كيف يُختار القول الراجح بين العلماء حال الاختلاف ؟ وما الموقف بالنسبة لقول العالم الآخر ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ... الله - تبارك وتعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، بشريطة واحدة ؛ ألا وهي أن يكون بعيدًا عن اتِّباعه لهواه ؛ أي : لا يكون الحامل له على اختيار أحد القولين لذلك العالمين الجليلين إنما هو اتِّباعه لهواه ، فقد قال - عليه الصلاة والسلام - كما روى الإمام أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " وغيرهما ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( المجاهد مَن جاهد هواه لله ) ؛ ( المجاهد مَن جاهد هواه ) ؛ أي : هوى نفسه لله - تبارك وتعالى - ، فإذا تنزَّه هذا المسلم مهما كانت سويَّته العلمية منحطَّة فليس أمامه سوى أن يختار أحد القولين مبتعدًا عن اتِّباعه لهواه ، هذا الشرط أساسي في هذه القضيَّة التي تُشكل على بعض الناس ، وثمَّة أمور أخرى قد يمكن لهذا المسلم أن يُراعيها كلها أو جزءها أو بعضها ، والمطلوب منه هو أن يستعمل استطاعته كما قال - تعالى - : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) ، وقال نبيُّه - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما أمرتكم من شيء فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) ، باستطاعة كلِّ مسلم أن يتعرَّف على شيء من ترجمة ذلك العالم الذي خالف في فتواه قولَ العالم الآخر ، فإذا توصَّل - مثلًا - إلى معرفة أن أحدهما أتقى لله - تبارك وتعالى - وأصلح ؛ فحينئذٍ يكون هذا مرجحًا لديه أن يأخذ بقول هذا الأتقى والأصلح ، ويؤثره على قول العالم الآخر ، كذلك يفكِّر وينظر أيُّ العالِمَين أقدم دراسةً لذلك العلم الذي أفتوا فيه ؟ إن كان - مثلًا - في التفسير أو كان في الحديث أو كان في الفقه فيكون طول عمر أحدهما في ذلك العلم هو - أيضًا - من المرجِّحات بالنسبة لهذا المسلم الحيران في أيِّ القولين يعتمد ؟ أو بأيِّ القولين يعمل ؟
وأخيرًا : يأتي ترجيح آخر ينبغي أن لا يتغافلَ عنه كلُّ مسلم يقع في مثل هذه المشكلة ؛ وهو أن ينظر أيُّ العالِمَين أقدم تخصُّصًا في العلم الذي أفتى كلٌّ منَّا فيه ، فإن كان السؤال في التفسير ، وكان أحدهما مختصًّا فيه ، والآخر ليس كذلك ؛ آثر قول المختصِّ على العالم غير المختصِّ ، وعلى ذلك تُقاس المسائل الأخرى ، وهذا أمر بدهيٌّ جدًّا ؛ فإن كلَّ مسلم مُعرَّض بأن يُصابَ إما في نفسه أو في ولده أو في قريب له بشيء من الأمراض التي تلمُّ عادةً ويُصاب بها الإنسان ؛ فماذا يفعل هذا الذي أُصيب بشيء من الأمراض ؟ أَيذهب إلى أيِّ طبيب أم هو يسأل أسئلة كثيرة ؟ منها : مَن هو الطبيب المختص في هذا المرض الذي يشعر ، مثلًا إذا أُصيب إنسان بمرض داخلي ؛ فلا يذهب إلى الرجل المختص بمعالجة أمراض العين أو الأذن أو نحو ذلك ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ فإذا أُخبر بالمختص سأل : تُرى هذا أعلم أم ذاك ؟ هذا أقدم أم ذاك ؟ إلى آخره حتى يصل إلى الطبيب الذي تطمئنُّ إليه نفسه وينشرح له صدره ، حينئذٍ يعرض نفسه أو مريضه عليه .
