وقوع القلب في بعض الأحاديث لا يعني سلامة دعوى ابن القيم في حديث البروك ، وبيان ضعف الحديث الذي رواه ابن شيبة والذي استدلَّ به ابن القيم إلى ما ذهب إليه ؛ وذلك لأن فيه رجلًا متروكًا وهو يحيى بن سعيد المقبري .
A-
A=
A+
الشيخ : لكن كون وقع مثل هذا القلب في هذه الأحاديث لا يعني سلامة دعوى ابن القيم - أيضًا - وقوع الانقلاب في حديث : ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ) ، يقول : هذا مقلوب ، ولعله : ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) لا يُسَلَّم له هذا ؛ لأن الحديث - كما سيأتي بيانه - ثابت عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - بهذا اللفظ ، والحجَّة منفيَّة من عند المصنف في دعواه القلب كما سيأتي بيانها ؛ حيث قال في تمام الكلام بيقول : " حتى رأيت أبا بكر ابن أبي شيبة " هذا ربط بكلامه السابق أنه كان يُلقى في نفسه أنُّو لعله الحديث مقلوب ، لكن يريد أن يقول : بس كنت أخلِّيه في نفسي لأنُّو ما عندي دليل " ؛ حتى رأيت ابن أبي شيبة رواه كذلك " ؛ أي : رواه بلفظ : ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) ؛ حينئذٍ اطمئنَّ ابن القيم - رحمه الله - لما كان يجول في خاطره سابقًا من أن الحديث مقلوب ، وأن الصواب فيه : ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) ؛ ليش ؟ قال رأى في ابن أبي شيبة رواه كذلك ؛ " فقال ابن أبي شيبة : حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ) " ، صحَّت دعوى ابن القيم حتى الآن " ، ( ولا يبرك كبروك الفحل ) ، ورواه الأثرم في " سننه " - أيضًا - عن أبي بكر كذلك ، وقد رُوِيَ عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يُصَدِّق ذلك ويوافق حديث وائل ابن حجر " .
قبل دراسة هذا الشيء سنفهم الجواب عما ادَّعاه من الرواية عن أبي هريرة ما يوافق حديث ابن أبي شيبة ، هنا بقى يتعجَّب الإنسان ، ابن القيم بيقول كان بيتردَّد في نفسه لعله الحديث مقلوب ، وكان لا يجرؤ على الجزم بهذه الدَّعوى حتى وجد ابن أبي شيبة روى الحديث باللفظ اللي هو كان يخطر في باله : ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) ، بيسوق إسناده بيقول ابن أبي شيبة قال : " حدثني محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة " ، بدنا نشوف بقى هذا عبد الله بن سعيد من هو ؟ هذا عبد الله بن سعيد قد اتُّهم بالكذب ، والآن على الطريقة السابقة من الاختصار ممكن نشوف ابن حجر شو قال ؟ عبد الله بن سعيد هذا : " عبد الله بن سعيد ابن أبي سعيد المقبري ، وهو مدني ، عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو عبَّاد الليثي مولاه المدني متروك " ، هذا ابن حجر يقول فيه : " متروك " ، بنشوف مثلًا الذهبي شو بيقول ؟ وهو تقريبًا قرين ابن القيم ومعاصر له ، عبد الله بن سعيد [ الشيخ يبحث في كتاب ] مو جايي هوني ، امبلى ، " عبد الله بن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه تركوه " كذلك الذهبي يقول هكذا .
