المقصود هنا السماء هنا المطر .
" إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرضِ قَومٍ *** رَعَيْنَاهُ وَإِن كَانُوا غِضَابَا "
( فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ) أي : المطر ، ( فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ ) أي : إلى غار في جبل ، هذا من الاختصار الذي جاء في هذا الحديث وبيانه في حديث ابن عمر المشار إليه والمتقدِّم في أول الكتاب ، ( فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ ) أي : فسدَّت عليهم الغار كما في ذاك الحديث . ( فَقَالَ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ : عَفَا الأَثَرُ ) يعني بسبب نزول الأمطار لو فَقَدَهم أهلُهم لم يستطيعوا أن يتتبَّعوا أثرهم ؛ لأن الأثر انمحى بسبب الأمطار والسيول ، فكأن هذا البعض - أي : أحدهم - يقول : إننا انقطعنا عن الدنيا ، فلا أحد يعرف أين صرنا . ( عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ) أي : الصخرة التي سدَّت عليهم الغار . ( وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إِلَّا اللهُ ؛ فَادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ) ، ولا يعلم بمكانِكم هنا إلا الله ، وأنا مرِّيت عليها ولا انتبهت لها ، وهكذا يقع للقارئ أو المصحِّح ؛ لأنُّو يقرأ أحيانًا من ذهنه .
( وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إِلَّا اللهُ ؛ [ فَادعُوا اللهَ ] بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ) هذا كما كنَّا شرحنا هناك يومئذٍ فيه شرعية التوسُّل بالعمل الصالح . ( ادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ) هناك يقول ابن عمر عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( انظروا أعمالًا عَمِلْتُمُوها صالحةً لله فادعُوا اللهَ بها ) ، على وزان قول الله - تبارك وتعالى - في القرآن : (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادعُوهُ بِهَا )) . ففي هذا الحديث حديث أبي هريرة زايد حديث ابن عمر نصٌّ على شرعية توسُّل العبد إلى الله - تبارك وتعالى - بعملٍ صالحٍ له .
يقول : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُم يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ) . أول جملة نُفاجأ في هذه الرواية هذه الزيادة : ( يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ) ؛ لأن الحديث الذي سبقت الإشارة إليه وكان تقدَّمَ معنا في أول الكتاب ليس فيه هذه الجملة : ( بينما ثلاثةُ نفرٍ ممَّن كان قبلكم يتمشَّون إذ أصابَهم المطرُ ) إلى آخر الحديث ؛ لم يُذكر في ذاك الحديث حديث ابن عمر ما الذي أخرج هؤلاء في طريقهم في الصحراء حتى أصابَهم المطر فلجؤوا إلى الغار ، هنا يبيِّن لنا السبب فيقول : ( يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ) ؛ أي : يطلبون الرزق والمعاش يضربون في الأرض كما أمر الله - عز وجل - ، فهذا هو الذي خَرَجَ بهم ذلك المخرج ، ( فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ ) .
( فَقَالَ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ : عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ) ، هذه - أيضًا - تعبير ، أو هذا تعبير لم يرد هناك ، ( عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ، وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إلَّا اللهُ ، فَادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ، فَقَالَ أَحَدُهُم : اللَّهُمَّ إِن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّهُ كانَتِ امرَأَةٌ تُعجِبُنِي ، فَطَلَبْتُهَا ، فَأَبَتْ عَلَيَّ ، فَجَعَلْتُ لَهَا جُعلًا ، فَلَمَّا قَرَّبَتْ نَفسَهَا تَرَكتُهَا ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ ثُلُثُ الحَجَرِ . وَقالَ الآخَرُ : اللَّهُمَّ إِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي وَالِدَانِ ، فَكُنْتُ أَحلُبُ لَهُمَا في إِنَائِهِمَا ، فَإِذَا أَتَيْتُهُمَا وَهُمَا نَائِمَانِ قمْتُ حَتَّى يَستَيقِظَا ، فَإِذَا استَيقَظَا شَرِبَا ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ ثُلُثُ الحَجَرِ . وَقَالَ الثَّالِثُ : اللهُمَّ إِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي استَأجَرْتُ أَجِيرًا يَومًا فَعَمِلَ إلى نِصفَ النّهَارِ ، فَأَعطَيْتُهُ أَجرَه فَسَخِطَهُ وَلَم يَأخُذْهُ ، فَوَفَّرْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَت ذَلِكَ المَالُ ، ثُمَّ جَاءَ يَطلُبُ أَجرَهُ فَقُلْتُ : خُذْ هذَا كُلَّهُ ، وَلَو شِئْتُ لَم أُعطِهِ إِلَّا أَجرَهُ الأَوَّلَ ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ الحَجَرُ وَخَرَجُوا يَتَمَاشَونَ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمر . هكذا في نسختي ، فمَن كانت عنده كذلك فليصحِّحها وليجعَلْها من حديث ابن عمر . ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر بنحوه . وتقدَّم ؛ أي : في أول الكتاب في الإخلاص في العمل لله - عز وجل - .
نعود إلى الحديث ونتفقَّه في بعض فقراته ، ونشرح ما قد يغمض منها .
( خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُمْ ) يعني من أهل الكتاب . ( يَرتَادُونَ لأَهلِهِم فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ) ، هذا من أسلوب العرب أن يُطلق في السماء على اعتبار أنها موضع المطر على المطر ، ( فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ) يعني أصابَهم المطر ، على حدِّ قول الشاعر :
" إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرضِ قَومٍ " ، إذا نزل السماء بأرض قومٍ يعني قامت الساعة ، وإنما المقصود هنا السماء هنا المطر .
" إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرضِ قَومٍ *** رَعَيْنَاهُ وَإِن كَانُوا غِضَابَا "
( فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ) أي : المطر ، ( فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ ) أي : إلى غار في جبل ، هذا من الاختصار الذي جاء في هذا الحديث وبيانه في حديث ابن عمر المشار إليه والمتقدِّم في أول الكتاب ، ( فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ ) أي : فسدَّت عليهم الغار كما في ذاك الحديث . ( فَقَالَ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ : عَفَا الأَثَرُ ) يعني بسبب نزول الأمطار لو فَقَدَهم أهلُهم لم يستطيعوا أن يتتبَّعوا أثرهم ؛ لأن الأثر انمحى بسبب الأمطار والسيول ، فكأن هذا البعض - أي : أحدهم - يقول : إننا انقطعنا عن الدنيا ، فلا أحد يعرف أين صرنا . ( عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ) أي : الصخرة التي سدَّت عليهم الغار . ( وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إِلَّا اللهُ ؛ فَادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ) ، ولا يعلم بمكانِكم هنا إلا الله ، وأنا مرِّيت عليها ولا انتبهت لها ، وهكذا يقع للقارئ أو المصحِّح ؛ لأنُّو يقرأ أحيانًا من ذهنه .
( وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إِلَّا اللهُ ؛ [ فَادعُوا اللهَ ] بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ) هذا كما كنَّا شرحنا هناك يومئذٍ فيه شرعية التوسُّل بالعمل الصالح . ( ادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ) هناك يقول ابن عمر عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( انظروا أعمالًا عَمِلْتُمُوها صالحةً لله فادعُوا اللهَ بها ) ، على وزان قول الله - تبارك وتعالى - في القرآن : (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادعُوهُ بِهَا )) . ففي هذا الحديث حديث أبي هريرة زايد حديث ابن عمر نصٌّ على شرعية توسُّل العبد إلى الله - تبارك وتعالى - بعملٍ صالحٍ له .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 283
- توقيت الفهرسة : 00:29:40
- نسخة مدققة إملائيًّا