ما هي الفرقة الناجية ؟ وما أصول دعوة السلف الصالح ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الوالد - حفظك الله - ، ما هي الفرقة الناجية ؟ وما أصول دعوة السلف الصالح ؟
الشيخ : لقد جاء الحديث جوابًا عن هذا السؤال في كتب الحديث كـ " سنن الترمذي " وغيره عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( تفرَّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرَّقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا سول الله ؟ قال في رواية : ( الجماعة ) ؛ يعني جماعة الرسول - عليه السلام - ؛ أي : الصحابة ، والدليل على هذا الرواية الأخرى : قال : ( هي التي ما أنا عليه وأصحابي ) . فالفرقة الناجية هي التي تتمسَّك بسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنة أصحابه ، وبخاصَّة سنة الخلفاء الراشدين التي أمر بها - عليه الصلاة والسلام - في حديث العرباض بن سارية ؛ حيث قال هذا الصحابي الجليل وهو من أهل الصفة : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه و آله وسلم - موعظةً وجلَتْ منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : أوصنا يا رسول الله . فقال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ؛ وإن وُلِّي عليكم عبدٌ حبشيٌّ ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي ، عضُّوا عليها بالنواجد ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) ، ففي هذا الحديث تخصيص ينة الخفاء الراشدين بالاتباع بعد سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، لماذا ذكر مع سنَّته في الحديث السابق أصحابه ؟ وفي الحديث اللاحق الخلفاء الراشدين من أصحابه ؟
ذلك لأنهم قد تلقَّوا الشرع مُبيَّنًا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله وبفعله ، فنحن ما سمعنا أقواله ولا رأينا أفعاله ، وإنما تعلَّمنا ذلك من طريق أصحابه ، وأصحابه هم الذين طبَّقوا شريعة الله التي فَهِمُوها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تطبيقًا صحيحًا ، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يكتفي الرجوع إلى الكتاب وإلى السنة فقط ، وإنما يضيف إلى ذلك ما أضافه الرسول - عليه السلام - في حديث الفرق وفي حديث الخلفاء الراشدين ، وذلك مما أشار إليه ربُّ العالمين في القرآن الكريم حينما قال - عز وجل - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) قال : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) ، ما قال الله - عز وجل - : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى نولِّه ما تولى " ، وإنما عطف على مشاققة الرسول فقال : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، أَذَكَر هذا ربُّنا عبثًا ؟! حاشا لله - تبارك وتعالى - ، فما في القرآن كلمة إلا لحكمة بالغة ؛ فضلًا عن جملة كهذه الجملة : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، الحكمة في ذلك هو ما ذكرته آنفًا ، ولذلك احتجَّ الإمام الشافعي على أنه لا يجوز مخالفة سبيل المؤمنين ، ولا يكون أو لا تكون هذه المخالفة إلا بركوب بعض الناس رؤوسَهم وتأويلهم لبعض النصوص من الكتاب والسنة دون الاستعانة على فهم تلك النصوص بما كان عليه سلفنا الصالح ، ولذلك فنحن نعلم يقينًا أن سبب تفرُّق المسلمين لثلاث وسبعين فرقة ، واحدة منها هي الفرقة الناجية ؛ ذلك لأنها تمسَّكت بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، أما من تمسَّك بالكتاب والسنة على تفسيره هو ، وأعرض عمَّا كان عليه السلف الصالح ؛ فقد خالف الآية : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، وخالف الحديثين السابقين ذكرًا .