إذًا هذا الحديث الذي استروح في سابق أنُّو لعله الحديث مقلوب ، الأولى أن نقول هذا هو المقلوب ؛ لأنُّو اللي رواه متروك ؛ يعني شديد الضعف ؛ لو روى حديثًا ليس فيه أيُّ إشكال لا يُحتجُّ بحديثه ويُرمى به عرض الحائط ؛ لأنه مُتَّهم ، ولعله من المستحسن - أيضًا - تتأكدوا من خطورة هذا الرجل بحيث إنه لا يصحُّ بقى الاعتماد عليه في دعوى القلب ؛ تفاصيل بعض الكلمات التي قالها الأئمة في هذا الرجل :
قال أبو قدامة عن يحيى بن سعيد : " جلست إليه مجلسًا فعرفت فيه - يعني الكذب - " جلست إليه مجلسًا ؛ يعني حضر له مجلس سماع للحديث ، فتبيَّن له من أحاديثه الكذب ، قال أبو طالب عن أحمد - الإمام أحمد - قال : " منكر الحديث متروك الحديث " ، وكذا قال عمرو بن علي عن ابن معين : " ضعيف " ، الروايتان ليس بشيء ، كمان بيقول : " لا يُكتب حديثه " ، وقال أبو زرعة : " ضعيف الحديث ، لا يُوقف منه على شيء " ، وقال البخاري : " تركوه " ، وقال النسائي : " ليس بثقة ، تركه يحيى و عبد الرحمن " ، وقال الحاكم أبو أحمد : " ذاهب الحديث " ، وقال ابن عدي : " وعامة ما يرويه الضَّعفُ عليه بيِّنٌ " ، ضعَّفه البرقي ويعقوب و و وداود الساجي ، وقال الدارقطني : " متروك ذاهب الحديث " ، وقال ابن حبان : " كان يقلب الأخبار " ، شوف هَيْ حجَّة في الصميم يعني ، يقول ابن حبان : " كان يقلب الأخبار حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمِّد لها " ؛ فكيف يجوز بقى ادِّعاء قلب حديث لرواة ثقات بسبب رواية هذا الرجل المتروك والمتهم بالكذب ؟!
قال : "وقد رُوِيَ عن أبي هريرة ما يُصَدِّق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر ، قال ابن أبي داود : حدثنا يوسف ابن عدي ، حدثنا فضل - يمكن هنا في خطأ محمد بن فضيل - عن عبد الله بن سعيد - نفس الرجل هاللي قال صاحبكم من جديد - عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه" ؛ شو رأيكم بقى ؟ عم يحتج بنفس الرجل الضعيف هاللي روى الحديث الأول مقلوبًا مخالفًا لرواية الثقة ، روى - أيضًا - مقلوبًا من ناحية أخرى ، الحديث من قوله - عليه السلام - فقَلَبَه وجعله من فعله .
ثم قال : " وقد روى ابن خزيمة في " صحيحه " من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، وأُمرنا بالرُّكبتين قبل اليدين ، وعلى هذا فإن كان حديث أبي هريرة محفوظًا " - يعني حديث القولي : ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) - قال : " فإن كان حديث أبي هريرة محفوظًا فإنه منسوخ ، وهذه طريقة صاحب " المغني " وغيره ، ولكن للحديث علَّتان إحداهما " أنو حديث ؟ حديث ابن خزيمة هاللي استند عليه في ادِّعاء نسخ حديث أبي هريرة الصحيح ، عم يستدرك على حاله عم يقول : له علتان ؛ يعني الحديث بلفظه : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ؛ فأُمرنا بالرُّكبتين قبل اليدين ؛ بيقول : " له علتان ، إحداهما أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كُهَيْل ، وليس ممن يحتج به ، وقال النسائي : " متروك " ، وقال ابن حبان : " منكر الحديث جدًّا لا يُحتجُّ به " ، وقال ابن معين : " ليس بشيء " " .
إذًا هذا حديث إذا بدنا نلخِّص هذه الكلمات نطلع بنتيجة أنُّو هذا الحديث ضعيف جدًّا ، الحديث أنُّو كانوا من قبل يضعون يديهم قبل ركبتيهم ثم أُمروا بالعكس ، هذا حديث ضعيف جدًّا بشهادة أقوال الأئمة التي نقلَها نفس المؤلف ، هَيْ العلَّة الأولى .
العلة الثانية - وهي أهمُّ بكثير - : أنَّ المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنَّما هو قصة التطبيق ، وقول سعد : " كنا نضع هذا فأمرنا أن نضع أيدينا على الرُّكب " ، هذا الحديث المحفوظ الصحيح وهو مروي في " صحيح مسلم " ، ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يرى أن الرَّاكع إذا ركع لا يضع يديه على ركبتيه ، وإنما يُطبِّق بين كفَّيه هكذا ثم يُدخلهما بين فخذيه ، هذا هو التطبيق ، وكان شديد التمسُّك بهذا التطبيق .
