حكم جواز رفع اليدين بالدعاء بعد أدبار الصلوات وعند الخطبة .
A-
A=
A+
الحويني : بالنسبة لـ ، معروف رأيكم في رفع اليدين في الدعاء في صلاة الجمعة ، ودبر الصلوات المكتوبات ، ولكن الأدلة العامة كقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله ليستحي من العبد إذا رفع إليه يديه أن يردَّهما صفرًا ) ، وتواتر الأحاديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - برفع يديه بالدعاء ، فمنع بالنسبة لرفع اليدين في الدعاء في صلاة الجمعة مع كون الدعاء يدخل تحت الأدلة العامة .
الشيخ : هذا السؤال يفتح أمامنا بحثًا أصوليًّا هامًّا جدًّا ، نستطيع أن نلخِّصه بالعبارة التالية : إذا جاءنا نصٌّ عامٌّ - طبعًا صحيح - يتضمَّن جزئيَّات كثيرة ، ونحن نعلم أن جزءًا من أجزاء هذا النَّصِّ العام لم يجرِ عمل المسلمين عليه فيما مضى من الزمان ؛ أيجوز لنا العمل به وهو داخل تحت النص العام ؟
جوابي على ذلك : إن كان هذا الجزء من الأعمال الظاهرة التي لا تخفى على الناس عادة ، ثم تتوفَّر الدواعي - أيضًا - عادة على نقله ، ثم لم يُنقل عن السلف الصالح ؛ فلا يجوز لنا العمل بهذا الجزء الذي يدخل تحت النص العام . والمثال بين أيديكم أو تحت سمعكم بعد أن ألقاه أخونا هذا ، مثل رفع اليدين يوم الجمعة والإمام يخطب والجالسون يرفعون أيديهم ، هذه ظاهرة لو وقعت في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قلت آنفًا لتوفَّرت الدَّواعي إلى نقله ؛ فإذ لم ينقل دلَّ على أنه لم يفعل .
كذلك ولعل المثال التالي أهم من المثال الأول ، ذلك لأن المثال الأول قلَّما نراه سواء من الناس الجالسين في الخطبة أو من بعض الأئمة الخطباء ، أما المثال الثاني فعلى العكس من ذلك فهو كثير الانتشار ، فالمثال الثاني شائع جدًّا وهو الدعاء بعد الصلاة جماعة ، بعد صلاة العصر مثلًا أو صلاة الفجر ، هذا - أيضًا - مما يدخل في الأدلة العامة التي ذكرها السائل آنفًا ؛ فهل يشرع ؟
الجواب : لا يشرع ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما فعل ذلك ، ولا أصحابه ، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الخطبة لا يزيد على أن يشير بإصبعه - عليه السلام - ، أما الجالسون فما كانوا يرفعون أيديهم إلا فيما إذا خطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطبة استسقاء ودعا يطلب فيها السُّقيا من الله - عز وجل - ؛ فهو يرفع يديه والحالةُ هذه ، وكذلك الذين هم يسمعون خطبته ، كما جاء في " صحيح البخاري ومسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : كان يخطب يوم جمعة حينما دخل رجل من باب من أبواب المسجد فقال : " يا رسول الله ، هلكت الأموال والعيال من قلَّة الأمطار ؛ فادع الله لنا " ، فرفع - عليه الصلاة والسلام - يديه حتى بان إبطاه ، مبالغة منه في رفع اليدين ، وقال : ( اللهمَّ اسقنا ، اللهمَّ اسقنا ) ، وأمَّن الناس ورفعوا أيديهم ، فعل هذا - عليه الصلاة والسلام - في هذا الأمر العارض ، ومن هذا الحديث ذهب بعض العلماء إلى جواز الاستسقاء بالدعاء فقط دون الصلاة .
أما في سائر الخطب - خطب الجمعة - ؛ فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه ، ولذلك ثبت في " صحيح مسلم " أن أحد الصحابة - أظن اسمه بن رؤيبة - لمَّا رأى أحد الولاة الأمويين يرفع يديه في الخطبة قال : " قبَّح الله هاتَين اليدين ، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخطب ، وما يزيد على الإشارة بإصبعه " .
