التنبيه على مخالفة يقع بها جماهير المصلين ، وهي أنهم يسابقون الإمام بالتأمين .
A-
A=
A+
الشيخ : ... لكني لا أريد أن أفوِّتَ على نفسي التذكير بأمرٍ يخلُّ به جماهير المصلين ، ومع الأسف الشديد في كل المساجد التي دخلتها من بلاد الإسلام ، لا أستثني منها ولا المسجد الحرام ، يقع فيه المصلون في مسابقة للإمام لا يتنبَّهون لها ، ومع عدم تنبُّههم لها يقعون في مخالفة أمر الرسول - عليه السلام - أولًا ، ثم يضيِّعون بسبب هذه المخالفة أن ينالوا مغفرة الله - عز وجل - ثانيًا ، أعني بذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ؛ فإنه من وافقَ تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه ) ، هذا النص ( إذا أمَّن فأمِّنوا ) على وزان ( إذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ) أي : هذا من تمام الائتمام بالإمام المنصوص عليه في حديث أنس السابق ذكره في الكلمة السابقة ( إنما جٌعل الإمام ليُؤتمَّ به ، فإذا كبر فكبروا ) إلى آخره ، وفي الرواية الأخرى : ( إنما جعل الإمام ليُؤتمَّ به ؛ فلا تختلفوا عليه ) ، فمن الإخلال بالائتمام بالإمام ومن المخالفة والاختلاف على الإمام مسابقة جماهير المصلِّين للإمام بـ " آمين " ، مسابقة جماهير المصلِّين للإمام بـ " آمين " ، لا أعني أنا نفسي ، بل كل أئمة المساجد هكذا يفعل المقتدون من ورائهم يخالفونهم فيسبقونهم بـ " آمين " ، لا يكاد الإمام ينتهي ويصل في قراءته في آخر آية من الفاتحة فيقول : (( ولا الضالين )) قبل أن يسكِّن نون (( الضالين )) تجد الجمهور قد لجَّ وضجَّ بالتأمين ، وهو بعدُ ما كمَّل الآية أولًا ، ثم لا يفسحون له المجال ثانيًا ليقف على رأس الآية كما هو السنة ، ويأخذ نفسًا جديدًا ليُسمعهم بدءَه بـ " آمين " ليقتدوا هم به ، فهم يسبقونه ، وكأنما هم قلبوا الوظيفة ، وظيفتهم الائتمام بالإمام ، وإذا هم جعلوا الإمام ليأتم بهم ، ذلك لأنهم يسبقونه بـ " آمين " ، هذه من عجائب المخالفات التي تقع في كل المساجد ، وأنا أرجو أولًا من جماهير المصلين أن ينتبهوا لهذه المخالفة ، فلا يقعوا فيها ؛ فيخسرون مرَّتين ؛ المرة الأولى يخالفون أمر رسول الله ( إذا أمَّن فأمِّنوا ) ، المرة الأخرى وهي ثمرة المخالفة الأولى أنهم لا يحظون بمغفرة الله - تبارك وتعالى - ، وتأمَّلوا فضل الله - عز وجل - على هذه الأمة المسلمة حيث رتَّب لهم سببًا مذلَّلًا ميسَّرًا ؛ لماذا ؟ لكي يحصلوا على مغفرة ربهم بأدنى الأسباب ، وهو أن يضبطوا أنفاسَهم ، وأن يصغوا لقراءة أمامهم ، وأن ينتبهوا لبدئه بـ " آمين " ليبدؤوا هم معه بـ " آمين " .
