الكلام على إجماع المسلمين ، وأنه مصدر من مصادر التشريع .
A-
A=
A+
الشيخ : ... من مصادر التشريع ، ولا يستقيم إيمان المسلم ولا فقهُه إلا بالاعتماد على هذا المصدر التالي ؛ ألا وهو إجماع المسلمين ، فهؤلاء أَتَوا إلى مثل هذه الآيات وأخذوا منه أقلَّ معنى ، وأعرضوا عن المعنى الكامل الذي أوضَحَه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بسنَّته القولية والفعلية ، هذه السنة التي تناقَلَها الخَلَف عن السلف مجمعين على ذلك ، فكان من حصيلة ذلك هذه الصلاة التي يعرِفُها المسلمون جميعًا على ما بينهم من اختلاف في بعض الهيئات أو بعض الجزئيات ، ولكنهم كلهم أجمعون قد اتَّفقوا على أن الصلاة لها أركان لا تصح الصلاة إلا بها ، فجاء هؤلاء وخالفوا إجماع المسلمين في تفسيرهم لبعض الآيات الكريمة ، منها - مثلًا - : (( أَقِيمُوا الصَّلَاةَ )) ، ومنها : (( آتُوا الزَّكَاةَ )) ، ولا أريد أن أطيل في هذا ، فحسبكم هذا المثال الذي يقوم به المسلم في كل يوم خمس مرات في الصلاة ، فهم يصلون غير صلاة المسلمين ، لماذا ؟ لأنهم أوَّلًا : كفروا بسنة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي ، وثانيًا : لأنهم أنكروا إجماع المسلمين ، وهم بذلك - أيضًا - ينكرون نصًّا من نصوص القرآن الكريم الذي زعموا أنهم تفرَّدوا دون كل المسلمين في كل هذه القرون الطويلة أنهم هم القرآنيون فقط ؛ أي : أنهم هم الذين يعلمون بالقرآن ، وهم في حقيقة الأمر إنما اتَّخذوا هذه النسبة " القرآنيين " تضليلًا لجماهير المسلمين ، وإلا فنحن نقرأ في القرآن الكريم مثل قوله - عز وجل - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) .
هذه الآية ذكرت مصدرَين كَفَرَ بهما جماعة القرآن زعموا ، المصدر الأول الرجوع إلى الرسول - عليه السلام - ، فذكر الله في نصِّ هذه الآية مهدَّدًا بقوله : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ )) ومَن يخالفه ؛ إذًا هذا يؤكد المعنى السابق من آية : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) ، هذه الآية تؤكد أنه مَن يشاقق الرسول فقد شاقَقَ الله ؛ إذًا هذه الآية تضمَّنت تأكيد المصدر الثاني الذي أنكَرَه هؤلاء القرآنيون زعموا ، ثم بتمام الآية إثبات للمصدر الثالث الذي أنكروه - أيضًا - مع المصدر الثاني ؛ وذلك في قوله - تبارك وتعالى - : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ )) هذا المصدر الثاني بعد القرآن ؛ اتباع الرسول وعدم مخالفته كما قال - عليه الصلاة والسلام - في " صحيح البخاري " : ( كلُّكم يدخل الجنة إلا مَن أبى قالوا : ومَن يأبى يا رسول الله ؟ قال : مَن أطاعني دخل الجنة ، ومَن عصاني فقد أبى ) .
إذًا هكذا تجدون السنة الصحيحة تلتقي مع القرآن الكريم ، ولكن مع الفهم الصحيح للقرآن الكريم ، وإلا فديدن كلِّ الفرق الضالة من يوم الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب إلى آخر فرقة ، وربما يأتي مِن بعدها فرقٌ أخرى ، وإنما نحن نتكلم الآن فيما نعلم إلى آخر فرقة هي فرقة القرآنيين لا يتعرَّفون في إسلامهم المزعوم إلا على القرآن ، وذلك - كما شرحت لكم - معناه إنكار - أيضًا - القرآن نفسه ؛ لأن القرآن قد جاء ينصُّ بأن من مصادر التشريع سنة الرسول - عليه السلام - وكلامه كما شرحت لكم ذلك آنفًا ، وأيضًا الآن نحن في صدد بيان أن القرآن - أيضًا - قد أسَّسَ مصدرًا ومرجعًا ثالثًا بعد السنة والحديث النبوي ؛ ألا وهو إجماع المسلمين .