إذًا عملٌ من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جرى على خلاف جزءٍ من أجزاء النص العام لا يجوز الاستدلال على شرعية هذا الجزء بالنص العام .
فنحن الآن تحدثنا عن مثالين أحدهما رفع اليدين يوم الجمعة ، والآخر رفع اليدين من الإمام والمقتدين بعد الفراغ من الصلاة - صلاة العصر ، وصلاة الفجر بصورة خاصة - . لكني أريد أن أقدِّم إليكم مثالًا لعله ينبِّه شعوركم واهتمامكم لهذه القاعدة أكثر من المثَلَين السابقين ، لأن من طبيعة الناس أنهم إذا اعتادوا على شيء تساهلوا به وتسامحوا ، أما إذا فُوجئوا بمثال جديد فيستنكرونه ، مع أن الحكم واحد ، بالمثال القديم والمثال الجديد ، كل ما في الأمر أن المثال القديم اعتادته النفوس ، فصار أمرًا معتادًا ، فما يتوجه الناس حتى خاصة الناس بالنكير ، المثال الذي أريده عندنا نصوص عامة منها قول - عليه السلام - : ( يد الله على الجماعة ) ، وعندنا نص آخر أخَصُّ بالمثال الذي سأذكره من هذا النص الأول ؛ ألا وهو : قوله - عليه السلام - : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين ) ، وهكذا كلَّما زاد العدد كلما زاد الأجر والفضل . فالآن المثال هو كالتالي : يدخل الناس إلى المساجد استجابة لمنادي الصلاة ( حي على الفلاح حي على الفلاح ) ، فينتحي كلُّ فرد منهم ناحية المسجد ليصلي السنن القبلية ، فلو أن رجلًا بدا له أن يجمع الناس الذين يصلون السنن القبلية فرادى ، قال لهم : أيها الناس ، تعالوا لنصلِّي جماعة ، واحتجَّ بالحديثين السابقين : ( يد الله على الجماعة ) ، ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ) ؛ أيكون استدلاله هذا صحيحًا ؟
من تمسك بالاستدلال بالعموم على الإطلاق كما جاء في السؤال يكون استدلاله صحيحًا ، وعلى ذلك نُشَرِّع للناس جماعةً ، أنا أقطع بأنها لا أصل لها في الإسلام ؛ فكيف الجواب عن الحديثين الذَين استدل بهما هذا الإنسان ؛ خاصة الحديث الثاني : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ) ؟
هنا تتدخَّل السنة العملية التي نحن نهتمُّ بها ونقول : إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نقلوا لنا أقواله - عليه السلام - وأفعاله ، وحياته بصورة تفصيلية ، هل كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا دخلوا المسجد صلى كلٌّ منهم السنة منفردًا أم صلُّوها جماعة ؟ لا أحدَ من أهل العلم يقول بأنهم كانوا يصلون السنة جماعة ، إذًا التجميع في صلاة السنة القبلية وعلى ذلك قِسْ سننًا أخرى يكون بدعة ضلالة ، ولو أنها تدخل في النص العام ، وحجتنا في ذلك : أن هذا النص العام بخصوص هذه الجزئية لم يجرِ عمل السلف عليها ، ومن أجل ذلك يقول أهل العلم :
" وكل خير في اتباع سلف ** وكل شر في ابتداع من خلف "
