إذا كانت الخطوط التي في الفُرُش في المساجد نوعًا من البدعة أو هي بدعة ؛ فهل يقاس على ذلك أن المحاريب بدعة ، والمآذن بدعة ، وغير ذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : سؤال يا شيخ ، أقول : إذا الخطوط التي في الفرش في المساجد أنها نوع من البدعة أو هي بدعة ؛ هل يقاس على ذلك أن المحاريب بدعة ، والمآذن بدعة ، وغير ذلك ؟
الشيخ : أنا لا أشك بذلك ، وخاصة فيما يتعلق بالمحاريب ، فقد ألَّف السيوطي أو بالأحرى الحافظ السيوطي - رحمه الله - رسالة دقيقة سمَّاها " تنبيه الأديب في بدعة المحاريب " ، وذكر هناك روايات تدلُّ على أن هذا حدث - أي : اتخاذ المحراب - حدث في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما أذكر - يومَ أُدخلت الحجرة النبوية إلى المسجد ، وصار القبر في المسجد النبوي ، يومئذٍ اتُّخذ المحراب ، ومن المعلوم أن المحاريب حتى اليوم مشاهدة في كنائس النصارى ، فالظاهر - والله أعلم - أن هذه البدعة - بدعة المحراب - إنما تسرَّبت إلى المسلمين من النصارى كما تسرَّبت إليهم أشياء أخرى ، فمنها - مثلًا - السبحة ، فسبحة النصارى لا تزال إلى الآن تُرى معلَّقة في ... ، وعليها بطبيعة الحال صلبانهم ؛ ولذلك ما نجد ذكرًا للمحراب في أيِّ حديث من أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يصح ، وإنما هناك حديث قديم يُورده بعض ، يمكن ... أو الطبراني - لم أعد أذكر الآن - من طريق وائل بن حجر ، يذكر فيه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ في المحراب ، كبَّر ورفع يديه ، ويأتي صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من التفصيل ، متن الإسناد هذا الحديث ... - والله ما عاد أذكر - بن جحدة ، وهو ... كما يقول الحافظ الهيثمي في كتابه " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " ، ... هذا الحديث المتروك لم يأتِ للمحراب ذكر مطلقًا في أيِّ حديث آخر ، وحديث البخاري من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي فيه قال : بينما أنا أصلي خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة العصر إذ سلَّم على رأس الركعتين ، فخرج ترعاني النفس ... ، وذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ناحية في المسجد ، ووضع اليمنى على اليسرى كأنه - عليه الصلاة والسلام - يستريح ، وفي الناس رجل يُقال له : ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال : ( كلُّ ذلك لم يكن ) . قال : بلى يا رسول الله . فالتفتَ إلى أصحابه وقال لهم : ( أَصَدَقَ ذو اليدين ؟ ) . قالوا : نعم ، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه - ولم يقُلْ إلى محرابه - ، فصلى ركعتين ، ثم سجد سجدتين ، ثم سلم .
فمثل هذا الحديث وأمثاله لا نجد فيه ذكر المحراب إطلاقًا ، زيادة على ذلك أن كتب التاريخ تذكر أن المحراب أُدخل إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلافة الوليد بن عبد الملك ؛ حيث هو الذي أَمَرَ بإضافة الحجرة الشريفة إلى المسجد النبوي ؛ فهذا ما يتعلق بالمحراب .
