بيان بعض آداب المجالس .
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )) ، (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا )) ، أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
فقد كنت ذكَرتُ وذكَّرتُ في بعض المجالس بأدب ينبغي مراعاته في مجالس العلم ، ذلك الأدب هو الاجتماع وعدم التفرُّق في الأبدان ؛ لأن الاجتماع بالأبدان يكون سببًا شرعيًّا للاجتماع في القلوب ، وذكرت في تأييد ذلك أحاديث كثيرة ، منها ما كان - عليه الصلاة والسلام - يأمر أصحابه بتسوية الصفوف في الصلاة ، ويُتبِعُ ذلك بقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ) ، ففي هذا الحديث تصريح ما بعده تصريح أن الاختلاف في تسوية الصفوف اختلافًا ظاهريًّا ماديًّا يؤدي إلى الاختلاف في القلوب والاختلاف في الأعمال الناتجة من القلوب ، ولذلك فينبغي علينا - معشر المسلمين - أن نُلاحظ آداب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتأديبه للمسلمين في التَّقارب في الأبدان ، ومن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى أصحابَه ذات يوم في سفر ، وقد نزلوا في منزل ، وتباعدت بهم المنازل في الصحراء ما بين الشجر فقال لهم - عليه الصلاة والسلام - بعد أن سكت عنهم دهرا طويلًا ، ذلك من سياسته - عليه الصلاة والسلام - أن يصبر على الناس ، وأن يأخذَهم بالرفق إلى أن يحين وقت التذكير والتنبيه ، فقال لهم - عليه الصلاة والسلام - في ذلك المنزل الذي نزلوا فيه في الصحراء فقال : ( إنما تفرُّقكم هذا من عمل الشيطان ، إنما تفرُّقكم هذا في الوديان من عمل الشيطان ) ، ليس التفرُّق فقط في المسجد ، في الصفوف ، وفي الحلقات هو من عمل الشيطان ؛ بل وفي الصحراء حيث هناك أرض الله الواسعة ، فحضَّهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أن يتقاربوا بالأبدان ، وأن يجلسوا بعضهم قريبًا من بعض ؛ لأنَّ في ذلك تأثيرًا في ... ؛ لأن الظاهر عنوان الباطن كما يقول بعض أهل العلم ، يقول راوي هذا الحديث - وهو أبو ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - - : " فكنَّا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان - يعني من الصحراء - اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لَوَسِعَنا " ؛ أي : بعد أن ذكَّرهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن ذلك التفرُّق في الوديان والشعاب من عمل الشيطان استجابوا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما بعد من الأسفار ، فكانوا إذا نزلوا في مكانٍ اجتمعوا حتى لو جلسوا على بساط واحد لَوَسِعَهم .
فهذا - أيضًا - مما يؤكد أن التفرق بالأبدان يسبِّب التفرق بالقلوب والبصائر ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يُؤكِّد أن الظاهر يُؤثِّر في الباطن ، كما أن الباطن يُؤثِّر في الظاهر ؛ أي : صلاح الباطن يُؤثِّر في صلاح الظاهر ، وصلاح الظاهر يُؤثِّر في صلاح الباطن ، وهذه حقيقة نبويَّة نفسيَّة قلَّما من ينتبه لها من المتمسِّكين بالسنة فضلًا عن غيرهم ، أعني بذلك قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " من حديث النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس ؛ فمن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ؛ ألا وإنَّ لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا ومَن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ، والشاهد فيما يأتي من بقية الحديث ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ألا وإن في الجسد مضغة ؛ إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) ، ولذلك فليس من أداب الجلوس في حلقات الدروس والوعظ والتعليم والإرشاد التفرُّق بالأبدان ؛ لأنه يُؤثِّر في القلوب .
من أجل ذلك جاء في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل يومًا مسجده فرأى الناس حلْقات حلْقات متفرِّقين ، فأنكر ذلك عليهم وقال لهم : ( ما لي أراكم عِزين ؟! ) أي : ما لي أراكم متفرِّقين بعضكم بعيد عن بعض ، هذا من أدب المجالس ، مجالس العلم التي تحضرها ملائكة الرحمن وتحفُّها بأجنحتها ، وتنزل عليهم السكينة ، وتغشاهم الرَّحمة ، فنرجو أن يُلاحظ إخواننا هذا الأدب الذي نراه قد يُخلُّ به كثير من الناس حتى في المساجد ؛ حيث نرى الحلقة حول المُدرِّس أو الشيخ أو الواعظ كبيرة جدًّا جدًّا ، وبين الواعظ وبين المتحلِّقين حوله خطوات كثيرة ، هذا ليس من أدب الإسلام ، فهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .
والآن أرجو توجيه الأسئلة وعدم الاضطراب فيها حتى تتمَّ الفائدة إن شاء الله - تبارك وتعالى - .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )) ، (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا )) ، أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
فقد كنت ذكَرتُ وذكَّرتُ في بعض المجالس بأدب ينبغي مراعاته في مجالس العلم ، ذلك الأدب هو الاجتماع وعدم التفرُّق في الأبدان ؛ لأن الاجتماع بالأبدان يكون سببًا شرعيًّا للاجتماع في القلوب ، وذكرت في تأييد ذلك أحاديث كثيرة ، منها ما كان - عليه الصلاة والسلام - يأمر أصحابه بتسوية الصفوف في الصلاة ، ويُتبِعُ ذلك بقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ) ، ففي هذا الحديث تصريح ما بعده تصريح أن الاختلاف في تسوية الصفوف اختلافًا ظاهريًّا ماديًّا يؤدي إلى الاختلاف في القلوب والاختلاف في الأعمال الناتجة من القلوب ، ولذلك فينبغي علينا - معشر المسلمين - أن نُلاحظ آداب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتأديبه للمسلمين في التَّقارب في الأبدان ، ومن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى أصحابَه ذات يوم في سفر ، وقد نزلوا في منزل ، وتباعدت بهم المنازل في الصحراء ما بين الشجر فقال لهم - عليه الصلاة والسلام - بعد أن سكت عنهم دهرا طويلًا ، ذلك من سياسته - عليه الصلاة والسلام - أن يصبر على الناس ، وأن يأخذَهم بالرفق إلى أن يحين وقت التذكير والتنبيه ، فقال لهم - عليه الصلاة والسلام - في ذلك المنزل الذي نزلوا فيه في الصحراء فقال : ( إنما تفرُّقكم هذا من عمل الشيطان ، إنما تفرُّقكم هذا في الوديان من عمل الشيطان ) ، ليس التفرُّق فقط في المسجد ، في الصفوف ، وفي الحلقات هو من عمل الشيطان ؛ بل وفي الصحراء حيث هناك أرض الله الواسعة ، فحضَّهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أن يتقاربوا بالأبدان ، وأن يجلسوا بعضهم قريبًا من بعض ؛ لأنَّ في ذلك تأثيرًا في ... ؛ لأن الظاهر عنوان الباطن كما يقول بعض أهل العلم ، يقول راوي هذا الحديث - وهو أبو ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - - : " فكنَّا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان - يعني من الصحراء - اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لَوَسِعَنا " ؛ أي : بعد أن ذكَّرهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن ذلك التفرُّق في الوديان والشعاب من عمل الشيطان استجابوا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما بعد من الأسفار ، فكانوا إذا نزلوا في مكانٍ اجتمعوا حتى لو جلسوا على بساط واحد لَوَسِعَهم .
فهذا - أيضًا - مما يؤكد أن التفرق بالأبدان يسبِّب التفرق بالقلوب والبصائر ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يُؤكِّد أن الظاهر يُؤثِّر في الباطن ، كما أن الباطن يُؤثِّر في الظاهر ؛ أي : صلاح الباطن يُؤثِّر في صلاح الظاهر ، وصلاح الظاهر يُؤثِّر في صلاح الباطن ، وهذه حقيقة نبويَّة نفسيَّة قلَّما من ينتبه لها من المتمسِّكين بالسنة فضلًا عن غيرهم ، أعني بذلك قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " من حديث النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس ؛ فمن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ؛ ألا وإنَّ لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا ومَن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ، والشاهد فيما يأتي من بقية الحديث ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ألا وإن في الجسد مضغة ؛ إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) ، ولذلك فليس من أداب الجلوس في حلقات الدروس والوعظ والتعليم والإرشاد التفرُّق بالأبدان ؛ لأنه يُؤثِّر في القلوب .
من أجل ذلك جاء في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل يومًا مسجده فرأى الناس حلْقات حلْقات متفرِّقين ، فأنكر ذلك عليهم وقال لهم : ( ما لي أراكم عِزين ؟! ) أي : ما لي أراكم متفرِّقين بعضكم بعيد عن بعض ، هذا من أدب المجالس ، مجالس العلم التي تحضرها ملائكة الرحمن وتحفُّها بأجنحتها ، وتنزل عليهم السكينة ، وتغشاهم الرَّحمة ، فنرجو أن يُلاحظ إخواننا هذا الأدب الذي نراه قد يُخلُّ به كثير من الناس حتى في المساجد ؛ حيث نرى الحلقة حول المُدرِّس أو الشيخ أو الواعظ كبيرة جدًّا جدًّا ، وبين الواعظ وبين المتحلِّقين حوله خطوات كثيرة ، هذا ليس من أدب الإسلام ، فهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .
والآن أرجو توجيه الأسئلة وعدم الاضطراب فيها حتى تتمَّ الفائدة إن شاء الله - تبارك وتعالى - .