في إحسان الوضوء والصلاة .
A-
A=
A+
السائل : ذكرت هذا ... الصلاة .
الشيخ : طبعًا ؛ ألا يصدق عليه أنه لم يُحسن الوضوء ؟
السائل : لكن الإحسان ألا يتفاوت يا شيخ ؟ يعني ألا يمكن أن يكون وضوءًا صحيحًا غير معسر ؟
الشيخ : ما أجبتني - بارك الله فيك - ؛ لأني أنا سأجيبك الإحسان يختلف ، لكن أنا سألتك سؤالًا ؛ ألا يُطلق عليه أنه لم يُحسن الوضوء ؟
السائل : بلى .
الشيخ : طيب ؛ فسؤالك - بلا مؤاخذة - غير وارد ؛ لأني لا أخالفك فيه ، فلماذا لما أسألك : ألا يُطلق عليه أنه لم يُحسن الوضوء ؟ الجواب : نعم ، أما أن تسألني : أليس هناك فرق ؟ الجواب : نعم ، لكن ليس له علاقة بموضوعنا ، وأنت تعرف بهذه المناسبة قولَ الرسول - عليه السلام - لما رأى في رجل ذاك الرجل يوم الجمعة ، قال له : ( ارجع ؛ فأحسِنْ وضوءك ، وأعِدْ صلاتك ) ، صح ولَّا لأ ؟ فإذًا لماذا نبعد هذا الترك للإحسان للوضوء عن أذهاننا ، ونأخذ الاحتمال الثاني الذي الداخل هو فيه كما أنت سألت ؟ ولا خلاف في ذلك ، لكن أوَّل ما يتبادر من اللفظ المطلق هل هو المعنى المطلق أم المعنى الخاص ؟ هذه المشكلة التي ينبغي على الذين يدرسون المتون ، ويريدون أن يحكموا عليها بالشذوذ أو بالنكارة ، أو أنه يتقوى بغيره أو لا يتقوى ، الذي ينبغي أن يدرس الحديث يجب أن يجمع بين العلم في مصطلح الحديث ورجال الحديث - أي : جرحًا وتعديلًا - ، وبين اللغة العربية ودقائق تعابيرها ، وملاحظة التفاوت بين بعضها البعض إلى آخره ، فأنت قلت آنفًا ما صرَّحت به أن اللفظ الأول ليس فيه حجة ، بينما اللفظ الثاني فيه حجة ، أنا لا أرى فرقًا بين اللفظ الأول واللفظ الآخر إلا من جانب واحد ؛ وهو أن اللفظ الآخر صريح الدلالة ، أما تارك الصلاة أمره إلى الله ؛ إن شاء غفر له وإن شاء عذره ، أما اللفظ الأول فهذا هو الحكم الذي أشرت إليه آنفًا مستدلًّا بجواب علي لأبي جُحيفة السوائي ، إلا فقه أو فهم يُؤتيه الله عبدًا في كتابه .
فالآن الذي لم يحسن الوضوء ، اللفظ - بارك الله فيك - مُطلق ، فيدخل فيه الذي لم يُحسن الوضوء إحسانًا مطلقًا كهذا الذي قال له : ( ارجع ؛ فأحسن وضوئك وأعِدْ صلاتك ) ؛ فهذا الذي يصلي هو الذي يُقال فيه صلَّى وما صلَّى ، وهنا يأتي حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : " إن مات هذا وهو يصلي هذه الصلاة مات على ملَّة غير ملة محمد - صلى الله عليه وسلم - " ؛ لأنه صلى وما صلى ، كما جاء في حديث المسيء صلاته الذي تعرفونه ؛ حيث صلى ، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : ( ارجع ، فصلِّ ؛ فإنك لم تصلِّ ) ثلاث مرات كما هو معلوم ، أخيرًا : الرجل تبيَّن له أنه فعلًا لا يُحسن الصلاة ، وقال : والله يا رسول الله ، لا أعلم غيرها ؛ فعلِّمني . فقال له : ( إذا توضَّأت كما أمرك الله فاستقبل القبلة ، ثم كبِّر ، ثم اقرأ ما تيسَّر من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا ) إلى آخره ، هذه واحدة هنا . فإحسان الوضوء هو الذي يستوجب صحة الصلاة ، والإساءة في ترك الإحسان في الوضوء قد يوجب أحيانًا أن تكون صلاته باطلة ، وقد لا توجب إذا كان مثلًا ؛ الآن أنا أقول : هات لي أنت صورة يمكن أن تقول فيها كما قال الرسول - عليه السلام - في الشطر الأول : ( ارجع ؛ فأحسِنْ وضوءك ، وأعِدْ صلاتك ) ، هات صورة أنت لمتوضِّئ تقول له : ارجع فأحسن وضوءَك ، ولا تقول له : وأعِدْ صلاتك ، شو بدك تتصور أنه ترك مستحلًّا ؟ ترك سنة مؤكدة مثلًا ؟ وهذا إيه ؟ هل بإمكانك أن تتصور هذه الصورة ؟
السائل : طبعًا لا آمره أن يعيد وضوءه ، لكن ممكن أن أقول أن هذا الرجل أو أقول له : ما أحسنت الوضوء مثلًا ، لكن ما أقول له : أعِدْ وضوءَك إذا كان أتمم ما اشترط عليه في الوضوء .