أما اتخاذ الخطِّ اليوم في بعض المساجد ، وترقَّت بعض المعاني استجابةً لرغبة بعض المساجد أو الذين بَنَوا المساجد على نفقاتهم ؛ فأخذوا يطبعون الخطَّ الأبيض أو المكشوف على السُّجَّاد ، فيُفرش السُّجَّاد ، وإذا بالخطِّ يأتي مطبوعًا دون أيِّ كلفة ، لا أرى أو لا أشك إلا أن هذا الخطَّ هو ليس فقط بدعة ؛ فمعلوم أن كلَّ أمر حَدَثَ بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو حادث لغةً ، حادث وبدعة لغةً ، ولكن قد يكون الأمر الحادث أنَّ الوجهة نظر سليمة ؛ قد يكون ليس من البدعة ، قد يكون من المصالح المرسلة ، وهذه المسألة في الحقيقة تكلمت فيها كثيرًا ، تارةً مختصرًا وتارةً مطولًا ؛ فقلت : أن كون الشيء مصلحة مرسلة لا يكون كذلك إلا إذا كان الدافع على ذلك لم يكن أولًا في عهد الرسول - عليه السلام - ، ثمَّ لم يكن الدافع على ذلك هو تقصير المسلمين في القيام ببعض واجباتهم الدينية ، ومن الأمثلة على ذلك :
عدم شرعيَّة الأذان لصلاة العيدين ، وكلُّ إنسان يعلم أنُّو في إحداث الأذان لصلاة العيدين فيه فائدة للناس لكي يعلموا متى ... إلى صلاة العيدين والأذان للصلوات الخمس ، بل على العكس المجرَّد عن الاتِّباع يقول أنُّو الأذان لصلاة العيدين أولى من الأذان لصلاة الظهر - مثلًا - أو العصر ؛ لأن وقت صلاة العيد شوية حرج ، لكن مع ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يسنَّ هذا الأذان ، فلو قال قائل : في مصلحة من تشريع هذا الأذان قال ... على ذلك هو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعَلْ ذلك ؛ فلذلك ذكر بعض العلماء المحققين من المتأخرين تقسيمًا جديدًا للسنة ، فنحن نعلم أن بعض العلماء يقسمون السنة إلى مؤكَّدة ومستحبة ، عادة و ... عبادة ، فجاء التفصيل الأخير والجديد من نوع آخر لكنه سليم ، فقسم السنة إلى قسمين ؛ سنة فعلية ، وسنة تركية ؛ أي : ما فَعَلَه الرسول - عليه السلام - من العبادات يُسنُّ فعلها ، وما تَرَكَه - عليه الصلاة والسلام - من العبادات فيُسَنُّ تركها ، والمثال هو عدم فعل الرسول - عليه السلام - أو تشريعه للأذان في صلاة العيدين ، وصلاة الاستسقاء ، لصلاة الكسوف والخسوف إلى آخره .
فإذا جئنا إلى الخطِّ ؛ ما الذي يحمل الناس اليوم إلى مثل الخطِّ في المساجد ؛ سواء كان خيطًا كما هو الشأن في الأردن وفي سوريا أو كان مطبوعًا كما هو الشأن في البسط التي نراها اليوم عندكم في بعض المساجد ؟ هذه قد يُقال فيها نص ... ، لكن ... اتِّخاذ هذا الخطِّ في اعتقادي تقصير العلماء من جهة في اتباعهم لسنَّة النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - التي تدل على أنه - عليه الصلاة والسلام - كان له ... خاصَّة في أمره للناس بتسوية الصفوف ، حتى كان أحيانًا يُبالغ في ذلك فيقول : ( لتسوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ) ، فأعرضَ أئمة المساجد عن مثل هذا ... الذي صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعبارات شتَّى كلها تلتقي على أنه ينبغي للإمام أن يكون له عناية خاصَّة في توجيه المصلين واهتمامهم بتسوية صفوفهم ، فلما أهمل أئمة المساجد - إلا ما شاء الله منهم - هذه السنة بالاهتمام بتسوية الصَّفِّ نَتَجَ من وراء ذلك ... ، وعدم تمرُّن المصلين بتسوية الصفوف ، فوجدوا الحلَّ في ذلك أن ... بالخيط ، هذا بلا شك أنَّه سيكون ... استمرار الإعراض عن السُّنَّة القديمة زايد أنَّ المصلين إذا خرجوا إلى العراء بمناسبة ما من المناسبات كما كنا اليوم - مثلًا - هناك في مخيم فما يستطيع أن يصفُّوا ؛ لأنو ما في خيط هناك ، وممَّا ... آنفًا نتذكَّر الصلاة في المصلَّى مصلَّى العيد ؛ ليس هناك خيط ؛ فلذلك فسيجد الإمام إن أراد أن يسوِّي الصفوف مشقَّة كبيرة جدًّا ؛ لأن هؤلاء الناس تمرَّنوا واعتادوا أن يصلوا على الخيط ، وهذا الخيط لا يتيسَّر في كلِّ مكان ، فإذًا معنى هذه البدعة قلب السنة ، فقد اتَّفق العلماء حتى من قال منهم بالبدعة الحسنة قالوا : أن البدعة السيئة هي التي تُعارض السنة ، وهذه ... تعارض السنة فينبغي أن تكون بدعةً باتفاق العلماء ؛ حتَّى الذين يقسمون البدعة إلى خمسة أقسام كما هو معلوم ، فبالأولى الذين لا يقولون إلا بقول الرسول - عليه السلام - : ( كلُّ بدعة ضلالة ، وكلُّ ضلالة في النار ) .
... كان من الممكن أن تكون ... النَّظر ... يمكن أن يُقال : إنها مصلحة مرسلة ؛ ذلك لأنها تحقِّق غايةً شرعيَّة ؛ بخلاف الخيط ، فالخيط يقضي على سنة الأمر ... بتسوية الصفوف واعتناء المصلين بتسوية الصفوف كما ذكرنا آنفًا ، أما المئذنة فلم يكن هناك وسيلة أخرى لتبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن ، فوُجِدَت هذه المئذنة خاصَّة لما بدأت الأبنية تكثر في بعض المدن أو العواصم ، ثم بعدها ترتفع ، فلم يَعُدْ صوت المؤذِّن ... وراء المسجد ؛ يبلغ حيث ينبغي أن يبلغ ، فوُجدت هذه الوسيلة ، أما اليوم فأصبحت كما يقال ... لأنها لا أحد يصعد إليها يؤذِّن عليها فيبلِّغ الناس ، وإنما أصبح ... للمسجد ، فأنا أرى ما دام وُجِدَ مكبِّر الصوت فلا يجوز إلغاء المئذنة لسببين اثنين ؛ السبب الأول : أن المئذنة في الأصل ليس لها أصل ، وقلنا بجواز اتخاذها يومئذٍ لأنها تحقِّق مصلحة مرسلة ، الآن مكبِّر الصوت يحقِّق مصلحة مرسلة فما يجوز هنا مئذنة وبخاصَّة على الطرق التي تُتَّبعُ في كثير من المساجد حيث يُباهى بها بطريقة بنائها ورفع بنيانها ونحو ذلك ممَّا لا تجوز بالإطلاق ... ، وبخاصَّة إذا كانت هذه الأموال هي أموال وقف أو ناس تبرَّعوا على أساس أن هذه الأموال أن يُبنى بها بناء المسجد ، وفي ذلك فضل معروف في بعض الأحاديث كقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من بنى مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى اللهُ له بيتًا في الجنة ) ، وإلا كثير من هذه الأموال تذهب هكذا سُدًى دون فائدة ، فـ ... ممكن أن نقول لتحقيق مصلحة مرسلة ، أما بهذا الارتفاع الكثير فليس في ذلك مصلحة إطلاقًا يومئذٍ ، وإنما كان يقوم إلى مكان ما على حسب البناية التي تُحيط بالمسجد ، أما اليوم ... إطلاقًا في بناء مئذنة لولا العرف السَّائد ، فيظن الغريب أن هذا مسجد ، هذا معني باتِّخاذ المئذنة مبرَّرة جدًّا وبأقل كلفة لأننا قلنا بأن مكبِّر الصوت يغني عن تلك المآذن .
