بيان مسألة قصد مخالفة الكافرين .
A-
A=
A+
الشيخ : ولكن هنا شيء يجب أن نذكرَه بهذه المناسبة طالما أعرضَ عن ذكرها كثيرٌ من المرشدين أو الواعظين ، وهي قصد مُخالفة الكافرين ، هذا شيء آخر غير التشبه ، التشبه أن يقصد الإنسان أن يتشبه بالكافر أو لا يقصد ؛ ولكن مظهره يدلُّ على ذلك ، أما مخالفة الكافرين فيختلف عن هذا جذريًّا ؛ فإنه يتقصَّد بعمله بلباسه أن يُخالف الكفار ، انظروا إلى قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري في " صحيحه " عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورَهم ؛ فخالفوهم ) ، ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ) - أي : شيبهم - ( فخالفوهم ) ، فأنتم ترون في هذا الحديث أن الشَّيب الذي هو أمر مفروض من الله على خلقه سنة الله في خلقه (( ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) ، لا يتبادر إلى ذهن أحد بأنه إذا رأى شيبة مسلم وشيبة كافر لا يخطر في باله أن يقول هذا متشبه بهذا ؛ لأن الشَّيب ليس في ملكه ولا في قدرته ، ولو كان ذلك في قدرته لما شاب إنسان على وجه الأرض ، لكنها - كما قلنا - سنة الله في خلقه .
فكيف عالج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الظاهرة ؟ قال : ( فخالفوهم ) ، بماذا ؟ بالصبغ بالحنَّاء والكَتَم ونحو ذلك من الأصباغ . ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ؛ إذًا هنا شيء هو مخالفة المسلم للكافر ، فهذا أمرٌ مستحبٌّ في الجملة ، وقد يكون واجبًا بخصوص مكان ما - كما قال الإمام أحمد في هذه الجزئية - ؛ خاصة بأنَّ المسلم يجب عليه أن يصبغَ شعره سواء شعر رأسه أو لحيته ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أمر بذلك أمرًا خاصًّا .
كذلك قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الآخر : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا الله ، وخالفوا اليهود والنصارى ) ، قد يفعل كثيرٌ من النصارى ما يفعل المسلمون ؛ يعفون عن لحاهم ، وقد يقصُّون شاربهم ، فيقول بعض المائعين في هذا العصر : إي الآن صار الكفار مثلنا ، نحن نعفي عن لحانا ، وهم - أيضًا - يفعلون ذلك ، فنقول : الأصل أن نتبع شرعنا ، وأن يتشبَّه غيرنا بنا ، وليس العكس ؛ أن نتبع شرع غيرنا ونشتبَّه بهم ، فحينما يتشبه المسلم بالكافر فذلك ضعف منه ، ودليل على عدم اعتزازه بدينه وأحكام شريعة ربِّه ، أما إذا تشبَّه الكفار بالمسلمين ؛ فذلك بلا شك قوَّة للإسلام وعزَّة للمسلمين ؛ فقول الرسول في هذا الحديث الثاني : ( وخالفوا اليهود والنصارى ) دليلٌ - كما يقول ابن تيمية رحمه الله - أن المُخالفة أمرٌ مقصودٌ من الشارع الحكيم ، ونجد هذا في شيء آخر ليس من باب الوجوب ، وإنما هو من باب الاستحباب ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ، فقد أمر - عليه الصلاة والسلام - المسلمين ألا يتنطَّعوا في دينهم ، وألا يتكلَّفوا الصلاة حفاةً ، وإنما يصلون كما يتيسر لهم ، إن دخلوا المسجد حفاةً صلُّوا حفاةً ولم يتكلَّفوا التنعُّل ، وإن صلوا في المصلى في الصحراء في العراء فلا يتكلَّفون خلع النعلين ، وإنما كما يتيسَّر لهم ، بعض الناس حتى هذا الزمان يتكلَّفون خلع النعال حتى في الصحراء ، ولا مُبرِّر ولا مُسوِّغ لمثل هذا التكلف ، بل علينا أن نتقصَّد الصلاة في النعال مخالفةً منَّا لليهود ، ولكن بهذه المناسبة أقول : وليس في هذه المساجد المفروشة اليوم كما يفعل ذلك بعض المتكلِّفين ، وإنما كما قلنا إذا صلَّى في داره وكان لابسًا نعليه صلى بهما ، إذا خرج إلى البرية الصحراء صلى بهما ، وهكذا ، ويقصِد بذلك مخالفة اليهود ؛ فيكون له أجر الصلاة في النعلين أكثر من الصلاة حافيًا .
