مناقشة السائل للشيخ بشأن القيام للداخل احترامًا أنه من باب العادت ، والأصل في العادت الإباحة .
A-
A=
A+
السائل : أنا - يا شيخ - ليس في مقام المناقشة ، لكن أريد أن آخذ رأي .
الشيخ : هذا الذي أطلبه .
السائل : إي نعم ، فإما أن تصوِّبون أو ، فأنا نظرت في مجمل النُّصوص وجدْتُ أن النهي عن القيام إنما هو قيام التعظيم كقيام الفرس على ملوكها ؟
الشيخ : تسمح لي ؟
السائل : تفضل .
الشيخ : حتى ما ... ، أنا ما ذكرت النهي ، قلت : ما هو رأيك في هذا القيام الذي يفعله الناس اليوم ؟ فأنت بدأتَ بالنهي ، لو سألتك : ما رأيك في النهي ؟ فتجيبني بما بدأت به ، أما أنا أقول : ما رأيك في هذا القيام ؟ هل هو - مثلًا - أدب إسلامي أو ليس أدبًا إسلاميًّا ؟ وهكذا نتسلسل في الموضوع إلى أن نتساءل : هل هو حرام أم هو مكروه ؟ فممكن أن حين ذاك نبحث في هذه الناحية ، لكن في الأصل أن أكثر الناس يحترموا علماءهم بالقيام ؛ فهل هذا الاحترام أمر مشروع فيما ترون أم لا ؟
السائل : كامل الأمر في مجال العادات ؛ ففضيلتكم يعرف أنَّ العادت الأصل فيها الإباحة على الإطلاق ، وكثير من هذه التصرُّفات تدخل في مجال العادات ، يعني إذا كانت العادة مقيَّدة بنصوص شرعية محرِّمة أو غير ذلك ؛ فهذه لها مجال آخر ، فالذي جعلنا نتساءل إنما هو لوجود النصوص الشرعية التي نهَتْ عن القيام ، وإلا هو داخل في العادات التي أصلها الإباحة ؟
الشيخ : العادات كما لا يخفى - إن شاء الله - على الجميع هي التي لا يُقصد بها التقرُّب إلى الله ... ما أشرت إليه ما أظن له علاقة بالسؤال ؛ لأني أنا أسأل عن شيء يفعله الناس أدبًا واحترامًا وتوقيرًا للعلماء ؛ فهذا لا يُتصوَّر أن يكون عادةً محضًا حتَّى يُلحق بالعادات المحضة ، فلذلك أرجو أن يكون البحث جدًّا محدودًا حتى ما نشرِّق ونغرِّب بالكلام يعني .
السائل : لكن نحن نعكس تصوُّرنا في مجتمعنا هنا ؛ لأن هذه العادة راسخة في الحقيقة ، بحيث هذه العادة ... نصوص البدع ؛ هذا الذي دعاني إلى وصفها بالعادة .
الشيخ : لا ، ولكنك قستها على ... قسم العبادات ، ألحَقْتَها بقسم العادات .
السائل : أنا ما قست - يا شيخ - على قسم العبادات ، أنا قلت : هي عادة ، والأصل في العادات الإباحة ؟
الشيخ : أنت قستها على القسم المقابل لقسم العبادات ، إي على قسم العادات ، تلك إذًا يعني هذه قضية تُلحق بالعادات بس ، أما معالجتها ما تفرق إذا كانت عادة محضة .
السائل : لأ ، نعالجها بالنصوص الشرعية ، ولكنك طلبت عدم الخوض في هذا بادئ ذي بدء .
الشيخ : صحيح .
السائل : طيب ؛ صار في من جانب آخر ؛ وهو وجهة النظر .
الشيخ : إي نعم .
السائل : فوجهة نظري أنها من قبيل العادات ؛ هذا الذي جعلني القيام لك هكذا ، وكذلك - أيضًا - المجتمع عندنا متعارف على هذه العادة ؛ بحيث لو سلَّمت إذا سلَّم عليك الإنسان وأنت جالس لَحَزَّ في نفسه ذلك ، واعتبر هذا نقيصة له .
الشيخ : وهي عادة ، ويترتَّب منها نقيصة .
السائل : ويترتَّب عليها نقيصة في عرفنا .
الشيخ : طيب ؛ أنت تقول عادة محضة ؟
السائل : هذا اللي أعرف أنها عادة ، عندكم شيء - شيخ - أفيدونا ؟
الشيخ : العادة - بارك الله فيك - تعرف أنت مستوية الطرفين ، من شاء فعل ومن شاء ترك ؛ ولا يترتَّب من وراء ذلك أيُّ نقيصة .
السائل : هذا إذا لم يرد هناك نصٌّ شرعيٌّ فيها ، وإذا ورد .
الشيخ : لا لا ، ليس بعد ، ما وصلنا ، أقول : العادة التي نحن نفرِّق بينها وبين العبادة هي التي كلها خير ؛ كعادة ؛ نحن نتكلم عن العادة ، هي التي إن فُعلت ما أحد يقول : لِمَ فعلت ؟ وإن تٌركت لا أحد يقول : لِمَ تركت ؟ بينما أنت الآن تصف هذا الشيء بسلب أو إيجاب ، يقال أنُّو هذه نقيصة ، وإلى آخره ؛ هذه لا يمكن أن تعتبر عادة محضة .
