ذكرتَ أن سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون دائمًا إقرارًا ؛ أرجو توضيح ذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ - حفظك الله - ، ذكرتَ أن سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون دائمًا إقرارًا ؛ أرجو توضيح ذلك ، وجزاك الله خيرًا ؟
الشيخ : كأن السائل يقول : ذكرتَ هذا في بعض المجالس وفي بعض المواعظ ، وإلا فأنا قلت آنفًا في أوَّل جلستنا هذه بأن السنة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفعله وتقريره ، قلت هكذا ، وأنزلت تقريره - عليه السلام - ؛ أي : إقراره لشيءٍ ما منزلةَ فعله إيَّاه ، أو منزلة قوله لذلك إما تجويزًا وإما حضًّا وإما أمرًا ، أما هذا السؤال فهو قد ذكرتُ في بعض المجالس فعلًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحيان لا يكون سكوته إقرارًا ، وذلك صريح في بعض الأحاديث ؛ منها :
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الذي أخرجه الحاكم وغيره بالسند الصحيح وأبو يعلى في " مسنده " أن الرجل كان يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسأله مالًا فيعطيه - عليه الصلاة والسلام - وهو قويٌّ ، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحاديث : ( لا صدقةَ لغنيٍّ ولا لذي مرَّة سويٍّ ) ، أي : لا ... بالصدقة ، وبخاصَّة إذا كان ... لها للغني الذي هو الذي يجب عليه أن يتصدَّق ، ( ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ ) ؛ أي : ذي قوَّة وسوي البنية غير عاجز ، لكن الذي كان يقع أحيانًا ويشاهده منه أصحابه أنَّه كان يأتيه الرجل وهو ذو مرَّة سوي ، يسأله فيعطيه - عليه الصلاة والسلام - ما تيسَّر له من العطاء ، فإذا خرج السائل ... ما أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لِمَن حوله : إنه خرج من عندي يتأبَّطها نارًا ، فيُقال له : فَلِمَ تعطيه يا رسول الله ؟ فيكون الجواب : ( يسألونني ، ويكره الله لِيَ البخل ) ؛ أي : أنا أُعطيه حتى لا يرجعَ إلى قبيلته أو قومه يتحدَّث عني إذا لم أعطه بأن محمدًا رجل بخيل ، والله يكره له - عليه الصلاة والسلام - أن يتحدَّث الناس عنه ولو بالبخل ، فيقولوا فيه : إنه بخيل ، فهو يعطي ، وإعطاؤه لهذا الذي لا يستحقُّ العطاء وسكوته عليه لا يعني إقرارًا لفعله ، وإنما ذلك مستثنى من قاعدة : أن السكوت إقرار ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد بيَّن في هذا الحديث لماذا يعطيه ويدعه إذا خرج ، يقول لأصحابه بيانًا لأنه إنما يعطي مُكرهًا ، والإكراه هنا شرعي وليس ماديًّا ؛ فإنه باستطاعته أن يمنعه وأن يصرفه ، وأن يقول : أنت ذو قوَّة وتمام الجسم والبنية ، ولكن يخشى من وراء ذلك أن يُنسب - عليه الصلاة والسلام - إلى البخل ، وذلك ممَّا ينفِّر الناس عنه ، ومن مثل هذا الحديث اقتبَسَ بعضُ العلماء المتكلِّمين في التوحيد وفي العقيدة أن الأصل في الأنبياء أن يكونوا كُمَّلًا في هيئاتهم ، وأن لا يكونوا في أشكالهم منفِّرين للناس ؛ لأن ذلك لا يتجانس مع دعوتهم الناس إلى دعوة الحق دعوة التوحيد ودعوة الشريعة التي أنزلها الله - تبارك وتعالى - عليهم جميعًا .
نعم .
الشيخ : كأن السائل يقول : ذكرتَ هذا في بعض المجالس وفي بعض المواعظ ، وإلا فأنا قلت آنفًا في أوَّل جلستنا هذه بأن السنة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفعله وتقريره ، قلت هكذا ، وأنزلت تقريره - عليه السلام - ؛ أي : إقراره لشيءٍ ما منزلةَ فعله إيَّاه ، أو منزلة قوله لذلك إما تجويزًا وإما حضًّا وإما أمرًا ، أما هذا السؤال فهو قد ذكرتُ في بعض المجالس فعلًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحيان لا يكون سكوته إقرارًا ، وذلك صريح في بعض الأحاديث ؛ منها :
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الذي أخرجه الحاكم وغيره بالسند الصحيح وأبو يعلى في " مسنده " أن الرجل كان يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسأله مالًا فيعطيه - عليه الصلاة والسلام - وهو قويٌّ ، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحاديث : ( لا صدقةَ لغنيٍّ ولا لذي مرَّة سويٍّ ) ، أي : لا ... بالصدقة ، وبخاصَّة إذا كان ... لها للغني الذي هو الذي يجب عليه أن يتصدَّق ، ( ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ ) ؛ أي : ذي قوَّة وسوي البنية غير عاجز ، لكن الذي كان يقع أحيانًا ويشاهده منه أصحابه أنَّه كان يأتيه الرجل وهو ذو مرَّة سوي ، يسأله فيعطيه - عليه الصلاة والسلام - ما تيسَّر له من العطاء ، فإذا خرج السائل ... ما أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لِمَن حوله : إنه خرج من عندي يتأبَّطها نارًا ، فيُقال له : فَلِمَ تعطيه يا رسول الله ؟ فيكون الجواب : ( يسألونني ، ويكره الله لِيَ البخل ) ؛ أي : أنا أُعطيه حتى لا يرجعَ إلى قبيلته أو قومه يتحدَّث عني إذا لم أعطه بأن محمدًا رجل بخيل ، والله يكره له - عليه الصلاة والسلام - أن يتحدَّث الناس عنه ولو بالبخل ، فيقولوا فيه : إنه بخيل ، فهو يعطي ، وإعطاؤه لهذا الذي لا يستحقُّ العطاء وسكوته عليه لا يعني إقرارًا لفعله ، وإنما ذلك مستثنى من قاعدة : أن السكوت إقرار ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد بيَّن في هذا الحديث لماذا يعطيه ويدعه إذا خرج ، يقول لأصحابه بيانًا لأنه إنما يعطي مُكرهًا ، والإكراه هنا شرعي وليس ماديًّا ؛ فإنه باستطاعته أن يمنعه وأن يصرفه ، وأن يقول : أنت ذو قوَّة وتمام الجسم والبنية ، ولكن يخشى من وراء ذلك أن يُنسب - عليه الصلاة والسلام - إلى البخل ، وذلك ممَّا ينفِّر الناس عنه ، ومن مثل هذا الحديث اقتبَسَ بعضُ العلماء المتكلِّمين في التوحيد وفي العقيدة أن الأصل في الأنبياء أن يكونوا كُمَّلًا في هيئاتهم ، وأن لا يكونوا في أشكالهم منفِّرين للناس ؛ لأن ذلك لا يتجانس مع دعوتهم الناس إلى دعوة الحق دعوة التوحيد ودعوة الشريعة التي أنزلها الله - تبارك وتعالى - عليهم جميعًا .
نعم .
- رحلة النور - شريط : 67
- توقيت الفهرسة : 00:18:00
- نسخة مدققة إملائيًّا