في هذه الآية التي قال الله - عز وجل - فيها : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى )) هذا هو المصدر الثاني بعد القرآن ، ثم قال : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) وهذا هو المصدر الثالث ألا وهو الإجماع ، وإلا لم يكن هناك فائدة تُذكر فيما لو كان المقصود بهذه الآية من أولها إلى آخرها اتباع الرسول فقط وعدم مخالفته ؛ لم يكن هناك فائدة تُذكر مطلقًا فيما إذا فُسِّرت الآية بأن المطلوب فقط اتباع الرسول وعدم مخالفته ؛ أي : يظهر أن هناك فرقًا كبيرًا بين واقع هذه الآية حيث ذكر مصدرين اثنين كما شرحنا ، وبينما لو كانت الآية على النحو التالي : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا " ، أي : بحذف قوله - تبارك وتعالى - : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ لو كان المعنى من هذه الآية هو فقط اتباع الرسول - عليه الصلاة والسلام - وعدم مخالفته لم يذكر ربنا - عز وجل - في جملتها تلك الجملة : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ إذًا ربنا - عز وجل - أوعَدَ في هذه الآية جنسين من الناس ، وأثبَتَ في الوقت نفسه مصدرَين آخرين فوق مصدر القرآن الذي هو الأصل ، جنسين من ناس أوعَدَ فيهما ربنا - عز وجل - الأولون الذين يشاققون الرسول ويخالفونه فيما جاء فيها في سنَّته من بيان وتوضيح ، والجنس الآخر الذين يخالفون سبيل المؤمنين ، وهذا - أيضًا - ممَّا أريد أن أقِفَ حوله قليلًا كما وقفنا بكم حول السنة .
فالواقع الذي لا يمكن أن يعالج المسلمون واقعهم المؤلم اليوم إلا كما شرحنا في الأمس القريب إلا بالرجوع للكتاب والسنة ، ولكن هناك شيء ثالث وهو الذي أنا أبحث فيه الآن وهو الرجوع إلى إجماع المسلمين ؛ لأن الله - عز وجل - كما سمعتم في هذه الآية ذكر بالإضافة إلى اتباع الرسول - عليه السلام - وعدم مخالفته اتباع سبيل المؤمنين ؛ فإذًا سبيل المؤمنين مصدر آخر غير مصدر السنة ؛ فإذًا عندنا حتى الآن ثلاثة مصادر ؛ القرآن والسنة وسبيل المؤمنين ، والمقصود به إجماع المسلمين ، لكن التعبير القرآني هذا جاء كما سمعتم بلفظ سبيل المسلمين أو المؤمنين ، (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ولم يأتِ بلفظ إجماع المسلمين .
وهنا نقطة مهمة جدًّا ؛ ذلك لأن علماء الأصول حينما بحثوا في حجية الإجماع وهي ثابتة بهذا النَّصِّ القرآني وبأحاديث كثيرة ، ومنها الحديث المشهور ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ؛ لما بَحَثَ العلماء في حجية الإجماع اختلفوا اختلافًا كبيرًا جدًّا ، فبعض الغلاة من الفرق أنكروا الإجماع ، وقالوا : لا شيء هناك إلا القرآن والسنة ، وذلك لأنهم قابلوا بعض أهل السنة الذين أثبتوا الإجماع وهذا واجبهم كما نحن في صدد بيانه الآن ، ولكنهم لما عرَّفوا الإجماع جاؤوا بتعريف لا يمكن أن يتحقَّق ، من أجل ذلك قابَلَهم الآخرون فقالوا : لا إجماع ؛ لأن هذا لا يمكن أن يتحقَّق ؛ ذلك أنهم قالوا - أعني بعض علماء الأصول - : الإجماع هو إجماع أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بحيث لا يشذُّ منهم ولا فرد ، هكذا أطلقوا إجماع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل في هذا الإطلاق العلماء فَمَن دونَهم ، قالوا - أي : المخالفون والمنكرون للإجماع - : هذا لا يمكن أن يُتصوَّر ، ولذلك ، أن نتصوَّر أنه لا يخالف فرد من أفراد المسلمين ما اتَّفق عليه جماهير المسلمين هذا لا يمكن أن يُتصوَّر ؛ لذلك عدَّلَ هذا الإجماع أو هذا التعريف للإجماع بعضهم فقالوا : الإجماع الذي هو حجة ومصدر ثالث هو إجماع علماء المسلمين ، وهذا فيه تقييد بالغ كما ترون للنَّصِّ أو التعريف الأول ، بين كان تعريف الإجماع إجماع المسلمين قاطبة ، فعدَّلوا هذا التعريف العام إلى التعريف الأخصِّ ؛ فقالوا : إجماع علماء المسلمين ، وهذا فرق أقرب إلى العقل وإلى أن يكون واقعًا وممكنًا .