السائل : ... يا شيخ ، لو لم يرد هناك نصوص شرعية في هذه المسألة ماذا يمكن أن نسمِّيَها إذا كانت هكذا ؟
الشيخ : الجواب فيما سبق نسمِّيها عادة إن لم يقترن بها إنكار على مَن فعل أو ترك ، المسألة - بارك الله فيك - ما هي عادة محضة أبدًا .
السائل : إذا التقيتم فابدؤوا بالأكابر .
الشيخ : كيف ؟
السائل : أقول : إذا التقيتم فابدؤوا بالأكابر .
الشيخ : هيك ... ؟ [ الجميع يضحك ] .
السائل : الحقيقة أنا اللي جعلني أقول لك الكلام هذا .
سائل آخر : لا تستبق النقاش ... .
الشيخ : على كل حال ؛ المهم أنُّو وضح لك رأيي أنُّو هذه لا يحسن إلحاقها بالعادات ؛ لأن العادات هي التي طبيعتها مَن فعلها كمَن تركها .
السائل : طيب ؛ بأيِّ شيء تلحقها ؟
الشيخ : نلحقها من أحكام ما فوق العادة ، ما فوق المباح .
السائل : طيب ؛ قلت : لو لم يرد هناك نصٌّ شرعي ، نبحثها يعني من باب التعظيم ؟
الشيخ : أجبتك - بارك الله فيك - ؛ إذا كانت عادة يسوِّي فيها الفاعل والتارك ؛ فهي عادة ، أما إذا ترتَّب من ورائها احتقار - مثلًا - الداخل للجالس ؛ لأنه ما احترم العادة ، هذه ما تكون عادة محضة ؛ صحَّ ولَّا لأ ؟
السائل : أنا ما عندي أيُّ خلفية ، ما استقرَّ في ذهني أنها عادة .
سائل آخر : كأنك فرَّقت - يا شيخ - بين مسألة احترام العالم وبين مسألة قيام الناس بعضهم لبعض عامَّة ، جعلت القيام للعالم واحترامه وتوقيره .
الشيخ : أنا ما فرَّقت ، لأن تلك ؛ أي : قيام العامة بعضهم لبعض إن ترتَّب عليها نفس المفسدة التي يترتَّب عليها فيما يتعلق بالعالم فالحكم واحد ، لكن قد يشتدُّ ويخفُّ ، لكن ما تبقى عادة محضة .
السائل : الآن - يا شيخ - مسألة شبيهة في هذا ؛ مثلًا عندنا جرى العرف على لباس معيَّن ، وهو الثوب والطاقية ، ولو أنني مشيت في الشارع بدون هذه الغترة لَاحتقرني الناس وشكُّوا في عقلي ؛ يعني عندهم تُعتبر من خوارم المروءة ، فمثل هذه أليست عادة ويترتَّب عليها إنكار ؟
الشيخ : يترتَّب عليها ماذا قلت ؟
السائل : إنكار من قبل .
الشيخ : إنكار ، إي ، هذا الإنكار شرعًا في محلِّه ؟
السائل : إذا أتينا للبحث الشرعي شيء آخر ، لكن .
الشيخ : لا يمكن فصله - بارك الله فيك - ما يمكن فصله ، لأنُّو أنا من ساعة بقول يجب معالجة هذا الواقع ؛ مش واقع نتقيَّده لا يترتَّب منه شيء ، هذا الواقع إما أن يترتَّب منه إنكار شرعًا من أحد الجانبين ، أو لا يترتَّب ؛ فإن كان لا يترتَّب شيء فهي العادة ، فنحن نكرِّر أن العادة مثل الأشياء المباحة ؛ إن شئت فعلت وإن شئت تركت ، أما إذا ترتب من وراء أحد الشيئين من تَرَكَ العادة أُنكِرَ عليه أو من فعل العادة أُنكِرَ عليه ما بقيت هذه عادة محضة ، الواقع يفرض علينا أن نقول : ما هي عادة محضة ؛ حتى نقول إن شئت فعلت وإن شئت تركت ؛ لأننا سنقول : إن شئت فعلت وإن شئت تركت دون إنكار من أحد الفاعلين أو التاركين ؛ هذه العادة المحضة .
السائل : كنت أعرف العادات يترتَّب عليها إنكار ، لكن ليس إنكار شرعي وإنما إنكار عرفي .
الشيخ : طيب ؛ امسك هذه الكلمة ، الآن : ( ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا ) -- يرحمك الله -- ( ليس منَّا من لا يرحم صغيرنا ، ويوقِّر كبيرنا ، ويعرف لعالمنا حقَّه ) ؛ ألا يدخل هذا القيام المستعمل اليوم من باب التَّوقير ومعرفة العالم أم لا يدخل ؟
السائل : لا يدخل ، لكن يعني بالقيد الشرعي .