ولي كلام يتَّصل بهذا الموضوع ، لكن أريد الآن أن أخرج لقضاء الحاجة .
الشيخ : أنا لا أشك بذلك ، وخاصة فيما يتعلق بالمحاريب ، فقد ألَّف السيوطي أو بالأحرى الحافظ السيوطي - رحمه الله - رسالة دقيقة سمَّاها " تنبيه الأديب في بدعة المحاريب " ، وذكر هناك روايات تدلُّ على أن هذا حدث - أي : اتخاذ المحراب - حدث في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما أذكر - يومَ أُدخلت الحجرة النبوية إلى المسجد ، وصار القبر في المسجد النبوي ، يومئذٍ اتُّخذ المحراب ، ومن المعلوم أن المحاريب حتى اليوم مشاهدة في كنائس النصارى ، فالظاهر - والله أعلم - أن هذه البدعة - بدعة المحراب - إنما تسرَّبت إلى المسلمين من النصارى كما تسرَّبت إليهم أشياء أخرى ، فمنها - مثلًا - السبحة ، فسبحة النصارى لا تزال إلى الآن تُرى معلَّقة في ... ، وعليها بطبيعة الحال صلبانهم ؛ ولذلك ما نجد ذكرًا للمحراب في أيِّ حديث من أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يصح ، وإنما هناك حديث قديم يُورده بعض ، يمكن ... أو الطبراني - لم أعد أذكر الآن - من طريق وائل بن حجر ، يذكر فيه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ في المحراب ، كبَّر ورفع يديه ، ويأتي صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من التفصيل ، متن الإسناد هذا الحديث ... - والله ما عاد أذكر - بن جحدة ، وهو ... كما يقول الحافظ الهيثمي في كتابه " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " ، ... هذا الحديث المتروك لم يأتِ للمحراب ذكر مطلقًا في أيِّ حديث آخر ، وحديث البخاري من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي فيه قال : بينما أنا أصلي خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة العصر إذ سلَّم على رأس الركعتين ، فخرج ترعاني النفس ... ، وذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ناحية في المسجد ، ووضع اليمنى على اليسرى كأنه - عليه الصلاة والسلام - يستريح ، وفي الناس رجل يُقال له : ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال : ( كلُّ ذلك لم يكن ) . قال : بلى يا رسول الله . فالتفتَ إلى أصحابه وقال لهم : ( أَصَدَقَ ذو اليدين ؟ ) . قالوا : نعم ، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه - ولم يقُلْ إلى محرابه - ، فصلى ركعتين ، ثم سجد سجدتين ، ثم سلم .
فمثل هذا الحديث وأمثاله لا نجد فيه ذكر المحراب إطلاقًا ، زيادة على ذلك أن كتب التاريخ تذكر أن المحراب أُدخل إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلافة الوليد بن عبد الملك ؛ حيث هو الذي أَمَرَ بإضافة الحجرة الشريفة إلى المسجد النبوي ؛ فهذا ما يتعلق بالمحراب .