هذا معالجة مشكلة ما عرض له من مشكلة بدنه ، فأولى وأولى أن يعالج على هذه الطريقة من طلب المتخصِّص في العلم الذي وقع الإشكال فيه على هذا المسلم أن يسلك هذا المسلك ، وهو بعد ذلك لا شك أنه سينتهي إلى أن يعمل بقول أحدهما ، ولا يجب عليه وراء ذلك شيء ؛ لأنه اجتهد وأفرغ جهدَه لمعرفه الحقِّ الذي اختلف فيه هذان العالمان في صورة السؤال المطروح آنفًا ، والله - عز وجل - يقول في كتابه : (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )) ، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ) ، وكلُّ إنسان اجتهاده بحسب حاله ، هذا اجتهاد المسلم العادي الذي لا علم له بالطرق العلمية التي يتمكَّن بها المسلم من ترجيح قول على الآخر ، أما إن كان من طلَّاب العلم أو كان من أهل العلم فالخطب بالنسبة إليه سهل ؛ لأنه سيتطلب الأدلة الشرعية التي تساعده على ترجيح قول على آخر .
هذا ما عندي جوابًا على هذا السؤال .
السائل : ما الموقف - يا شيخ - بالنسبة لقول العالم الآخر ؟
الشيخ : أيوا ، تتمَّة السؤال ، ذكَّرتني جزاك الله خيرًا ، أقول في تتمة السؤال جوابه : أن موقف هذا المسلم الذي تكلَّمتُ عنه آنفًا بالنسبة لقول العالم الآخر الذي لم يَمِلْ إليه ، ولم يره صوابًا في حدود ما اختاره هو ؛ ألَّا يتكلم فيه ؛ لأنه سوف يتكلم بالنسبة إليه بغير علم ، ولهذا فلا ينبغي أن يكون مثل هذا الاختلاف سببًا للتفريق بين مسلم وآخر ، فأحدهما اختار قول العالم الأول ، والآخر اختار قول العالم الثاني ، وكلاهما لا علمَ عندهم ، وإنما علموا المستطاع في حدود ما قلنا آنفًا ؛ فلا يجوز لكلٍّ منهما أن يتكلَّم في حقِّ العالم الآخر الذي كان قوله عنده مرجوحًا لم يتبنَّه ولم يعمل به ، هذا هو الوقف الذي يجب أن يقفَه كلُّ مسلم أمام أقوال العلماء المختلفين ؛ فإننا نعلم من سيرة السلف الصالح - رضي الله عنهم - أنهم اختلفوا في بعض المسائل ، ولم يكن في الصحابة مَن يُعتمد على علمه وهم يعدُّون الألوف المؤلفة إلا نحو مئتي عالم من الصحابة ، فكان كلٌّ من عموم الصحابة يأخذ بالقول الذي بلغه عن أيِّ عالم من أولئك العلماء المئتين ، ومع ذلك فلم يكن الاختلاف الموجود بين الصحابة مفرِّقًا بينهم ومُلقيًا للشَّحناء والبغضاء في صفوف عامة المسلمين ؛ ذلك لأنهم يعلمون أنَّ من اجتهد فأخطأ فهو معذور ، بل هو مأجور كما سمعتم في الحديث السالف ؛ فبما يحلُّ للذي رجَّح قول أحد العالِمَين على القول الآخر أن يطعن في قول الآخر ؟! هذا خلاف ما ينبغي أن يكون عليه كلُّ مسلم .
نعم .
وأخيرًا : يأتي ترجيح آخر ينبغي أن لا يتغافلَ عنه كلُّ مسلم يقع في مثل هذه المشكلة ؛ وهو أن ينظر أيُّ العالِمَين أقدم تخصُّصًا في العلم الذي أفتى كلٌّ منَّا فيه ، فإن كان السؤال في التفسير ، وكان أحدهما مختصًّا فيه ، والآخر ليس كذلك ؛ آثر قول المختصِّ على العالم غير المختصِّ ، وعلى ذلك تُقاس المسائل الأخرى ، وهذا أمر بدهيٌّ جدًّا ؛ فإن كلَّ مسلم مُعرَّض بأن يُصابَ إما في نفسه أو في ولده أو في قريب له بشيء من الأمراض التي تلمُّ عادةً ويُصاب بها الإنسان ؛ فماذا يفعل هذا الذي أُصيب بشيء من الأمراض ؟ أَيذهب إلى أيِّ طبيب أم هو يسأل أسئلة كثيرة ؟ منها : مَن هو الطبيب المختص في هذا المرض الذي يشعر ، مثلًا إذا أُصيب إنسان بمرض داخلي ؛ فلا يذهب إلى الرجل المختص بمعالجة أمراض العين أو الأذن أو نحو ذلك ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ فإذا أُخبر بالمختص سأل : تُرى هذا أعلم أم ذاك ؟ هذا أقدم أم ذاك ؟ إلى آخره حتى يصل إلى الطبيب الذي تطمئنُّ إليه نفسه وينشرح له صدره ، حينئذٍ يعرض نفسه أو مريضه عليه .