انظروا هذا السبب ما أيسره ! ثم تأملوا معي ما أكثر الخاسرين لهذه المغفرة ؛ بسبب غفلتهم وانصياعهم لعادتهم وتقاليدهم ، دون تنبُّههم لأمر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإذ في الحديث قال - عليه السلام - : ( إذا أمن الإمام ؛ فأمِّنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ، على المؤتمين أن يصغوا أولًا ويتدبَّروا لقراءة الإمام ، فإذا ما كان الإمام ينتهي من قراءة الفاتحة ، ووصل إلى الآية الأخيرة منها ؛ يحبسوا عليهم أن يحبسوا أنفاسهم في صدورهم ، وأن يلاحظوا بدءَ الإمام لقوله " أمين " ، فإذا بدأ هو فليبدؤوا هم ، والعلماء شرَّاح هذا الحديث قد فسَّروا الحديث بتفسيرين ؛ أحدهما هذا الذي ذكرته آنفًا ، إذا بدأ هو بـ " آمين " فابدؤوا أنتم ، والآخر وهو أحوط لهؤلاء الجماهير الذين غفلوا عن هذه السنة ، بل عن هذا الأمر النبوي الكريم ، ما هو التفسير الآخر ؟ إذا فرغ الإمام من قوله " أمين " فابدؤوا أنتم " آمين " ، وهو أحوط وأكبح لجماح النفس وحبس النفس في الصدور ، حتى يتمكَّن المقتدي من تحقيق عدم مسابقة الإمام ؛ أنه إذا وافق الإمام بـ " آمين " غفر له الله - عز وجل - ذنوبه كما سمعتم ، فإذًا أنا أنصحكم بأن تتنبَّهوا لهذا الأمر ، ولا تكونوا تعيشون هكذا هملًا مع الغافلين عن هذه الفضيلة ، وعن هذا الأمر الصريح الذي يقول : ( إذا أمن الإمام ؛ فأمِّنوا ؛ فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) .
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر لنا ذنوبنا ، وأن يُلهمنا العمل بأحكام نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - . نعم .
السائل : ... في اللغة العربية وردت قبلية وبعدية ومصاحبة ، أما قبلية في قوله - تعالى - : (( إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) أي : قبل القرآن ، وبعديَّة كما في قوله : ( إذا كبَّر الإمام فكبِّروا ) ، أما المصاحبة ؛ فممكن نحمله ( إذا أمَّن الإمام ) في الرواية الأخرى : ( فإذا قال : (( ولا الضالين )) ؛ فقولوا : آمين ) ؟
الشيخ : وقعت المسابقة على الرواية الأخرى أم الموافقة ؟
السائل : كيف يا شيخ ؟
الشيخ : وقعت المسابقة المنهي عنها أم وقعت الموافقة المأمور بها ؟
السائل : الموافقة إذا حملنا " إذا " على الموافقة لا قبلية ولا بعدية .
الشيخ : فاهم فاهم بهذا التعبير ، ( إذا قال الإمام (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) فقولوا : آمين ) ؛ وقعت الموافقة مع تأمين الأمام أم وقعت المسابقة ؟
السائل : ربما تكون المسابقة ؟
الشيخ : دعك من ربَّما - بارك الله فيك - ، ربما تُقابل بأختها ، فلا تستفيد لا أنت ولا أنا ، شوف - بارك الله فيك - ؛ أولًا هذه الرواية التي أنت ذكرتها الآن هي رواية مختصرة ، ( وإذا قال الإمام (( ولا الضالين )) ؛ فقولوا آمين ؛ فإن الإمام يقول آمين ) ، فإذًا تلتقي هذه الرواية بتلك الرواية ، فلا بدَّ من أحد التفسيرين ، إذا بدأ فابدؤوا ، أو إذا انتهى فابدؤوا ، وهذا التفسير الثاني أنا وإن كنت لا أميل إليه لكن بالنسبة لاعتياد الناس المخالفة فيكون أنفع لهم وأحوط ، لكي لا يقعوا أولًا في المسابقة ، ثم لا يخسروا فضيلة المغفرة ، وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
السائل : شيخنا ، لو يكون في كلمة صغير حول ... ما رأيك ؟
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ أما بعد :
فأعود لأذكِّركم مرَّة ثانية - وربما ثالثة ورابعة - ؛ بوجوب انتباهكم لأمر نبيِّكم - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي حدَّثناكم به أمسِ ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ؛ فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه ) ؛ فقد لاحظتُ أن تنبيهنا هذا بالحديث المذكور قد ذهبَ أدراج الرياح ، وكأن هناك لم يكن شيئًا مذكورًا من هذا الحديث ، فقد سبقتموني بـ " آمين " ، وأنا أدري بالتجربة أنه ليس من السهل أن يعتادَ الناس عادةً جديدةً ، ولو كانت هي الحق ، ما دام أنه قد غلب عليهم عادةٌ أخرى ، فاستئصالها والقضاء على شأفتها بمحاضرة واحدة تُلقى ليس أمرًا سهلًا ، ولذلك فلا بدَّ من التكرار لهذا التنبيه والتذكير بهذا الحديث الصحيح : ( إذا أمَّن الإمام ؛ فأمِّنوا ) ، فقد كنَّا في سوريا ننبِّه على هذا ، مع أنني لستُ لم أكن إمامًا راتبًا رسميًّا ، ولكنني أعيش الآن في عمان ، وهناك صاحب لنا إمام مسجد يخطب كلَّ جمعة فيه ، وقد مضى عليه سنين كثيرة وهو في كل يوم جمعة ينبِّه المصلين على هذا الحديث الصحيح ، ومع ذلك حتى آخر جمعة صلَّيناها هناك والناس يسابقونه بـ " آمين " !