الشيخ : ما أجبتني - بارك الله فيك - ، سؤالي محدد جدًّا وقوفًا عند لفظ الرسول ؛ لأنُّو هو القدوة لنا ، إذا رأيت رجلًا أساء وضوءَه ؛ هل تقول له : ارجع فأحسِنْ وضوءك ولا تأمره بإعادة الصلاة ؟
السائل : لأ ، لازم ينعاد الصلاة .
الشيخ : إذًا .
السائل : هذا أمرته أن يرجع يحسن وضوءَه ، فلا بد يستلزم إعادة الصلاة .
الشيخ : جميل جدًّا ، لكن السؤال له تابع ، وهو إذا رأيته أخلَّ بشيء من سنن الوضوء ؛ فهل تقول : ارجع وأحسِنْ وضوءك ، وبالتالي لا تقول له : وأعِدْ صلاتك أم تقول بعبارة أخرى ؟!
الشاهد من هذا كله ، ولا أريد أنا أن أضيِّق أمرًا وسَّعَ الله فيه ، إنما هي ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين ، يجب أن نُراعي ألفاظ الرسول - عليه السلام - وأن نضعها مواضعها ، فقوله هناك : ارجع فأحسِنْ وضوءك هذا الحديث يُفسَّر بذاك ، فالإحسان هو معناه إتمام الوضوء ، إذا لم يتمَّه فكأنه لم يتوضَّأ ، وبالتالي لو صلَّى فكأنه لم يصلِّ ؛ فلذلك قال له : ( ارجع ؛ فأحسِنْ وضوءَك ، وأعِدْ صلاتك ) ، هذه أول ملاحظة في هذه الرواية الأولى التي إذا دقَّقنا في التفقُّه فيها فسوف لا تجد اقتباسًا بينها وبين الرواية الأخرى إلا ما أشرت إليه آنفًا من حيث صراحة الرواية الثانية دون أحسن من الرواية الأولى ، ثم : " ولم يتمَّ خشوعه " - يقول - ، أو قبل ذلك : " ركوعه " .
السائل : وأتم ركوعهنَّ وخشوعهنَّ .
الشيخ : لأ ، بالنسبة للذي لم يتمَّ ، بالنسبة للشطر الثاني من الحديث .
السائل : ومن لم يتمَّ الحديث الأول أم الآخر ؟
الشيخ : الأول ، نحن لا نزال في الأول .
السائل : الأول : " من أحسن وضوءهنَّ وصلَّاهنَّ بوقتهنَّ ، وأتم ركوعهنَّ وخشوعهنَّ ؛ كان له على الله عهد أن يغفر له " .
الشيخ : مفهوم هذا .
السائل : ومن لم يفعل .
الشيخ : ومن لم يفعل ماذا ؟
السائل : قلنا هذه الأربعة .
الشيخ : هذا هو ، فأنا أخذت أول واحدة ؛ وهي .
السائل : ... .
الشيخ : لم يحسن وضوءه ، ومن لم يفعل ذلك إيش معناه ؟ لم يحسن وضوءه ؛ صح ؟
السائل : نعم .
الشيخ : ولم يتمَّ ركوعه ولا خشوعه .
السائل : ولم يصلِّ ... .