أما اتخاذ الخطِّ اليوم في بعض المساجد ، وترقَّت بعض المعاني استجابةً لرغبة بعض المساجد أو الذين بَنَوا المساجد على نفقاتهم ؛ فأخذوا يطبعون الخطَّ الأبيض أو المكشوف على السُّجَّاد ، فيُفرش السُّجَّاد ، وإذا بالخطِّ يأتي مطبوعًا دون أيِّ كلفة ، لا أرى أو لا أشك إلا أن هذا الخطَّ هو ليس فقط بدعة ؛ فمعلوم أن كلَّ أمر حَدَثَ بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو حادث لغةً ، حادث وبدعة لغةً ، ولكن قد يكون الأمر الحادث أنَّ الوجهة نظر سليمة ؛ قد يكون ليس من البدعة ، قد يكون من المصالح المرسلة ، وهذه المسألة في الحقيقة تكلمت فيها كثيرًا ، تارةً مختصرًا وتارةً مطولًا ؛ فقلت : أن كون الشيء مصلحة مرسلة لا يكون كذلك إلا إذا كان الدافع على ذلك لم يكن أولًا في عهد الرسول - عليه السلام - ، ثمَّ لم يكن الدافع على ذلك هو تقصير المسلمين في القيام ببعض واجباتهم الدينية ، ومن الأمثلة على ذلك :
عدم شرعيَّة الأذان لصلاة العيدين ، وكلُّ إنسان يعلم أنُّو في إحداث الأذان لصلاة العيدين فيه فائدة للناس لكي يعلموا متى ... إلى صلاة العيدين والأذان للصلوات الخمس ، بل على العكس المجرَّد عن الاتِّباع يقول أنُّو الأذان لصلاة العيدين أولى من الأذان لصلاة الظهر - مثلًا - أو العصر ؛ لأن وقت صلاة العيد شوية حرج ، لكن مع ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يسنَّ هذا الأذان ، فلو قال قائل : في مصلحة من تشريع هذا الأذان قال ... على ذلك هو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعَلْ ذلك ؛ فلذلك ذكر بعض العلماء المحققين من المتأخرين تقسيمًا جديدًا للسنة ، فنحن نعلم أن بعض العلماء يقسمون السنة إلى مؤكَّدة ومستحبة ، عادة و ... عبادة ، فجاء التفصيل الأخير والجديد من نوع آخر لكنه سليم ، فقسم السنة إلى قسمين ؛ سنة فعلية ، وسنة تركية ؛ أي : ما فَعَلَه الرسول - عليه السلام - من العبادات يُسنُّ فعلها ، وما تَرَكَه - عليه الصلاة والسلام - من العبادات فيُسَنُّ تركها ، والمثال هو عدم فعل الرسول - عليه السلام - أو تشريعه للأذان في صلاة العيدين ، وصلاة الاستسقاء ، لصلاة الكسوف والخسوف إلى آخره .
فإذا جئنا إلى الخطِّ ؛ ما الذي يحمل الناس اليوم إلى مثل الخطِّ في المساجد ؛ سواء كان خيطًا كما هو الشأن في الأردن وفي سوريا أو كان مطبوعًا كما هو الشأن في البسط التي نراها اليوم عندكم في بعض المساجد ؟ هذه قد يُقال فيها نص ... ، لكن ... اتِّخاذ هذا الخطِّ في اعتقادي تقصير العلماء من جهة في اتباعهم لسنَّة النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - التي تدل على أنه - عليه الصلاة والسلام - كان له ... خاصَّة في أمره للناس بتسوية الصفوف ، حتى كان أحيانًا يُبالغ في ذلك فيقول : ( لتسوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ) ، فأعرضَ أئمة المساجد عن مثل هذا ... الذي صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعبارات شتَّى كلها تلتقي على أنه ينبغي للإمام أن يكون له عناية خاصَّة في توجيه المصلين واهتمامهم بتسوية صفوفهم ، فلما أهمل أئمة المساجد - إلا ما شاء الله منهم - هذه السنة بالاهتمام بتسوية الصَّفِّ نَتَجَ من وراء ذلك ... ، وعدم تمرُّن المصلين بتسوية الصفوف ، فوجدوا الحلَّ في ذلك أن ... بالخيط ، هذا بلا شك أنَّه سيكون ... استمرار الإعراض عن السُّنَّة القديمة زايد أنَّ المصلين إذا خرجوا إلى العراء بمناسبة ما من المناسبات كما كنا اليوم - مثلًا - هناك في مخيم فما يستطيع أن يصفُّوا ؛ لأنو ما في خيط هناك ، وممَّا ... آنفًا نتذكَّر الصلاة في المصلَّى مصلَّى العيد ؛ ليس هناك خيط ؛ فلذلك فسيجد الإمام إن أراد أن يسوِّي الصفوف مشقَّة كبيرة جدًّا ؛ لأن هؤلاء الناس تمرَّنوا واعتادوا أن يصلوا على الخيط ، وهذا الخيط لا يتيسَّر في كلِّ مكان ، فإذًا معنى هذه البدعة قلب السنة ، فقد اتَّفق العلماء حتى من قال منهم بالبدعة الحسنة قالوا : أن البدعة السيئة هي التي تُعارض السنة ، وهذه ... تعارض السنة فينبغي أن تكون بدعةً باتفاق العلماء ؛ حتَّى الذين يقسمون البدعة إلى خمسة أقسام كما هو معلوم ، فبالأولى الذين لا يقولون إلا بقول الرسول - عليه السلام - : ( كلُّ بدعة ضلالة ، وكلُّ ضلالة في النار ) .
