الشيخ : كما قال - عليه السلام - بالنسبة لكثير من القرَّاء قرَّاء آخر الزمان قال ذلك بخصوص الخوارج الذين خرجوا على عليِّ بن أبي طالب ، ثم صار خروجهم مذهبًا سياسيًّا ، كلُّ ما قام خليفة أو ملك قاموا عليه ، وكان رأسهم رجل من الصحابة لمَّا قسمَ الرسول - عليه السلام - بعض المغانم قال هذا الفاجر : " اعدِلْ يا رسول الله ، اعدِل " قال له : ( ويحك ! فمَن يعدل إن لم أكن أعدِل ؟! ) . ثم التفت - عليه الصلاة والسلام - قال : ( سيخرج من ضئضِئِ هذا أقوامٌ يحقر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وعبادته مع عبادتهم ؛ يخرجون من الدين كما يخرج السَّهم من الرمية ) . في حديث آخر : ( ليكونَنَّ في أمَّتي أقوامٌ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ) ؛ أي : لا يصل إلى قلوبهم ، ( يمرقون من الدين كما يمرق السَّهم من الرمية ) .

من جملة رواة هذا الحديث عبد الله بن مسعود صاحبنا قريب في قصَّة صلاة أبو موسى بنعليه ، فقال له : ما هذه اليهودية ؟ إلى آخره . أبو موسى هو مع أخيه ابن مسعود ، ابن مسعود معه حينما قدَّره وقدَّمه ، كان أبو موسى يعرف فضل ابن مسعود في العلم ، فكان في كلِّ صباح يذهب إلى داره ، ينطلق معه إلى المسجد لصلاة الفجر ، ذاتَ يوم جاء أبو موسى كما هي عادته ، فوجد الناس ينتظرونه ، ينتظرون ابن مسعود ، قال : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن - كنية عبد الله بن مسعود - ؟ قالوا : لا . فجلس ينتظر حتى خرج ، قال : يا أبا عبد الرحمن ، لقد رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرْتُه ومع ذلك - والحمد لله - لم أَرَ إلا خيرًا . قال : ماذا رأيت ؟ قال : إن عشْتَ فستراه ، رأيت في المسجد أناسًا حِلَقًا حِلَقًا ، وفي وسط كلِّ حَلقةٍ منها رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبروا كذا ، يعني رقم على حسب الوحي بقى اللي ينزل عليه ، أربعين خمسين مئة أكثر أقل ، وأمام كل رجل حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال ابن مسعود لأبي موسى : أَفَلَا أنكرْتَ عليهم ؟! قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . هذا اعتراف منه بعلم ابن مسعود . قال : " أَفَلَا أمرْتَهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضمنْتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟! " . قال : " لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك " . رجع بن مسعود ليخرج متقنِّعًا لكي لا يُرى ، انطلق إلى المسجد ورأى الحلقات كما وصفَ أبو موسى ، فكشفَ عن وجهه اللِّثام وقال : " ويحَكم ! ماهذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابيُّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " . قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى - يعني شو عاملين نحنا ؟ - حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال : " عدُّوا سيِّئاتكم وأنا الضَّامن لكم أن لا يضيعَ من حسناتكم شيء ، ويحكم ما أسرع هلكتكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبْلَ ، وهذه أنيته لم تُكسَرْ ، والذي نفسي بيده أئنَّكم لأهدى من أمَّة محمد أصحاب محمد أو إنَّكم لَمتمسِّكون بذَنَبِ ضلالة " . شوف التعبير البليغ ! ما قال : متمسِّكون بضلالة ، بذَنَبِ ضلالة . " أئنَّكم لأهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو إنكم متمسِّكون بذَنَبِ ضلالة " . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . وهذه كلمة حقٍّ لكثير من الناس من عامة الناس المتعبِّدين على خلاف الشريعة ، هكذا زيَّن لهم شيوخهم ، فقالوا : ما أردنا إلا الخير ، لكن الجواب كان في مستوى عالٍ جدًّا قال : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " . مثل ما قال ذاك الشاعر :

" ترجو النَّجاةَ ولم تسلُكْ مسالكَها *** إنَّ السفينةَ لا تجري على اليَبَسِ "

اللي بدو الخير بدو يسلك الطريق الموصلة للخير ، هاللي بدو يوصل إلى بيت الله الحرام يمشي من هنا ، ما يمشي من هنا ، إذا مشي من هون وصل لباريس ، لكن سوف لا يصل إلى الحج ولو قصده إيه ؟ قصده الحج .