الشيخ : كويس ؛ فالآن نأخذ العبارة الثانية ، وهي : لم يتمَّ الركوع .
السائل : هذا ... الحديث هو : من أحسن وضوءهنَّ هذه أولًا ، ثانيًا : وصلَّاهنَّ بوقتهنَّ .
الشيخ : كويس ، وصلاهنَّ بوقتهنَّ ، نأتي إلى الثانية هذه وصلَّاهنَّ بوقتهنَّ ، الرجل الثاني لم يصلِّها في وقتها ؛ هل هي صلاة مقبولة ؟
السائل : لأ .
الشيخ : فإذًا ما فائدة هذه الصلاة ؟ هل هناك فرق عندك بين من يصلِّي الصلاة قبل وقتها أو يصليها بعد وقتها ؟ هذه صورة بالنسبة لمن يصلي ؛ يصلي الصلاة قبل وقتها أو يصليها بعد وقتها ، هذا شخص ، وشخص آخر لا يصليها لا في وقتها ولا قبل وقتها ولا بعد وقتها ، هل هناك يعني خلاف بين الرجلين بأن هذا الذي صلَّى قبل الوقت لا صلاة له ، والذي صلى بعد الوقت لا صلاة له ، وإنما الذي له صلاة الذي حافظ على قوله - تعالى - : (( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا )) ؟
نحن الآن في رجل لا يصلي الصلاة في وقتها ؛ فهذا لا صلاة له ؛ فإيش الفرق بين هذا المعنى في اللفظ في الرواية الأولى التي لم تجدها إلا من طريق ذلك المجهول ، وفي الرواية الأخرى ؟ لا فرق إلا في اللفظ ، هناك في وضوح وهنا في خطأ ، وهذا الخطأ عندما يشرح يصبح جليًّا ويلتقي مع الرواية الثانية ، ثم يأتي الصفة الثالثة : ولم يتم الخشوع بالنسبة للرجل الثاني .
السائل : الركوع والخشوع .
الشيخ : الركوع والخشوع ، فالآن انتهينا من ملاحظة إحسان الوضوء ، ومن ملاحظة عدم الصلاة في وقتها حيث لم يصلِّها في وقتها ، الأول أحسن الوضوء وصلى في الوقت ، الثاني لم يُحسن الوضوء ولم يصلها في وقتها ، نأتي الصفة الأخرى أنه لم يتمَّ الركوع ؛ فهل لهذا الذي لم يتمَّ الركوع صلاة صحيحة ؟
السائل : ... .
الشيخ : فإذًا - بارك الله فيك - ما يحتاج الأمر إلى أن يُتكلم بقى في الخشوع ؛ لأن الخشوع فيه خلاف بين العلماء ؛ هل هو ركن من أركان الصلاة أم هو واجب من واجبات الصلاة ؟ أم هو من مستحبات الصلاة ؟ فليس عندنا دليل أن الخشوع ... " الجميع يضحك " = ليس عندنا دليل أن الخشوع في الصلاة هو ركن من أركان الصلاة ، هذا قولًا واحدًا ، بل عندنا دليل أن هذا الخشوع من لطف الله - عز وجل - بعباده أنه ما جعله فرضًا عليهم ؛ فرض شرط ، وليس فرضًا دون شرط رحمةً بهم ، وأعني بذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الرجل ليصلي الصلاة ، وما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها نصفها ) ، فالخشوع الذي هو الصفة الرابعة الكاملة بالنسبة للذي يحافظ على الصلاة ، فهذا الخشوع إما أن نقول - كما أعتقد - أنه ليس بركن ؛ فحينئذٍ إذا صلى صلاته بعد أن أحسن الوضوء ، وصلَّاها في وقت وأتمَّ الركوع ؛ فصلاته صحيحة وإن لم يخشع ؛ لأنه لا دليل لدينا على شرطية أو ركنية الخشوع في الصلاة .