... كان من الممكن أن تكون ... النَّظر ... يمكن أن يُقال : إنها مصلحة مرسلة ؛ ذلك لأنها تحقِّق غايةً شرعيَّة ؛ بخلاف الخيط ، فالخيط يقضي على سنة الأمر ... بتسوية الصفوف واعتناء المصلين بتسوية الصفوف كما ذكرنا آنفًا ، أما المئذنة فلم يكن هناك وسيلة أخرى لتبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن ، فوُجِدَت هذه المئذنة خاصَّة لما بدأت الأبنية تكثر في بعض المدن أو العواصم ، ثم بعدها ترتفع ، فلم يَعُدْ صوت المؤذِّن ... وراء المسجد ؛ يبلغ حيث ينبغي أن يبلغ ، فوُجدت هذه الوسيلة ، أما اليوم فأصبحت كما يقال ... لأنها لا أحد يصعد إليها يؤذِّن عليها فيبلِّغ الناس ، وإنما أصبح ... للمسجد ، فأنا أرى ما دام وُجِدَ مكبِّر الصوت فلا يجوز إلغاء المئذنة لسببين اثنين ؛ السبب الأول : أن المئذنة في الأصل ليس لها أصل ، وقلنا بجواز اتخاذها يومئذٍ لأنها تحقِّق مصلحة مرسلة ، الآن مكبِّر الصوت يحقِّق مصلحة مرسلة فما يجوز هنا مئذنة وبخاصَّة على الطرق التي تُتَّبعُ في كثير من المساجد حيث يُباهى بها بطريقة بنائها ورفع بنيانها ونحو ذلك ممَّا لا تجوز بالإطلاق ... ، وبخاصَّة إذا كانت هذه الأموال هي أموال وقف أو ناس تبرَّعوا على أساس أن هذه الأموال أن يُبنى بها بناء المسجد ، وفي ذلك فضل معروف في بعض الأحاديث كقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من بنى مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى اللهُ له بيتًا في الجنة ) ، وإلا كثير من هذه الأموال تذهب هكذا سُدًى دون فائدة ، فـ ... ممكن أن نقول لتحقيق مصلحة مرسلة ، أما بهذا الارتفاع الكثير فليس في ذلك مصلحة إطلاقًا يومئذٍ ، وإنما كان يقوم إلى مكان ما على حسب البناية التي تُحيط بالمسجد ، أما اليوم ... إطلاقًا في بناء مئذنة لولا العرف السَّائد ، فيظن الغريب أن هذا مسجد ، هذا معني باتِّخاذ المئذنة مبرَّرة جدًّا وبأقل كلفة لأننا قلنا بأن مكبِّر الصوت يغني عن تلك المآذن .
ولي كلام يتَّصل بهذا الموضوع ، لكن أريد الآن أن أخرج لقضاء الحاجة .
- رحلة النور - شريط : 75
- توقيت الفهرسة : 00:08:46
- نسخة مدققة إملائيًّا