والحقيقة أن هذه البدع - ... - الكثيرة التي عمَّت البلاد الإسلامية على اختلاف أشكالها وأجناسها إنما أصلها الاستدلال بالعمومات التي لم يجرِ عليها العمل ، ولذلك فقد أحسن الإمام أبو إسحاق الشاطبي - رحمه الله - في كتابه " الاعتصام " حينما قسم البدعة إلى قسمين : البدعة الأولى أو القسم الأول سمَّاها بالبدعة الحقيقية ، ولسنا الآن في صددها ، والبدعة الأخرى هي البدعة الإضافية ، وها نحن في موضوعها الآن ، يقول الإمام الشاطبي : " البدعة الإضافيَّة هي التي إذا نظرت إليها من جانب وجدتَها مشروعة ، وإذا نظرت إليها من جانب آخر وجدتَها غير مشروعة " ، ويضرب على ذلك بعض الأمثلة المهمة ، سبق مني أن ذكرتها آنفًا ، ومنه استفدتها ، وهو ما يسمَّى في بعض البلاد بختم الصلاة ، ختم الصلاة في السنة كما جاء في الحديث الصحيح : ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) ، هذا هو ختم الصلاة ، أما عند أهل البدعة ما ختمت الصلاة بهذا السلام ، بل لا بد من أن يلقِّنَ الإمامُ أو المبلِّغ مَن خلفه : سبحوا احمدوا كبروا ، ((قل هو الله أحد )) ثلاثًا (( قل أعوذ )) ، ما يبدؤون بشيء حتى يبدأ الإمام ، ثم يرفع يديه ويدعو ، ويؤمِّنون على دعائه ، وبذلك تُختم الصلاة ، هذه الهيئة ذكرها الإمام الشاطبي في جملة الأمثلة في للبدعة الإضافية ، من أين هنا يصح أن يقال أنها من جهة مشروعة لأنها دعاء ، ولأن رفع اليدين كما جاء في السؤال في الحديث الصحيح : ( إن الله ليستحي أن يردَّ دعاء عبده أو يديه خائبتين ) ، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، فإذًا هذه الهيئة أو هذا هو الختم باعتبار أنها داخلة في عمومات ؛ فهي مشروعة ، لكن باعتبار أنها صورة لم تكن في عهد الرسول - عليه السلام - فهي بدعة إضافية ، وهو يقرِّر ببيان راسخ وجميل جدًّا أن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وأصغر بدعة هي ضلالة ، وإن كانت البدع غير متساوية الأقدام في الضَّلالات ، لكن أصغرها ضلالة .
ويضرب - أيضًا - على ذلك مثلًا هو الاستغفار عقب الصلاة جماعة ، فيقول : الاستغفار له أصل في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كان إذا سلَّم من الصلاة استغفر الله ثلاثًا ، ثم قال : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ، هذا أصله ، لكن الاجتماع بصوت واحد على هذا الاستغفار ، وعلى هذا الدعاء ؛ هو ما أضيف إلى أصل مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة ، فصارت بدعة إضافية ، ولذلك أُلحقت بقاعدة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) .
وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
الشيخ : هذا السؤال يفتح أمامنا بحثًا أصوليًّا هامًّا جدًّا ، نستطيع أن نلخِّصه بالعبارة التالية : إذا جاءنا نصٌّ عامٌّ - طبعًا صحيح - يتضمَّن جزئيَّات كثيرة ، ونحن نعلم أن جزءًا من أجزاء هذا النَّصِّ العام لم يجرِ عمل المسلمين عليه فيما مضى من الزمان ؛ أيجوز لنا العمل به وهو داخل تحت النص العام ؟
جوابي على ذلك : إن كان هذا الجزء من الأعمال الظاهرة التي لا تخفى على الناس عادة ، ثم تتوفَّر الدواعي - أيضًا - عادة على نقله ، ثم لم يُنقل عن السلف الصالح ؛ فلا يجوز لنا العمل بهذا الجزء الذي يدخل تحت النص العام . والمثال بين أيديكم أو تحت سمعكم بعد أن ألقاه أخونا هذا ، مثل رفع اليدين يوم الجمعة والإمام يخطب والجالسون يرفعون أيديهم ، هذه ظاهرة لو وقعت في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قلت آنفًا لتوفَّرت الدَّواعي إلى نقله ؛ فإذ لم ينقل دلَّ على أنه لم يفعل .