وإن قيل بأنه ركن - وما أظن أحد منكم يقول بهذا - ؛ فحينئذٍ تأتي صفة رابعة أن هذا الرجل الثاني الذي أمَرُه إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه ، أما هذا لم يصلِّ ؛ لأنه لم يخشع في صلاته ، أنا لا أدندن حول هذه ؛ لأني لا أعتقد أن الخشوع ركن من أركان الصلاة ، فكل من لم يخشع فصلاته باطلة ، لكن لا شكَّ في الخصال الثلاث الأولى أنَّها من أركان الصلاة ، فإذًا يُقال في هذا الذي لم يُحسن الوضوء ولم يصلِّها في الوقت ، ولم يتمَّ الركوع ؛ فلا صلاة له ؛ هذا يلتقي مع اللفظ الثاني .
وبعد ذلك أقول شيئًا : هذا الرجل المجهول هو رجل تابعي ، وجهالة التابعي ليست بمنزلة جهالة مَن دونه ، فكثير من علماء الحديث - ولعل مالكًا منهم - كانوا يحملون حديث الرجل التابعي المجهول على ما سبق أن تحدَّثنا مع الأخ الكريم هنا ؛ أنه يحسِّن الظن به ؛ لسببين اثنين :
السبب الأول : أنه لم يكن اشتهر الكذب بين التابعين ، بل ليس فيهم من الضعف ما ظهر فيمن بعدهم من حيث سوء الحفظ ، ولعل لهذا تعليلًا ماديًَّا بسبب هناء النفس التي كانوا يعيشونها ، والطمأنينة التي كانوا يحيونها .
فالشاهد : أن هذه الجهالة هنا قد تغتفر بالنسبة لبعض رجوعهم نظر بعض المحدِّثين ومنهم ابن كثير ومنهم ابن رجب ، فإنهم يسلِّكون أحاديث المجهولين من التابعين مسلك الاحتجاج بحديثه ، فلو فرضنا - وهذه فرضيَّة لا بد من ملاحظتها - أن هذا اللفظ الثاني لا يوجد له شاهد بوضوحه وصراحته ؛ فإذا ضمَمْنا إليه الملاحظة الأولى - وهي قوية كما ترونها - ، والملاحظة الثانية التي عزوتها لابن كثير وابن رجب ؛ فحينئذٍ يخرج الإنسان بنتيجة هي تكاد تكون قطعيَّة ؛ أن تارك الصلاة أو المؤدِّي لها مخلًّا ببعض أركانها وشروطها فلا صلاة له .
الشيخ : طبعًا ؛ ألا يصدق عليه أنه لم يُحسن الوضوء ؟
السائل : لكن الإحسان ألا يتفاوت يا شيخ ؟ يعني ألا يمكن أن يكون وضوءًا صحيحًا غير معسر ؟
الشيخ : ما أجبتني - بارك الله فيك - ؛ لأني أنا سأجيبك الإحسان يختلف ، لكن أنا سألتك سؤالًا ؛ ألا يُطلق عليه أنه لم يُحسن الوضوء ؟
السائل : بلى .
الشيخ : طيب ؛ فسؤالك - بلا مؤاخذة - غير وارد ؛ لأني لا أخالفك فيه ، فلماذا لما أسألك : ألا يُطلق عليه أنه لم يُحسن الوضوء ؟ الجواب : نعم ، أما أن تسألني : أليس هناك فرق ؟ الجواب : نعم ، لكن ليس له علاقة بموضوعنا ، وأنت تعرف بهذه المناسبة قولَ الرسول - عليه السلام - لما رأى في رجل ذاك الرجل يوم الجمعة ، قال له : ( ارجع ؛ فأحسِنْ وضوءك ، وأعِدْ صلاتك ) ، صح ولَّا لأ ؟ فإذًا لماذا نبعد هذا الترك للإحسان للوضوء عن أذهاننا ، ونأخذ الاحتمال الثاني الذي الداخل هو فيه كما أنت سألت ؟ ولا خلاف في ذلك ، لكن أوَّل ما يتبادر من اللفظ المطلق هل هو المعنى المطلق أم المعنى الخاص ؟ هذه المشكلة التي ينبغي على الذين يدرسون المتون ، ويريدون أن يحكموا عليها بالشذوذ أو بالنكارة ، أو أنه يتقوى بغيره أو لا يتقوى ، الذي ينبغي أن يدرس الحديث يجب أن يجمع بين العلم في مصطلح الحديث ورجال الحديث - أي : جرحًا وتعديلًا - ، وبين اللغة العربية ودقائق تعابيرها ، وملاحظة التفاوت بين بعضها البعض إلى آخره ، فأنت قلت آنفًا ما صرَّحت به أن اللفظ الأول ليس فيه حجة ، بينما اللفظ الثاني فيه حجة ، أنا لا أرى فرقًا بين اللفظ الأول واللفظ الآخر إلا من جانب واحد ؛ وهو أن اللفظ الآخر صريح الدلالة ، أما تارك الصلاة أمره إلى الله ؛ إن شاء غفر له وإن شاء عذره ، أما اللفظ الأول فهذا هو الحكم الذي أشرت إليه آنفًا مستدلًّا بجواب علي لأبي جُحيفة السوائي ، إلا فقه أو فهم يُؤتيه الله عبدًا في كتابه .