ولكن مع ذلك لا تزال المشكلة قائمة ؛ فإن إجماع علماء المسلمين وهم متفرِّقون في مختلف البلاد - أيضًا - هذا أمر متعذِّر لا يمكن تحقيقه ، مَن الذي كان يستطيع في الأزمنة الأولى حينما كانت الوسائل وسائل التنقُّل والاتصال بالناس بدائية ، لم يكن هناك إلا الدواب ، لم تكن هناك الوسائل العصرية المعروفة اليوم ، ولا نطيل في هذا فنقول : العصر الحاضر مع تيسُّر وسائل النقل من = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = من الهاتف لاسلكي وغير اللاسلكي ونحو ذلك والإذاعات هذه المختلفة ، هل يمكن أن نعرف رأي كل عالم في الدنيا ؟ هذا مستحيل ؛ لا سيما لو استحضرنا المثل العربي القديم : " في الزوايا خبايا " ، قد يكون هناك علماء من فحول العلماء لكنهم مغمورون في المجتمع لا أحد يلتفت إليهم ، وهم قابعون في بيوتهم يتَّصل بهم بعض الناس فيستفيدون منهم علمًا غزيرًا ، لكن هذا المجتمع لا علم عنده به ، فلا يُسأل ولا يُؤخذ رأيه في المسألة التي يُراد الإجماع عليها ؛ لذلك حتى تعريف الإجماع بهذا القيد لم يُقبَلْ عند كثير من علماء الأصول المفكرين ، بل قالوا : هذا تقريبًا كسابقه اسم بغير جسم ، كالعنقاء لا وجود لها ، إجماع علماء المسلمين كيف يمكن أوَّلًا أن يجتمع هؤلاء في مكان واحد في صعيد واحد ، ثم إذا اجتمعوا لم يختلفوا مطلقًا ، ثم لو وَقَعَ هذا الأمر واتفقوا جميعًا مَن ينقله ويُذيعه ويشيعه في العالم ؟ هذا شيء نظري ولا يمكن أن يكون عمليًّا ؛ لذلك قُوبل الإجماع حتى هذا الإجماع المعدَّل من بعض علماء الأصول بالرفض والرَّدِّ ، قالوا : هذا لا سبيل إليه ؛ إذًا نحن نبقى عند القرآن وعند السنة فقط ، هكذا قالوا .
لكننا إذا رجعنا إلى الآية فحينئذٍ يزول الإشكال ويتبيَّن بلاغة القرآن ، وكيف يعالج المشاكل التي يدندن حولها بعض العلماء بأوجز عبارة ... الاقتصار فقط على القرآن الكريم ... حقيقيًّا ، لكن العكس من ذلك كون المسلم مهما كانت ثقافته الشرعية ضحلة قليلة فهو يعلم أن المسلمين منذ أن بَعَثَ الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا اليوم دائمًا علماؤهم طلاب العلم فيهم ... دائمًا يقولون ... فإذًا نأخذ من هذه الآية مصدرين فوق مصدر القرآن الذي هو الأصل المصدر ... مخالفته ، المصدر الثالث سبيل المؤمنين ، هذا المصدر يا إخواني ... المصدر الثاني الذي يُنكر هذا المصدر الثاني كهؤلاء القرآنيين ... منها ذكرناه آنفًا ... لما ...يأمرنا أن نتَّبع ... من البيان له ... .
هذه الآية ذكرت مصدرَين كَفَرَ بهما جماعة القرآن زعموا ، المصدر الأول الرجوع إلى الرسول - عليه السلام - ، فذكر الله في نصِّ هذه الآية مهدَّدًا بقوله : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ )) ومَن يخالفه ؛ إذًا هذا يؤكد المعنى السابق من آية : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) ، هذه الآية تؤكد أنه مَن يشاقق الرسول فقد شاقَقَ الله ؛ إذًا هذه الآية تضمَّنت تأكيد المصدر الثاني الذي أنكَرَه هؤلاء القرآنيون زعموا ، ثم بتمام الآية إثبات للمصدر الثالث الذي أنكروه - أيضًا - مع المصدر الثاني ؛ وذلك في قوله - تبارك وتعالى - : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ )) هذا المصدر الثاني بعد القرآن ؛ اتباع الرسول وعدم مخالفته كما قال - عليه الصلاة والسلام - في " صحيح البخاري " : ( كلُّكم يدخل الجنة إلا مَن أبى قالوا : ومَن يأبى يا رسول الله ؟ قال : مَن أطاعني دخل الجنة ، ومَن عصاني فقد أبى ) .