كذلك ولعل المثال التالي أهم من المثال الأول ، ذلك لأن المثال الأول قلَّما نراه سواء من الناس الجالسين في الخطبة أو من بعض الأئمة الخطباء ، أما المثال الثاني فعلى العكس من ذلك فهو كثير الانتشار ، فالمثال الثاني شائع جدًّا وهو الدعاء بعد الصلاة جماعة ، بعد صلاة العصر مثلًا أو صلاة الفجر ، هذا - أيضًا - مما يدخل في الأدلة العامة التي ذكرها السائل آنفًا ؛ فهل يشرع ؟
الجواب : لا يشرع ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما فعل ذلك ، ولا أصحابه ، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الخطبة لا يزيد على أن يشير بإصبعه - عليه السلام - ، أما الجالسون فما كانوا يرفعون أيديهم إلا فيما إذا خطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطبة استسقاء ودعا يطلب فيها السُّقيا من الله - عز وجل - ؛ فهو يرفع يديه والحالةُ هذه ، وكذلك الذين هم يسمعون خطبته ، كما جاء في " صحيح البخاري ومسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : كان يخطب يوم جمعة حينما دخل رجل من باب من أبواب المسجد فقال : " يا رسول الله ، هلكت الأموال والعيال من قلَّة الأمطار ؛ فادع الله لنا " ، فرفع - عليه الصلاة والسلام - يديه حتى بان إبطاه ، مبالغة منه في رفع اليدين ، وقال : ( اللهمَّ اسقنا ، اللهمَّ اسقنا ) ، وأمَّن الناس ورفعوا أيديهم ، فعل هذا - عليه الصلاة والسلام - في هذا الأمر العارض ، ومن هذا الحديث ذهب بعض العلماء إلى جواز الاستسقاء بالدعاء فقط دون الصلاة .
أما في سائر الخطب - خطب الجمعة - ؛ فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه ، ولذلك ثبت في " صحيح مسلم " أن أحد الصحابة - أظن اسمه بن رؤيبة - لمَّا رأى أحد الولاة الأمويين يرفع يديه في الخطبة قال : " قبَّح الله هاتَين اليدين ، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخطب ، وما يزيد على الإشارة بإصبعه " .
إذًا عملٌ من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جرى على خلاف جزءٍ من أجزاء النص العام لا يجوز الاستدلال على شرعية هذا الجزء بالنص العام .
فنحن الآن تحدثنا عن مثالين أحدهما رفع اليدين يوم الجمعة ، والآخر رفع اليدين من الإمام والمقتدين بعد الفراغ من الصلاة - صلاة العصر ، وصلاة الفجر بصورة خاصة - . لكني أريد أن أقدِّم إليكم مثالًا لعله ينبِّه شعوركم واهتمامكم لهذه القاعدة أكثر من المثَلَين السابقين ، لأن من طبيعة الناس أنهم إذا اعتادوا على شيء تساهلوا به وتسامحوا ، أما إذا فُوجئوا بمثال جديد فيستنكرونه ، مع أن الحكم واحد ، بالمثال القديم والمثال الجديد ، كل ما في الأمر أن المثال القديم اعتادته النفوس ، فصار أمرًا معتادًا ، فما يتوجه الناس حتى خاصة الناس بالنكير ، المثال الذي أريده عندنا نصوص عامة منها قول - عليه السلام - : ( يد الله على الجماعة ) ، وعندنا نص آخر أخَصُّ بالمثال الذي سأذكره من هذا النص الأول ؛ ألا وهو : قوله - عليه السلام - : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين ) ، وهكذا كلَّما زاد العدد كلما زاد الأجر والفضل . فالآن المثال هو كالتالي : يدخل الناس إلى المساجد استجابة لمنادي الصلاة ( حي على الفلاح حي على الفلاح ) ، فينتحي كلُّ فرد منهم ناحية المسجد ليصلي السنن القبلية ، فلو أن رجلًا بدا له أن يجمع الناس الذين يصلون السنن القبلية فرادى ، قال لهم : أيها الناس ، تعالوا لنصلِّي جماعة ، واحتجَّ بالحديثين السابقين : ( يد الله على الجماعة ) ، ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ) ؛ أيكون استدلاله هذا صحيحًا ؟