والحقيقة أن هذه الجزئية البسيطة السهلة التي لا تكلِّف كل فرد من المصلين جهدًا كثيرًا سوى استحضار واستجماع عقله وفكره وراء إمامه ، وما يتلوه من كتاب ربِّه ، مع ذلك ظلَّ هذا الإمام يتابع أصحابه وأتباعه والمقتدين به بهذا التذكير ؛ وحتى اليوم لمَّا يستطع أن يستقيم بهم على الجادَّة ، الأمر الذي يذكِّرنا بالمعجزة العظمى التي امتاز بها نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - حيث بدعوته الطاهرة النقية ... ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الظلمات إلى النور ، وقد كانوا كما تعلمون جميعًا في ضلال مبين ، وفي جاهليَّة جهلاء ، فهنا نتصوَّر كم كان جهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في إخراج أولئك العرب مما كانوا فيه من الضَّلال إلى الهدى ، بينما نحن نستمرُّ أسابيع وشهورًا وسنين لتعويد الناس على عادةٍ سهلةٍ سمحةٍ ، ومع ذلك لا ننجح في ذلك ، وما هو السبب ؟
السبب أن طبائع الناس اليوم على رغم كونهم مسلمين ليسوا كالعرب الأولين ، على رغم كونهم من المشركين الضالين ، فلا جرم أن الله - تبارك وتعالى - اصطفى رسالته وخصَّ بها نبيه محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - من جهة ، ومن جهة أخرى اصطفى أمة العرب الأولين أن يكونوا حملة هذه الرسالة المباركة الطيبة إلى العالمين .
أما العرب اليوم فمع الأسف الشديد أقول : إنهم ليسوا على أخلاق الأوَّلين ، ولا على أطباعهم من الاهتمام بالأمر الذي يُوجَّه إليهم ، والهدى الذي يُقرَّب إليهم ، فإننا في تجارب كثيرة وكثيرة جدًّا ، وأبسطها وأقربها هذه المسألة البسيطة ، كلُّكم عرب ، وكلكم يفهم قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا أمَّن الإمام ؛ فأمِّنوا ) ، ولو فرض أن هناك عربي قد استعجم فقد شُرح هذا الحديث على قولين للعلماء ، كلاهما يستلزم أن يتأخَّر المقتدي بالتأمين عن الإمام على الأقلِّ بألف " آمين " ، وعلى الأكثر بسكون نون " آمين " ، فيبدأ المقتدي بـ " آمين " ، هذا شُرح في الأمس القريب ومع ذلك ذهب نسيًا منسيًّا لماذا ؟ لأن أذهاننا وعاداتنا رانت علينا ، فمن الصعب جدًّا أن نحيدَ عنها إلا بالملاحقة وبالمتابعة والتذكير ، فإذا ما ذكرناكم فعليكم أن تتحملونا ، لأن الذكرى تنفع المؤمنين وهذا ما أردت التذكير به بهذه المناسبة ، ونسأل الله - عز وجل - أن يُلهمنا رشدنا ، وأن يوفِّقنا لاتِّباع سنة نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأن يُلهمنا العمل بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) ، كذلك بالحديث الذي هو وقت هذه الساعة التي نحن مُحرمين وحجَّاج ؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( خذوا عنِّي مناسككم ؛ فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) .