الشيخ : بلاش ، ... ، يدخل بقيت عادة محضة ؟
السائل : هذا إذا كانت في عالم ، لكن في عامَّة الناس تبقى عادة .
الشيخ : سامحك الله ، ما في حاجة - بارك الله فيك - تقول : إذا ، نحن نعالج واقعة ، وقد أجبت بكلِّ صراحة أن هذا الواقع يدخل تحت التوقير أو تحت معرفة الحقِّ للعالم ؛ فإذًا تركنا العادة المحضة دخلنا في عادة يقترن فيها توقير للكبير واحترام أو التبجيل للعالم ، فإذًا هذه العادة هي التي ينبغي أن يجري البحث فيها ، ولا نذهب بعيدًا عن الواقع .
السائل : ليست مقيَّدة بالعالم فقط ، هي مشكلة اجتماعية عامَّة .
الشيخ : أنا ما قيَّدتها بالعالم ، قلنا بفقرتين من ثلاث فقرات : ( ولم يوقِّر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقَّه ) هَيْ ما حصرنا بالعالم ؛ على أنُّو في ما بعد تجري تفاصيل ثانية ، لكن نحن خلِّينا نمشي خطوة أولى ، لا شك أن هذه العادة - بارك الله فيك - وأنت لعلَّك ما نسيت حديث أنس بن مالك : " ما كان شخصٌ أحبَّ إلينا من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وكانوا لا يقومون له ؛ لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك " ، فأقلُّ ما يُقال في مثل هذا القيام أن الرسول كَرِهَه ، وينبغي أن نكرهه ، هنا يأتي التفصيل ؛ كَرِهَه تواضعًا نحن أولى أن نكرَهَه تواضعًا ؛ لأنه إذا كان هو يكره الشيء خوف أن يدخلَ الكبر في نفسه وهو معصوم ؛ فنحن من باب أولى ، وإذا كرهه شرعًا فالأمر أوضح وأوضح ، بعدين ليش أنا عم أدندن حول وجوب معالجة الواقع كواقع مش نجرِّد من هذا الواقع صورة لِيُقال هذه الصورة تخالف الواقع ؛ فنحن نعلم من كثير من الناس فيهم أهل علم أهل فضل ينكرون أشدَّ الإنكار مبيِّنًا أن الذي لا يقوم للعالم هذا يعتبرون مخلّ بالأدب الإسلامي ؛ أليس هذا هو الواقع ؟ لذلك فأنا أقول : لا ينبغي أن نفصل هذا الواقع أو هذه العادة عن العادة الواقعة التي يقترن بها مفاسد ومفاسد ، وخيرُ الهدى هي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ، ما دام الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكره هذا القيام من أصحابه ؛ فما هو المفروض - بارك الله فيكم - بالنسبة لأهل العلم الذين يُفترض فيهم أنهم ورثة الأنبياء ؟! أليس - أيضًا - أن ينشروا هذه السنة التي كانت بين الرسول - عليه السلام - سيد البشر وبين أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل ؟ أليس هذا هو اللازم بالنسبة لأهل العلم ؟! خير من السكوت عن هذه القضية أوَّلًا بلا مؤاخذة ، ثم محاولة أن يُقال هذه عادة محضة ، وهي ليست عادة محضة !!
وأنا يُعجبني جدًّا بهالمناسبة أبيات كنت قرأتها في بعض كتب الأدب تتعلَّق بترجمة أبي عبد الله بن بطة = -- جزاك الله خير -- = فيه معاني رائعة جدًّا ، وفيه غلوّ فيما اعتقد ، تقول الترجمة أنَّ ابن بطة خرج يومًا مع صاحب له شاعر ، فمرَّ بالسوق على عالم ، ويبدو أن هذا العالم كان يُخالف ابن بطة في مسألة القيام ، وابن بطة كما سيأتي في الشعر إن اعتقدنا أنَّه يعبِّر بدقَّة عن رأي ابن بطة ؛ لأنه هو أقرَّ هذا الشعر فيما حُكِيَ عنه ، فيبدو أن هذا العالم الذي كان جالسًا في دكَّانه يعرف أن ابن بطة يكره هذا القيام أشد الكراهة ، لكن هو يرى من حقِّ العالم أن يُقام له تبجيلًا وتوقيرًا ، فلما مرَّ ابن بطة لذاك العالم قام له ، واعتذر له ببيتين من الشعر ، قال :
لا تلمني على القيام فحقِّي *** حين تبدو أن لا أملَّ القياما
أنت من أكرم البريَّة عندي *** ومن الحقِّ أن أُجِلَّ الكراما
فقال ابن بطة لصاحبه الشاعر : أجِبْه عني ، ومعنى هذا أن الشاعر عارف رأي ابن بطة ، فارتجل بالبداهة وقال :
" أنت إن كنت لا عدمْتُك ترعى *** ليَ حقًّا وتظهر الإعظاما
فلك الفضل في التقدُّم والعلم *** ولسنا نريد منك احتشاما
فاعفني الآن من قيامك هذا أولًا *** فسأجزيك بالقيام القياما
وأنا كارهٌ لذلك جدًّا *** إنَّ فيه تملُّقًا وأَثَاما
لا تكلِّف أخاك أن يتلقـ ... *** ... ... ... الحرامَا
هون بقى المبالغة ؛ " لما يستحلُّه الحراما " ، لكن الجميل قوله :
وإذا صحَّت الضمائر منَّا *** اكتفينا من أن نُتعب الأجساما
كلُّنا واثق بودِّ أخيهِ *** فَفِيمَ انزعاجنا وعَلَاما "
فبارك الله فيكم ؛ أليس هذا هو الذي يمثِّل العهد الأنور الأول ، الصحابة مع رسول الله ما في عندهم هذا التكلُّف ، ثم ظاهرة التكلُّف اللي هو أقلُّ ما يُقال أنه مكروه في الشرع واضح جدًّا دخل أحد الفضائل قمتم ، لسَّا ما جلستم دخل فاضل آخر قمتم ، ثم جلستم ، وهكذا مهما كثر الداخلون كثر إيش ؟ القيام ، هكذا أحدكم يتصوَّر العهد النبوي - عليه الصلاة والسلام - ؟ لا ، يعني دخل الرسول - عليه السلام - مثلًا قاموا له ، وما كانوا يقومون له ، دخل أبو بكر يقومون له ، دخل عمر بن الخطاب يقومون ، معقول هالشي هذا ؟ في العهد الأول لم يكن شيء من هذا التكلُّف إطلاقًا ، فإذًا إذا قلنا أن ندعوا دائمًا إلى ما كان عليه السلف الصالح .
" وكلُّ خيرٍ في اتباع من سَلَفْ *** وكلُّ شرٍّ في اتباع من خَلَفْ "
لا شك أن ما دام أخذنا صورة أن المجتمع الأول الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه فينبغي أن نحاول بأزين الطرق وأحسنها أن نجدِّد = -- وعليكم السلام ورحمة الله -- = أن نجدِّد ذاك المجتمع ، وبلاش ندخل في تفاصيل : حرام ، مكروه تحريمًا ، مكروه تنزيهًا ، يكفينا المبدأ العام ، خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
فهذه وجهة نظري في هذا السياق ، أما رجل يدخل ويحبُّ أن يتمثَّل له الناس قيامًا هذا شيء آخر ومعروف ، لكن في هذه المناسبة أذكر روايةً فيها استنباط دقيق جدًّا يتعلق في هذه المسألة ؛ وهي أن معاوية دخل يومًا في مجلسه في إمارته ، وفي المجلس عبد الله بن عمر وعبد الله الزبير ، - عفوًا - عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر ، فقام أحدهما وظنِّي ابن عامر ولم يقم الآخر وهو ابنُ الزبير ، فتوجَّه معاوية لإنكار على الذي قام له وهو ابن عامر محتجًّا عليه بحديث : ( من أحبَّ أن يتمثَّل الناس له قيامًا ؛ فليتبوَّأ مقعده من النار ) ، كيف هذا ؟ معاوية هو الذي دخل ، وهو الذي أنكر القيام له ، فأنا أفهم من هنا أنُّو هو يلفت النظر كأنَّ لسان حاله يقول : يا ابن عامر ، أنت وغيرك إذا قمتم للداخل ربما طبعتموه بطابع حبِّ القيام ، ومع الزمن فعلًا سيصبح يحبُّ القيام ، فيقع في هذا الوعيد الشديد ، ماذا ترون في هذا الذي فَعَلَه معاوية أو في عبارة أدق فيما استدلَّ به معاوية ؟ حيث أنكر على الذي قام له ، أمَّا كما وقع في بعض القصص الأخرى =
-- سائل آخر : ... الشيخ : يلَّا --
= كما وقع في بعض القصص الأخرى : دخل أحد الملوك من بني العباس قام الناس ولم يقم أحدهم ، فالربيع الذي هو حاجب أو وزير الملك = -- يا الله ، بسم الله -- = لفت نظره وكأنه كان حاقدًا على الذي لم يقُمْ ، قال له الخليفة : لماذا لم تقُمْ ؟ قال : أكرمْتُكَ ، أكرمْتُكَ بعدم القيام ! قال له : كيف ؟ قال له : حدَّثني فلان عن فلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من أحبَّ أن يتمثَّل له الناس قيامًا ؛ فليتبوَّأ مقعده من النار ) .
السائل : ... .
الشيخ : ... إذا قمتم لا أصافحكم ، وإن جلستم سأصافحكم ؛ فهل في مصافحة القائم الجالس شيء ؟
السائل : ... العادة التي ... ما فيها شيء .
الشيخ : طيب ؛ فأنا أقول الآن : ... كان الجالسون ... وفيه شيء من الحرج في مصافحتهم فردًا فردًا ، سلام عليكم عليكم السلام انتهى به المجلس ، أما موجود ثلاثة أربعة هذه يلقي سلامًا واحدًا ولا يسلم كل واحد سلامًا كما يفعل البعض ؛ فصار هذا شعار لحزب البعث !!
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : هذه بدعة بلا شك ، وأنا نبَّهت عليها في بعض رحلاتي .
الشيخ : هذا الذي أطلبه .
السائل : إي نعم ، فإما أن تصوِّبون أو ، فأنا نظرت في مجمل النُّصوص وجدْتُ أن النهي عن القيام إنما هو قيام التعظيم كقيام الفرس على ملوكها ؟
الشيخ : تسمح لي ؟
السائل : تفضل .
الشيخ : حتى ما ... ، أنا ما ذكرت النهي ، قلت : ما هو رأيك في هذا القيام الذي يفعله الناس اليوم ؟ فأنت بدأتَ بالنهي ، لو سألتك : ما رأيك في النهي ؟ فتجيبني بما بدأت به ، أما أنا أقول : ما رأيك في هذا القيام ؟ هل هو - مثلًا - أدب إسلامي أو ليس أدبًا إسلاميًّا ؟ وهكذا نتسلسل في الموضوع إلى أن نتساءل : هل هو حرام أم هو مكروه ؟ فممكن أن حين ذاك نبحث في هذه الناحية ، لكن في الأصل أن أكثر الناس يحترموا علماءهم بالقيام ؛ فهل هذا الاحترام أمر مشروع فيما ترون أم لا ؟
السائل : كامل الأمر في مجال العادات ؛ ففضيلتكم يعرف أنَّ العادت الأصل فيها الإباحة على الإطلاق ، وكثير من هذه التصرُّفات تدخل في مجال العادات ، يعني إذا كانت العادة مقيَّدة بنصوص شرعية محرِّمة أو غير ذلك ؛ فهذه لها مجال آخر ، فالذي جعلنا نتساءل إنما هو لوجود النصوص الشرعية التي نهَتْ عن القيام ، وإلا هو داخل في العادات التي أصلها الإباحة ؟
الشيخ : العادات كما لا يخفى - إن شاء الله - على الجميع هي التي لا يُقصد بها التقرُّب إلى الله ... ما أشرت إليه ما أظن له علاقة بالسؤال ؛ لأني أنا أسأل عن شيء يفعله الناس أدبًا واحترامًا وتوقيرًا للعلماء ؛ فهذا لا يُتصوَّر أن يكون عادةً محضًا حتَّى يُلحق بالعادات المحضة ، فلذلك أرجو أن يكون البحث جدًّا محدودًا حتى ما نشرِّق ونغرِّب بالكلام يعني .
السائل : لكن نحن نعكس تصوُّرنا في مجتمعنا هنا ؛ لأن هذه العادة راسخة في الحقيقة ، بحيث هذه العادة ... نصوص البدع ؛ هذا الذي دعاني إلى وصفها بالعادة .
الشيخ : لا ، ولكنك قستها على ... قسم العبادات ، ألحَقْتَها بقسم العادات .
السائل : أنا ما قست - يا شيخ - على قسم العبادات ، أنا قلت : هي عادة ، والأصل في العادات الإباحة ؟
الشيخ : أنت قستها على القسم المقابل لقسم العبادات ، إي على قسم العادات ، تلك إذًا يعني هذه قضية تُلحق بالعادات بس ، أما معالجتها ما تفرق إذا كانت عادة محضة .
السائل : لأ ، نعالجها بالنصوص الشرعية ، ولكنك طلبت عدم الخوض في هذا بادئ ذي بدء .
الشيخ : صحيح .
السائل : طيب ؛ صار في من جانب آخر ؛ وهو وجهة النظر .
الشيخ : إي نعم .
السائل : فوجهة نظري أنها من قبيل العادات ؛ هذا الذي جعلني القيام لك هكذا ، وكذلك - أيضًا - المجتمع عندنا متعارف على هذه العادة ؛ بحيث لو سلَّمت إذا سلَّم عليك الإنسان وأنت جالس لَحَزَّ في نفسه ذلك ، واعتبر هذا نقيصة له .
الشيخ : وهي عادة ، ويترتَّب منها نقيصة .
السائل : ويترتَّب عليها نقيصة في عرفنا .
الشيخ : طيب ؛ أنت تقول عادة محضة ؟
السائل : هذا اللي أعرف أنها عادة ، عندكم شيء - شيخ - أفيدونا ؟
الشيخ : العادة - بارك الله فيك - تعرف أنت مستوية الطرفين ، من شاء فعل ومن شاء ترك ؛ ولا يترتَّب من وراء ذلك أيُّ نقيصة .
السائل : هذا إذا لم يرد هناك نصٌّ شرعيٌّ فيها ، وإذا ورد .
الشيخ : لا لا ، ليس بعد ، ما وصلنا ، أقول : العادة التي نحن نفرِّق بينها وبين العبادة هي التي كلها خير ؛ كعادة ؛ نحن نتكلم عن العادة ، هي التي إن فُعلت ما أحد يقول : لِمَ فعلت ؟ وإن تٌركت لا أحد يقول : لِمَ تركت ؟ بينما أنت الآن تصف هذا الشيء بسلب أو إيجاب ، يقال أنُّو هذه نقيصة ، وإلى آخره ؛ هذه لا يمكن أن تعتبر عادة محضة .