من تمسك بالاستدلال بالعموم على الإطلاق كما جاء في السؤال يكون استدلاله صحيحًا ، وعلى ذلك نُشَرِّع للناس جماعةً ، أنا أقطع بأنها لا أصل لها في الإسلام ؛ فكيف الجواب عن الحديثين الذَين استدل بهما هذا الإنسان ؛ خاصة الحديث الثاني : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ) ؟
هنا تتدخَّل السنة العملية التي نحن نهتمُّ بها ونقول : إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نقلوا لنا أقواله - عليه السلام - وأفعاله ، وحياته بصورة تفصيلية ، هل كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا دخلوا المسجد صلى كلٌّ منهم السنة منفردًا أم صلُّوها جماعة ؟ لا أحدَ من أهل العلم يقول بأنهم كانوا يصلون السنة جماعة ، إذًا التجميع في صلاة السنة القبلية وعلى ذلك قِسْ سننًا أخرى يكون بدعة ضلالة ، ولو أنها تدخل في النص العام ، وحجتنا في ذلك : أن هذا النص العام بخصوص هذه الجزئية لم يجرِ عمل السلف عليها ، ومن أجل ذلك يقول أهل العلم :
" وكل خير في اتباع سلف ** وكل شر في ابتداع من خلف "
والحقيقة أن هذه البدع - ... - الكثيرة التي عمَّت البلاد الإسلامية على اختلاف أشكالها وأجناسها إنما أصلها الاستدلال بالعمومات التي لم يجرِ عليها العمل ، ولذلك فقد أحسن الإمام أبو إسحاق الشاطبي - رحمه الله - في كتابه " الاعتصام " حينما قسم البدعة إلى قسمين : البدعة الأولى أو القسم الأول سمَّاها بالبدعة الحقيقية ، ولسنا الآن في صددها ، والبدعة الأخرى هي البدعة الإضافية ، وها نحن في موضوعها الآن ، يقول الإمام الشاطبي : " البدعة الإضافيَّة هي التي إذا نظرت إليها من جانب وجدتَها مشروعة ، وإذا نظرت إليها من جانب آخر وجدتَها غير مشروعة " ، ويضرب على ذلك بعض الأمثلة المهمة ، سبق مني أن ذكرتها آنفًا ، ومنه استفدتها ، وهو ما يسمَّى في بعض البلاد بختم الصلاة ، ختم الصلاة في السنة كما جاء في الحديث الصحيح : ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) ، هذا هو ختم الصلاة ، أما عند أهل البدعة ما ختمت الصلاة بهذا السلام ، بل لا بد من أن يلقِّنَ الإمامُ أو المبلِّغ مَن خلفه : سبحوا احمدوا كبروا ، ((قل هو الله أحد )) ثلاثًا (( قل أعوذ )) ، ما يبدؤون بشيء حتى يبدأ الإمام ، ثم يرفع يديه ويدعو ، ويؤمِّنون على دعائه ، وبذلك تُختم الصلاة ، هذه الهيئة ذكرها الإمام الشاطبي في جملة الأمثلة في للبدعة الإضافية ، من أين هنا يصح أن يقال أنها من جهة مشروعة لأنها دعاء ، ولأن رفع اليدين كما جاء في السؤال في الحديث الصحيح : ( إن الله ليستحي أن يردَّ دعاء عبده أو يديه خائبتين ) ، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، فإذًا هذه الهيئة أو هذا هو الختم باعتبار أنها داخلة في عمومات ؛ فهي مشروعة ، لكن باعتبار أنها صورة لم تكن في عهد الرسول - عليه السلام - فهي بدعة إضافية ، وهو يقرِّر ببيان راسخ وجميل جدًّا أن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وأصغر بدعة هي ضلالة ، وإن كانت البدع غير متساوية الأقدام في الضَّلالات ، لكن أصغرها ضلالة .
ويضرب - أيضًا - على ذلك مثلًا هو الاستغفار عقب الصلاة جماعة ، فيقول : الاستغفار له أصل في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كان إذا سلَّم من الصلاة استغفر الله ثلاثًا ، ثم قال : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ، هذا أصله ، لكن الاجتماع بصوت واحد على هذا الاستغفار ، وعلى هذا الدعاء ؛ هو ما أضيف إلى أصل مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة ، فصارت بدعة إضافية ، ولذلك أُلحقت بقاعدة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) .
وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
- رحلة الخير - شريط : 11
- توقيت الفهرسة : 01:23:30
- نسخة مدققة إملائيًّا