مع مصعب هذا اللي هو ابن سعد كان يصلي ذات يوم بجانب عبد الله بن مسعود ، فلمَّا ركع ابن مسعود طبَّق وصاحبه مصعب بجانبه أخذ على الرُّكب ، فما كان من ابن مسعود إلا فكَّ له يديه من ركبتيه ، وطبَّق له إياهم و " دَحَش له " إياهم - بالتعبير الشامي - بين فخذيه .
الرجل يعرف قدر ابن مسعود ؛ فغلب على ظنِّه أنه هذه السنة التي فارق الرسول - عليه الصلاة والسلام - أصحابه عليها فاستجاب له ، كان هذا في الكوفة ، في البلدة التي فيها ابن مسعود ، ثم رجع إلى المدينة حيث هناك أبوه سعد بن أبي وقَّاص أحد العشرة المبشرين بالجنة ، فحكى له ما فعل به ابن مسعود ، فقال سعد - رضي الله عنه - : " صدق أخي ابن مسعود ، فقد كنَّا نفعل ذلك ، ثم أمِرْنا بالأخذ بالركب " ، يقول بقى ابن القيم - وهذا من إنصافه طبعًا - يقول : إن الحديث المحفوظ عن مصعب بن سعد التابعي عن أبيه الصحابي هو ليس له علاقة بقضية نسخ وضع اليدين عند السجود بوضع الركبتين ، وإنما هذا الحديث له علاقة بالتطبيق ؛ فذاك الراوي المتروك شديد الضَّعف هو إما تعمَّد قلب - أيضًا - هذا الحديث أو لسوء حفظه الشديد اختلط عليه الأمر ، فبدل ما يروي قصة التطبيق روى شيئًا لا وجود له ؛ وهو أنهم كانوا يضعون أيديهم عند السجود ، فأُمروا بوضع الركب قبل الأيدي .
إذًا ابن القيم - رحمه الله - في هذه ... القوم فيها وبيَّن أنه لا يجوز الاعتماد عليها لشدَّة ضعف راويها أولًا ، ولأن الحديث المحفوظ الصحيح إنما هو في قصة التطبيق وليس في قصة الهويِّ إلى السجود .
قال : "وأما قول صاحب " المغني " : " عن أبي سعيد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأُمِرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين ؛ فهذا - والله أعلم - وهْمٌ في الاسم ، وإنما هو عن سعد ، وهو - أيضًا - وهْمٌ في المتن كما تقدَّم ، وإنما هو في قصة التطبيق " .
...
أرى أن نكتفي الآن ، وقد مضى من الوقت أكثر من ساعة على أن نتمَّ البحث - إن شاء الله - في الجلسة الآتية ، ولعله لا يأخذ من الوقت كثيرًا حتى نتفرَّغ للإجابة عن بقية الأسئلة أو بعضها - إن شاء الله - ، فلذلك نُنهي جلستنا هذه بهذا المقدار ، والحمد لله رب العالمين .
قبل دراسة هذا الشيء سنفهم الجواب عما ادَّعاه من الرواية عن أبي هريرة ما يوافق حديث ابن أبي شيبة ، هنا بقى يتعجَّب الإنسان ، ابن القيم بيقول كان بيتردَّد في نفسه لعله الحديث مقلوب ، وكان لا يجرؤ على الجزم بهذه الدَّعوى حتى وجد ابن أبي شيبة روى الحديث باللفظ اللي هو كان يخطر في باله : ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) ، بيسوق إسناده بيقول ابن أبي شيبة قال : " حدثني محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة " ، بدنا نشوف بقى هذا عبد الله بن سعيد من هو ؟ هذا عبد الله بن سعيد قد اتُّهم بالكذب ، والآن على الطريقة السابقة من الاختصار ممكن نشوف ابن حجر شو قال ؟ عبد الله بن سعيد هذا : " عبد الله بن سعيد ابن أبي سعيد المقبري ، وهو مدني ، عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو عبَّاد الليثي مولاه المدني متروك " ، هذا ابن حجر يقول فيه : " متروك " ، بنشوف مثلًا الذهبي شو بيقول ؟ وهو تقريبًا قرين ابن القيم ومعاصر له ، عبد الله بن سعيد [ الشيخ يبحث في كتاب ] مو جايي هوني ، امبلى ، " عبد الله بن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه تركوه " كذلك الذهبي يقول هكذا .