لسنا بحاجة الآن الى أن نذكِّرَكم ببعض الفرق الإسلامية القديمة كالمعتزلة والخوارج والمرجئة وغيرهم ؛ فإن هؤلاء معروفٌ مخالفتهم للكتاب والسنة ، وما ذاك إلا أنهم لا يرجعون قسم منهم إلى السنة ، فيردُّون الأحاديث الصحيحة ، وقسم منهم يتأوَّلون الأحاديث بغير ما فَهِمَه السلف الصالح ، لا نذهب بعيدًا ؛ لنضرب لكم بعض الأمثلة من عقائد هذه الفرق القديمة الضالة ، ولكنَّنا نضرب لكم مثلًا بانحراف بعض المسلمين اليوم انحرافًا خطيرًا جدًّا هو الكفر بعينه ، والرِّدَّة بعينها ؛ ألا وهم طائفة يُعرفون بالقاديانيين ، وهم يسمُّون أنفسهم بالأحمديين ، وهؤلاء من عَرَفَ تاريخَهم ونشاطَهم في الدعوة إلى إسلامهم يعجَب كيف يُفرغون أنفسهم بهذا النشاط للدعوة إلى دينهم ، وهم يزعمون أن دينهم الإسلام ، ولا شك ولا ريب أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، ويصلون ، ويصومون ، ويحجُّون ، ويزكُّون ، أي : يأتون بالأركان الإسلامية الخمسة ، ولكن مع ذلك هم ليسوا مسلمين ؛ لماذا ؟ لأنهم جاؤوا إلى بعض الآيات القرآنية وفسَّروها بأهوائهم ، ولم يفسِّروها على طريقة المسلمين ، فاتَّبعوا غير طريق المسلمين ، فصَدَقَ عليهم قول ربِّ العالمين : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) .
هؤلاء يعتقدون بأن الله - عز وجل - لم يختم النبوة بمحمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، بل سيأتي من بعده أنبياء ، وفعلًا زعموا هم بأن الله قد أرسل إليهم نبيًّا من الهند من قرية اسمها " قاديان " ، واسم ذلك النبي المزعوم " ميرزا غلام أحمد القادياني " ، وهم يعتقدون بأن هذا نبيٌّ بعد نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فهل كفروا بالقرآن ؟ هل كفروا بأحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهي الآية والأحاديث كلُّها مجمعة على أنه لا نبيَّ بعده ؟ لا ، ما كفروا بلفظ القرآن ، قال - تعالى - : (( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) ، ما كفروا بهذا اللفظ ، ولكن احتالوا عليه وأبطلوا دلالته ، وما كفروا بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا نبيَّ بعدي ) ، بل - أيضًا - فسَّروه بغير ما تلقَّاه المسلمون ، فالآية السابقة قوله - تعالى - : (( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) قالوا : معنى خاتم النبيين أي : زينة الأنبياء ؛ كالخاتم في الإصبع ، ليس معناه أنه لا يأتي بعده نبيٌّ ، فإذا عرضوا للأحاديث الصحيحة ( لا نبيَّ بعدي ) ، قالوا : معنى ( لا نبيَّ بعدي ) لا نبيَّ معي ، ولم يكن معه نبي ، أما بعده : يعني بعد موته فيأتي نبيٌّ ، وقد جاء فعلًا ، إذًا من مثل هذا المثال الحديث يظهر لكم أنَّه لا يكفي المسلم أن يفهم القرآن وحديث الرسول - عليه السلام - منفصلًا عن فهم سلفنا الصالح للقرآن وللسنة ، من هنا تظهر الحكمة البالغة في ذكر الآية سبيل المؤمنين وذكر الرسول الصحابة والخلفاء الراشدين ؛ حتى لا ينحرفَ المسلم في فهم بعض النصوص من الكتاب والسنة فيضل ضلالًا بعيدًا ، والعصمة في ذلك هو اتباع السلف ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث الفرق : ( ما أنا عليه وأصحابي ) ، لم يقل : ما أنا عليه فقط ؛ لأن الصحابة هم الذين نقلوا إلينا ما كان عليه الرسول - عليه السلام - ، وبيَّنوه بيانًا لم يَدَعُوا لأحدٍ بعد ذلك أن يأتي ويتفلسف ويفسِّر بعض النصوص حسب أهوائهم .