وهنا لا بدَّ لي من التذكير بخطأ يقع فيه بعض من نصب نفسه للإفتاء - وليس هو أهلًا للإفتاء ! - ؛ بدليل المذهب نفسه الذي كان ينتمي إليه ، وهو المذهب الحنفي ، الذي يقول : إن المفتي يجب أن يكون عالمًا بالكتاب والسنة ، ومن كان متفقِّهًا في كتب مذهب ما فذلك ليس فقيهًا ، إنما هو حاكٍ يحكي ما قال غيره ، ولا يدري أصوابٌ ما قاله أم خطأ ؟
يذكر هذا الذي نشير إليه في طريق إيهامه للجمهور بأن إعفاء اللحية ليس فرضًا واجبًا على كلِّ ذكر أنبت الله له لحية ، يُوهم الناس بأن قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) الأمر ههنا ليس للوجوب ، يزعم بأن الدليل على ذلك قوله - عليه السلام - في الحديث الأخير : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ؛ قال : فكما أن الأمر في الحديث الأخير : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ليس للوجوب ؛ فكذلك الأمر في قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن اليهود والنصارى ) - عفوًا - : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا عن اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) - أيضًا - هذا الأمر ليس للوجوب ، هذا المقابلة ، هذه المقابلة بين الحديثين يدل على أن هذا الكلام ليس من الفقه في شيء ، وذلك لأنَّ الأصل في كلِّ أمر أنه للوجوب ، وهذا مما يقوله كلُّ دارس لعلم الأصول إلا لقرينة ، فوجد المُشار إليه قرينة في الحديث الأخير : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ، حيث قال : لا أحد يقول بوجوب الصلاة في النعال ؛ إذًا فلنقل بأن حديث : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ) - أيضًا - لا يُفيد الوجوب ؛ لقوله - عليه السلام - هنا : ( وخالفوا اليهود والنصارى ) كقوله هناك : ( خالفوا اليهود ؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ) .
وجوابنا على ذلك : إذا كان مُسلَّمًا أن الأمر للوجوب ؛ فذلك لا يقتضي أن يكون كذلك في كلِّ نصٍّ فيه أمر كالحديث الثاني : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ، نحن نعلم أن هذا الأمر ليس للوجوب فعلًا ؛ من أين ؟ من حياته - عليه الصلاة والسلام - ، ومن صلاته حيث جاء في " مسند الإمام أحمد " وغيره من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلي متنعِّلًا ، وكان يصلِّي حافيًا .
فإذًا عدم التزام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة في نعليه كان هذا قرينةً واضحةً جدًّا أن الأمر في قوله : ( وخالفوا اليهود ) في الصلاة في النعلين ليس للوجوب ، وشتَّان بين هذه القرينة والقرينة الأخرى الموجودة فيما يتعلَّق بإعفاء اللحية ؛ حيث لم يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه حلق لحيته أحيانًا وعفا عنها أحيانًا ؛ حتى يكون المقابلة صحيحة بين الأمرين ؛ هنا قال : ( حفُّوا الشارب وأعفوا اللحى ) ، ولم يُنقل عنه أبدًا أنه أطال شاربه كما يفعل الدروز في بعض البلاد العربية والشيوعيون في السوفيات ، ولا أنه حلق لحيته أحيانًا ؛ فبقي الأمر على الوجوب ، وأكَّد ذلك هذا الأصل ، وهو : ( وخالفوا اليهود والنصارى ) ، أما في الحديث الثاني فقد قامت القرينة الفعليَّة منه - عليه السلام - بصلاته أحيانًا حافيًا أن هذا الأمر ليس للوجوب .
ثم يُضاف إلى ما ذكرناه بالنسبة لإعفاء اللحية قرائن خارجية عن هذا الحديث تؤكِّد أن إعفاء اللحية ليس أمرًا مخيَّر فيه الإنسان كالصلاة في النعلين أو حافيًا ، من ذلك أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا أوجزها ؛ لأن الوقت قد انتهى ، يُخالف الذي يحلق لحيته أنه يتشبَّه بالنساء ، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المتشبِّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبِّهات من النساء بالرجال ، ثم يُخالف قول الله - تبارك وتعالى - حينما حكى عن إبليس قوله : (( ولآمرنَّهم فليبتِّكنَّ آذان الأنعام ولأمرنَّهم فليغيرنَّ خلق الله )) ، ففي حلق اللحية تغيير لخلق الله ، وفي ذلك إطاعةٌ للشيطان وعصيانٌ للرحمن ، كيف وقد لعن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء اللَّاتي يتعاطينَ نوعًا من الزينة فيه تغيير لخلق الله ، وعلَّل ذلك - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( المغيِّرات للخلق للحسن ) ، قال - عليه السلام - : ( لعن الله النَّامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، والفالجات المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) ؟
فيا لَلعجب كيف يقول مسلم عاقل يدري ما يخرج من فمه ؛ المرأة إذا حلقت حاجبها أو طرفًا من حاجبها تكون ملعونةً بسبب تغييرها لخلق ربِّها ، ثم لا يكون ملعونًا الرجل الذي يحلق لحيته برمَّتها ، ثم يرميها أرضًا ، وهذا يكون قد ارتكب مخالفة من باب الكراهة التنزيهية ، وليس أنه ارتكب إثمًا كبيرًا ؟ والأحاديث - كما ترون - كلها تجتمع على أن الأمر في قوله - عليه الصلاة والسلام - ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا عن اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) .