فالآن الذي لم يحسن الوضوء ، اللفظ - بارك الله فيك - مُطلق ، فيدخل فيه الذي لم يُحسن الوضوء إحسانًا مطلقًا كهذا الذي قال له : ( ارجع ؛ فأحسن وضوئك وأعِدْ صلاتك ) ؛ فهذا الذي يصلي هو الذي يُقال فيه صلَّى وما صلَّى ، وهنا يأتي حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : " إن مات هذا وهو يصلي هذه الصلاة مات على ملَّة غير ملة محمد - صلى الله عليه وسلم - " ؛ لأنه صلى وما صلى ، كما جاء في حديث المسيء صلاته الذي تعرفونه ؛ حيث صلى ، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : ( ارجع ، فصلِّ ؛ فإنك لم تصلِّ ) ثلاث مرات كما هو معلوم ، أخيرًا : الرجل تبيَّن له أنه فعلًا لا يُحسن الصلاة ، وقال : والله يا رسول الله ، لا أعلم غيرها ؛ فعلِّمني . فقال له : ( إذا توضَّأت كما أمرك الله فاستقبل القبلة ، ثم كبِّر ، ثم اقرأ ما تيسَّر من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا ) إلى آخره ، هذه واحدة هنا . فإحسان الوضوء هو الذي يستوجب صحة الصلاة ، والإساءة في ترك الإحسان في الوضوء قد يوجب أحيانًا أن تكون صلاته باطلة ، وقد لا توجب إذا كان مثلًا ؛ الآن أنا أقول : هات لي أنت صورة يمكن أن تقول فيها كما قال الرسول - عليه السلام - في الشطر الأول : ( ارجع ؛ فأحسِنْ وضوءك ، وأعِدْ صلاتك ) ، هات صورة أنت لمتوضِّئ تقول له : ارجع فأحسن وضوءَك ، ولا تقول له : وأعِدْ صلاتك ، شو بدك تتصور أنه ترك مستحلًّا ؟ ترك سنة مؤكدة مثلًا ؟ وهذا إيه ؟ هل بإمكانك أن تتصور هذه الصورة ؟
السائل : طبعًا لا آمره أن يعيد وضوءه ، لكن ممكن أن أقول أن هذا الرجل أو أقول له : ما أحسنت الوضوء مثلًا ، لكن ما أقول له : أعِدْ وضوءَك إذا كان أتمم ما اشترط عليه في الوضوء .
الشيخ : ما أجبتني - بارك الله فيك - ، سؤالي محدد جدًّا وقوفًا عند لفظ الرسول ؛ لأنُّو هو القدوة لنا ، إذا رأيت رجلًا أساء وضوءَه ؛ هل تقول له : ارجع فأحسِنْ وضوءك ولا تأمره بإعادة الصلاة ؟
السائل : لأ ، لازم ينعاد الصلاة .
الشيخ : إذًا .
السائل : هذا أمرته أن يرجع يحسن وضوءَه ، فلا بد يستلزم إعادة الصلاة .
الشيخ : جميل جدًّا ، لكن السؤال له تابع ، وهو إذا رأيته أخلَّ بشيء من سنن الوضوء ؛ فهل تقول : ارجع وأحسِنْ وضوءك ، وبالتالي لا تقول له : وأعِدْ صلاتك أم تقول بعبارة أخرى ؟!