إذًا هذا الحديث الذي استروح في سابق أنُّو لعله الحديث مقلوب ، الأولى أن نقول هذا هو المقلوب ؛ لأنُّو اللي رواه متروك ؛ يعني شديد الضعف ؛ لو روى حديثًا ليس فيه أيُّ إشكال لا يُحتجُّ بحديثه ويُرمى به عرض الحائط ؛ لأنه مُتَّهم ، ولعله من المستحسن - أيضًا - تتأكدوا من خطورة هذا الرجل بحيث إنه لا يصحُّ بقى الاعتماد عليه في دعوى القلب ؛ تفاصيل بعض الكلمات التي قالها الأئمة في هذا الرجل :
قال أبو قدامة عن يحيى بن سعيد : " جلست إليه مجلسًا فعرفت فيه - يعني الكذب - " جلست إليه مجلسًا ؛ يعني حضر له مجلس سماع للحديث ، فتبيَّن له من أحاديثه الكذب ، قال أبو طالب عن أحمد - الإمام أحمد - قال : " منكر الحديث متروك الحديث " ، وكذا قال عمرو بن علي عن ابن معين : " ضعيف " ، الروايتان ليس بشيء ، كمان بيقول : " لا يُكتب حديثه " ، وقال أبو زرعة : " ضعيف الحديث ، لا يُوقف منه على شيء " ، وقال البخاري : " تركوه " ، وقال النسائي : " ليس بثقة ، تركه يحيى و عبد الرحمن " ، وقال الحاكم أبو أحمد : " ذاهب الحديث " ، وقال ابن عدي : " وعامة ما يرويه الضَّعفُ عليه بيِّنٌ " ، ضعَّفه البرقي ويعقوب و و وداود الساجي ، وقال الدارقطني : " متروك ذاهب الحديث " ، وقال ابن حبان : " كان يقلب الأخبار " ، شوف هَيْ حجَّة في الصميم يعني ، يقول ابن حبان : " كان يقلب الأخبار حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمِّد لها " ؛ فكيف يجوز بقى ادِّعاء قلب حديث لرواة ثقات بسبب رواية هذا الرجل المتروك والمتهم بالكذب ؟!
قال : "وقد رُوِيَ عن أبي هريرة ما يُصَدِّق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر ، قال ابن أبي داود : حدثنا يوسف ابن عدي ، حدثنا فضل - يمكن هنا في خطأ محمد بن فضيل - عن عبد الله بن سعيد - نفس الرجل هاللي قال صاحبكم من جديد - عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه" ؛ شو رأيكم بقى ؟ عم يحتج بنفس الرجل الضعيف هاللي روى الحديث الأول مقلوبًا مخالفًا لرواية الثقة ، روى - أيضًا - مقلوبًا من ناحية أخرى ، الحديث من قوله - عليه السلام - فقَلَبَه وجعله من فعله .
ثم قال : " وقد روى ابن خزيمة في " صحيحه " من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، وأُمرنا بالرُّكبتين قبل اليدين ، وعلى هذا فإن كان حديث أبي هريرة محفوظًا " - يعني حديث القولي : ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) - قال : " فإن كان حديث أبي هريرة محفوظًا فإنه منسوخ ، وهذه طريقة صاحب " المغني " وغيره ، ولكن للحديث علَّتان إحداهما " أنو حديث ؟ حديث ابن خزيمة هاللي استند عليه في ادِّعاء نسخ حديث أبي هريرة الصحيح ، عم يستدرك على حاله عم يقول : له علتان ؛ يعني الحديث بلفظه : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ؛ فأُمرنا بالرُّكبتين قبل اليدين ؛ بيقول : " له علتان ، إحداهما أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كُهَيْل ، وليس ممن يحتج به ، وقال النسائي : " متروك " ، وقال ابن حبان : " منكر الحديث جدًّا لا يُحتجُّ به " ، وقال ابن معين : " ليس بشيء " " .