هؤلاء القاديانيون من انحرافهم عن الإسلام أنهم أنكروا خلقًا أنزل الله - عز وجل - سورةً باسم الجن ، فأنكروا وجود هذا الخلق مع تصريح القرآن بذلك في غير ما آية ، ويكفي الآن السروة المذكورة آنفًا ، هل أنكروا السورة ؟ هل أنكروا قوله - تعالى - : (( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ )) إيش الآية ؟ ... أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا )) " قولًا عجبًا " ... (( قُرْآنًا عَجَبًا )) ؟ هل أنكروا لفظة الجن المذكورة في هذه السورة وفي آيات أخرى ؟ الجواب : لا ، لكنهم فسَّروا الجن بالبشر ، (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ * )) ، أنكروا جنَّة ، وقالوا : الجنِّة هنا هم البشر ، والناس هو بيان لكلمة الجنِّ وهم البشر ، هذا هو التعطيل الذي كان علماؤنا من السلف يتوجَّهون بالإنكار على الفرق القديمة الذين كانوا يتأوَّلون الآيات كتأوُّل هذه الفرقة الحديثة ، وبذلك سمُّوا بالمعطِّلة ؛ لأنهم يعطلون النصوص الشرعية ، وإذًا العصمة من أن يكون المسلم وبخاصة في آخر الزمان فرقة من اثنين وسبعين فرقة ، والحجَّة في أن يكون من الفرقة الناجية هو ما سبق بيانه ؛ على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ؛ في ذلك يقول ابن القيم الجوزية - رحمه الله - :
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة "
ما قال فقط : " العلم قال الله قال رسوله " ، بل قال في الثالثة : قال الصحابة ، من أين أخذ ؟ من الأدلة السابقة .
" العلمُ قال الله قال رسولهُ *** قال الصحابةُ ليسَ بالتمويهِ
ما العلمُ نصبَك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين رأي فقيهِ
كلا ولا جحد الصِّفات ونفيها *** حذرًا من التَّعطيل والتَّشبيهِ "
فإذا تذكَّرتم هذه النصوص من الكتاب والسنة كنتم حريصين معنا كلَّ الحرص على أن لا نستقلَّ في فهم الكتاب والسنة ، ولا ننفرد في ذلك فنخالف ما كان عليه السلف الصالح ، لذلك اشتهر عن العلماء أنهم كانوا يقولون :
" وكلُّ خيرٍ في اتِّباعِ مَن سلَفْ *** وكلُّ شرٍّ في ابتداعِ مَن خلَفْ "
نعم .
الشيخ : لقد جاء الحديث جوابًا عن هذا السؤال في كتب الحديث كـ " سنن الترمذي " وغيره عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( تفرَّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرَّقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا سول الله ؟ قال في رواية : ( الجماعة ) ؛ يعني جماعة الرسول - عليه السلام - ؛ أي : الصحابة ، والدليل على هذا الرواية الأخرى : قال : ( هي التي ما أنا عليه وأصحابي ) . فالفرقة الناجية هي التي تتمسَّك بسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنة أصحابه ، وبخاصَّة سنة الخلفاء الراشدين التي أمر بها - عليه الصلاة والسلام - في حديث العرباض بن سارية ؛ حيث قال هذا الصحابي الجليل وهو من أهل الصفة : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه و آله وسلم - موعظةً وجلَتْ منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : أوصنا يا رسول الله . فقال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ؛ وإن وُلِّي عليكم عبدٌ حبشيٌّ ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي ، عضُّوا عليها بالنواجد ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) ، ففي هذا الحديث تخصيص ينة الخفاء الراشدين بالاتباع بعد سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، لماذا ذكر مع سنَّته في الحديث السابق أصحابه ؟ وفي الحديث اللاحق الخلفاء الراشدين من أصحابه ؟