الشاهد من هذا كله ، ولا أريد أنا أن أضيِّق أمرًا وسَّعَ الله فيه ، إنما هي ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين ، يجب أن نُراعي ألفاظ الرسول - عليه السلام - وأن نضعها مواضعها ، فقوله هناك : ارجع فأحسِنْ وضوءك هذا الحديث يُفسَّر بذاك ، فالإحسان هو معناه إتمام الوضوء ، إذا لم يتمَّه فكأنه لم يتوضَّأ ، وبالتالي لو صلَّى فكأنه لم يصلِّ ؛ فلذلك قال له : ( ارجع ؛ فأحسِنْ وضوءَك ، وأعِدْ صلاتك ) ، هذه أول ملاحظة في هذه الرواية الأولى التي إذا دقَّقنا في التفقُّه فيها فسوف لا تجد اقتباسًا بينها وبين الرواية الأخرى إلا ما أشرت إليه آنفًا من حيث صراحة الرواية الثانية دون أحسن من الرواية الأولى ، ثم : " ولم يتمَّ خشوعه " - يقول - ، أو قبل ذلك : " ركوعه " .
السائل : وأتم ركوعهنَّ وخشوعهنَّ .
الشيخ : لأ ، بالنسبة للذي لم يتمَّ ، بالنسبة للشطر الثاني من الحديث .
السائل : ومن لم يتمَّ الحديث الأول أم الآخر ؟
الشيخ : الأول ، نحن لا نزال في الأول .
السائل : الأول : " من أحسن وضوءهنَّ وصلَّاهنَّ بوقتهنَّ ، وأتم ركوعهنَّ وخشوعهنَّ ؛ كان له على الله عهد أن يغفر له " .
الشيخ : مفهوم هذا .
السائل : ومن لم يفعل .
الشيخ : ومن لم يفعل ماذا ؟
السائل : قلنا هذه الأربعة .
الشيخ : هذا هو ، فأنا أخذت أول واحدة ؛ وهي .
السائل : ... .
الشيخ : لم يحسن وضوءه ، ومن لم يفعل ذلك إيش معناه ؟ لم يحسن وضوءه ؛ صح ؟
السائل : نعم .
الشيخ : ولم يتمَّ ركوعه ولا خشوعه .
السائل : ولم يصلِّ ... .
الشيخ : كويس ؛ فالآن نأخذ العبارة الثانية ، وهي : لم يتمَّ الركوع .
السائل : هذا ... الحديث هو : من أحسن وضوءهنَّ هذه أولًا ، ثانيًا : وصلَّاهنَّ بوقتهنَّ .
الشيخ : كويس ، وصلاهنَّ بوقتهنَّ ، نأتي إلى الثانية هذه وصلَّاهنَّ بوقتهنَّ ، الرجل الثاني لم يصلِّها في وقتها ؛ هل هي صلاة مقبولة ؟
السائل : لأ .
الشيخ : فإذًا ما فائدة هذه الصلاة ؟ هل هناك فرق عندك بين من يصلِّي الصلاة قبل وقتها أو يصليها بعد وقتها ؟ هذه صورة بالنسبة لمن يصلي ؛ يصلي الصلاة قبل وقتها أو يصليها بعد وقتها ، هذا شخص ، وشخص آخر لا يصليها لا في وقتها ولا قبل وقتها ولا بعد وقتها ، هل هناك يعني خلاف بين الرجلين بأن هذا الذي صلَّى قبل الوقت لا صلاة له ، والذي صلى بعد الوقت لا صلاة له ، وإنما الذي له صلاة الذي حافظ على قوله - تعالى - : (( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا )) ؟
نحن الآن في رجل لا يصلي الصلاة في وقتها ؛ فهذا لا صلاة له ؛ فإيش الفرق بين هذا المعنى في اللفظ في الرواية الأولى التي لم تجدها إلا من طريق ذلك المجهول ، وفي الرواية الأخرى ؟ لا فرق إلا في اللفظ ، هناك في وضوح وهنا في خطأ ، وهذا الخطأ عندما يشرح يصبح جليًّا ويلتقي مع الرواية الثانية ، ثم يأتي الصفة الثالثة : ولم يتم الخشوع بالنسبة للرجل الثاني .
السائل : الركوع والخشوع .
الشيخ : الركوع والخشوع ، فالآن انتهينا من ملاحظة إحسان الوضوء ، ومن ملاحظة عدم الصلاة في وقتها حيث لم يصلِّها في وقتها ، الأول أحسن الوضوء وصلى في الوقت ، الثاني لم يُحسن الوضوء ولم يصلها في وقتها ، نأتي الصفة الأخرى أنه لم يتمَّ الركوع ؛ فهل لهذا الذي لم يتمَّ الركوع صلاة صحيحة ؟
السائل : ... .