إذًا هكذا تجدون السنة الصحيحة تلتقي مع القرآن الكريم ، ولكن مع الفهم الصحيح للقرآن الكريم ، وإلا فديدن كلِّ الفرق الضالة من يوم الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب إلى آخر فرقة ، وربما يأتي مِن بعدها فرقٌ أخرى ، وإنما نحن نتكلم الآن فيما نعلم إلى آخر فرقة هي فرقة القرآنيين لا يتعرَّفون في إسلامهم المزعوم إلا على القرآن ، وذلك - كما شرحت لكم - معناه إنكار - أيضًا - القرآن نفسه ؛ لأن القرآن قد جاء ينصُّ بأن من مصادر التشريع سنة الرسول - عليه السلام - وكلامه كما شرحت لكم ذلك آنفًا ، وأيضًا الآن نحن في صدد بيان أن القرآن - أيضًا - قد أسَّسَ مصدرًا ومرجعًا ثالثًا بعد السنة والحديث النبوي ؛ ألا وهو إجماع المسلمين .
في هذه الآية التي قال الله - عز وجل - فيها : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى )) هذا هو المصدر الثاني بعد القرآن ، ثم قال : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) وهذا هو المصدر الثالث ألا وهو الإجماع ، وإلا لم يكن هناك فائدة تُذكر فيما لو كان المقصود بهذه الآية من أولها إلى آخرها اتباع الرسول فقط وعدم مخالفته ؛ لم يكن هناك فائدة تُذكر مطلقًا فيما إذا فُسِّرت الآية بأن المطلوب فقط اتباع الرسول وعدم مخالفته ؛ أي : يظهر أن هناك فرقًا كبيرًا بين واقع هذه الآية حيث ذكر مصدرين اثنين كما شرحنا ، وبينما لو كانت الآية على النحو التالي : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا " ، أي : بحذف قوله - تبارك وتعالى - : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ لو كان المعنى من هذه الآية هو فقط اتباع الرسول - عليه الصلاة والسلام - وعدم مخالفته لم يذكر ربنا - عز وجل - في جملتها تلك الجملة : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ إذًا ربنا - عز وجل - أوعَدَ في هذه الآية جنسين من الناس ، وأثبَتَ في الوقت نفسه مصدرَين آخرين فوق مصدر القرآن الذي هو الأصل ، جنسين من ناس أوعَدَ فيهما ربنا - عز وجل - الأولون الذين يشاققون الرسول ويخالفونه فيما جاء فيها في سنَّته من بيان وتوضيح ، والجنس الآخر الذين يخالفون سبيل المؤمنين ، وهذا - أيضًا - ممَّا أريد أن أقِفَ حوله قليلًا كما وقفنا بكم حول السنة .
فالواقع الذي لا يمكن أن يعالج المسلمون واقعهم المؤلم اليوم إلا كما شرحنا في الأمس القريب إلا بالرجوع للكتاب والسنة ، ولكن هناك شيء ثالث وهو الذي أنا أبحث فيه الآن وهو الرجوع إلى إجماع المسلمين ؛ لأن الله - عز وجل - كما سمعتم في هذه الآية ذكر بالإضافة إلى اتباع الرسول - عليه السلام - وعدم مخالفته اتباع سبيل المؤمنين ؛ فإذًا سبيل المؤمنين مصدر آخر غير مصدر السنة ؛ فإذًا عندنا حتى الآن ثلاثة مصادر ؛ القرآن والسنة وسبيل المؤمنين ، والمقصود به إجماع المسلمين ، لكن التعبير القرآني هذا جاء كما سمعتم بلفظ سبيل المسلمين أو المؤمنين ، (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ولم يأتِ بلفظ إجماع المسلمين .