ذلك لأنهم قد تلقَّوا الشرع مُبيَّنًا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله وبفعله ، فنحن ما سمعنا أقواله ولا رأينا أفعاله ، وإنما تعلَّمنا ذلك من طريق أصحابه ، وأصحابه هم الذين طبَّقوا شريعة الله التي فَهِمُوها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تطبيقًا صحيحًا ، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يكتفي الرجوع إلى الكتاب وإلى السنة فقط ، وإنما يضيف إلى ذلك ما أضافه الرسول - عليه السلام - في حديث الفرق وفي حديث الخلفاء الراشدين ، وذلك مما أشار إليه ربُّ العالمين في القرآن الكريم حينما قال - عز وجل - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) قال : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) ، ما قال الله - عز وجل - : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى نولِّه ما تولى " ، وإنما عطف على مشاققة الرسول فقال : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، أَذَكَر هذا ربُّنا عبثًا ؟! حاشا لله - تبارك وتعالى - ، فما في القرآن كلمة إلا لحكمة بالغة ؛ فضلًا عن جملة كهذه الجملة : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، الحكمة في ذلك هو ما ذكرته آنفًا ، ولذلك احتجَّ الإمام الشافعي على أنه لا يجوز مخالفة سبيل المؤمنين ، ولا يكون أو لا تكون هذه المخالفة إلا بركوب بعض الناس رؤوسَهم وتأويلهم لبعض النصوص من الكتاب والسنة دون الاستعانة على فهم تلك النصوص بما كان عليه سلفنا الصالح ، ولذلك فنحن نعلم يقينًا أن سبب تفرُّق المسلمين لثلاث وسبعين فرقة ، واحدة منها هي الفرقة الناجية ؛ ذلك لأنها تمسَّكت بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، أما من تمسَّك بالكتاب والسنة على تفسيره هو ، وأعرض عمَّا كان عليه السلف الصالح ؛ فقد خالف الآية : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، وخالف الحديثين السابقين ذكرًا .
لسنا بحاجة الآن الى أن نذكِّرَكم ببعض الفرق الإسلامية القديمة كالمعتزلة والخوارج والمرجئة وغيرهم ؛ فإن هؤلاء معروفٌ مخالفتهم للكتاب والسنة ، وما ذاك إلا أنهم لا يرجعون قسم منهم إلى السنة ، فيردُّون الأحاديث الصحيحة ، وقسم منهم يتأوَّلون الأحاديث بغير ما فَهِمَه السلف الصالح ، لا نذهب بعيدًا ؛ لنضرب لكم بعض الأمثلة من عقائد هذه الفرق القديمة الضالة ، ولكنَّنا نضرب لكم مثلًا بانحراف بعض المسلمين اليوم انحرافًا خطيرًا جدًّا هو الكفر بعينه ، والرِّدَّة بعينها ؛ ألا وهم طائفة يُعرفون بالقاديانيين ، وهم يسمُّون أنفسهم بالأحمديين ، وهؤلاء من عَرَفَ تاريخَهم ونشاطَهم في الدعوة إلى إسلامهم يعجَب كيف يُفرغون أنفسهم بهذا النشاط للدعوة إلى دينهم ، وهم يزعمون أن دينهم الإسلام ، ولا شك ولا ريب أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، ويصلون ، ويصومون ، ويحجُّون ، ويزكُّون ، أي : يأتون بالأركان الإسلامية الخمسة ، ولكن مع ذلك هم ليسوا مسلمين ؛ لماذا ؟ لأنهم جاؤوا إلى بعض الآيات القرآنية وفسَّروها بأهوائهم ، ولم يفسِّروها على طريقة المسلمين ، فاتَّبعوا غير طريق المسلمين ، فصَدَقَ عليهم قول ربِّ العالمين : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) .