انظروا هذا السبب ما أيسره ! ثم تأملوا معي ما أكثر الخاسرين لهذه المغفرة ؛ بسبب غفلتهم وانصياعهم لعادتهم وتقاليدهم ، دون تنبُّههم لأمر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإذ في الحديث قال - عليه السلام - : ( إذا أمن الإمام ؛ فأمِّنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ، على المؤتمين أن يصغوا أولًا ويتدبَّروا لقراءة الإمام ، فإذا ما كان الإمام ينتهي من قراءة الفاتحة ، ووصل إلى الآية الأخيرة منها ؛ يحبسوا عليهم أن يحبسوا أنفاسهم في صدورهم ، وأن يلاحظوا بدءَ الإمام لقوله " أمين " ، فإذا بدأ هو فليبدؤوا هم ، والعلماء شرَّاح هذا الحديث قد فسَّروا الحديث بتفسيرين ؛ أحدهما هذا الذي ذكرته آنفًا ، إذا بدأ هو بـ " آمين " فابدؤوا أنتم ، والآخر وهو أحوط لهؤلاء الجماهير الذين غفلوا عن هذه السنة ، بل عن هذا الأمر النبوي الكريم ، ما هو التفسير الآخر ؟ إذا فرغ الإمام من قوله " أمين " فابدؤوا أنتم " آمين " ، وهو أحوط وأكبح لجماح النفس وحبس النفس في الصدور ، حتى يتمكَّن المقتدي من تحقيق عدم مسابقة الإمام ؛ أنه إذا وافق الإمام بـ " آمين " غفر له الله - عز وجل - ذنوبه كما سمعتم ، فإذًا أنا أنصحكم بأن تتنبَّهوا لهذا الأمر ، ولا تكونوا تعيشون هكذا هملًا مع الغافلين عن هذه الفضيلة ، وعن هذا الأمر الصريح الذي يقول : ( إذا أمن الإمام ؛ فأمِّنوا ؛ فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) .
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر لنا ذنوبنا ، وأن يُلهمنا العمل بأحكام نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - . نعم .
السائل : ... في اللغة العربية وردت قبلية وبعدية ومصاحبة ، أما قبلية في قوله - تعالى - : (( إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) أي : قبل القرآن ، وبعديَّة كما في قوله : ( إذا كبَّر الإمام فكبِّروا ) ، أما المصاحبة ؛ فممكن نحمله ( إذا أمَّن الإمام ) في الرواية الأخرى : ( فإذا قال : (( ولا الضالين )) ؛ فقولوا : آمين ) ؟
الشيخ : وقعت المسابقة على الرواية الأخرى أم الموافقة ؟
السائل : كيف يا شيخ ؟
الشيخ : وقعت المسابقة المنهي عنها أم وقعت الموافقة المأمور بها ؟
السائل : الموافقة إذا حملنا " إذا " على الموافقة لا قبلية ولا بعدية .
الشيخ : فاهم فاهم بهذا التعبير ، ( إذا قال الإمام (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) فقولوا : آمين ) ؛ وقعت الموافقة مع تأمين الأمام أم وقعت المسابقة ؟
السائل : ربما تكون المسابقة ؟
الشيخ : دعك من ربَّما - بارك الله فيك - ، ربما تُقابل بأختها ، فلا تستفيد لا أنت ولا أنا ، شوف - بارك الله فيك - ؛ أولًا هذه الرواية التي أنت ذكرتها الآن هي رواية مختصرة ، ( وإذا قال الإمام (( ولا الضالين )) ؛ فقولوا آمين ؛ فإن الإمام يقول آمين ) ، فإذًا تلتقي هذه الرواية بتلك الرواية ، فلا بدَّ من أحد التفسيرين ، إذا بدأ فابدؤوا ، أو إذا انتهى فابدؤوا ، وهذا التفسير الثاني أنا وإن كنت لا أميل إليه لكن بالنسبة لاعتياد الناس المخالفة فيكون أنفع لهم وأحوط ، لكي لا يقعوا أولًا في المسابقة ، ثم لا يخسروا فضيلة المغفرة ، وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
السائل : شيخنا ، لو يكون في كلمة صغير حول ... ما رأيك ؟
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ أما بعد :
فأعود لأذكِّركم مرَّة ثانية - وربما ثالثة ورابعة - ؛ بوجوب انتباهكم لأمر نبيِّكم - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي حدَّثناكم به أمسِ ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ؛ فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه ) ؛ فقد لاحظتُ أن تنبيهنا هذا بالحديث المذكور قد ذهبَ أدراج الرياح ، وكأن هناك لم يكن شيئًا مذكورًا من هذا الحديث ، فقد سبقتموني بـ " آمين " ، وأنا أدري بالتجربة أنه ليس من السهل أن يعتادَ الناس عادةً جديدةً ، ولو كانت هي الحق ، ما دام أنه قد غلب عليهم عادةٌ أخرى ، فاستئصالها والقضاء على شأفتها بمحاضرة واحدة تُلقى ليس أمرًا سهلًا ، ولذلك فلا بدَّ من التكرار لهذا التنبيه والتذكير بهذا الحديث الصحيح : ( إذا أمَّن الإمام ؛ فأمِّنوا ) ، فقد كنَّا في سوريا ننبِّه على هذا ، مع أنني لستُ لم أكن إمامًا راتبًا رسميًّا ، ولكنني أعيش الآن في عمان ، وهناك صاحب لنا إمام مسجد يخطب كلَّ جمعة فيه ، وقد مضى عليه سنين كثيرة وهو في كل يوم جمعة ينبِّه المصلين على هذا الحديث الصحيح ، ومع ذلك حتى آخر جمعة صلَّيناها هناك والناس يسابقونه بـ " آمين " !