والحمد لله رب العالمين .
فكيف عالج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الظاهرة ؟ قال : ( فخالفوهم ) ، بماذا ؟ بالصبغ بالحنَّاء والكَتَم ونحو ذلك من الأصباغ . ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ؛ إذًا هنا شيء هو مخالفة المسلم للكافر ، فهذا أمرٌ مستحبٌّ في الجملة ، وقد يكون واجبًا بخصوص مكان ما - كما قال الإمام أحمد في هذه الجزئية - ؛ خاصة بأنَّ المسلم يجب عليه أن يصبغَ شعره سواء شعر رأسه أو لحيته ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أمر بذلك أمرًا خاصًّا .
كذلك قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الآخر : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا الله ، وخالفوا اليهود والنصارى ) ، قد يفعل كثيرٌ من النصارى ما يفعل المسلمون ؛ يعفون عن لحاهم ، وقد يقصُّون شاربهم ، فيقول بعض المائعين في هذا العصر : إي الآن صار الكفار مثلنا ، نحن نعفي عن لحانا ، وهم - أيضًا - يفعلون ذلك ، فنقول : الأصل أن نتبع شرعنا ، وأن يتشبَّه غيرنا بنا ، وليس العكس ؛ أن نتبع شرع غيرنا ونشتبَّه بهم ، فحينما يتشبه المسلم بالكافر فذلك ضعف منه ، ودليل على عدم اعتزازه بدينه وأحكام شريعة ربِّه ، أما إذا تشبَّه الكفار بالمسلمين ؛ فذلك بلا شك قوَّة للإسلام وعزَّة للمسلمين ؛ فقول الرسول في هذا الحديث الثاني : ( وخالفوا اليهود والنصارى ) دليلٌ - كما يقول ابن تيمية رحمه الله - أن المُخالفة أمرٌ مقصودٌ من الشارع الحكيم ، ونجد هذا في شيء آخر ليس من باب الوجوب ، وإنما هو من باب الاستحباب ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ، فقد أمر - عليه الصلاة والسلام - المسلمين ألا يتنطَّعوا في دينهم ، وألا يتكلَّفوا الصلاة حفاةً ، وإنما يصلون كما يتيسر لهم ، إن دخلوا المسجد حفاةً صلُّوا حفاةً ولم يتكلَّفوا التنعُّل ، وإن صلوا في المصلى في الصحراء في العراء فلا يتكلَّفون خلع النعلين ، وإنما كما يتيسَّر لهم ، بعض الناس حتى هذا الزمان يتكلَّفون خلع النعال حتى في الصحراء ، ولا مُبرِّر ولا مُسوِّغ لمثل هذا التكلف ، بل علينا أن نتقصَّد الصلاة في النعال مخالفةً منَّا لليهود ، ولكن بهذه المناسبة أقول : وليس في هذه المساجد المفروشة اليوم كما يفعل ذلك بعض المتكلِّفين ، وإنما كما قلنا إذا صلَّى في داره وكان لابسًا نعليه صلى بهما ، إذا خرج إلى البرية الصحراء صلى بهما ، وهكذا ، ويقصِد بذلك مخالفة اليهود ؛ فيكون له أجر الصلاة في النعلين أكثر من الصلاة حافيًا .