الشيخ : فإذًا - بارك الله فيك - ما يحتاج الأمر إلى أن يُتكلم بقى في الخشوع ؛ لأن الخشوع فيه خلاف بين العلماء ؛ هل هو ركن من أركان الصلاة أم هو واجب من واجبات الصلاة ؟ أم هو من مستحبات الصلاة ؟ فليس عندنا دليل أن الخشوع ... " الجميع يضحك " = ليس عندنا دليل أن الخشوع في الصلاة هو ركن من أركان الصلاة ، هذا قولًا واحدًا ، بل عندنا دليل أن هذا الخشوع من لطف الله - عز وجل - بعباده أنه ما جعله فرضًا عليهم ؛ فرض شرط ، وليس فرضًا دون شرط رحمةً بهم ، وأعني بذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الرجل ليصلي الصلاة ، وما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها نصفها ) ، فالخشوع الذي هو الصفة الرابعة الكاملة بالنسبة للذي يحافظ على الصلاة ، فهذا الخشوع إما أن نقول - كما أعتقد - أنه ليس بركن ؛ فحينئذٍ إذا صلى صلاته بعد أن أحسن الوضوء ، وصلَّاها في وقت وأتمَّ الركوع ؛ فصلاته صحيحة وإن لم يخشع ؛ لأنه لا دليل لدينا على شرطية أو ركنية الخشوع في الصلاة .
وإن قيل بأنه ركن - وما أظن أحد منكم يقول بهذا - ؛ فحينئذٍ تأتي صفة رابعة أن هذا الرجل الثاني الذي أمَرُه إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه ، أما هذا لم يصلِّ ؛ لأنه لم يخشع في صلاته ، أنا لا أدندن حول هذه ؛ لأني لا أعتقد أن الخشوع ركن من أركان الصلاة ، فكل من لم يخشع فصلاته باطلة ، لكن لا شكَّ في الخصال الثلاث الأولى أنَّها من أركان الصلاة ، فإذًا يُقال في هذا الذي لم يُحسن الوضوء ولم يصلِّها في الوقت ، ولم يتمَّ الركوع ؛ فلا صلاة له ؛ هذا يلتقي مع اللفظ الثاني .
وبعد ذلك أقول شيئًا : هذا الرجل المجهول هو رجل تابعي ، وجهالة التابعي ليست بمنزلة جهالة مَن دونه ، فكثير من علماء الحديث - ولعل مالكًا منهم - كانوا يحملون حديث الرجل التابعي المجهول على ما سبق أن تحدَّثنا مع الأخ الكريم هنا ؛ أنه يحسِّن الظن به ؛ لسببين اثنين :
السبب الأول : أنه لم يكن اشتهر الكذب بين التابعين ، بل ليس فيهم من الضعف ما ظهر فيمن بعدهم من حيث سوء الحفظ ، ولعل لهذا تعليلًا ماديًَّا بسبب هناء النفس التي كانوا يعيشونها ، والطمأنينة التي كانوا يحيونها .
فالشاهد : أن هذه الجهالة هنا قد تغتفر بالنسبة لبعض رجوعهم نظر بعض المحدِّثين ومنهم ابن كثير ومنهم ابن رجب ، فإنهم يسلِّكون أحاديث المجهولين من التابعين مسلك الاحتجاج بحديثه ، فلو فرضنا - وهذه فرضيَّة لا بد من ملاحظتها - أن هذا اللفظ الثاني لا يوجد له شاهد بوضوحه وصراحته ؛ فإذا ضمَمْنا إليه الملاحظة الأولى - وهي قوية كما ترونها - ، والملاحظة الثانية التي عزوتها لابن كثير وابن رجب ؛ فحينئذٍ يخرج الإنسان بنتيجة هي تكاد تكون قطعيَّة ؛ أن تارك الصلاة أو المؤدِّي لها مخلًّا ببعض أركانها وشروطها فلا صلاة له .
- رحلة النور - شريط : 52
- توقيت الفهرسة : 00:00:02
- نسخة مدققة إملائيًّا