هؤلاء يعتقدون بأن الله - عز وجل - لم يختم النبوة بمحمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، بل سيأتي من بعده أنبياء ، وفعلًا زعموا هم بأن الله قد أرسل إليهم نبيًّا من الهند من قرية اسمها " قاديان " ، واسم ذلك النبي المزعوم " ميرزا غلام أحمد القادياني " ، وهم يعتقدون بأن هذا نبيٌّ بعد نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فهل كفروا بالقرآن ؟ هل كفروا بأحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهي الآية والأحاديث كلُّها مجمعة على أنه لا نبيَّ بعده ؟ لا ، ما كفروا بلفظ القرآن ، قال - تعالى - : (( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) ، ما كفروا بهذا اللفظ ، ولكن احتالوا عليه وأبطلوا دلالته ، وما كفروا بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا نبيَّ بعدي ) ، بل - أيضًا - فسَّروه بغير ما تلقَّاه المسلمون ، فالآية السابقة قوله - تعالى - : (( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) قالوا : معنى خاتم النبيين أي : زينة الأنبياء ؛ كالخاتم في الإصبع ، ليس معناه أنه لا يأتي بعده نبيٌّ ، فإذا عرضوا للأحاديث الصحيحة ( لا نبيَّ بعدي ) ، قالوا : معنى ( لا نبيَّ بعدي ) لا نبيَّ معي ، ولم يكن معه نبي ، أما بعده : يعني بعد موته فيأتي نبيٌّ ، وقد جاء فعلًا ، إذًا من مثل هذا المثال الحديث يظهر لكم أنَّه لا يكفي المسلم أن يفهم القرآن وحديث الرسول - عليه السلام - منفصلًا عن فهم سلفنا الصالح للقرآن وللسنة ، من هنا تظهر الحكمة البالغة في ذكر الآية سبيل المؤمنين وذكر الرسول الصحابة والخلفاء الراشدين ؛ حتى لا ينحرفَ المسلم في فهم بعض النصوص من الكتاب والسنة فيضل ضلالًا بعيدًا ، والعصمة في ذلك هو اتباع السلف ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث الفرق : ( ما أنا عليه وأصحابي ) ، لم يقل : ما أنا عليه فقط ؛ لأن الصحابة هم الذين نقلوا إلينا ما كان عليه الرسول - عليه السلام - ، وبيَّنوه بيانًا لم يَدَعُوا لأحدٍ بعد ذلك أن يأتي ويتفلسف ويفسِّر بعض النصوص حسب أهوائهم .
هؤلاء القاديانيون من انحرافهم عن الإسلام أنهم أنكروا خلقًا أنزل الله - عز وجل - سورةً باسم الجن ، فأنكروا وجود هذا الخلق مع تصريح القرآن بذلك في غير ما آية ، ويكفي الآن السروة المذكورة آنفًا ، هل أنكروا السورة ؟ هل أنكروا قوله - تعالى - : (( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ )) إيش الآية ؟ ... أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا )) " قولًا عجبًا " ... (( قُرْآنًا عَجَبًا )) ؟ هل أنكروا لفظة الجن المذكورة في هذه السورة وفي آيات أخرى ؟ الجواب : لا ، لكنهم فسَّروا الجن بالبشر ، (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ * )) ، أنكروا جنَّة ، وقالوا : الجنِّة هنا هم البشر ، والناس هو بيان لكلمة الجنِّ وهم البشر ، هذا هو التعطيل الذي كان علماؤنا من السلف يتوجَّهون بالإنكار على الفرق القديمة الذين كانوا يتأوَّلون الآيات كتأوُّل هذه الفرقة الحديثة ، وبذلك سمُّوا بالمعطِّلة ؛ لأنهم يعطلون النصوص الشرعية ، وإذًا العصمة من أن يكون المسلم وبخاصة في آخر الزمان فرقة من اثنين وسبعين فرقة ، والحجَّة في أن يكون من الفرقة الناجية هو ما سبق بيانه ؛ على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ؛ في ذلك يقول ابن القيم الجوزية - رحمه الله - :
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة "
ما قال فقط : " العلم قال الله قال رسوله " ، بل قال في الثالثة : قال الصحابة ، من أين أخذ ؟ من الأدلة السابقة .
" العلمُ قال الله قال رسولهُ *** قال الصحابةُ ليسَ بالتمويهِ
ما العلمُ نصبَك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين رأي فقيهِ
كلا ولا جحد الصِّفات ونفيها *** حذرًا من التَّعطيل والتَّشبيهِ "
فإذا تذكَّرتم هذه النصوص من الكتاب والسنة كنتم حريصين معنا كلَّ الحرص على أن لا نستقلَّ في فهم الكتاب والسنة ، ولا ننفرد في ذلك فنخالف ما كان عليه السلف الصالح ، لذلك اشتهر عن العلماء أنهم كانوا يقولون :
" وكلُّ خيرٍ في اتِّباعِ مَن سلَفْ *** وكلُّ شرٍّ في ابتداعِ مَن خلَفْ "
نعم .
- رحلة النور - شريط : 57
- توقيت الفهرسة : 00:01:25
- نسخة مدققة إملائيًّا