وهنا لا بدَّ لي من التذكير بخطأ يقع فيه بعض من نصب نفسه للإفتاء - وليس هو أهلًا للإفتاء ! - ؛ بدليل المذهب نفسه الذي كان ينتمي إليه ، وهو المذهب الحنفي ، الذي يقول : إن المفتي يجب أن يكون عالمًا بالكتاب والسنة ، ومن كان متفقِّهًا في كتب مذهب ما فذلك ليس فقيهًا ، إنما هو حاكٍ يحكي ما قال غيره ، ولا يدري أصوابٌ ما قاله أم خطأ ؟
يذكر هذا الذي نشير إليه في طريق إيهامه للجمهور بأن إعفاء اللحية ليس فرضًا واجبًا على كلِّ ذكر أنبت الله له لحية ، يُوهم الناس بأن قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) الأمر ههنا ليس للوجوب ، يزعم بأن الدليل على ذلك قوله - عليه السلام - في الحديث الأخير : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ؛ قال : فكما أن الأمر في الحديث الأخير : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ليس للوجوب ؛ فكذلك الأمر في قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن اليهود والنصارى ) - عفوًا - : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا عن اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) - أيضًا - هذا الأمر ليس للوجوب ، هذا المقابلة ، هذه المقابلة بين الحديثين يدل على أن هذا الكلام ليس من الفقه في شيء ، وذلك لأنَّ الأصل في كلِّ أمر أنه للوجوب ، وهذا مما يقوله كلُّ دارس لعلم الأصول إلا لقرينة ، فوجد المُشار إليه قرينة في الحديث الأخير : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ، حيث قال : لا أحد يقول بوجوب الصلاة في النعال ؛ إذًا فلنقل بأن حديث : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ) - أيضًا - لا يُفيد الوجوب ؛ لقوله - عليه السلام - هنا : ( وخالفوا اليهود والنصارى ) كقوله هناك : ( خالفوا اليهود ؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ) .
وجوابنا على ذلك : إذا كان مُسلَّمًا أن الأمر للوجوب ؛ فذلك لا يقتضي أن يكون كذلك في كلِّ نصٍّ فيه أمر كالحديث الثاني : ( صلُّوا في نعالكم ، وخالفوا اليهود ) ، نحن نعلم أن هذا الأمر ليس للوجوب فعلًا ؛ من أين ؟ من حياته - عليه الصلاة والسلام - ، ومن صلاته حيث جاء في " مسند الإمام أحمد " وغيره من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلي متنعِّلًا ، وكان يصلِّي حافيًا .
فإذًا عدم التزام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة في نعليه كان هذا قرينةً واضحةً جدًّا أن الأمر في قوله : ( وخالفوا اليهود ) في الصلاة في النعلين ليس للوجوب ، وشتَّان بين هذه القرينة والقرينة الأخرى الموجودة فيما يتعلَّق بإعفاء اللحية ؛ حيث لم يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه حلق لحيته أحيانًا وعفا عنها أحيانًا ؛ حتى يكون المقابلة صحيحة بين الأمرين ؛ هنا قال : ( حفُّوا الشارب وأعفوا اللحى ) ، ولم يُنقل عنه أبدًا أنه أطال شاربه كما يفعل الدروز في بعض البلاد العربية والشيوعيون في السوفيات ، ولا أنه حلق لحيته أحيانًا ؛ فبقي الأمر على الوجوب ، وأكَّد ذلك هذا الأصل ، وهو : ( وخالفوا اليهود والنصارى ) ، أما في الحديث الثاني فقد قامت القرينة الفعليَّة منه - عليه السلام - بصلاته أحيانًا حافيًا أن هذا الأمر ليس للوجوب .
ثم يُضاف إلى ما ذكرناه بالنسبة لإعفاء اللحية قرائن خارجية عن هذا الحديث تؤكِّد أن إعفاء اللحية ليس أمرًا مخيَّر فيه الإنسان كالصلاة في النعلين أو حافيًا ، من ذلك أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا أوجزها ؛ لأن الوقت قد انتهى ، يُخالف الذي يحلق لحيته أنه يتشبَّه بالنساء ، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المتشبِّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبِّهات من النساء بالرجال ، ثم يُخالف قول الله - تبارك وتعالى - حينما حكى عن إبليس قوله : (( ولآمرنَّهم فليبتِّكنَّ آذان الأنعام ولأمرنَّهم فليغيرنَّ خلق الله )) ، ففي حلق اللحية تغيير لخلق الله ، وفي ذلك إطاعةٌ للشيطان وعصيانٌ للرحمن ، كيف وقد لعن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء اللَّاتي يتعاطينَ نوعًا من الزينة فيه تغيير لخلق الله ، وعلَّل ذلك - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( المغيِّرات للخلق للحسن ) ، قال - عليه السلام - : ( لعن الله النَّامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، والفالجات المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) ؟
فيا لَلعجب كيف يقول مسلم عاقل يدري ما يخرج من فمه ؛ المرأة إذا حلقت حاجبها أو طرفًا من حاجبها تكون ملعونةً بسبب تغييرها لخلق ربِّها ، ثم لا يكون ملعونًا الرجل الذي يحلق لحيته برمَّتها ، ثم يرميها أرضًا ، وهذا يكون قد ارتكب مخالفة من باب الكراهة التنزيهية ، وليس أنه ارتكب إثمًا كبيرًا ؟ والأحاديث - كما ترون - كلها تجتمع على أن الأمر في قوله - عليه الصلاة والسلام - ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا عن اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) .
والحمد لله رب العالمين .