وهنا نقطة مهمة جدًّا ؛ ذلك لأن علماء الأصول حينما بحثوا في حجية الإجماع وهي ثابتة بهذا النَّصِّ القرآني وبأحاديث كثيرة ، ومنها الحديث المشهور ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ؛ لما بَحَثَ العلماء في حجية الإجماع اختلفوا اختلافًا كبيرًا جدًّا ، فبعض الغلاة من الفرق أنكروا الإجماع ، وقالوا : لا شيء هناك إلا القرآن والسنة ، وذلك لأنهم قابلوا بعض أهل السنة الذين أثبتوا الإجماع وهذا واجبهم كما نحن في صدد بيانه الآن ، ولكنهم لما عرَّفوا الإجماع جاؤوا بتعريف لا يمكن أن يتحقَّق ، من أجل ذلك قابَلَهم الآخرون فقالوا : لا إجماع ؛ لأن هذا لا يمكن أن يتحقَّق ؛ ذلك أنهم قالوا - أعني بعض علماء الأصول - : الإجماع هو إجماع أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بحيث لا يشذُّ منهم ولا فرد ، هكذا أطلقوا إجماع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل في هذا الإطلاق العلماء فَمَن دونَهم ، قالوا - أي : المخالفون والمنكرون للإجماع - : هذا لا يمكن أن يُتصوَّر ، ولذلك ، أن نتصوَّر أنه لا يخالف فرد من أفراد المسلمين ما اتَّفق عليه جماهير المسلمين هذا لا يمكن أن يُتصوَّر ؛ لذلك عدَّلَ هذا الإجماع أو هذا التعريف للإجماع بعضهم فقالوا : الإجماع الذي هو حجة ومصدر ثالث هو إجماع علماء المسلمين ، وهذا فيه تقييد بالغ كما ترون للنَّصِّ أو التعريف الأول ، بين كان تعريف الإجماع إجماع المسلمين قاطبة ، فعدَّلوا هذا التعريف العام إلى التعريف الأخصِّ ؛ فقالوا : إجماع علماء المسلمين ، وهذا فرق أقرب إلى العقل وإلى أن يكون واقعًا وممكنًا .
ولكن مع ذلك لا تزال المشكلة قائمة ؛ فإن إجماع علماء المسلمين وهم متفرِّقون في مختلف البلاد - أيضًا - هذا أمر متعذِّر لا يمكن تحقيقه ، مَن الذي كان يستطيع في الأزمنة الأولى حينما كانت الوسائل وسائل التنقُّل والاتصال بالناس بدائية ، لم يكن هناك إلا الدواب ، لم تكن هناك الوسائل العصرية المعروفة اليوم ، ولا نطيل في هذا فنقول : العصر الحاضر مع تيسُّر وسائل النقل من = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = من الهاتف لاسلكي وغير اللاسلكي ونحو ذلك والإذاعات هذه المختلفة ، هل يمكن أن نعرف رأي كل عالم في الدنيا ؟ هذا مستحيل ؛ لا سيما لو استحضرنا المثل العربي القديم : " في الزوايا خبايا " ، قد يكون هناك علماء من فحول العلماء لكنهم مغمورون في المجتمع لا أحد يلتفت إليهم ، وهم قابعون في بيوتهم يتَّصل بهم بعض الناس فيستفيدون منهم علمًا غزيرًا ، لكن هذا المجتمع لا علم عنده به ، فلا يُسأل ولا يُؤخذ رأيه في المسألة التي يُراد الإجماع عليها ؛ لذلك حتى تعريف الإجماع بهذا القيد لم يُقبَلْ عند كثير من علماء الأصول المفكرين ، بل قالوا : هذا تقريبًا كسابقه اسم بغير جسم ، كالعنقاء لا وجود لها ، إجماع علماء المسلمين كيف يمكن أوَّلًا أن يجتمع هؤلاء في مكان واحد في صعيد واحد ، ثم إذا اجتمعوا لم يختلفوا مطلقًا ، ثم لو وَقَعَ هذا الأمر واتفقوا جميعًا مَن ينقله ويُذيعه ويشيعه في العالم ؟ هذا شيء نظري ولا يمكن أن يكون عمليًّا ؛ لذلك قُوبل الإجماع حتى هذا الإجماع المعدَّل من بعض علماء الأصول بالرفض والرَّدِّ ، قالوا : هذا لا سبيل إليه ؛ إذًا نحن نبقى عند القرآن وعند السنة فقط ، هكذا قالوا .
لكننا إذا رجعنا إلى الآية فحينئذٍ يزول الإشكال ويتبيَّن بلاغة القرآن ، وكيف يعالج المشاكل التي يدندن حولها بعض العلماء بأوجز عبارة ... الاقتصار فقط على القرآن الكريم ... حقيقيًّا ، لكن العكس من ذلك كون المسلم مهما كانت ثقافته الشرعية ضحلة قليلة فهو يعلم أن المسلمين منذ أن بَعَثَ الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا اليوم دائمًا علماؤهم طلاب العلم فيهم ... دائمًا يقولون ... فإذًا نأخذ من هذه الآية مصدرين فوق مصدر القرآن الذي هو الأصل المصدر ... مخالفته ، المصدر الثالث سبيل المؤمنين ، هذا المصدر يا إخواني ... المصدر الثاني الذي يُنكر هذا المصدر الثاني كهؤلاء القرآنيين ... منها ذكرناه آنفًا ... لما ...يأمرنا أن نتَّبع ... من البيان له ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 281
- توقيت الفهرسة : 00:21:42
- نسخة مدققة إملائيًّا