والحقيقة أن هذه الجزئية البسيطة السهلة التي لا تكلِّف كل فرد من المصلين جهدًا كثيرًا سوى استحضار واستجماع عقله وفكره وراء إمامه ، وما يتلوه من كتاب ربِّه ، مع ذلك ظلَّ هذا الإمام يتابع أصحابه وأتباعه والمقتدين به بهذا التذكير ؛ وحتى اليوم لمَّا يستطع أن يستقيم بهم على الجادَّة ، الأمر الذي يذكِّرنا بالمعجزة العظمى التي امتاز بها نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - حيث بدعوته الطاهرة النقية ... ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الظلمات إلى النور ، وقد كانوا كما تعلمون جميعًا في ضلال مبين ، وفي جاهليَّة جهلاء ، فهنا نتصوَّر كم كان جهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في إخراج أولئك العرب مما كانوا فيه من الضَّلال إلى الهدى ، بينما نحن نستمرُّ أسابيع وشهورًا وسنين لتعويد الناس على عادةٍ سهلةٍ سمحةٍ ، ومع ذلك لا ننجح في ذلك ، وما هو السبب ؟
السبب أن طبائع الناس اليوم على رغم كونهم مسلمين ليسوا كالعرب الأولين ، على رغم كونهم من المشركين الضالين ، فلا جرم أن الله - تبارك وتعالى - اصطفى رسالته وخصَّ بها نبيه محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - من جهة ، ومن جهة أخرى اصطفى أمة العرب الأولين أن يكونوا حملة هذه الرسالة المباركة الطيبة إلى العالمين .
أما العرب اليوم فمع الأسف الشديد أقول : إنهم ليسوا على أخلاق الأوَّلين ، ولا على أطباعهم من الاهتمام بالأمر الذي يُوجَّه إليهم ، والهدى الذي يُقرَّب إليهم ، فإننا في تجارب كثيرة وكثيرة جدًّا ، وأبسطها وأقربها هذه المسألة البسيطة ، كلُّكم عرب ، وكلكم يفهم قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا أمَّن الإمام ؛ فأمِّنوا ) ، ولو فرض أن هناك عربي قد استعجم فقد شُرح هذا الحديث على قولين للعلماء ، كلاهما يستلزم أن يتأخَّر المقتدي بالتأمين عن الإمام على الأقلِّ بألف " آمين " ، وعلى الأكثر بسكون نون " آمين " ، فيبدأ المقتدي بـ " آمين " ، هذا شُرح في الأمس القريب ومع ذلك ذهب نسيًا منسيًّا لماذا ؟ لأن أذهاننا وعاداتنا رانت علينا ، فمن الصعب جدًّا أن نحيدَ عنها إلا بالملاحقة وبالمتابعة والتذكير ، فإذا ما ذكرناكم فعليكم أن تتحملونا ، لأن الذكرى تنفع المؤمنين وهذا ما أردت التذكير به بهذه المناسبة ، ونسأل الله - عز وجل - أن يُلهمنا رشدنا ، وأن يوفِّقنا لاتِّباع سنة نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأن يُلهمنا العمل بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) ، كذلك بالحديث الذي هو وقت هذه الساعة التي نحن مُحرمين وحجَّاج ؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( خذوا عنِّي مناسككم ؛ فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) .
- رحلة الخير - شريط : 14
- توقيت الفهرسة : 00:20:36
- نسخة مدققة إملائيًّا