إذًا هذا حديث إذا بدنا نلخِّص هذه الكلمات نطلع بنتيجة أنُّو هذا الحديث ضعيف جدًّا ، الحديث أنُّو كانوا من قبل يضعون يديهم قبل ركبتيهم ثم أُمروا بالعكس ، هذا حديث ضعيف جدًّا بشهادة أقوال الأئمة التي نقلَها نفس المؤلف ، هَيْ العلَّة الأولى .
العلة الثانية - وهي أهمُّ بكثير - : أنَّ المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنَّما هو قصة التطبيق ، وقول سعد : " كنا نضع هذا فأمرنا أن نضع أيدينا على الرُّكب " ، هذا الحديث المحفوظ الصحيح وهو مروي في " صحيح مسلم " ، ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يرى أن الرَّاكع إذا ركع لا يضع يديه على ركبتيه ، وإنما يُطبِّق بين كفَّيه هكذا ثم يُدخلهما بين فخذيه ، هذا هو التطبيق ، وكان شديد التمسُّك بهذا التطبيق .
مع مصعب هذا اللي هو ابن سعد كان يصلي ذات يوم بجانب عبد الله بن مسعود ، فلمَّا ركع ابن مسعود طبَّق وصاحبه مصعب بجانبه أخذ على الرُّكب ، فما كان من ابن مسعود إلا فكَّ له يديه من ركبتيه ، وطبَّق له إياهم و " دَحَش له " إياهم - بالتعبير الشامي - بين فخذيه .
الرجل يعرف قدر ابن مسعود ؛ فغلب على ظنِّه أنه هذه السنة التي فارق الرسول - عليه الصلاة والسلام - أصحابه عليها فاستجاب له ، كان هذا في الكوفة ، في البلدة التي فيها ابن مسعود ، ثم رجع إلى المدينة حيث هناك أبوه سعد بن أبي وقَّاص أحد العشرة المبشرين بالجنة ، فحكى له ما فعل به ابن مسعود ، فقال سعد - رضي الله عنه - : " صدق أخي ابن مسعود ، فقد كنَّا نفعل ذلك ، ثم أمِرْنا بالأخذ بالركب " ، يقول بقى ابن القيم - وهذا من إنصافه طبعًا - يقول : إن الحديث المحفوظ عن مصعب بن سعد التابعي عن أبيه الصحابي هو ليس له علاقة بقضية نسخ وضع اليدين عند السجود بوضع الركبتين ، وإنما هذا الحديث له علاقة بالتطبيق ؛ فذاك الراوي المتروك شديد الضَّعف هو إما تعمَّد قلب - أيضًا - هذا الحديث أو لسوء حفظه الشديد اختلط عليه الأمر ، فبدل ما يروي قصة التطبيق روى شيئًا لا وجود له ؛ وهو أنهم كانوا يضعون أيديهم عند السجود ، فأُمروا بوضع الركب قبل الأيدي .
إذًا ابن القيم - رحمه الله - في هذه ... القوم فيها وبيَّن أنه لا يجوز الاعتماد عليها لشدَّة ضعف راويها أولًا ، ولأن الحديث المحفوظ الصحيح إنما هو في قصة التطبيق وليس في قصة الهويِّ إلى السجود .
قال : "وأما قول صاحب " المغني " : " عن أبي سعيد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأُمِرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين ؛ فهذا - والله أعلم - وهْمٌ في الاسم ، وإنما هو عن سعد ، وهو - أيضًا - وهْمٌ في المتن كما تقدَّم ، وإنما هو في قصة التطبيق " .
...
أرى أن نكتفي الآن ، وقد مضى من الوقت أكثر من ساعة على أن نتمَّ البحث - إن شاء الله - في الجلسة الآتية ، ولعله لا يأخذ من الوقت كثيرًا حتى نتفرَّغ للإجابة عن بقية الأسئلة أو بعضها - إن شاء الله - ، فلذلك نُنهي جلستنا هذه بهذا المقدار ، والحمد لله رب العالمين .
- صفة صلاة النبي - شريط : 5
- توقيت الفهرسة : 00:13:49
- نسخة مدققة إملائيًّا