ما حكم الإشارة بالسبابة في التشهد وكيفيتها ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم الإشارة بالسبابة في التشهد وكيفيتها ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ : بالنسبة للإشارة بالسبابة في التشهد نرى الناس يفعلونها على ثلاثة أشكال ؛ وهي : الإشارة بها وعدم التحريك ، الإشارة بها والتحريك بها على طول التشهد ، أو الإشارة بها وتحريكها في بعض المواضع ، نرجو التفصيل والإتيان بالدليل على القول الصحيح .

الشيخ : لقد تكلَّمنا في هذه المسألة كثيرًا ، ولذلك فألخِّص الجواب عنها فأقول :

إن رفع الأصبع في التشهد سنة ثابتة في أحاديث كثيرة ، ولكن لا يصح في شيء منها نفي التحريك ، بل قد ثبت التحريك في حديث صحيح ، صحَّحه جماعة من الأئمة المتقدِّمين والمتأخِّرين ؛ ألا وهو حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - الذي وصفَ لنا جلوسَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في التشهد في جملة ما وصف لنا من صلاته - عليه السلام - ؛ فذكرَ أنه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حين جلس للتشهد رفع السبابة ؛ قال : ( فرأيته يحرِّكها يدعو بها ) ، فقوله - رضي الله عنه - : ( فرأيته يُحرِّكها يدعو بها ) نصٌّ صريحٌ على أن التحريك بدأ من ساعة جلوسه - عليه الصلاة والسلام - للتشهد مستمرًّا بالتحريك إلى الدعاء ؛ لأنه قال : ( يدعو بها ) ، أما تقنين التحريك مع لفظة الجلالة ؛ فهذا إنما هو مجرَّد رأي ليس له أصل لا في نصٍّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا في أثر عن صحابي ؛ ولذلك فالرأي الصحيح هو ما جاء في صحيح حديث وائل أنه - عليه الصلاة والسلام - : ( كان يحرِّكها ) مستمرًّا في تحريكها حتى نهاية التشهد ؛ أي : إلى السلام .

...

لم يقترن به فعل ؛ أليس يُقال : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) ؟! مثلًا قد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من قال حين يسمع النداء : اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ؛ آت محمدًا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودًا الذي وعدْتَه حلَّت له شفاعتي يوم القيامة ) ، لم يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يدعو بهذا الدعاء ، ولكنه كما تسمعون حضَّ أمته على أن كل من قال هذا الدعاء بعد سماع النداء تحلُّ له شفاعته الخاصة منه - صلى الله عليه وسلم - لهذا الداعي يوم القيامة .

ألا يدخل من كان ملتزمًا لهذا الدعاء في عموم قوله - تعالى - في حقِّ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) ؟ أليس من قال هذا الدعاء قد اقتدى به - عليه السلام - - أي : بقوله - ؛ فكما يكون الاقتداء بفعله يكون الاقتداء بقوله وتعليمه - عليه الصلاة والسلام - ، ولذلك فالاستدلال بالآية السابقة اعتراضًا وانتقادًا لِمَا جاء في بعض كتب علم الأصول أصول الفقه أنَّه إذا تعارض قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - مع فعل له ، قُدِّم قوله على فعله ، ما كان ينبغي للسائل أن يحشر الآية السابقة لترجيح الأخذ بالفعل على القول ، بل الصَّواب هو ما حكاه من أن العلماء يقولون : " إذا تعارض قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - مع فعله قُدِّم قوله على الفعل " .

والسبب في ذلك أن القولَ الصَّادر من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو تشريعٌ من الله على لسانه - صلى الله عليه وآله وسلم - للأمة كلها ، أما فعله - عليه الصلاة والسلام - فقد يُحيط به بعض الاحتمالات التي تجعل فعله خاصًّا به - عليه السلام - ، وهذا يجب أن تنتبهوا هذا الكلام الأخير إنما هو فيما إذا كان فعله مُخالفًا لقوله - عليه الصلاة والسلام - ؛ ففي هذه الحالة يقول العلماء : إن فعله - عليه السلام - إذا خالفَ قولَه ، ولم يُمكن التوفيق بين فعله وقوله ، ولا مناص حينئذٍ من مخالفة إما الفعل وإما القول ؛ فحينئذٍ اتباع القول ومخالفة الفعل هو اللَّائق بالأمة ؛ ذلك لأن فعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الحالة - أؤكِّد في الحالة هذه فقط ؛ أي : حالة كون فعله مخالفًا لقوله - ؛ في هذه الحالة فقط يُقال : يُترك فعله - عليه السلام - له ، ونأخذ نحن بقوله لما سبق ذكره آنفًا أن قوله تشريع عام للأمة ، أما فعله فيُحيط به احتمالات ؛ يمكن أن يكون فعله قبل أن يُشرِّع للناس ما شرَّع بوحي من الله - عز وجل - لأمَّته ، فيكون الفعل قبل القول ، أو يكون فعلُه - عليه الصلاة والسلام - لعذرٍ لا ندري ما هو ، أو يكون في النهاية أمرًا خاصًّا تشريعًا خاصًّا به - عليه الصلاة والسلام - لا يُشاركه فيه أحد من المسلمين .

مثال ذلك : مثلًا من المقطوع به أن النبي - عليه الصلاة والسلام - تزوَّج من النساء أكثر من أربع ، بل ماتَ - عليه الصلاة والسلام - وتحتَ عصمته تسعٌ من النساء ، وهذا خلاف ما جاء في ظاهر قوله - تعالى - : (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلات ورباع )) ، وتأكَّد معنى المعنى الظاهر من هذه الآية بالحديث الذي جاء في السُّنن أن رجلًا أسلم وتحته تسع من النسوة ، فلما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر له ذلك قال له - عليه الصلاة والسلام - : ( أمسِكْ أربعًا منهنَّ وطلِّق سائرهنَّ ) ، ( أمسك أربعًا منهنَّ وطلق سائرهنَّ ) ، هذا قوله - عليه السلام - وذاك فعله ؛ فما موقف ذاك السائل الذي حشر الآية الكريمة في محاولة ترجيح الفعل على القول ؟

لا يجد له سبيلًا إلا أن يمشيَ مع عامة المسلمين علماء ومن دونهم بأن تزوُّجَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بتسع من النساء - بل وبأكثر من ذلك - ؛ إنما هي خصوصية خصَّه الله - تبارك وتعالى - بها ؛ فنحن ندَع فعله له - عليه السلام - ، ونأخذ بقوله كما في الآية وفي الحديث المذكور آنفًا .
  • فتاوى جدة - شريط : 26
  • توقيت الفهرسة : 00:42:36
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة