الشروط التي اشترطها بعض الحفَّاظ المتأخِّرين بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؛ هل هي صحيحة ؟ وإن كانت صحيحة ؛ هل يجوز العمل بها في فضائل الأعمال ؟
A-
A=
A+
السائل : الشروط التي اشترطها بعض الحفَّاظ المتأخِّرين بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؛ هل هي صحيحة ؟ وإن كانت صحيحة ؛ هل يجوز العمل بها في فضائل الأعمال ؟
الشيخ : هي بلا شك صحيحة بل واجبة ، لكن الصحيح أن العمل بالحديث الضعيف لا يجوز مطلقًا إلا في حالة واحدة وبشرط واحد ، حينما يكون الحديث متضمِّنًا حكمًا شرعيًّا ، ويذكر له فضيلة خاصَّة ؛ فهو من حيث الحكم ومن حيث شرعيَّته يكون قد ثبت لحديث آخر ، لكن ذاك الحديث الآخر ليس فيه هذه الفضيلة التي تضمَّنها الحديث الضعيف ، في هذه الحالة يصحُّ القول : يُعمل في الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وليس يُشرع بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، إنما يُعمل به في فضائل الأعمال ، ففي هذه الصورة فضل العمل كالشَّرع ثبت بالحديث الثابت ، أما الفضل الخاص الذي جاء في حديث ضعيف فيُرجى أن يكون ثابتًا في واقع الأمر ، فلذلك يكون هذا الحديث الضعيف لا يُعرقل حكمًا شرعيًّا ؛ وذلك لأن العمل بذاك الحكم قد ثبت بغيره ، فوجود هذا الحديث وعدمه من حيث شرعيَّة الحكم لا يضرُّ ولا ينفع فإنَّه مشروع ، ولكن يُرجى أن يكون الفضل المذكور في الحديث الضعيف أن يكون ممَّا يناله المسلم .
فمثلًا ممَّا يدخل في هذا فضيلة أو لِنقُلْ الآن شرعيَّة صلاة الضحى ، فشرعيَّة صلاة الضحى قد ثبتت بفعل الرسول - عليه السلام - لها في غير ما حديث من فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فليس هذا الفعل الذي يحمِلُ في طواياه شرعيَّة صلاة الضحى ليس بحاجة لإثبات شرعيَّته إلى حديث ضعيف ، لكن هناك حديث مرويٌّ أظن في " سنن الترمذي " : ( لا يُحافظ على صلاة الضحى إلا مؤمن ) ، هذا حديث ضعيف ، فإذا رُوي وبُيِّن ضعفه يُقال في مثله : يُعمل به في فضائل الأعمال ؛ لأن هذا المعنى ينطبق تمامًا ؛ لأن كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد فعل ذلك ؛ فذلك بلا شك من فضائل الأعمال ؛ لأنه عبادة ، فحينما يأتي هذا الحديث وهو ضعيف ، فيُقال : يعمل به في فضائل الأعمال - أي : يروى - ؛ لكن ينبغي حين يُروى أن يُبيَّن ضعفه ، وهذا يلتقى مع بعض الشروط التي ذكرها ، لكن هذه الشروط لا تُعطي هذا التفصيل الذي ذكرناه ؛ بل قد تفيد هذه الشروطُ جوازَ العمل بالحديث الضعيف ولو كان فيه تشريع عمل لم تكن شرعيَّته إلا بالحديث الضعيف ، مثاله : =
-- وعليكم السلام ورحمة الله --
= لقد ثبت في السنة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا فَرَغَ من وضع الميِّت في القبر ، وبدأ الحفَّار بإهالة التراب عليه أخذ هو ثلاث حثيات ، رماها في القبر ، هذا ثابت ؛ لكن جاء في حديث ضعيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في الحصوة الأولى : (( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ )) ، في الثانية : (( وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ )) ، في الثالثة : (( وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )) ، هذا الحديث ضعيف ، لكن بعض مَن يدندنون حول الجملة السابقة يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال على الإطلاق قال لمَّا ذكر هذا الحديث الضعيف الأخير قال : وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا فمن المتفق عليه - في رأيه - أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، لكن مما يرد خلاف ما ذكرناه آنفًا ؛ من أين نثبت فضيلة هذه الحثيات الثلاث زايد مع تقسيمها أي : مع تقسيم الآية الكريمة عليها ؟ لم يثبت بحديث صحيح كما ثبت الأصل ، أصل الثلاث حثيات ... - عليه السلام - ، لكن هذا التصنيف وتقسيم الآية على الثلاث حثيات لم يأتِ إلا بهذا الحديث الضعيف ، فإذًا هنا لا يصلح قولهم : يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، بل في هذا التشريع للحديث الضعيف أمرًا لم يكن مشروعًا ؛ وهو قَرْنُ الحثوة بشيء من الآية المذكورة آنفًا ، فلهذا لا يصحُّ القول بإطلاق جواز العمل بحديث الضعيف في فضائل الأعمال إلا على الصورة السابقة آنفًا .
نعم .
السائل : الحديث الضعيف يجوز أن أرويَه بصيغة الجمع ، وثم أعود ... أذكره من غير أن أبيِّنَ ضعفه ... ؟
الشيخ : لا ، ما يجوز ؛ لذلك قلنا : لا بدَّ من بيان ضعفه كما جاء في ذلك الشرط ، وأن يعرف العامل به أنَّه ضعيف ، ومن مساوئ هذه القاعدة أنَّنا حينما نرى بعض أهل الفضل يعملون ويأتون ببعض العبادات ، وليس فيها إلا حديث ضعيف ؛ فحينما يُنكر عليهم ماذا يقول ؟ قال : إي ، إن كان الحديث ضعيفًا فيُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، فهذا يُعطينا إنذارًا بأن هو لما كان يعمل بهذا الحديث لا يدري أصحيح هو أو ضعيف ؟ لذلك يبادر إلى القول أنه إن كان كما تقول فيجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وعلى هذا كان سبب إشاعة هذه القاعدة ودون توضيح لها بأحد سبيلين ؛ السبيل الصحيح الذي ذكرناه آنفًا ، وهو مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، والسبيل الآخر الشروط التي ذكرها الحافظ بن حجر العسقلاني وغيره ؛ فلمَّا أُعرض عن هذَين القيدَين شاع بين الناس حتى من أهل العلم العمل بالحديث الضعيف إطلاقًا ؛ فكان ذلك سببًا لتشريع أمور هي من البدع التي لا يجوز التعبُّد والتقرُّب بها إلى الله - تبارك وتعالى - .
فلذلك لو تركنا جانبًا موضوع العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؛ فلا يجوز لمسلم أن يرويَ الحديث وهو يعلم ضعفه إلا وأن يبيِّن ضعفه ؛ لأنَّه بلا شك في ذلك نصح للأمة ، وبخاصَّة إذا كان هذا الراوي للحديث الضعيف قدوةً عند الناس ؛ بحيث أنهم إذا قيل لهم من بعض العلماء : هذا حديث ضعيف بيقول لك : كيف ؟ أنا سمعت هذا الحديث من الشيخ الفلاني والعالم الفلاني ؛ وهذا أمر طبيعي جدًّا جدًّا في عامة الناس ، فهم يحتجُّون بما يفعله العلماء ، من ذلك قولهم : قال رسول الله في الحديث الضعيف ؛ فلا شك - والحالة هذه - أنهم وقعوا في محذور مخالفة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كفى المرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع ) ؛ لذلك كان علماء الحديث قديمًا إذا روَوْا الحديث الضعيف ساقُوه بسنده ، حتى يتمكَّن أهل المعرفة أن يعرفوا الحديث من إسناده ، أما كما هو واقع المتأخرين من علماء الحديث أن يذكروا الحديث محذوف الإسناد ؛ فلا بد - والحالة هذه - من أن يُذكر خلاصة الإسناد ؛ أن يقال : هذا حديث إسناده ضعيف أو حسن أو صحيح حسبما يستحقُّ من الحكم ؛ فلهذا لا يجوز ذكر الحديث الضعيف إلا مُبيَّنًا ضعفُه ، وبخاصَّة إذا كان بعض الناس يعملون به .
نعم .
الشيخ : هي بلا شك صحيحة بل واجبة ، لكن الصحيح أن العمل بالحديث الضعيف لا يجوز مطلقًا إلا في حالة واحدة وبشرط واحد ، حينما يكون الحديث متضمِّنًا حكمًا شرعيًّا ، ويذكر له فضيلة خاصَّة ؛ فهو من حيث الحكم ومن حيث شرعيَّته يكون قد ثبت لحديث آخر ، لكن ذاك الحديث الآخر ليس فيه هذه الفضيلة التي تضمَّنها الحديث الضعيف ، في هذه الحالة يصحُّ القول : يُعمل في الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وليس يُشرع بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، إنما يُعمل به في فضائل الأعمال ، ففي هذه الصورة فضل العمل كالشَّرع ثبت بالحديث الثابت ، أما الفضل الخاص الذي جاء في حديث ضعيف فيُرجى أن يكون ثابتًا في واقع الأمر ، فلذلك يكون هذا الحديث الضعيف لا يُعرقل حكمًا شرعيًّا ؛ وذلك لأن العمل بذاك الحكم قد ثبت بغيره ، فوجود هذا الحديث وعدمه من حيث شرعيَّة الحكم لا يضرُّ ولا ينفع فإنَّه مشروع ، ولكن يُرجى أن يكون الفضل المذكور في الحديث الضعيف أن يكون ممَّا يناله المسلم .
فمثلًا ممَّا يدخل في هذا فضيلة أو لِنقُلْ الآن شرعيَّة صلاة الضحى ، فشرعيَّة صلاة الضحى قد ثبتت بفعل الرسول - عليه السلام - لها في غير ما حديث من فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فليس هذا الفعل الذي يحمِلُ في طواياه شرعيَّة صلاة الضحى ليس بحاجة لإثبات شرعيَّته إلى حديث ضعيف ، لكن هناك حديث مرويٌّ أظن في " سنن الترمذي " : ( لا يُحافظ على صلاة الضحى إلا مؤمن ) ، هذا حديث ضعيف ، فإذا رُوي وبُيِّن ضعفه يُقال في مثله : يُعمل به في فضائل الأعمال ؛ لأن هذا المعنى ينطبق تمامًا ؛ لأن كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد فعل ذلك ؛ فذلك بلا شك من فضائل الأعمال ؛ لأنه عبادة ، فحينما يأتي هذا الحديث وهو ضعيف ، فيُقال : يعمل به في فضائل الأعمال - أي : يروى - ؛ لكن ينبغي حين يُروى أن يُبيَّن ضعفه ، وهذا يلتقى مع بعض الشروط التي ذكرها ، لكن هذه الشروط لا تُعطي هذا التفصيل الذي ذكرناه ؛ بل قد تفيد هذه الشروطُ جوازَ العمل بالحديث الضعيف ولو كان فيه تشريع عمل لم تكن شرعيَّته إلا بالحديث الضعيف ، مثاله : =
-- وعليكم السلام ورحمة الله --
= لقد ثبت في السنة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا فَرَغَ من وضع الميِّت في القبر ، وبدأ الحفَّار بإهالة التراب عليه أخذ هو ثلاث حثيات ، رماها في القبر ، هذا ثابت ؛ لكن جاء في حديث ضعيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في الحصوة الأولى : (( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ )) ، في الثانية : (( وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ )) ، في الثالثة : (( وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )) ، هذا الحديث ضعيف ، لكن بعض مَن يدندنون حول الجملة السابقة يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال على الإطلاق قال لمَّا ذكر هذا الحديث الضعيف الأخير قال : وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا فمن المتفق عليه - في رأيه - أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، لكن مما يرد خلاف ما ذكرناه آنفًا ؛ من أين نثبت فضيلة هذه الحثيات الثلاث زايد مع تقسيمها أي : مع تقسيم الآية الكريمة عليها ؟ لم يثبت بحديث صحيح كما ثبت الأصل ، أصل الثلاث حثيات ... - عليه السلام - ، لكن هذا التصنيف وتقسيم الآية على الثلاث حثيات لم يأتِ إلا بهذا الحديث الضعيف ، فإذًا هنا لا يصلح قولهم : يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، بل في هذا التشريع للحديث الضعيف أمرًا لم يكن مشروعًا ؛ وهو قَرْنُ الحثوة بشيء من الآية المذكورة آنفًا ، فلهذا لا يصحُّ القول بإطلاق جواز العمل بحديث الضعيف في فضائل الأعمال إلا على الصورة السابقة آنفًا .
نعم .
السائل : الحديث الضعيف يجوز أن أرويَه بصيغة الجمع ، وثم أعود ... أذكره من غير أن أبيِّنَ ضعفه ... ؟
الشيخ : لا ، ما يجوز ؛ لذلك قلنا : لا بدَّ من بيان ضعفه كما جاء في ذلك الشرط ، وأن يعرف العامل به أنَّه ضعيف ، ومن مساوئ هذه القاعدة أنَّنا حينما نرى بعض أهل الفضل يعملون ويأتون ببعض العبادات ، وليس فيها إلا حديث ضعيف ؛ فحينما يُنكر عليهم ماذا يقول ؟ قال : إي ، إن كان الحديث ضعيفًا فيُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، فهذا يُعطينا إنذارًا بأن هو لما كان يعمل بهذا الحديث لا يدري أصحيح هو أو ضعيف ؟ لذلك يبادر إلى القول أنه إن كان كما تقول فيجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وعلى هذا كان سبب إشاعة هذه القاعدة ودون توضيح لها بأحد سبيلين ؛ السبيل الصحيح الذي ذكرناه آنفًا ، وهو مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، والسبيل الآخر الشروط التي ذكرها الحافظ بن حجر العسقلاني وغيره ؛ فلمَّا أُعرض عن هذَين القيدَين شاع بين الناس حتى من أهل العلم العمل بالحديث الضعيف إطلاقًا ؛ فكان ذلك سببًا لتشريع أمور هي من البدع التي لا يجوز التعبُّد والتقرُّب بها إلى الله - تبارك وتعالى - .
فلذلك لو تركنا جانبًا موضوع العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؛ فلا يجوز لمسلم أن يرويَ الحديث وهو يعلم ضعفه إلا وأن يبيِّن ضعفه ؛ لأنَّه بلا شك في ذلك نصح للأمة ، وبخاصَّة إذا كان هذا الراوي للحديث الضعيف قدوةً عند الناس ؛ بحيث أنهم إذا قيل لهم من بعض العلماء : هذا حديث ضعيف بيقول لك : كيف ؟ أنا سمعت هذا الحديث من الشيخ الفلاني والعالم الفلاني ؛ وهذا أمر طبيعي جدًّا جدًّا في عامة الناس ، فهم يحتجُّون بما يفعله العلماء ، من ذلك قولهم : قال رسول الله في الحديث الضعيف ؛ فلا شك - والحالة هذه - أنهم وقعوا في محذور مخالفة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كفى المرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع ) ؛ لذلك كان علماء الحديث قديمًا إذا روَوْا الحديث الضعيف ساقُوه بسنده ، حتى يتمكَّن أهل المعرفة أن يعرفوا الحديث من إسناده ، أما كما هو واقع المتأخرين من علماء الحديث أن يذكروا الحديث محذوف الإسناد ؛ فلا بد - والحالة هذه - من أن يُذكر خلاصة الإسناد ؛ أن يقال : هذا حديث إسناده ضعيف أو حسن أو صحيح حسبما يستحقُّ من الحكم ؛ فلهذا لا يجوز ذكر الحديث الضعيف إلا مُبيَّنًا ضعفُه ، وبخاصَّة إذا كان بعض الناس يعملون به .
نعم .
- رحلة النور - شريط : 85
- توقيت الفهرسة : 00:17:16
- نسخة مدققة إملائيًّا