هذا معالجة مشكلة ما عرض له من مشكلة بدنه ، فأولى وأولى أن يعالج على هذه الطريقة من طلب المتخصِّص في العلم الذي وقع الإشكال فيه على هذا المسلم أن يسلك هذا المسلك ، وهو بعد ذلك لا شك أنه سينتهي إلى أن يعمل بقول أحدهما ، ولا يجب عليه وراء ذلك شيء ؛ لأنه اجتهد وأفرغ جهدَه لمعرفه الحقِّ الذي اختلف فيه هذان العالمان في صورة السؤال المطروح آنفًا ، والله - عز وجل - يقول في كتابه : (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )) ، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ) ، وكلُّ إنسان اجتهاده بحسب حاله ، هذا اجتهاد المسلم العادي الذي لا علم له بالطرق العلمية التي يتمكَّن بها المسلم من ترجيح قول على الآخر ، أما إن كان من طلَّاب العلم أو كان من أهل العلم فالخطب بالنسبة إليه سهل ؛ لأنه سيتطلب الأدلة الشرعية التي تساعده على ترجيح قول على آخر .
هذا ما عندي جوابًا على هذا السؤال .
السائل : ما الموقف - يا شيخ - بالنسبة لقول العالم الآخر ؟
الشيخ : أيوا ، تتمَّة السؤال ، ذكَّرتني جزاك الله خيرًا ، أقول في تتمة السؤال جوابه : أن موقف هذا المسلم الذي تكلَّمتُ عنه آنفًا بالنسبة لقول العالم الآخر الذي لم يَمِلْ إليه ، ولم يره صوابًا في حدود ما اختاره هو ؛ ألَّا يتكلم فيه ؛ لأنه سوف يتكلم بالنسبة إليه بغير علم ، ولهذا فلا ينبغي أن يكون مثل هذا الاختلاف سببًا للتفريق بين مسلم وآخر ، فأحدهما اختار قول العالم الأول ، والآخر اختار قول العالم الثاني ، وكلاهما لا علمَ عندهم ، وإنما علموا المستطاع في حدود ما قلنا آنفًا ؛ فلا يجوز لكلٍّ منهما أن يتكلَّم في حقِّ العالم الآخر الذي كان قوله عنده مرجوحًا لم يتبنَّه ولم يعمل به ، هذا هو الوقف الذي يجب أن يقفَه كلُّ مسلم أمام أقوال العلماء المختلفين ؛ فإننا نعلم من سيرة السلف الصالح - رضي الله عنهم - أنهم اختلفوا في بعض المسائل ، ولم يكن في الصحابة مَن يُعتمد على علمه وهم يعدُّون الألوف المؤلفة إلا نحو مئتي عالم من الصحابة ، فكان كلٌّ من عموم الصحابة يأخذ بالقول الذي بلغه عن أيِّ عالم من أولئك العلماء المئتين ، ومع ذلك فلم يكن الاختلاف الموجود بين الصحابة مفرِّقًا بينهم ومُلقيًا للشَّحناء والبغضاء في صفوف عامة المسلمين ؛ ذلك لأنهم يعلمون أنَّ من اجتهد فأخطأ فهو معذور ، بل هو مأجور كما سمعتم في الحديث السالف ؛ فبما يحلُّ للذي رجَّح قول أحد العالِمَين على القول الآخر أن يطعن في قول الآخر ؟! هذا خلاف ما ينبغي أن يكون عليه كلُّ مسلم .
نعم .
- رحلة النور - شريط : 65
- توقيت الفهرسة : 00:00:51
- نسخة مدققة إملائيًّا