السائل : ... يا شيخ ، لو لم يرد هناك نصوص شرعية في هذه المسألة ماذا يمكن أن نسمِّيَها إذا كانت هكذا ؟
الشيخ : الجواب فيما سبق نسمِّيها عادة إن لم يقترن بها إنكار على مَن فعل أو ترك ، المسألة - بارك الله فيك - ما هي عادة محضة أبدًا .
السائل : إذا التقيتم فابدؤوا بالأكابر .
الشيخ : كيف ؟
السائل : أقول : إذا التقيتم فابدؤوا بالأكابر .
الشيخ : هيك ... ؟ [ الجميع يضحك ] .
السائل : الحقيقة أنا اللي جعلني أقول لك الكلام هذا .
سائل آخر : لا تستبق النقاش ... .
الشيخ : على كل حال ؛ المهم أنُّو وضح لك رأيي أنُّو هذه لا يحسن إلحاقها بالعادات ؛ لأن العادات هي التي طبيعتها مَن فعلها كمَن تركها .
السائل : طيب ؛ بأيِّ شيء تلحقها ؟
الشيخ : نلحقها من أحكام ما فوق العادة ، ما فوق المباح .
السائل : طيب ؛ قلت : لو لم يرد هناك نصٌّ شرعي ، نبحثها يعني من باب التعظيم ؟
الشيخ : أجبتك - بارك الله فيك - ؛ إذا كانت عادة يسوِّي فيها الفاعل والتارك ؛ فهي عادة ، أما إذا ترتَّب من ورائها احتقار - مثلًا - الداخل للجالس ؛ لأنه ما احترم العادة ، هذه ما تكون عادة محضة ؛ صحَّ ولَّا لأ ؟
السائل : أنا ما عندي أيُّ خلفية ، ما استقرَّ في ذهني أنها عادة .
سائل آخر : كأنك فرَّقت - يا شيخ - بين مسألة احترام العالم وبين مسألة قيام الناس بعضهم لبعض عامَّة ، جعلت القيام للعالم واحترامه وتوقيره .
الشيخ : أنا ما فرَّقت ، لأن تلك ؛ أي : قيام العامة بعضهم لبعض إن ترتَّب عليها نفس المفسدة التي يترتَّب عليها فيما يتعلق بالعالم فالحكم واحد ، لكن قد يشتدُّ ويخفُّ ، لكن ما تبقى عادة محضة .
السائل : الآن - يا شيخ - مسألة شبيهة في هذا ؛ مثلًا عندنا جرى العرف على لباس معيَّن ، وهو الثوب والطاقية ، ولو أنني مشيت في الشارع بدون هذه الغترة لَاحتقرني الناس وشكُّوا في عقلي ؛ يعني عندهم تُعتبر من خوارم المروءة ، فمثل هذه أليست عادة ويترتَّب عليها إنكار ؟
الشيخ : يترتَّب عليها ماذا قلت ؟
السائل : إنكار من قبل .
الشيخ : إنكار ، إي ، هذا الإنكار شرعًا في محلِّه ؟
السائل : إذا أتينا للبحث الشرعي شيء آخر ، لكن .
الشيخ : لا يمكن فصله - بارك الله فيك - ما يمكن فصله ، لأنُّو أنا من ساعة بقول يجب معالجة هذا الواقع ؛ مش واقع نتقيَّده لا يترتَّب منه شيء ، هذا الواقع إما أن يترتَّب منه إنكار شرعًا من أحد الجانبين ، أو لا يترتَّب ؛ فإن كان لا يترتَّب شيء فهي العادة ، فنحن نكرِّر أن العادة مثل الأشياء المباحة ؛ إن شئت فعلت وإن شئت تركت ، أما إذا ترتب من وراء أحد الشيئين من تَرَكَ العادة أُنكِرَ عليه أو من فعل العادة أُنكِرَ عليه ما بقيت هذه عادة محضة ، الواقع يفرض علينا أن نقول : ما هي عادة محضة ؛ حتى نقول إن شئت فعلت وإن شئت تركت ؛ لأننا سنقول : إن شئت فعلت وإن شئت تركت دون إنكار من أحد الفاعلين أو التاركين ؛ هذه العادة المحضة .
السائل : كنت أعرف العادات يترتَّب عليها إنكار ، لكن ليس إنكار شرعي وإنما إنكار عرفي .
الشيخ : طيب ؛ امسك هذه الكلمة ، الآن : ( ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا ) -- يرحمك الله -- ( ليس منَّا من لا يرحم صغيرنا ، ويوقِّر كبيرنا ، ويعرف لعالمنا حقَّه ) ؛ ألا يدخل هذا القيام المستعمل اليوم من باب التَّوقير ومعرفة العالم أم لا يدخل ؟
السائل : لا يدخل ، لكن يعني بالقيد الشرعي .
الشيخ : بلاش ، ... ، يدخل بقيت عادة محضة ؟
السائل : هذا إذا كانت في عالم ، لكن في عامَّة الناس تبقى عادة .
الشيخ : سامحك الله ، ما في حاجة - بارك الله فيك - تقول : إذا ، نحن نعالج واقعة ، وقد أجبت بكلِّ صراحة أن هذا الواقع يدخل تحت التوقير أو تحت معرفة الحقِّ للعالم ؛ فإذًا تركنا العادة المحضة دخلنا في عادة يقترن فيها توقير للكبير واحترام أو التبجيل للعالم ، فإذًا هذه العادة هي التي ينبغي أن يجري البحث فيها ، ولا نذهب بعيدًا عن الواقع .
السائل : ليست مقيَّدة بالعالم فقط ، هي مشكلة اجتماعية عامَّة .
الشيخ : أنا ما قيَّدتها بالعالم ، قلنا بفقرتين من ثلاث فقرات : ( ولم يوقِّر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقَّه ) هَيْ ما حصرنا بالعالم ؛ على أنُّو في ما بعد تجري تفاصيل ثانية ، لكن نحن خلِّينا نمشي خطوة أولى ، لا شك أن هذه العادة - بارك الله فيك - وأنت لعلَّك ما نسيت حديث أنس بن مالك : " ما كان شخصٌ أحبَّ إلينا من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وكانوا لا يقومون له ؛ لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك " ، فأقلُّ ما يُقال في مثل هذا القيام أن الرسول كَرِهَه ، وينبغي أن نكرهه ، هنا يأتي التفصيل ؛ كَرِهَه تواضعًا نحن أولى أن نكرَهَه تواضعًا ؛ لأنه إذا كان هو يكره الشيء خوف أن يدخلَ الكبر في نفسه وهو معصوم ؛ فنحن من باب أولى ، وإذا كرهه شرعًا فالأمر أوضح وأوضح ، بعدين ليش أنا عم أدندن حول وجوب معالجة الواقع كواقع مش نجرِّد من هذا الواقع صورة لِيُقال هذه الصورة تخالف الواقع ؛ فنحن نعلم من كثير من الناس فيهم أهل علم أهل فضل ينكرون أشدَّ الإنكار مبيِّنًا أن الذي لا يقوم للعالم هذا يعتبرون مخلّ بالأدب الإسلامي ؛ أليس هذا هو الواقع ؟ لذلك فأنا أقول : لا ينبغي أن نفصل هذا الواقع أو هذه العادة عن العادة الواقعة التي يقترن بها مفاسد ومفاسد ، وخيرُ الهدى هي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ، ما دام الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكره هذا القيام من أصحابه ؛ فما هو المفروض - بارك الله فيكم - بالنسبة لأهل العلم الذين يُفترض فيهم أنهم ورثة الأنبياء ؟! أليس - أيضًا - أن ينشروا هذه السنة التي كانت بين الرسول - عليه السلام - سيد البشر وبين أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل ؟ أليس هذا هو اللازم بالنسبة لأهل العلم ؟! خير من السكوت عن هذه القضية أوَّلًا بلا مؤاخذة ، ثم محاولة أن يُقال هذه عادة محضة ، وهي ليست عادة محضة !!
وأنا يُعجبني جدًّا بهالمناسبة أبيات كنت قرأتها في بعض كتب الأدب تتعلَّق بترجمة أبي عبد الله بن بطة = -- جزاك الله خير -- = فيه معاني رائعة جدًّا ، وفيه غلوّ فيما اعتقد ، تقول الترجمة أنَّ ابن بطة خرج يومًا مع صاحب له شاعر ، فمرَّ بالسوق على عالم ، ويبدو أن هذا العالم كان يُخالف ابن بطة في مسألة القيام ، وابن بطة كما سيأتي في الشعر إن اعتقدنا أنَّه يعبِّر بدقَّة عن رأي ابن بطة ؛ لأنه هو أقرَّ هذا الشعر فيما حُكِيَ عنه ، فيبدو أن هذا العالم الذي كان جالسًا في دكَّانه يعرف أن ابن بطة يكره هذا القيام أشد الكراهة ، لكن هو يرى من حقِّ العالم أن يُقام له تبجيلًا وتوقيرًا ، فلما مرَّ ابن بطة لذاك العالم قام له ، واعتذر له ببيتين من الشعر ، قال :
لا تلمني على القيام فحقِّي *** حين تبدو أن لا أملَّ القياما
أنت من أكرم البريَّة عندي *** ومن الحقِّ أن أُجِلَّ الكراما
فقال ابن بطة لصاحبه الشاعر : أجِبْه عني ، ومعنى هذا أن الشاعر عارف رأي ابن بطة ، فارتجل بالبداهة وقال :
" أنت إن كنت لا عدمْتُك ترعى *** ليَ حقًّا وتظهر الإعظاما
فلك الفضل في التقدُّم والعلم *** ولسنا نريد منك احتشاما
فاعفني الآن من قيامك هذا أولًا *** فسأجزيك بالقيام القياما
وأنا كارهٌ لذلك جدًّا *** إنَّ فيه تملُّقًا وأَثَاما
لا تكلِّف أخاك أن يتلقـ ... *** ... ... ... الحرامَا
هون بقى المبالغة ؛ " لما يستحلُّه الحراما " ، لكن الجميل قوله :
وإذا صحَّت الضمائر منَّا *** اكتفينا من أن نُتعب الأجساما
كلُّنا واثق بودِّ أخيهِ *** فَفِيمَ انزعاجنا وعَلَاما "
فبارك الله فيكم ؛ أليس هذا هو الذي يمثِّل العهد الأنور الأول ، الصحابة مع رسول الله ما في عندهم هذا التكلُّف ، ثم ظاهرة التكلُّف اللي هو أقلُّ ما يُقال أنه مكروه في الشرع واضح جدًّا دخل أحد الفضائل قمتم ، لسَّا ما جلستم دخل فاضل آخر قمتم ، ثم جلستم ، وهكذا مهما كثر الداخلون كثر إيش ؟ القيام ، هكذا أحدكم يتصوَّر العهد النبوي - عليه الصلاة والسلام - ؟ لا ، يعني دخل الرسول - عليه السلام - مثلًا قاموا له ، وما كانوا يقومون له ، دخل أبو بكر يقومون له ، دخل عمر بن الخطاب يقومون ، معقول هالشي هذا ؟ في العهد الأول لم يكن شيء من هذا التكلُّف إطلاقًا ، فإذًا إذا قلنا أن ندعوا دائمًا إلى ما كان عليه السلف الصالح .
" وكلُّ خيرٍ في اتباع من سَلَفْ *** وكلُّ شرٍّ في اتباع من خَلَفْ "
لا شك أن ما دام أخذنا صورة أن المجتمع الأول الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه فينبغي أن نحاول بأزين الطرق وأحسنها أن نجدِّد = -- وعليكم السلام ورحمة الله -- = أن نجدِّد ذاك المجتمع ، وبلاش ندخل في تفاصيل : حرام ، مكروه تحريمًا ، مكروه تنزيهًا ، يكفينا المبدأ العام ، خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
فهذه وجهة نظري في هذا السياق ، أما رجل يدخل ويحبُّ أن يتمثَّل له الناس قيامًا هذا شيء آخر ومعروف ، لكن في هذه المناسبة أذكر روايةً فيها استنباط دقيق جدًّا يتعلق في هذه المسألة ؛ وهي أن معاوية دخل يومًا في مجلسه في إمارته ، وفي المجلس عبد الله بن عمر وعبد الله الزبير ، - عفوًا - عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر ، فقام أحدهما وظنِّي ابن عامر ولم يقم الآخر وهو ابنُ الزبير ، فتوجَّه معاوية لإنكار على الذي قام له وهو ابن عامر محتجًّا عليه بحديث : ( من أحبَّ أن يتمثَّل الناس له قيامًا ؛ فليتبوَّأ مقعده من النار ) ، كيف هذا ؟ معاوية هو الذي دخل ، وهو الذي أنكر القيام له ، فأنا أفهم من هنا أنُّو هو يلفت النظر كأنَّ لسان حاله يقول : يا ابن عامر ، أنت وغيرك إذا قمتم للداخل ربما طبعتموه بطابع حبِّ القيام ، ومع الزمن فعلًا سيصبح يحبُّ القيام ، فيقع في هذا الوعيد الشديد ، ماذا ترون في هذا الذي فَعَلَه معاوية أو في عبارة أدق فيما استدلَّ به معاوية ؟ حيث أنكر على الذي قام له ، أمَّا كما وقع في بعض القصص الأخرى =
-- سائل آخر : ... الشيخ : يلَّا --
= كما وقع في بعض القصص الأخرى : دخل أحد الملوك من بني العباس قام الناس ولم يقم أحدهم ، فالربيع الذي هو حاجب أو وزير الملك = -- يا الله ، بسم الله -- = لفت نظره وكأنه كان حاقدًا على الذي لم يقُمْ ، قال له الخليفة : لماذا لم تقُمْ ؟ قال : أكرمْتُكَ ، أكرمْتُكَ بعدم القيام ! قال له : كيف ؟ قال له : حدَّثني فلان عن فلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من أحبَّ أن يتمثَّل له الناس قيامًا ؛ فليتبوَّأ مقعده من النار ) .
السائل : ... .
الشيخ : ... إذا قمتم لا أصافحكم ، وإن جلستم سأصافحكم ؛ فهل في مصافحة القائم الجالس شيء ؟
السائل : ... العادة التي ... ما فيها شيء .
الشيخ : طيب ؛ فأنا أقول الآن : ... كان الجالسون ... وفيه شيء من الحرج في مصافحتهم فردًا فردًا ، سلام عليكم عليكم السلام انتهى به المجلس ، أما موجود ثلاثة أربعة هذه يلقي سلامًا واحدًا ولا يسلم كل واحد سلامًا كما يفعل البعض ؛ فصار هذا شعار لحزب البعث !!
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : هذه بدعة بلا شك ، وأنا نبَّهت عليها في بعض رحلاتي .
- رحلة النور - شريط : 85
- توقيت الفهرسة : 00:28:17
- نسخة مدققة إملائيًّا